شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قضية قتل عصام عبد الله إلى مفوض حقوق الإنسان...

قضية قتل عصام عبد الله إلى مفوض حقوق الإنسان... "لا لتفلت إسرائيل من المسؤولية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"أذكر أن أول مرة تعرفت فيها على المصور الصحافي في وكالة 'رويترز'، عصام عبد الله، كانت في مطار بيروت عام 2012 تقريباً، حيث كنّا نوثق حادثة توقيف الصحافي الاستقصائي رامي عايشة، من قبل الأمن العام اللبناني، والذي كان يغطي أخبار تهريب السلاح من لبنان إلى سوريا، في محاولة لإيصال صوت رامي وحمايته".

يروي الصحافي محمد شريتح، مدير مكتب دوتشيه فيله في بيروت، عن اللقاء الأول له مع عصام، والذي أسس لصداقة وزمالة دامت أكثر من 10 سنوات في مجال تغطيات الحروب، منها أوكرانيا والأحداث الإقليمية، من دون أن يتوقع يوماً أن يصبح مقتل صديقه عصام خلال تغطية الأحداث الأخيرة في جنوب لبنان، هو الحدث الأبرز في المشهد اللبناني، مطالباً بفتح تحقيق لكشف القاتل.

من ناقل للحدث، تحول عصام يوم الجمعة 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى الحدث الرئيس في لبنان، بعدما كان يوثق من خلف عدسته الاشتباكات التي وقعت بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي في علما الشعب جنوب لبنان، قبل أن تقوم إسرائيل باستهداف تجمع للصحافيين كانوا يرتدون بشكل واضح السترات الصحافية والخوذ، متمركزين في نقطة بعيدة عن الاشتباكات، ما أدى إلى مقتل عصام عبد الله، وإصابة كلّ من كريستينا عاصي، كارمن جوخدار، ميلان كولنز، ثائر السوداني وماهر نازح، وإيلي برخيا، ولا تزال عاصي في العناية المركزة إلى اليوم.

تهرّب وبيان فضفاض

موجة غضب عارمة سيطرت على الوسط الصحافي في لبنان نتيجة مقتل عصام، وازدادت بعد بيان وكالة رويترز الذي نعت فيه عصام دون إشارة أو توجيه اتهامات مباشرة إلى إسرائيل، التي استهدفت بشكل مباشر تجمع الصحافيين في بلدة علما الشعب، ليتحول المشهد إلى وقفة لوسائل إعلام لبنانية وصحافيين زملاء لعصام، أمام المتحف الوطني في بيروت مقابل مكتب رويترز، احتجاجاً على البيان، واستنكاراً لمقتل زميلهم بعد ساعات قليلة من الاعتداء الإسرائيلي.

وقال مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، في إفادة صحافية يوم الجمعة 13 تشرين الأول/ أكتوبر: "من الواضح أننا لن نرغب أبداً في ضرب أو قتل أو إطلاق النار على أي صحافي يقوم بعمله. لكن كما تعلمون، نحن في حالة حرب، وقد تحدث الأشياء"، زاعماً أن "إسرائيل ستنظر في الأمر".

قوات اليونيفيل المعنية بمراقبة ورصد وقف الأعمال العدائية جنوب لبنان، وبرغم تأكيدها على أن "إسرائيل ضربت موقعاً يبعد نحو 2.5 كيلومترات عن بلدة علما الشعب عند الساعة 5:20 مساءً تقريباً (وهو توقيت استهداف الصحافيين)، وسمع جنود حفظ السلام على مسافة بضعة كيلومترات إطلاق نار وانفجارات بعد ذلك"، بحسب البيان الذي أصدرته يوم الجمعة 13 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أنها لم تُشِر بشكل مباشر إلى اتهام إسرائيل باستهداف تجمع الصحافيين.

