شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ميليشيات إيران في العراق... الزحف إلى فلسطين لم يبدأ أو لن يبدأ؟

ميليشيات إيران في العراق... الزحف إلى فلسطين لم يبدأ أو لن يبدأ؟

سياسة نحن والتاريخ

الخميس 12 أكتوبر 202303:20 م

لم يكن صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، كغيره من صباحات الشرق الأوسط. نشرات الأخبار دارت كلها حول فلسطين المحتلة. عناوينها تمركزت حول عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها حركة حماس، نتيجةً للحصار المستمر على غزة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في القدس والضفة.

الهدوء لم يكن سمة العلاقات بين فلسطين وإسرائيل، على مدى السنوات الماضية، ولكن التركيز الإعلامي الكثيف، نبع من فجائية هذه العملية العسكرية، بوصفها الأخطر منذ سنوات طويلة، بعدما أطلقت كتائب عز الدين القسام، وهي الجناح المسلح لحركة حماس، رشقات صاروخيةً باتجاه العمق الإسرائيلي، رافقها عبور لمسلحيها الى داخل مستوطنات إسرائيل المحصنة، واقتحام المواقع العسكرية المتاخمة لقطاع غزة، بالإضافة إلى أسر وقتل العديد من الجنود والمدنيين الإسرائيليين.

الموقف السياسي

مثل بقية العالم، توجهت أنظار العراق نحو فلسطين، وكحال معظم العرب، فقد ناصر العراقيون عملية حماس، من خلال مظاهرات عمّت مناطق مختلفةً في بغداد ومحافظات أخرى.

حكومياً، تضامنت الحكومة العراقية مع عمليات حماس، إذ صرح رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بموقفه الثابت تجاه قضيتها، مؤكداً أن العملية العسكرية لم تكن سوى رد طبيعي على انتهاكات إسرائيل المستمرة ضد الشعب الفلسطيني وتجاوزاتها على أراضيه، بالإضافة إلى صمت المجتمع الدولي إزاء كل هذه التجاوزات.

وختم تصريحه بأن "ما يهمنا الآن إيقاف هذا التصعيد خوفاً من الانزلاق إلى مستوى خطير من التداعيات الأمنية التي قد تخلق أوضاعاً مأساويةً في المنطقة".

زعماء الإطار التنسيقي الحاكم، أعلنوا تأييدهم لفلسطين أيضاً، إذ نشر رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، بياناً على صفحته الشخصية في موقع إكس، أبدى فيه اعتزازه بالهجوم الفلسطيني على إسرائيل، مردفاً: "القوات الصهيونية اليوم أمام حالة من الهلع، لأنها لم تكن تتوقع هذه الشجاعة والبسالة والتخطيط"، متمنياً تضافر جهود كل فصائل المقاومة داخل فلسطين وخارجها، ضد الكيان الإسرائيلي.

رئيس تحالف النصر، حيدر العبادي، أيّد بدوره انتفاضة الشعب الفلسطيني، وحقه في المقاومة حتى الحرية والسيادة، مندداً "بالمخالفات التي يرتكبها الجيش الصهيوني"، كما أطلق ائتلافه، مسيرةً مؤيدةً لفلسطين في بغداد، مساء يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي.

تقول عصائب أهل الحق إنها "ستبقى تراقب الأحداث عن قرب مستعدة غير متفرجة"، فماذا يعني هذا الحديث وإلى متى يمكن أن تستمر المراقبة؟

زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، دعا في بيان نشره على صفحاته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تظاهرة مليونية سلمية، يوم غدٍ الجمعة 13 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، ترفع علم فلسطين، وأضاف: "عسى أن تكون تلك المظاهرة تحطيماً وتشتيتاً لهم، ولنرعب كبيرة الشر أمريكا التي تدعم الإرهاب الصهيوني ضد أحبّتنا في فلسطين، ولتعود الأراضي الفلسطينية والقدس الشريف إلى كنف الحق والحق يعلو ولا يُعلى عليه".

زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، أعلن في تغريدة له على موقع إكس، تأييده ودعمه لطوفان الأقصى، مثنياً على بسالة الفلسطينيين، وأضاف: "وسنبقى نراقب الأحداث عن قرب مستعدين غير متفرجين".

وفقاً لهذه التصريحات، يتبادر السؤال حول احتمال تحول هذا التأييد إلى مشاركة فعلية، وخوض فصائل المقاومة والجماعات المسلحة ضمن عمليات "طوفان الأقصى"، خاصةً مع الحديث المتكرر منذ مدة عن توحيد الجبهات من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان وفلسطين، وتالياً يُطرح السؤال عمّا ستفعله الميليشيات العراقية في هذا السياق؟

المانع السياسي

يسأل الشارع الراقي "المتحمّس" اليوم، عن سبب عدم مشاركة الفصائل المسلحة في الحرب الدائرة في فلسطين عبر الأراضي السورية، خاصةً أن الطرفين يرتبطان بعلاقة وثيقة، وشاركت الميليشيات فعلياً في المعارك التي خاضها النظام السوري ضد شعبه منذ عام 2011، بالإضافة إلى وجودها حتى الآن في محافظات دير الزور والحسكة السورية، وفي دمشق لحماية منطقة السيدة زينب.

يقول الباحث السياسي محمد العزي، إن وجود هذه الفصائل داخل سوريا، تم بالاتفاق وبأعداد معينة بين الحكومتين العراقية والسورية، فيما تستلزم مشاركتهم في فلسطين، فتح طرق إمداد دائمة لهم عبر أراضي النظام السوري، وهو ما يحتاج إلى مباحثات بين الدولتين رسمياً".

وحيث أن الطرفين سيرفضان بلا شك مثل هذا الأمر، بسبب رغبة دمشق في تفادي أي غضب دولي، يفرض عليها عقوبات اقتصاديةً جديدةً، بالإضافة الى قرب رئيس الوزراء العراقي، من واشنطن.

يؤكد مصدر في مكتب رئاسة الوزراء العراقية، هذا الواقع، ويقول إن السوداني اكتفى بإصدار بيان مؤيد لفلسطين، وأجرى اتصالات عدة في محاولة لوقف التصعيد، وهو بذلك، أنهى الدور المنوط به.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن "واشنطن تقيد العراق حالياً، عبر سيطرة بنكها الفيدرالي على مقدراته المالية كافة، الأمر الذي يدفع برئيس الوزراء إلى مسايرتها، وتفادي أي خطوة تعيق استعادة العراق لأمواله الناتجة عن ريعه النفطي، أو الزج بحكومته في عقوبات اقتصادية على غرار تلك المفروضة على جارتَيه في سوريا وإيران، كما سيحاول قدر الإمكان، منع أي هجمات قد تشنها هذه الفصائل ضد القوات الأمريكية داخل العراق".

"تدرك الفصائل العراقية أن مشاركتها ستدفع دولاً أوروبيةً وأجنبيةً مؤيدةً لإسرائيل، إلى الرد بشكل مباشر، وبكامل عتادها العسكري، وتالياً، عدم جدوى الأسلحة التي بحوزتهم"

وكان رئيس تحالف الفتح هادي العامري قد هدد في تصريح الولايات المتحدة في حال قيامها بعمل عسكري ضد غزة وفلسطين، بردّ لميليشياته عليها، دون تحديد طبيعة هذا الرد، وموقعه داخل العراق، عبر استهداف قواتها الموجودة فيه، أو خارجه.

تصريحات أم تهديدات؟

يعتقد كثيرون أن مشاركة هذه الجماعات في عمليات فلسطين ستؤدي إلى قلب ميزان المعركة، نظراً إلى حيازتهم خزيناً حربياً ضخماً، يضمّ مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة والصواريخ والدروع، بالإضافة إلى خبراتهم العسكرية المكتسبة من حروبهم ضد تنظيم داعش، وباقي عملياتهم العسكرية ضد القوات الأجنبية في البلاد، خلال السنوات الماضية.

ولكن، يقلل الباحث الأمني علي عبد الإله، من أهمية هذه الخبرات، ويحصرها في أساليب الكر والفر التي اعتُمدت إبان قتالهم ضد تنظيم الدولة في العراق، وبغطاء جوي من التحالف الدولي وقوات الناتو، فيما سيجعلهم القتال في حال مشاركتهم، ضمن مواجهات مباشرة، وجبهات مفتوحة، عرضةً للاستهداف برّاً وبحراً وجوّاً.

ويعتقد في تصريحه لرصيف22، بأن "الفصائل تدرك أن مشاركتها ستدفع دولاً أوروبيةً وأجنبيةً مؤيدةً لإسرائيل، إلى الرد بشكل مباشر، وبكامل عتادها العسكري، وتالياً، عدم جدوى الأسلحة التي بحوزتهم، بعيداً عن قدرة هذه الدول على قطع الإمدادات كافة عنهم، بسبب بعدهم عن العراق".

تالياً، يدرج عبد الإله التصريحات الحالية، في خانة التعبير عن الموقف الثابت، الذي لطالما تميزت به الفصائل المسلحة المقربة من طهران على وجه الخصوص، كما يدرجها في خانة التهديدات الساعية إلى الكسب الجماهيري والإقليمي، كونها منبع "قوى المقاومة في العالم العربي والإسلامي، إلى جانب إيران".

موانع إيران في الواجهة

المانعان، السياسي والعسكري، لم يكونا وحيدين في استبعاد مشاركة الفصائل المسلحة ضمن العمليات العسكرية داخل فلسطين، إذ يؤكد مصدر مقرب من قوى الإطار التنسيقي المقربة من طهران، عدم وجود نية لمشاركتها حالياً، لعلمها بنتائج وتأثيرات هذه الخطوة على وجودهم السياسي في الحكومة الحالية، كما يشير إلى وجود معارضة إيرانية لأي خطوة ضمن هذا السياق.

برغم عداء حكومة طهران العلني لإسرائيل، وخوض الأخيرة في استهداف العديد من علماء الذرة على الأراضي الإيرانية، ولكنها تتجنب التدخل مباشرةً داخل الأراضي المحتلة، وتحرّك بدلاً من ذلك أذرعها والفصائل الفلسطينية المقربة منها، على غرار تنظيم حماس.

مصدر مسؤول في الخط الثاني، ضمن ما يُسمّى بقوى المقاومة، يؤكد أن سبب معارضة طهران، لمشاركة فصائلها العراقية حالياً، ينبع من علمها بنتائج هذه المشاركة على العراق، من الناحية الاقتصادية، وهو ما ترغب في تلافيه، بسبب اعتمادها على الاقتصاد العراقي، في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها.

"سبب معارضة طهران، لمشاركة فصائلها العراقية حالياً، ينبع من علمها بنتائج هذه المشاركة على العراق، من الناحية الاقتصادية، وهو ما ترغب في تلافيه، بسبب اعتمادها على الاقتصاد العراقي، في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها"

وينبه في تصريحه لرصيف22، إلى أن حاجة طهران إلى بقاء هذا الاقتصاد سليماً، هو السبب نفسه الذي دفعها إلى الإيعاز بتقليل عمليات الفصائل ضد القوات الأجنبية في العراق.

وبذلك يبتعد احتمال خوض الفصائل العراقية غمار "طوفان الأقصى" حالياً، ولكن هل من الممكن أن يتغير هذا الأمر على المدى القريب؟

يؤكد المصدر أن مشاركة ايران المباشرة أو مشاركة أذرعها في المعارك الحاصلة، منوطة بأمور عدة، أهمها وضوح ملامح الانتصار أو الهزيمة، وضمان عدم ضرب الاقتصادات المرتبطة بها، فيما ستكتفي حالياً بتنفيذ عمليات عسكرية بسيطة عبر أذرعها، على غرار الصاروخ الذي أُطلق من الحدود السورية في اتجاه إسرائيل قبل يومين.

وكان عراقيان اثنان، قد قُتلا في قطاع غزة، ولكن لم تظهر حتى اللحظة كيفية وصولهما إلى قطاع غزة المحاصر، كما لم تتضح علاقتهما بالفصائل المسلحة، ويؤكد المصدر عدم علاقة الفصائل العراقية بالقتيلين، ويستدرك: "ربما هناك وجود لعلاقة بينهما وبين كتائب حزب الله في لبنان، أو تنظيم حماس، ما سهّل مرورهما إلى القطاع".

يُذكر أن العراق شارك في المعارك الحاصلة داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 كافة، ثم في حرب نكسة حزيران/ يونيو عام 1967، بالإضافة إلى حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وفي عام 1991، أطلق الرئيس العراقي السابق صدام حسين، 39 صاروخاً في اتجاه فلسطين، تشير بعض المصادر إلى أنها أصابت أهدافاً داخل العمق الإسرائيلي، فيما يتحدث آخرون عن أنها وُجّهت نحو صحراء النقب الخالية حصراً.

اليوم، وفي ظل تردّي الموقف العربي، فإن المواطن العراقي وبرغم تأييده لفلسطين وقضيتها، يؤمن بأهمية حل مشكلاته الداخلية المتراكمة قبل الخوض في صراعات الدول المجاورة أو الشقيقة، ومنها المسألة الأمنية التي تربعت الفصائل المسلحة على كرسي تأجيجها المستمر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image