شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"تعالوا لحضني كلكو، مابدي حدا يموت وهو بعيد عني"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الجمعة 13 أكتوبر 202311:21 ص


"تعالو لحضني كلكو، مابدي حدا يموت وهو بعيد عني"

هذا ما قالته أمي في حرب 2014، عندما تم قصف بيت جيراننا. منذ تلك اللحظة عرفت معنى الموت جيداً، لم أكن بحاجة لأن أقرأه في كتب التاريخ، ولا أن أشاهده في شاشة التلفاز. كان حولي وقريباً جداً، قريباً من قلب أمي عندما ضمتّنا سويّة كي لا تفقد أحداً عن الآخر. كان يدخل علينا ويرّد السلام لنقف، ولا نعلم من فينا سيختار هذه المرة، يطلب منا إغماض عيوننا.

منذ تلك اللحظة وأنا أسمع إطلاق النار بالخارج وهو يسحب واحداً أو اثنين، أو يقنصهم بالعائلة، وأنام وأستيقظ على صوت شيرين أبو عاقلة، والجزيرة، وأخبار فلسطين كل يوم، وصوت القصف الذي يهزّنا، ويهزّ أجوافنا، يكسّرنا من الداخل، نسمع صوته وهو يطلق النكات ويخدعنا ليصطادنا بالكامل، قصف يربكنا بعد ما قلنا له إننا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً، وأننا رقصنا في شوارع مدننا وضحكنا حتى انزعج الجيران منا، وسافرنا وتعرفنا على ما لم تستطع الحياة تخبئته عنا.

قصف يقتل كل أحلامنا وخيالنا، عشوائي جداً، لا يفرق بين متفائل ولا كئيب، ولا يهمه أن من يختاره لم يكمل أحلامه بعد، وأن هناك أشخاصاً يحبونه جداً، ويفرحون لفرحه، أو أن هناك شخصاً نال درجة علمية منذ يومين، أو أن أهله لم يروه منذ سنوات

قصف يقتل كل أحلامنا وخيالنا، عشوائي جداً، لا يفرق بين متفائل ولا كئيب، ولا يهمه أن من يختاره لم يكمل أحلامه بعد، وأن هناك أشخاصاً يحبونه جداً، ويفرحون لفرحه، أو أن هناك شخصاً نال درجة علمية منذ يومين، أو أن أهله لم يروه منذ سنوات. قصف لا يعرف معنى الحب، وقاسٍ جداً على قلوب الأطفال والنساء والرجال.

كان على سكان غزة أن يستيقظوا في الساعة 6:28 صباحاً على حقيقة إعلان حرب أخرى عليهم، واستغرق الأمر بضع ساعات وقصفاً مكثفاً على مدنهم ليدركوا أن هذه الحرب ليست مثل الحروب السابقة، هذه المرة يريدون مسح غزة من الخريطة، أوضحت الحكومة الإسرائيلية بشكل واضح أنها ستدمّر قطاع غزة كما لم يتم تدميره من قبل.

ارتكبوا المجازر بحق المدنيين الغزيين، وهدموا المنازل دون إنذار، والمساجد، والوزارات، والجامعات، والأسواق، والأراضي، وسيارات الإسعاف، ويمطرون قطاع غزة بالصواريخ والقذائف وحتى الفسفور الأبيض المحرم قانونياً ودولياً.

الان أنا أعيد نفس الأحداث لجسد منفصل عنهم، تسمع أذني نفس الأصوات، أصوات الناس مفجوعة لا مطمئنة على مفقوديهم. تأتيني من الداخل والخارج في نفس الوقت، وكأنهم لحظة صدام مع عمري الذي قضيته أنتقل من اضطراب إلى اضطراب ومن صدمة لأخرى، صدمة تسلخني وترديني قتيلة، ثم تُسلمني لأخرى حتى تسلخني من جديد، حتى تعبتُ واستنزفت بالكامل، حتى احترقت وانتهيت.

عمري كان محاولات للتعافي من كل ما عشناه، كغّزيين، في بلدنا والخارج، من الموت الذي لا يزول مكانه وكأنه نصيبنا الوحيد من هذه الدنيا. لا أنفكّ أرى جثثاً في منامي وصحوي وفي عيوني، أشلاء في كل مكان ودمار وموت وحزن في الهواء. بات يتعبني النظر، وأنا تعبت من التعب، يتعبني الخوف الذي يتملكني الآن قلقاً على من أحب في غزة، والذي حاول الاحتلال على مدار كل هذه السنين خلقه وتسريبه إلينا من تحت الباب، بعد أن ننام.

هذا الخوف أعمى، ولكننا نضجننا وطعم الدموع في حلقنا، لا نحبّه لأحد لأنه مرّ ، نحضّر نعوشنا بأقل قدر من الحداد وبأعظم قدر من القوة والانتصار، انتصارنا الوحيد الذي لا نعرف غيره، انتصارنا الوحيد الذي يحيي موتنا الذي نحمله كل يوم في أعيننا. ومع ذلك نخاف أن ننادي ونسمع صدى صوتنا فقط. اليوم تشهد فلسطين ما لم تشهده من قبل في تاريخها، تصرخ فقط ويصدح صدى صوتها في العالم كله، وعلى مسمع الجميع… لكن هل من مجيب؟ هل في الماضي من كان يسمعنا ليسمعنا اليوم؟

عمري كان محاولات للتعافي من كل ما عشناه، كغّزيين، في بلدنا والخارج، من الموت الذي لا يزول مكانه وكأنه نصيبنا الوحيد من هذه الدنيا. لا أنفكّ أرى جثثاً في منامي وصحوي وفي عيوني، أشلاء في كل مكان ودمار وموت وحزن في الهواء 

ما يحدث الآن في فلسطين تطور طبيعي للقضية، ما الذي كان منتظراً منا أن نفعله عندما كانت كل الأطراف تشدنا ناحية السقوط؟ ما الذي كان منتظراً منا تقديمه بعد 17 عاماً من الحصار والتجويع والفقر والمنع والحرمان وانتهاك الحق قبل الأرض؟ ما الذي كان منتظراً منا أن نفعله حين نرى أسماء أطفالنا وشبابنا تتحول إلى أرقام في شريط خبر عاجل في آخر اليوم؟ ما الذي كان منتظراً عندما فقدنا كل السبل لنتعرف على تاريخنا وأجدادنا وأرضنا؟ هل كانوا ينتظرون منا الصمت؟

من يصمت ليس إنساناً، لا نصمت عندما يكون لنا كل الكلام لقوله، هل نصمت عن حقنا الشرعي في مقاومة المحتل؟ هذا الحق الشرعي لكل الفلسطينيين، حق الإنسان، ومع ذلك نحن نعيش في عالم قاهر وظالم، نُقتل فيه على الملأ، يُقتل فيه أهلنا على الملأ ونحن بعيدون.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard