في الرابع عشر من أيار/ مايو عام 2021، كسر شبانٌ أردنيون عُزَّل، الطوق الأمنيّ متجهين إلى المنطقة العسكريّة الفاصلة بين الأردن وفلسطين. واليوم، كما في عام 2021، ورفضاً للعدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، تجمّع آلاف الأردنيين محاولين تكرار الأمر بأعداد أكبر، غير أنَّ السلطات الأردنيّة حالت دون ذلك.
ما الذي يحصل؟
حشد الأردنيون أنفسهم، وأطلقوا الدعوات للتجمّع بغية الوصول إلى منطقة الأغوار والتوجه إلى الحدود الفاصلة بين الأردن وفلسطين، إلا أنَّهم فوجئوا صباح اليوم الجمعة بمنع الحافلات من نقلهم وتهديد الأجهزة الأمنيّة للسائقين بمعاقبتهم في حال قيامهم بالتوجه إلى الحدود، ما أجبر الآلاف على التظاهر في العاصمة الأردنيّة عمّان، فيما وصل آخرون إلى منطقة الأغوار باستخدام مركباتهم الخاصة، إلا أنَّ الأجهزة الأمنيّة أطلقت الغاز المسيل للدموع عليهم وحاولت تفريقهم بالقوة.
وتعالت أصوات الشبّان في عمّان بـ"شيل العسكر عن الحدود... ليش بتحمي باليهود؟"، و"سيري سيري يا حماس.. أنتِ المدفع وإحنا رصاص"، فيما هتف متظاهرو الأغوار بـ"لا لا تقولي أوامر... الأوامر خيانة"، و"سلميّة سلميّة"، في مطالبةٍ منهم للأمن بحمايتهم بدل التعرّض لهم، وتأكيداً على موقفهم السلميّ، دون الاحتكاك بهم.
"الشباب نحو الحدود الأردنية مع فلسطين.لماذا يُمنعون؟ أليس هذا نقيض التهجير الذي يتمّ التحذير منه؟! فلتُفتح كل حدود الجوار. وليعلم العدو أن لا تهجير بعد اليوم"
من جهته، أغلق الأمن الأردنيّ الطرقات المؤديّة إلى وسط البلد في العاصمة عمّان، بالإضافة إلى جميع المداخل المؤديّة إلى الأغوار والمنطقة الحدوديّة، وتوجه المتظاهرون سيراً على الأقدام محاولين الوصول إلى الحدود وسط منعٍ أمنيٍ لهم.
ماذا يقول الأردنيون؟
في الوقت الذي أعلن البعض دعمهم لمظاهرات الحدود عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد آخرون الجهات الأمنيّة والملك الأردنيّ عبد الله الثاني، بينما رأى البعض أنَّ الأردنيين يستمعون إلى خطاب الملك، وليس إلى خطاب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسّام، محمد ضيف.
وغرّد ياسر الزعاترة على موقع "إكس": "الشباب نحو الحدود الأردنية مع فلسطين.لماذا يُمنعون؟ أليس هذا نقيض التهجير الذي يتمّ التحذير منه؟! فلتُفتح كل حدود الجوار. وليعلم العدو أن لا تهجير بعد اليوم".
واقتبست مرح قُعُد، من قول لسيد قطب: "إن هذه الجيوش العربية التي ترونها ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وإنما هي لقتلكم ولن تطلق طلقةً واحدةً على اليهود".
ولفت فيصل الحردان إلى أن "الشعب الأردني رجال أبي حسين وليسوا رجال محمد ضيف. والقبائل الأردنية ليست عصابات يُطلب منها النزول على الحدود. هناك دولة وجيش والعشائر الأردنية لا يأمرها إلا جلالة الملك لا محمد ضيف، ولا خالد مشعل".
لماذا يتوجّهون إلى الحدود؟
شارك بهاء السّماك (20 عاماً)، في مظاهرات عام 2021؛ إذ وصل هو ومجموعة من رفاقه إلى مقربة من الحدود الأردنيّة الفلسطينيّة، غير أنهم لم يتجاوزوها؛ لأن الجيش الأردنيّ ألقى القبض عليهم آنذاك. يقول لرصيف22، إن "الأعداد هذه المرة تجاوزت أعداد الموجودين قبل سنتين"، مضيفاً: "إذا إحنا مش خايفين على أرواحنا ليش الدولة خايفة علينا؟ الأرواح اللي بتموت بفلسطين مش خايفين عليها؟! يا بنفوت يا بنموت".
وتعرّض السمّاك للضرب والتوقيف مدة 3 أيام في السجن، خلال مشاركته في مسيرة الحدود السابقة، إلا أنَّ ذلك لم يحُل دون عودته إلى المظاهرات، مشيراً إلى أن والدته كانت الداعمة والمشجعة له في التوجه إلى الحدود، غير أنه فشل في الوصول إليها هذه المرة: "كنّا بنستنى الباص وبدنا نروح، إجت الشرطة قالوا للسائق إذا بتحمّل راكب بنحبسك".
ويلفت عمر دنديس (28 عاماً)، في حديثه إلى رصيف22، إلى "كونها المرة الأولى التي يشارك فيها في المظاهرات المتوجهة إلى الحدود، ولم يكن وحيداً إذ كانت برفقته والدته وأخته وشقيقاه". ويقول إنَّه من السيئ أن تقوم الجهات الأمنيّة بمنع المتظاهرين من التوجه إلى الحدود أو الخروج من عمّان، مؤكداً "ما رح ندخل ع الأراضي، بدنا نوصل لنثبت تضامننا مع فلسطين".
