شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مارك زوكربيرغ... داود الذي صار جالوتاً

مارك زوكربيرغ... داود الذي صار جالوتاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 18 أكتوبر 202302:00 م

في 1996، نشر جون پِري بارلو John Perry Barlow "إعلان استقلال للفضاء السيبراني"، وبدأه بهذه الكلمات التي ترجمها إلى العربية أحمد غربية:

"يا حكومات العالم الصناعي، يا عمالقة بالينَ من لحم و فولاذ، آتي إليكم من الفضاء السِبرانيّ، الموطن الجديد للعقل. باسم المستقبل، أسألكم يا من تنتمون للماضي أن تدعونا لشأننا؛ لستم أهلاً و لا تحلِّون سهلاً؛ و لا سلطان لكم حيث نجتمع.

يتكون الفضاء السِّبراني من تبادلات وعلاقات، ومن الفكر ذاته؛ كلها مصفوفة كموجة ناتئة في شبكة اتصالاتنا. عالمنا موجود في كل مكان و في اللامكان في الآن ذاته، لكنه ليس حيث تعيش الأجساد.

نحن نخلق عالما يمكن للجميع أن يدخلوه بلا ميزة و بلا حكم مسبق على عرقهم أو على قدرتهم الاقتصادية أو العسكرية أو على محل ميلادهم.

نحن نخلق عالما يمكن فيه لأيٍّ كان في أي مكان التعبير عن رأيه أو رأيها، بغض النظر عن قدر تَفَرُّدِ هذا الرأي، بلا خوف من أن يُكره على الصمت أو على التوافق

مفاهيمكم عن الملكية و التعبير و الهوية، و الحراك و السياق لا تنطبق علينا، فكلها مبينة على المادة، و لا مادة هنا".

نعلم الآن من المنتصر "هنا"، في هذا "الفضاء السيبراني"؛ إنهم آلهة وادي السيليكون وكبيرهم مارك زوكربيرغ، الذي فضحته القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي المتصاعد الآن على غزة

بالطبع نعلم الآن من المنتصر "هنا"، في هذا الفضاء السيبراني؛ إنهم آلهة وادي السيليكون وكبيرهم مارك زوكربيرغ، الذي فضحته القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي المتصاعد الآن على غزة.

ليست هذه أولى فضائح زوكربيرغ في حجب المعلومات والتلاعب بها، ولكنها على عكس تلاعبه - مثلاً- باتجاهات الناخبين، وتأثيره في اختيار من يجلس على كرسي حكم "أقوى دولة في العالم"، كما في "فضيحة كامبريدج أناليتيكا" التي لعبت دوراً غير قليل في الإتيان بدونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، أو التصويت على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي. فهذه المرة؛ اللعبة القذرة أكثر وضوحاً. لا يتعلق الأمر بتصويت أو رأي سياسي، بل بمذبحة إبادة جماعية وتطهير عرقي متكامل الأركان، جريمة لا ترتكبها إسرائيل على مرأى من العالم فقط، بل بمشاركة ودعم منه.

هناك فرض تام للسيطرة على الأفكار واللغة، على النقيض من نشأة فيسبوك التي اعتمدت على وساهمت في تحرير الفكر واللغة، بل إنها كانت من محركات الثورات العربية، التي أطاحت حكام ثلاث دول، وكذلك حركة "احتلوا وول ستريت" المستلهمة من ثورات الربيع العربي.

هناك فرض تام للسيطرة على الأفكار واللغة، على النقيض من نشأة فيسبوك التي اعتمدت على وساهمت في تحرير الفكر واللغة، بل إنها كانت من محركات الثورات العربية، التي أطاحت حكام ثلاث دول، وكذلك حركة "احتلوا وول ستريت" المستلهمة من ثورات الربيع العربي

من كان داود، الصغير الثائر، صار هو بعينه جالوت، العملاق المخيف الذي يستحق ضربة المقلاع. لقد صار فيسبوك نصير الأنظمة السلطوية والمحافظة، وشريكاً فاعلاً رئيسي في ارتكاب المجازر، وغسل دماغ العالم بشأن ما يحدث في غزة وإدانة الضحايا بدلاً من المعتدين.