في ظل قناعة راسخة لدى صحافيين في لبنان بأن لا شيء يمكن أن ينتظروه في حال لم يتحركوا هم لحفظ حق عصام عبدالله والصحافيين الجرحى، يعمل تجمع نقابة الصحافة البديلة على إرسال كتاب للمفوض السامي لحقوق الإنسان عبر خطوات عدة، من أجل "الحصول على تحقيق مستقل يؤكد مسؤولية إسرائيل"

وقال البيان: "لا يمكننا في هذه المرحلة أن نقول على وجه اليقين كيف أصيبت مجموعة من الصحافيين الذين كانوا يغطون الأحداث، وقُتل أحدهم. وإذا استمر الوضع في التصعيد، فمن المرجح أن نرى المزيد من هذه المآسي. إن أي خسارة في أرواح المدنيين هي مأساة ويجب منعها في جميع الأوقات".

فيما أفاد الجيش اللبناني في بيان له في 14 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أن "العدو إسرائيلي أطلق قذيفةً صاروخيةً أصابت سيارةً مدنيةً تابعةً لفريق عمل إعلامي، ما أدّى إلى استشهاد المصوّر عصام عبد الله وإصابة 5 آخرين"، كما "استهدف العدو بواسطة صواريخ أطلقتها مروحية، وقذائف مدفعية من بينها قذائف فوسفورية ومضيئة، خراج بلدات مروحين وعيتا الشعب وكفرشوبا والعديسة وسهل مرجعيون".

تحرك على مستوى دولي

في ظل ذلك كله، وفي ظل موجة التعتيم وتغييب وجهة النظر الأخرى إزاء ما يجري في فلسطين من قبل مؤسسات عالمية عديدة، إعلامية وغير إعلامية، وفي ظل قناعة راسخة لدى صحافيين في لبنان بأن لا شيء يمكن أن ينتظروه في حال لم يتحركوا هم لحفظ حق عصام عبدالله والصحافيين الجرحى في العدالة والدفاع عنهم/ نّ، لا سيما وهم يشاهدون قتل الصحافيين في غزة الذين تجاوز عددهم 11 صحافياً منذ بدء العنوان، يعمل تجمع نقابة الصحافة البديلة في لبنان على إرسال كتاب للمفوض السامي لحقوق الإنسان عبر خطوات عدة، من أجل "الحصول على تحقيق مستقل يؤكد مسؤولية إسرائيل".

يشرح هذه الخطوات خلال حديثه إلى رصيف22، محامي التجمع فاروق المغربي، قائلاً: "نحن نعمل على مخاطبة المقررين الخاصين بالأمم المتحدة الثلاثة، وهم المقرر الخاص بحرية التعبير والرأي، والمقرر الخاص المعني بالقتل الخارجي للقانون أو القتل التعسفي، بالإضافة إلى المقرر الخاص المعني بالعنف ضد المرأة، كونهم هم الثلاثة عملوا على ملف الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي قُتلت في الحادي عشر من أيار/ مايو 2022، وحينها تم إصدار بلاغَين في العامين 2022 و2023، طالبا بتحقيق مستقل في جريمة قتلها".

يتابع: "بالإضافة إلى ذلك، سنعمل على إرسال كتاب للمفوض السامي لحقوق الإنسان لأنه أيضاً في ملف أبو عاقلة أجرت المفوضية السامية تحقيقاً حول الحادثة وأصدرت تقريراً اتهمت فيه إسرائيل بجريمة قتلها، وألقت المسؤولية عليها".

يرى المغربي أن "الذهاب إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان يعود للإجراءات الأكثر سهولةً لدى المفوضية، بينما عندما نتوجه إلى مجلس حقوق الإنسان، سيتم تعيين فريق خبراء، ولجنة لتقصي الحقائق، وهذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الوقت، كما رأينا في قضية تحقيق انفجار مرفأ بيروت، وبات واضحاً أن إسرائيل قتلت صحافيين في أثناء قيامهم بعملهم"، مشيراً إلى أن "التجمع سيطالب الإسكوا أيضاً بفتح تحقيق مستقل حول مقتل المصوّر الصحافي عصام عبد الله".

وحول الأدلة التي سيتم تقديمها، يقول: "سنعتمد على لجان التقصي والمصادر المفتوحة والشهود، إلى جانب مطالبة قوات اليونيفيل بفتح تحقيق حول الحادثة كونها تراقب وقف الاعتداءات، ومن جهة أخرى مطالبة الجيش اللبناني بفتح تحقيق تقني حول نوع القذيفة التي استهدفت المصور عصام وزملاءه".

برغم إصدار المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريرها في 24 حزيران/ يونيو 2022، الذي استند إلى تحقيق مسبق حول قضية قتل الصحافية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة، والذي يفيد بأن القوات الإسرائيلية كانت وراء إطلاق النار المميت، إلا أن بيان البعثة الإسرائيلية في جنيف رفض هذا الاستنتاج، وأصرّ على أنه لم يتسنَّ حتى الآن تحديد هوية المسؤول، في ظل "رفض السلطة الفلسطينية إجراء تحقيق مشترك وتسليم الرصاصة".

"من خلال ما نقوم به اليوم، نريد القول إن إسرائيل ارتكبت جريمة حرب موصوفةً، بحق زملينا وصديقنا عصام عبد الله والصحافيين الذين تواجدوا مكان الاعتداء، من أجل منعهم من نقل صورة الجرائم التي ترتكبها وسترتكبها"

برأي المغربي، "أهمية هذه الخطوة التي يقومون بها، تكمن في كونها حملةً مضادةً وموثقةً، يتم إصدارها بتقرير رسمي من المنظمات والأمم المتحدة، ثم يتم التوجه بها نحو الغرب لكشف ما فعلته إسرائيل بالدلائل والإثباتات، وبمجرد إصدار التقرير من المفوضية السامية لحقوق الإنسان بأنهم صحافيون كانوا يقومون بعملهم وإسرائيل قتلتهم، فهنا الاتهام".

اتفاقية روما أفضل

يأمل الصحافيون في لبنان أن تأخذ قضية عصام عبد الله، عند التقدم بطلب تحقيق للمقررين الأمميين، بعداً دولياً، لكن ترى المحامية والباحثة اللبنانية غيدا فرنجية، أنه "لو انضم لبنان إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، حول كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق لبنان، لأصبح بإمكاننا محاسبة إسرائيل بسهولة أكثر".

وتقول فرنجية في حديثها إلى رصيف22: "الفلسطينيون انضموا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأن كل الجرائم الإسرائيلية التي تُرتكب من قبل إسرائيل في غزة تدخل ضمن صلاحية المحكمة الدولية، وتالياً تصبح إمكانية محاكمة المسؤولين الإسرائيليين أمام محكمة دولية دائمة، وليس أمام محكمة تختفي لاحقاً كما حصل في محكمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ما يؤدي إلى إصدار مذكرات توقيف بحقهم في حال لم يتعاونوا مع المحكمة".

في 17 من تموز/ يوليو 1998، تم اعتماد "نظام روما الأساسي" خلال مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية، والذي عُقد في روما. وكانت منظمة العفو الدولية قد بدأت بمتابعة عملية صياغة النظام الأساسي في عام 1993، عندما كانت اللجنة القانونية الدولية تعكف على مسودة الصياغة وقُدمت المسودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1994، حيث أكدت على أن الجرائم يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تُتّخذ على الصعيد الوطني، وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي.

تتابع فرنجية: "عملياً، انضمام السلطة الفلسطينية إلى اتفاقية روما شكّل نوعاً ما حمايةً للفلسطينيين، لأن الإسرائيليين يعلمون أنهم سيحاكمون كون السلطات الفلسطينية وقّعت على هذه الاتفاقية وأصبحت عضوةً فيها. بينما الجرائم التي تُرتكب في لبنان ليست لدينا الإمكانية لعرضها أمام هذه المحكمة، ولذلك يجب علينا أن نبحث عن طرائق أخرى".

برأيها، "خطوة التقدّم للمقررين الأمميين ضرورية لتوثيق الانتهاك الذي تم ارتكابه، من جرائم وغيرها، أكثر من التي يكون فيها بعد دولي، وهم سريعون في التواصل مع الدول ومخاطبتها والحصول على معلومات وتوضيح بعض النقاط، ونشر المراسلات غالباً، كما أنهم يحضرون الأرضية الصحيحة، ثم كذلك في تقديم الادعاءات لمجلس حقوق الإنسان، كي تطّلع عليها جميع الدول، وبتلك الخطوة ستكون إسرائيل في موقف المساءلة عن مقتل عصام، وهذه واحدة من وسائل الضغط حيال اللجوء إلى المقررين، حيث يتم إرسال تقاريرهم إلى مجلس حقوق الإنسان، حول مدى احترام إسرائيل لهذه الحقوق، وهي عملية تجري على جميع الدول، وكل 4 سنوات تتم مساءلة كل دولة، لكن لا أعلم متى دور إسرائيل".

"أخذ حق عصام"

تقول فرجية إنه "يمكن أن تستند أي محكمة دولية إلى هذه التقارير، أو أي جهات تريد إجراء تحقيقات"، مشيرةً إلى أنه "بين جرائم غزة وجرائم لبنان، يوجد فرق على الصعيد القانوني، لكن لدينا إمكانيات نستطيع من خلالها محاكمة المسؤولين الإسرائيليين وهي ليست معدومةً، حتى ولو لم يتم التجاوب معنا حيال هذا الأمر كما هو متوقع، لكن لدينا واجب اللجوء إلى هذه الوسائل وطرق جميع الأبواب، بغض النظر عما ستكون النتيجة، وهذه الخطوة يجب أن نتخذها كي نقول إننا تقدّمنا بإدانة إسرائيل بجريمة اغتيال المصور الصحافي عصام عبد الله، واستهداف صحافيين في جنوب لبنان ولكن لم يتم العمل عليها أو تحريكها".

"من حقنا نقل الصورة ولن نقبل بأي تفلّت من العقاب وسنلاحق القضية إلى النهاية بكل السبل الممكنة"

من جهتها، تقول منسقة تجمع نقابة الصحافة البديلة، إلسي مفرج: "من خلال ما نقوم به اليوم، نريد القول إن إسرائيل ارتكبت جريمة حرب موصوفةً، بحق زملينا وصديقنا عصام عبد الله، وكادت أن ترتكب مجزرةً بحق الصحافيين المتواجدين في مكان الاعتداء، لأن التقارير الأمنية إلى الآن تقول إن مكان تجمعهم استُهدف بصاروخين، الأول استهدف عصام والثاني استهدف الباقين، وكل هذا من أجل منعهم من نقل صورة الجرائم التي ترتكبها وسترتكبها إسرائيل".

وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "نحن من خلال ما نقوم به، نقول إن من حقنا نقل الصورة ولن نقبل بأي تفلّت من العقاب وسنلاحق القضية إلى النهاية بكل السبل الممكنة، وأيضاً نوجه رسالةً إلى المؤسسات الإعلامية في مكان ما، بأن تعمل على تأمين كل سبل الوقاية للصحافيين وألا تخاطر بحياتهم من أجل صورة. هناك عدة طرائق لنقل الحرب وليس فقط عبر التواجد على الجبهات وعلى خطوط التماس".

وتبقى الحدود اللبنانية جنوباً في حالة توتر منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وهي أوسع عملية تستهدف الاحتلال الإسرائيلي منذ 5 عقود، وتشهد الحدود توترات مستمرةً بين حزب الله وإسرائيل وتبادلاً لإطلاق النار. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard