"لا سفارة للكيان... على أرضك يا عمّان"، و"الرابية بدها تطهير... من السفارة والسفير"؛ هتافان أساسيان رددهما الأردنيون على مرّ السنوات خلال احتجاجاتهم أمام السفارة الإسرائيليّة في العاصمة الأردنيّة عمّان، وفي غيرها من الفعاليّات والاحتجاجات المناهضة للاحتلال الإسرائيليّ في البلاد.
ما طالب به الشارع بات واقعاً "مؤقتاً" اليوم، بعد أن سحبت "إسرائيل" طاقم سفارتها من عمّان، الأحد الماضي، خوفاً عليه من الاحتجاجات وغضب الشارع الأردنيّ، بحسب وسائل إعلام عبريّة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها سحب الطاقم على خلفيّة أحداثٍ مرتبطةٍ بفلسطين المحتّلة، ما يعكس تأثير رأي الشارع الأردنيّ والفعاليّات الشعبيّة على معنويات الحكومة "الإسرائيليّة"، وإدخالهم ضمن معادلتها.
لماذا قررت إسرائيل سحب طاقم سفارتها من عمّان؟
اتفاقيّة السّلام
تصادف "طوفان الأقصى" وردود الفعل الأردنيّة المؤيدة له، مع ذكرى توقيع اتفاقيّة السّلام بين الأردن وإسرائيل (اتفاقيّة وادي عربة)، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1994، والتي نصت على أن يعترف الجانبان بسيادة كل منهما وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي، وبحق كل منهما في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها. وأكدت الاتفاقيّة ضرورة الامتناع عن التهديد بالقوة، وعن استعمالها ضد بعضهما، وبحل كل النزاعات بينهما بالوسائل السلمية، وعلى خلفيّتها تبادل الطرفان السفراء، واستمر الأردن في تمسّكه بحلّ الدولتين واستئناف معاهدات السلام الأردنيّة الفلسطينيّة.
وعلى الرغم من العلاقات غير المستقرة سياسياً بين الطرفين، لخّص الملك الأردني عبد الله الثاني هذه العلاقة، خلال مقابلة مصوّرة له مع مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر، عندما شبّه العلاقة بإسرائيل، "بمن يخطو خطوتين إلى الأمام ومثلهما إلى الخلف، ما لم تُحَلّ القضية الفلسطينية".
لن تتأثر العلاقات
يرى الخبير الإستراتيجي عامر السبايلة، في حديثه إلى رصيف22، أنه لا يمكن ربط سحب الطاقم من عمّان بالعلاقات الأردنيّة الإسرائيليّة، أو بمدى التأثير عليها، إذ إنَّ عامل المفاجأة الذي أدارته حماس أدى إلى خلق حالة من القلق وعدم اليقين في كل الخطوات الإسرائيليّة.
ويتابع أن سحب الطاقم كان للحفاظ على سلامته، خوفاً من التداعيات والمظاهرات الداعمة لفلسطين، مستشهداً بأحداثٍ في بلدان أوروبيّة تم الطلب خلالها من أفراد طاقم السفارة عدم مغادرة منازلهم؛ خوفاً عليهم، قائلاً: "نحن نتحدث عن خطة أمنيّة مرتبطة بالخوف من المفاجآت".
ما المختلف هذه المرة؟
في شهر أيار/ مايو من عام 2021، وصل العديد من الأردنيين إلى مناطق قريبة من الحدود الأردنيّة-الإسرائيليّة؛ مطالبين بفتحها، فيما قطعها أردنيان ووصلا إلى الضفة الأخرى من نهر الأردن، غير أنَّ هذا لم يدفع تجاه سحب السفير من عمّان أو الخوف من الاحتجاجات الشعبيّة.
ويوضح الناشط السياسي عبد الرحمن جمعة، لرصيف22، أن "المختلف هذه المرة، مبادرة المقاومة بالهجوم وكسر الواقع بطريقةٍ تدعو كل شخصٍ لإعادة حساباته، وهو ما يزيل العقبات في التفكير لدى الشعب الأردنيّ، ويؤكد أن لا شيء مستحيلاً".
ويلفت إلى عدم ارتقاء الفعاليّات الشعبيّة إلى مستوى الحدث في فلسطين، منبهاً إلى ضرورة أخذ خطوةٍ تتعلّق بالتطبيع والسَّلام، والدخول في هذه المعركة، قائلاً: "على الفعاليّات أن تكون بحجم الحدث".