في وادي السيليكون ثمة ذكرى قريبة لذلك الانقلاب، إذ يتحول دواد إلى جالوت: في عام 1984، بث التليفزيوني الأمريكي إعلاناً يقدم الحاسوب الشخصي "ماكنتوش" باكورة إنتاجات شركة أبل Apple، من إخراج ريدلي سكوت. 

الإعلان يستلهم رواية "1984" لجورج أورويل، وتقوم فيه البطلة غير المسماة بالجري صوب الشاشة التي تنقل خطاب "الأخ الأكبر" تختلف في زيها الرياضي الابيض المزين بصورة الكمبيوتر الجديد، عن من يحيطونها من "وحدات بشرية" متماثلة تسير بانتظام عسكري مستلهم من الفيلم الشهير "متروبوليس" لفريتز لانج، السابق كثيراً على صدور الرواية الأشهر لأورويل. 


تحمل البطلة "ماكنتوش" مطرقة لتنقذ بها البشرية من "العرف الاجتماعي" ممثلاً في الأخ الأكبر.

ورغم كونه موضع جدل داخل شركة آبل نفسها في البداية، صار هذا الإعلان عملًا كلاسيكيا، وحصد التقدير النقدي مع مرور الوقت. واليوم يُعتبر الإعلان نقطة فاصلة في مهنة الإعلان، وتحفة ويُعتبر هذا الإعلان واحدًا من أنجح الإعلانات المحفوظة في التلفاز الأمريكي على الإطلاق.

كان المقصود حينها عدوة آبل الأولى IBM، قبل أن تصير مايكروسوفت.

يبدأ الإعلان في موقعٍ دستوبي / كابوسي صناعي بدرجات الأزرق والرمادي، ويعرض أناسًا غير محددي الجنس يمشون بشكلٍ موحد باتجاه نفقٍ طويل تديره مجموعة من الشاشات. ويتعارض مع هذا المشهد لقطات كاملة الألوان للبطلة "ماكنتوش" التي ظهرت لإنقاذهم. تبدو البطلة أقرب إلى رياضية أولمبية منها إلى جندية، وبينما تحمل مطرقة كبيرة، مُرتدية زيًا رياضياً (بنطال برتقالي رياضي قصير، حذاء ركض أبيض، قميص أبيض عليه صورة تكعيبية لكمبيوتر آبل ماكنتوش، ربطة بيضاء على رسغها الأيسر، وربطة حمراء على رسغها الأيمن).


يُطارد البطلة أربعة حراس أمنيين (يُفترض أنهم عملاء شرطة الفكر) يرتدون ثياب شرطة مكافحة الشغب السوداء، وخوذات تغطي وجوههم ويحملو العصي، فتسرع البطلة ناحية الشاشة التي تحمل وجه الأخ الأكبر الذي يحتفل بالذكرى السنوية لـ"تطهير الاتجاهات المعلوماتية"، في حرب يُلخصها بأنها نهاية "الأفكار المتناقضة". 

تهوي البطلة التي اقتربت من الشاشة بمطرقتها عليها في اللحظة التي يُعلن فيها الأخ الأكبر: "نحن سننتصر!". وفي انفجار ضوء ودخان تُدّمَر الشاشة، ويُصاب الناس بصدمة كبيرة. ينتهي الإعلان بنص يقول: "في 24 يناير، ستقدم آبل للكمبيوتر ماكنتوش. وسترون لماذا لن تكون 1984 مثل (1984)" وينتهي الإعلان بشعار أبل.

ما حدث بالضبط هو العكس أن صار ستيف جوبز واحداً من محتكري البرمجيات، صار أخاً أكبر، جالوت الذي يستحق ضربة المقلاع.

تماماً كمارك زوكربيرغ وغيره من "مالكي" الشبكات الإجتماعية الذين يكرسون لاحتكار الخطاب وحظر الرسائل والسيطرة عليها، وحولونا "بالمنطق الماركسي" إلى بروليتاريا كادحة تنتج المحتوى المجاني من أجله، ولم نعد نمتلك حتى حق اختيار ما نبثه أو نتعرض له من محتوى، فيما يستمر كثيرون منّا في استهلاك "وهم حرية الاختيار".



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image