تسليح الأردنيين أم الابتعاد عن الحدود؟
يطالب مدير دار العروبة للدراسات السياسيّة سلطان حطاب، خلال حديثه إلى رصيف22، بتسليح الشعب الأردني، مؤكداً: "يجب أن يكون شعبنا مدرّباً ومسلّحاً وجاهزاً لمواجهة هذا الاحتلال الغادر، وأطالب بالتجنيد وتسليح شعبنا وأقسى درجات الضغط على إسرائيل".
ويرى ضرورةً في إيصال رسالة واضحة للعالم والاحتلال بأن الأردنيين ليسوا أقل شجاعةً من سكّان غزة، وأنهم مستعدون للتضحية في سبيل ألا يكون هناك أي عدوان يمكن أن يصل إلى البلاد، مؤكداً: "بدأوا في غزة ولن يتوقفوا عند هذه التصفيات".
"لا بد أن يوضع شعبنا تحت حالة من الاستعداد والنفير العام والطوارئ؛ لأن الاحتلال قد يلجأ إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية باتجاه الأردن"
وينبه حطّاب إلى ضرورة تعبير الأردنيين عن موقفهم إلى جانب الفلسطينيين؛ لأن تصفية "المقاومة" تعني الاستدارة باتجاه حل المشكلة الفلسطينيّة على حساب الأردن، قائلاً: "لا بد أن يوضع شعبنا تحت حالة من الاستعداد والنفير العام والطوارئ؛ لأن الاحتلال قد يلجأ إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية باتجاه الأردن".
ويختلف معه المحلل لردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، مجدي القبالين، في أثناء حديثه إلى رصيف22، فيقول إن "التجمّع على الحدود لا يخدم القضيّة الفلسطينيّة، وإنما يسبب إرباكاً وحساسيّات مع قوات الأمن والجيش في الأردن بطريقة غير مناسبة"، مؤكداً أن تفكير الجيش الأردني والمواطنين في القضيّة الفلسطينيّة واحد، غير أن دورهم الفعلي هو حماية المواطن الأُردني.
ويدعو إلى تغليب المنطق على العاطفة؛ حتى لا يتكرر سيناريو تجاوز شابين أردنيين الحدود الفلسطينيّة قبل سنتين، والذي أدى بالأردن إلى دفع ثمنٍ باهظ من أجل إرجاعهم؛ بحسب تعبيره.
ويشير القبالين إلى وجود وحدة من الأمن السيبراني في الجيش الإسرائيلي مهمتها خلق الفتنة في الدول المحيطة من خلال حسابات وهمية على السوشال ميديا، قائلاً: "يحاولون خلق فتنة واضحة بين الجيش الأردنيّ والمواطن الأردني. يجب ألا نقع في مصيدة الاحتلال".
من جانبه، يوضح أحد الناشطين الذي كان منتسباً إلى الأجهزة الأمنيّة سابقاً، وطلب من رصيف22، عدم الكشف عن هويته، بأن منع التظاهر أو التوجه نحو الحدود الأردنيّة-الفلسطينيّة، لا يُعدّ بالضرورة تقييداً للحريات، لأن هناك العديد من المواقع الأخرى المسموح التظاهر فيها.
ويقول إن التجارب السابقة تثبت أن التظاهر بالقرب من الحدود ينتهي باحتكاك بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين، وهذا الاحتكاك ربما يكون لأهداف سياسية أو أمنية أو حتى خلافات شخصية من أشخاص أصحاب سوابق أمنية، مضيفاً أن هذا "يرسل صورةً للعدو بأن الجبهة الداخلية الأردنية غير متماسكة، ومن السهل تفكيكها واختراقها".
ماذا قالت الحكومة؟
أكدت وزارة الداخليّة الأردنيّة، أمس الأول الخميس، عدم السماح بالتجمهر والتظاهر في مناطق الأغوار الحدوديّة، وأن الأجهزة الأمنيّة ستأخذ التدابير كافة لمنع ذلك، "حرصاً على سلامة المواطنين".
وقالت الوزارة إن على جميع القوى السياسيّة والشعبيّة الالتزام بما جاء في بيانها، مع مراعاتها مسؤولياتها لضمان حق التعبير في مناطق المملكة كافة، دون المساس بالممتلكات العامة وأمن الوطن وسلامة حدوده.
وكان الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسّام، أبو عبيدة، قد شكر الشعب الأردنيّ على وقوفهم مع الشعب الفلسطيني، داعياً إيَّاهم للمزيد من حشد الطاقات من أجل الاستعداد لمعركة التحرير.
وأكد الملك عبد الله الثاني خلال استقباله في عمان، يوم الجمعة، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ضرورة حماية المدنيين الأبرياء من الجانبين، انسجاماً مع القيم الإنسانية المشتركة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، محذراً من انتهاج سياسة العقاب الجماعي تجاه سكان قطاع غزة.
ولفت إلى ضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة لإدخال المساعدات الطبية والإغاثية إلى القطاع، وأهمية حماية المدنيين ووقف التصعيد والحرب على غزة.
وانطلقت المظاهرات في مختلف محافظات المملكة بعد صلاة الجمعة، نصرةً لأهالي قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية، وهتف المشاركون فيها للأقصى والمقاومة وطالبوا بفتح الحدود بين الأردن وفلسطين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...