شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل توقف الدبلوماسية الصينية المجزرة؟... السعودية مثالاً وغزة تحدياً

هل توقف الدبلوماسية الصينية المجزرة؟... السعودية مثالاً وغزة تحدياً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 16 أكتوبر 202310:54 ص

تابعت الصين انتقادها للقوة المفرطة التي تستخدمها إسرائيل في حربها على غزة، واصفة إياها بأنها "تتصرف خارج حدود الدفاع عن النفس"، المبعوث الصيني للشرق الأوسط تشاي جون، سيزور المنطقة خلال هذا الأسبوع، وبحسب ما أعلنت الخارجية الصينية فالهدف من الزيارة هو "التوصل إلى وقف لإطلاق النار ولبدء محادثات سلام"، فهل تنجح الصين فيما عجزت عنه الولايات المتحدة الأمريكية؟ أو فيما لا ترغب به حالياً.

قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من العودة إلى الوراء، لمحاولة فهم الأرضية التي ستنافس فيها الدبلوماسية الصينية الدبلوماسية الأمريكية. والتوقف عند نقاط تفوقها، ونقاط ضعفها.

في كل الحروب السابقة والهجمات التي شنتها إسرائيل على غزة كان هناك نمط ثابت لا يتغير يتكون من ثلاث مراحل كما يرى الخبراء، ويمكن رصد هذه المراحل منذ العام 2008، وحتى اليوم كالتالي:

المرحلة الأولى هي إعلان التضامن مع إسرائيل من قبل المجتمع الدولي، وتأييد سياساتها وحقها في الدفاع عن نفسها.

المرحلة الثانية هي الضغط الشعبي الذي نراه في المظاهرات وفي بيانات المؤسسات الحقوقية، كي تغيّر الحكومات/ الدول من مواقفها.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي المفاوضات، وتدخل الوسطاء لإعلان الهدنة أو وقف إطلاق النار. 

لماذا هذه الحرب ستكون الأسوأ؟ 

هذه المراحل كانت تتدرج في السابق على عدة أسابيع على الأكثر، لكن هذه الحرب مختلفة، فهذه المرة ونتيجة لأن حركة حماس هي التي بادرت بالهجوم، يُتوقع أن تطول المرحلة الأولى المتمثلة بالتأييد الرسمي الغربي أكثر من المرات السابقة، وبالتالي إعطاء فرصة أكبر لإسرائيل لممارسة ما أسمته الدبلوماسية الغربية "حقها في الدفاع عن نفسها"، وبقسوة وعنف أكبر من المرات السابقة. 

كل حروب  إسرائيل على غزة مرّت بثلاث مراحل، هي إعلان التضامن مع إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها من قبل المجتمع الدولي أولاً، والضغوط الشعبية والحقوقية على الحكومات الغربية لتغيير موقفها ثانياً، وأخيراً مفاوضات وقف إطلاق النار 

ما يختلف أيضاً في هذه الحرب هو أن الانتقال إلى المرحلة الثانية المتمثلة بالضغط الشعبي على الحكومات، لن يحدث بسلاسة وسرعة المرات السابقة. هناك قمع واضح في الغرب للآراء المدافعة عن غزة ككيان إنساني وليس عن "المقاومة" فحسب، تتمظهر من خلال العقوبات القانونية التي فرضت على من يهاجمون إسرائيل، ومن خلال قمع أو منع المظاهرات في أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نشرت الواشنطن بوست مقالاً عن مذكرة داخلية للعاملين في وزارة الخارجية الأمريكية، تم تحذيرهم فيها من التحدث عن "وقف التصعيد" في قطاع غزة، أو من الإشارة إلى القانون الدولي.

لذا، ومع اتضاح توجه السياسة الغربية في هذه المرحلة، تظهر زيارة المبعوث الصيني بعد الإعلان عن نية بلاده في التهدئة وبدء مباحثات السلام كهواء جديد، ودبلوماسية مختلفة.  

الضغوطات الغربية ممنوعة في الغرب 

هذا المنع لتداول الآراء المخالفة للتوجه الرسمي في الغرب لم يحدث سابقاً، ناهيك أنه يتنافى مع حرية التعبير التي يقدسها العالم الأول، ما يعني تأجيل المرحلة الثانية المتمثلة في الضغط الشعبي على الدول وعلى المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، وما يعني بالضرورة إعطاء إسرائيل أطول وقت ممكن للوصول إلى هدفها. 

في هذه الحرب ستطول المرحلة الأولى المؤيدة لعنف إسرائيل، لأن الغرب يمنع الآراء الداعمة لغزة في داخل دوله، أي أن فاتورة الدم ستكون أعلى بكثير.