يشير جمعة إلى أنَّ "عدم وجود السفير قد يكون شكلياً وغير مؤثر، فقرار إفراغ السفارة ليس أُردنياً، غير أنَّ هذا الحدث سيجبر البلاد على الوقوف في صف أحد الطرفين"، لافتاً إلى أهميّة ضغط الشعب في اتجاه الحكومة للتحرّك ودعم "موقف المقاومة". ويضيف الرجل من واقع اختلاطه بالنشاط الشبابيّ أنَّ الشعب الأردنيّ لا يعطي ردود فعلٍ بناءً على العاطفة، بل يفكّر في مصلحة البلاد ومستقبلها أكثر من الحكومة التي من واجبها إلغاء اتفاقيّات الماء والغاز، مضيفاً: "الاحتلال الإسرائيلي لم يحترم الأردن في أي موقف. الصراع لن ينتهي إلا بصراع وجود".
ما الذي قاله الملك عبد الله الثاني لمستشار الأمن القومي الأمريكي السابق هربرت ماكماستر في لقائهم الأخير؟
تواطؤ أم تطبيع؟
ولم تكن اتفاقيّة السّلام وحيدةً، بل فتحت الباب على مزيدٍ من الاتفاقيّات بين الأردن و إسرائيل، وكان من ضمنها استيراد الغاز من إسرائيل، والتي وقعتها شركة الكهرباء الوطنية وشركة نوبل إنيرجي الأمريكية خلال عام 2016. ونصّت على تزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، بقيمة 10 مليارات دولار على مدى 15 عاماً، بدءاً من الأول من كانون الثاني/ يناير 2020.
حدث ذلك بناءً على ما تضمنته نصوص اتفاقية وادي عربة وبنودها من تنظيمٍ للعلاقات الاقتصادية وتبادلٍ للمشاريع الإستراتيجية، وعلى ملحق حول تمديد أنابيب الغاز الطبيعي.
وقّع الأردن عام 2021، على إعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، وتنص الاتفاقية على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل، بينما ستعمل الأخيرة على تحلية المياه لصالح الأردن الذي يعاني من الجفاف.
في ظل هذه العلاقات، تمسّك الشارع الأردنيّ برفضه للسفير الإسرائيليّ، والمطالبة بسحب السفير الأردنيّ من تل أبيب، وقطع العلاقات بين الدولتين، فيما أنعش سحب طاقم سفارة إسرائيل في عمّان معنويّات الشارع الأردنيّ بقدرته على الضغط ولو بعد حين.
ويشير عضو حركة الأردن تقاطع حمزة خضر، لرصيف22، إلى أنَّ تمسّك الأردن باتفاقيّة السَّلام في ظل العدائيّة الواضحة من الاحتلال للأردن والاعتداءات على الفلسطينيين تعدّت مرحلة التطبيع إلى التواطؤ.
وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، قد ظهر في خطاب ألقاه في العاصمة الفرنسيّة باريس في آذار/ مارس الماضي، وأمامه منصة مزينة بخريطة متداخلة بين فلسطين والأردن، وهي الخريطة التي تحمل شعار إحدى المنظمات المتطرفة، والتي تعتقد أن إسرائيل هي فلسطين والأردن.
يقول خضر، إنَّ هناك قيمةً وأهميةً للمظاهرات بعكس ما كان يروّج له البعض من عدم جدواها في السنوات السابقة؛ إذ إنها الآن باتت تقلق بعض الجهات وأدت إلى سحب السفير.
الجامعات وفلسطين
لم يتوانَ طلبة الجامعات في الأردن عن إعلان تضامنهم مع فلسطين؛ إذ شهدت جامعات عدة يوم الأحد الماضي، وقفات وفعاليات طلابيةً نصرةً لعملية طوفان الأقصى، وهتف الطلبة للمقاومة وطالبوا الحكومات العربية بوقف التطبيع. ومع ذلك كانت هناك جامعات لم تسمح لطلابها بالتضامن أو بإقامة وقفات وفي أحسن الحالات قيّدتهم بدقائق معدودة للوقفة.
وحول هذا، يبيّن خضر عدم وجود مساحاتٍ آمنة لصنع القرار في الأردن، وانتشار القمع وهو ما انتقل إلى بعض الجامعات التي منعت الطلاب من الاحتجاج والتفاعل مع الأحداث الأخيرة وألغت وقفاتهم.