هدف إسرائيل هذه المرة يشكل أيضاً اختلافاً جذرياً عن أهدافها في الحروب السابقة، فقد بات واضحاً أن تصفية القضية والتهجير باتا على رأس الأولويات، وهو ما يفسر زيادة العنف الإسرائيلي هذه المرة عن المرات السابقة، فعدد القتلى في أول أسبوع فقط تجاوز عدد القتلى في كل عملية "العصف المأكول" التي استمرت لخمسين يوماً، الأمر الذي يدفع للتساؤل على ماذا ستكون مفاوضات وقف إطلاق النار في المرحلة القادمة؟

في الغالب ستتحول مطالبات القطاع بغض النظر عمن سيمثله  إلى مطالبات بسيطة وغير سياسية مقارنة بمفاوضات وقف إطلاق النار السابقة، فبدلاً من حرية التنقل ورفع الحصار، والامتيازات الاقتصادية، أو حتى المطار، سنجد البديهيات الحياتية كالكهرباء والماء والدواء على رأس قائمة المطالبات، أي أن الرجوع إلى نقطة الصفر سيكون انتصاراً بالمعنى الدبلوماسي.

الخسائر السياسية والاقتصادية المتتالية، ومن قبلها الخسائر في الأرواح تؤشر إلى أمر واحد، هو أن على استراتيجيات الدبلوماسية العربية أن تتغير، وألا تعود مقتصرة على الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ليس بمقدورنا هذه المرة أن ننتظر السيرورة التي أوصلت كل الحروب السابقة على غزة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار، فهذه المرة لا نملك ترف الوقت والانتظار، وسيكون قد فات الأوان.

إسرائيل تعلم هذا التقسيم الثابت، لهذا فهي مستعجلة لإنهاء كل شيء في أيام، قبل أن ينفجر الضغط الشعبي والحقوقي الغربي، ويجبرها على التفاوض على هدنة أو تهدئة. 

الالتفات شرقاً

تبزغ اليوم فرصة ذهبية للدبلوماسية العربية ليس فقط لإخراج غزة والفلسطينيين من الحفرة المظلمة التي هم فيها، ولكن لصناعة تاريخ دبلوماسي جديد بتوحيد جهودهم في هذه القنوات، وتجربة استراتيجية جديدة تتمثل في الالتفات شرقاً إلى الصين.

لتحقيق هذه الغاية لا بد من تحقق شرطين، الأول تنسيق دبلوماسي سريع مع توحيد اللغة والمطالب، بحيث لا نعود نسمع أخباراً مثل رسالة مصر إلى الصين ورسالة الأردن. والشرط الثاني هو الخروج بمبادرة جاهزة للحل لتتبناها الصين.

فهل تشكل الصين حقاً بديلاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة؟

يُنظر إلى الصين على أنها لاعب محايد أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن لديها مصلحة في تحدي الدور الأمريكي في الدبلوماسية الدولية، والظهور في المجالس الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وفي حال تمكنت من تحقيق التهدئة كي لا نقول السلام في الشرق الأوسط، ستكون قد أثبتت تفوقها على الدبلوماسية الأمريكية القديمة في منطقتنا.

في مقال نشر في تموز/ يوليو 2023 أي قبل ثلاثة أشهر من الحرب الحالية، في صحيفة "The Diplomate" بعنوان "هل تستطيع الصين قلب الموازين في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية؟" يشير الكاتب مظفر بجوا إلى أنه بينما تعبّر الصين علناً عن دعمها لسعي فلسطين الشرعي لتحقيق دولتها، فإنها أيضاً قامت ببناء علاقات قوية مع إسرائيل على مدى العقدين الماضيين. ومن خلال الاستثمار بمبلغ يزيد عن 19 مليار دولار في إسرائيل بين 2007 و 2020، تغطي الاستثمارات مجموعة متنوعة من القطاعات مثل التكنولوجيا والدفاع والأكاديميا والاتصالات والشحن. عن طريق المشاركة في مشاريع مثل بناء ميناء حيفا ضمن مبادرة الحزام والطريق، قوّت الصين العلاقات الودية مع كل من إسرائيل وفلسطين. 

يُنظر إلى الصين على أنها لاعب محايد، كما أن لديها مصلحة في تحدي الدور الأمريكي والظهور في المجالس الدولية لحقوق الإنسان، ورغم دعمها لحق الفلسطينيين في تشكيل دولتهم إلا أن استثماراتها في البني التحتية الإسرائيلية بالمليارات 

ويضيف: "بفضل استثماراتها في البنية التحتية الإسرائيلية ودعمها العلني لقضية الفلسطينيين، تظهر الصين نهجاً أكثر توازناً من الولايات المتحدة. لعقود، اعتبرت الولايات المتحدة إسرائيل معقلاً راسخاً لها في الشرق الأوسط، حيث أيد الرئيس الأمريكي جو بايدن علنياً الأيديولوجية القومية الصهيونية. وقد أدى هذا الالتزام الثابت إلى دعم مالي ودبلوماسي وعسكري غير مشروط لإسرائيل، حتى عندما يتعارض ذلك مع مصالح أمريكية. بالمقابل، تصنف الولايات المتحدة الجهات السياسية الفلسطينية مثل حماس كمنظمات إرهابية، مما يقوض إمكانيتها للحوار والسلام". 

السعودية وإجادة اللعبة 

حين وقّعَت السعودية اتفاقها مع إيران تحت رعاية الصين، تبين أن دور الصين في المنطقة يتعدى الزائر إلى اللاعب التكتيكي الذي يبحث عن دور استراتيجي جديد سيعيد بالضرورة رسم الدور الأمريكي في المنطقة. فالولايات المتحدة بدعمها غير المشروط لكل الأعمال الإسرائيلية أصبحت تهدد أساس سياستها في المنطقة، كون التهجير الفلسطيني الذي تسعى له إسرائيل اليوم يعد انتهاكاً مباشراً لاتفاقية كامب ديفيد التي تمت تحت رعاية أمريكية، لذا فقد أمسى واضحاً أن السياسة الأمريكية للدولة العميقة وليس إدارة بايدن فحسب على استعداد لتغيير هذا الأساس. ولأن الصين الطموحة لدور أكبر هي المهدد الأكبر للدور الدولي للولايات المتحدة الأمريكية، فالوسيلة الوحيدة أو لعلها الفرصة الوحيدة للدبلوماسية العربية لتمارس الضغط الناعم على الولايات المتحدة ستكون من خلال إظهار استعدادها لإعطاء الصين دور جديد وأساسي في الدخول كوسيط وأكثر، بهدف تأمين استقرار المنطقة. وهو الدور الذي فشلت به الولايات المتحدة، بل والذي يبدو أنها تتخلى عنه حالياً. 

اللعب على الكبار أو  على التنافس الدولي الأمريكي الصيني قد يكون مجدياً إذا أُتقنت اللعبة الدبلوماسية، ولعل السعودية هي أكثر دولة عربية لديها خبرة في هذا الأمر.

هذا الأسبوع سيكون للمبعوث الصيني جولة في المنطقة، لكن الدبلوماسية الصينية ليست على استعداد لأن تضع نفسها في مأزق، أو أن تتحمل الخسائر، أو أن تخاطر بالدخول في المستنقع الإسرائيلي الفلسطيني دون ضمان الخروج بمكاسب سياسية وإعلامية سريعة، فالصين ليست على استعداد لبذل جهد حقيقي على مدى طويل، وبالتالي ستأخذ بنصيحة العرب في كيفية الحل أو في إشارتهم إلى المخرَج. 

لكن الدبلوماسية الصينية ليست على استعداد لأن تضع نفسها في مأزق، أو أن تتحمل الخسائر، أو تخاطر بالدخول في المستنقع الإسرائيلي الفلسطيني دون ضمان مكاسب سريعة.

المثال الأوضح على طبيعة التحرك الصيني هو في الاتفاق السعودي الإيراني، فالصين لم ترسم الاتفاق ولم تتدخل في صياغته أو شروطه، إنما لبت طلب السعودية بأن تكون راعية اتفاقها مع إيران، بنفس الطريقة على الدول العربية أن تحمل فكرة جاهزة عن الحل الذي ستطلب من الصين دعمه، وألا ينتظروا منها أن تكون المُبادرة بالاقتراحات.

مصر، السعودية، الأردن، هم الأقدر على قيادة المبادرة، ولا يستبعد دخول قطر في الحلف، فعلى الرغم من عدم ظهور الوشوشات الدبلوماسية في الإعلام، لكن قطر في مأزق دبلوماسي كبير، وتهمة دعمها لحماس كمنظمة "إرهابية" باتت تشكل سبباً حقيقياً للتململ منها وللهجوم عليها في القنوات الدبلوماسية أكثر من أي وقت مضى، وهي بحاجة إلى مظلة عربية لتختبئ تحتها بحجة دعوتها للتهدئة ووقف إطلاق النار.

الصين في ديارنا، وعلى التحرك الدبلوماسي العربي أن يكون أسرع من طائرة المبعوث القادمة من الشرق، إذا أردنا وقف المجزرة، ففي النهاية كل حروب العالم تنتهي على طاولة، وبغض النظر طاولة أمريكية، أو صينية.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image