ويؤكد عضو المكتب التنفيذي لرابطة الشباب الديمقراطيّ الأردنيّ رشاد، والطالب في إحدى الجامعات، سيف زرقان، لرصيف22، أن الضغط والتقييد الأمنيين كانا يُستخدمان في السابق للتعامل مع الطلبة، مضيفاً: "لم نلمس أي تجاوز أو أي ممارسة لأي نوعٍ من أنواع القبضة الأمنيّة، ومع ذلك نتمنى أن تعمّ الأحداث الجامعات كافة، فموقفهم ضعيف وهم يلتزمون الصمت".
ويلفت إلى أنَّ الوعيَّ الشعبيّ ضعيفٌ تجاه القضية الفلسطينية بسبب تحييدها عن المشهد والخوف من الخوض في المواضيع التي تخصها، وضعف المخزون الثقافي لدى الجيل الجديد والانجراف إلى وسائل التجهيل والتخويف.
ويقول زرقان إنَّ طرد السفير من البلاد، وسحب سفير الأردن لدى الاحتلال، وقطع العلاقات التطبيعية، انتصارٌ للأردن ولدم شهدائه، مضيفاً: "الأعباء يتحملها من ورّط الأردن بهذه العلاقة السامة متجاوزاً دم الشهداء وتضحيات الأردنيين والفلسطينيين".
موقف الأردن
أكدت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنيين في بيانٍ لها مع بدء "طوفان الأقصى"، ضرورة وقف التصعيد "الخطير" في غزة ومحيطها، وحذرت من الانعكاسات الخطيرة لهذا التصعيد الذي يهدد بتفجر الأوضاع بشكل أكبر، مشددةً على ضرورة ضبط النفس وحماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني، وإيجاد أفق سياسي حقيقي لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية.
يوضح الكاتب والمفكّر أحمد سلامة، لرصيف22، أنَّ ما قامت به إسرائيل من سحب سفيرها هو ردّ فعل على الأحداث الجارية، مؤكداً أنهم "سحبوا الطاقم حتى لا يلحق بأفراده أي أذى".
ويلفت الكاتب الذي شغل منصب مدير الدائرة الإعلامية في الديوان الملكي الأردنيّ أواخر التسعينيّات، إلى وجود أسبابٍ لتوقيع المعاهدات الدوليّة بين الدول، وحين وقّعت الأردن معاهدتها مع إسرائيل كان هناك ما يدعو لذلك، قائلاً: "كانت ظروفنا صعبةً، اعتقد الأردن أن معاهدة السّلام تؤدي إلى التعايش لكن الطرف الآخر رفض ذلك. سلامنا بارد مع الإسرائيليين للمقتضيات والضرورات الجغرافية".
ويضيف سلامة أن الأردن قام بما هو ضمن إمكانيّاته وقدراته، خاصةً أنه جزءٌ من أمةٍ كاملة مطالبة بالتحرّك، فهو لم يتواطأ، مؤكداً: "من أبقى على الضفة الغربيّة وحدود الـ67 هم الأردنيون، النظام الأردنيّ يدفع ثمناً باهظاً من أجل عروبته".
ويشدد على أنَّ "سحب السفير وقطع العلاقات لن يفيدا"، آملاً في أن تأتي المعركة الحاليّة في فلسطين بالخير للبلاد وإنهاء الاحتلال.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عزت الرشق، قد قال في تصريحاتٍ صحافيّة إنَّ الأردن هو المستفيد الأكبر من معركة "طوفان الأقصى"، لأن إسرائيل تسعى إلى جعله وطناً بديلاً للفلسطينيين، مطالياً المسؤولين في الأردن بالاستفادة من هزيمة إسرائيل لتحقيق الأهداف الوطنية والعربية والقومية.
وتشهد المحافظات الأردنيّة على اختلافها مظاهراتٍ ووقفاتٍ وفعاليَّاتٍ داعمةً للمقاومة ومؤيدةً لـ"طوفان الأقصى"، فيما يدأب الأردنيون على الاحتجاج كل مساء -منذ الأحداث الأخيرة- في محيط سفارة إسرائيل، رافعين أصواتهم بالهتاف مرةً تلوى مرة: "لا سفارة للكيان... على أرضك يا عمّان".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع