تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
في وقت يعيش فيه المغرب على وقع صدمة لم يستيقظ منها بعد، وجد ساكنو الأقاليم المتضررة من زلزال الحوز أنفسهم/ نّ فريسةً لفئة من المجتمع تدعو إلى الزواج بالفتيات القاصرات هناك، زاعمين "انتشالهنّ من الفقر وسترهنّ"، بل إن البعض ذهب أبعدَ من ذلك، وتعمد التحريض على أفعال جنسية غير رضائية في حق هؤلاء القاصرات في المناطق المنكوبة.
زلزال الحوز أعاد مخاوف استغلال القاصرين/ ات إلى الواجهة، خاصةً أن هذه الفئة أضحت تواجه ظروفاً اجتماعيةً صعبةً، يسعى البعض إلى استغلالها وتحقيق مصالح خاصة، سواء عن طريق الزواج من قاصرات المناطق المنكوبة، أو التوجه نحو ارتكاب أفعال جنسية في حق أبناء هذه المناطق وبناتها.
استوجب ذلك تدخل الجهات المعنية بشكل عاجل، حيث أقدمت عناصر الشرطة القضائية في مدينة الراشيدية على اعتقال طالب جامعي يبلغ من العمر 20 سنةً، في أيلول/ سبتمبر الماضي، لتورطه "في نشر محتوى تحريضي يهدد فيه بارتكاب أفعال جنسية".
نوايا مختلفة
هذا الوضع استنكره أبناء المنطقة وبناتها، وعدّوه استغلالاً لهشاشة الفتيات الصغيرات وضعفهن وخوفهن من أجل دعوتهن للزواج بحجة "إنقاذهن" و"حمايتهن".
عبد الله، ابن إحدى المناطق المتضررة من زلزال الحوز، قال في حديث إلى رصيف22، إن "الملتحقين/ ات بالمناطق المنكوبة ذوات/ ذوو نوايا مختلفة".
واستدرك ابن مدينة إمنتانوت، التابعة لإقليم شيشاوة حديثه قائلاً: "نعم العديد من الأشخاص قدّموا المساعدة لضحايا الزلزال، لكن هناك فئةً أقدمت على التحرش بفتيات الدوار"، مستنكراً استغلال هؤلاء الأشخاص، الظروف الصعبة التي يعيشها السكان والعجز الذي يخيّم على أهالي المنطقة.
في وقت يعيش فيه المغرب على وقع صدمة لم يستيقظ منها بعد، وجد ساكنو الأقاليم المتضررة من زلزال الحوز أنفسهم/ نّ فريسةً لفئة من المجتمع تدعو إلى الزواج بالفتيات القاصرات هناك، زاعمين "انتشالهنّ من الفقر وسترهنّ"
وأضاف عبد الله البالغ من العمر 21 سنةً: "شابان من مدينة أخرى، التحقا بالمنطقة بهدف توزيع الفوط الصحية، وبعض الأغراض الخاصة بالنساء، لكن في الوقت ذاته تحرشا بفتيات القرية، عن طريق طلب أرقام هواتفهنّ، وطرحا بعض الأسئلة المحرجة عليهنّ".
ورأى المتحدث أن "بعض الأشخاص القادمين إلى المناطق المنكوبة لم يحترموا طبيعة المنطقة المحافظة، خاصةً أن مثل هذه الظواهر دخيلة على السكان".
وفي ختام حديثه، أكد أن الدواوير المجاورة وعلى رأسها منطقة تلات نيعقوب، شهدت أيضاً تحرشاً جنسياً.
غضب مجتمعي
عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات وفيديوهات رافضة لما تم الترويج له، من قبل بعض الأشخاص الداعين إلى التوجه نحو الدواوير المنكوبة والزواج من القاصرات فيها.
"لي بغا يتزوج يمشي يجيبها من الجبل، الطراوة وسنان الحليب والحياء والطاعة والخضوع"؛ بهذه الكلمات افتتح نور الدين تدوينته على منصة فيسبوك، وقد تراجع عنها في ما بعد، بدعوى أن الناس أساؤوا فهمه.
وبرّر المدوّن دعوته هذه بأن الزواج من فتيات هذه الدواوير يُعدّ بمثابة عتق رقبة والتكفل بيتيم، عادّاً أنهن يقبلن "بالزواج الشرعي، أي زواج الفاتحة".
فيما دعت تدوينات أخرى، الرجال ذوي الدخل الضعيف إلى الزواج بالفتيات، القاطنات في الجبال المنكوبة، بدعوى أنهن غير مكلفات.
ولمواجهة هذا الوضع، عملت اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الإتجار بالبشر والوقاية منه، على وضع رقم أخضر للتبليغ عن كل الحالات المحتملة التي يتم رصدها.
خطوة جاءت بعد رصد اللجنة مجموعةً من المنشورات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتضمن مضامين مسيئةً، إلى الأطفال والنساء ضحايا الزلزال.
منظمة "ماتقيش ولدي"، التي تنشط في مجال حقوق الأطفال، أكدت في بيان لها نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، أنها تسلمت شكاوى من مواطنين/ ات عبر البريد الإلكتروني، عن تجاوزات مجموعة من الأشخاص الذين نشروا تدوينات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى استغلال الأطفال ضحايا الزلزال والتحرش بهم/ نّ.
كما شددت المنظمة المغربية، على وجوب محاسبة كل من تورط في عملية استغلال الأطفال والقاصرين/ ات، ومحاولة الإتجار بهم/ نّ والتحرش بهم/ نّ.
قانون أعرج
القانون المغربي يعتبر أن مرتكب جريمة التحرش الجنسي هو "كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية لأغراض جنسية، أو بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية".
ويعاقب المشرّع المغربي بموجب الفصل 1 – 1 – 503، مرتكب جريمة التحرش الجنسي بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2،000 إلى 10،000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أما في ما يخص زواج القاصرات، فإن القانون يمنعه بموجب المادة 19 من مدوّنة الأسرة المغربية، والتي تقول: "تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنةً شمسيةً"، إلا أن القاضي حسب المادتين 20 و21 من الفصل نفسه، تظل له السلطة التقديرية للسماح بزواج القاصر/ ة. وهو ما جعل تطبيق القانون ضعيفاً، فالاستثناء أصبح قاعدةً، حيث تلقّت المحاكم سنة 2020، نحو 20 ألف طلب، لتزويج فتيات قاصرات وتم منح 13 ألف و335 إذناً بالزواج، حسب ما كشف رئيس النيابة العامة في المغرب، الحسن الداكي.
عمل ميداني مستمر
زهرة إد علي، رئيسة جمعية أفولكي للنساء، أوضحت في تصريحها لرصيف22، أنه "لم تتم معاينة أي حالة على أرض الواقع حتى اللحظة. رافضةً في الوقت ذاته استغلال الظرفية والحالة النفسية المتأزمة للسكان. فالوضع لا يحتمل مثل هذه التصرفات اللا أخلاقية، سواء تعلق الأمر بظاهرة التحرش أو بزواج القاصرات".
وشددت رئيسة الجمعية الناشطة في جماعة تحناوت، على وجوب اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد كل مرتكب لمثل هذه الأفعال.
زلزال الحوز أعاد مخاوف استغلال القاصرين/ ات إلى الواجهة، خاصةً أن هذه الفئة أضحت تواجه ظروفاً اجتماعيةً صعبةً، يسعى البعض إلى استغلالها وتحقيق مصالح خاصة، سواء عن طريق الزواج من قاصرات المناطق المنكوبة، أو التوجه نحو ارتكاب أفعال جنسية في حق أبناء هذه المناطق وبناتها
"جهود كبيرة بُذلت من أجل تغيير بعض العقليات داخل هذه المناطق، وتقليص معدل زواج القاصرات، والعمل على متابعة الفتيات لإتمام دراستهن، ومحاربة الهدر المدرسي"؛ هذا ما قالته زهرة، واستدركت: "قد تعود بنا هذه السلوكيات خطوات إلى الوراء، وتدمير ما تم بناؤه، مما يستوجب التدخل العاجل واتخاذ أقصى العقوبات ضد كل من ثبت في حقه القيام بها".
"أهالي المنطقة ليسوا بحاجة إلى المساعدات المقدمة من طرف هؤلاء الأشخاص، أو ممن يأتون من أجل تصريف كبتهم داخل هذه الدواوير"، شددت المتحدثة مضيفةً: "يكفي ما نعيشه اليوم من أزمات نفسية جراء ما عاشه السكان من هلع ورعب، فالعديد من الأشخاص فقدوا/ ن أسرهم/ ن في هذا الحادث الأليم".
وأعلنت رئيسة جمعية أفولكي للنساء أنه "في حال رصدت الجمعية أي تصرف يوحي بتحرش جنسي أو برغبة في الزواج من القاصرات، فلن يتم التساهل مع فاعله، كما ستتم متابعته إلى حين أخذه الجزاء المستحق".
تقنين الفضاء الرقمي
احتجت زهرة على ما تم الترويج له داخل الفضاء الرقمي، مشددةً على "وجوب مأسسة وقوننة هذه المنصات الرقمية، خاصةً أن العديد من الناشطين/ ات داخل الفضاء الأزرق هدفهم/ ن الرئيسي خلق 'البوز' بالدرجة الأولى، لكن كسب الشهرة بمثل هذه التدوينات والدعوة إلى الزواج بالقاصرات بهدف سترهن أو التكفل بهن، أمر غير مقبول".
بدورها، أدانت ليلى أميلي، رئيسة جمعية أيادي حرة، ما حدث وما تم ترويجه من تدوينات تدعو إلى التوجه إلى المناطق المنكوبة، للزواج بالفتيات القاصرات.
وأكدت المتحدثة انتقالها إلى عين المكان من أجل معاينة الوضع، معتبرةً أن "بعض الأشخاص رأوا في الفاجعة، فرصةً سانحةً من أجل التحرش بالقاصرات، وإغوائهن، ومحاولة استغلالهن بداعي الفقر والهشاشة وهو ما يمكن تصنيفه ضمن خانة البيدوفيليا".
"نؤكد على أهمية إدراج التربية الجنسية ضمن المناهج التعليمية داخل المؤسسات، بهدف التوعية بأهمية الجسد وكيفية الحفاظ عليه، فلا أحد يملك الحق في اللمس أو التقبيل إلا بمحض إرادة المتلقي/ ة"
وأشادت المتكلمة بدور السلطات التي ألقت القبض على الشاب البالغ من العمر 20 سنةً، بعدما صدرت منه سلوكيات تنم عن نية التحرش بقاصرات الجبال المنكوبة.
زيارة المنطقة كان الهدف الأساسي منها توعية السكان، والتأكيد على وجوب حماية بناتهم/ نّ وأبنائهم/ نّ، كما قالت المتحدثة.
وطالبت ليلى، بأقصى العقوبات في حق كل من عمل على استغلال هذا الوضع لتحقيق مصالح اجتماعية، أو اقتصادية، أو جنسية.
التربية الجنسية هي الحل
وفي معرض تصريحها، أشارت رئيسة جمعية أيادي حرة، إلى "وجوب توعية الأطفال بمثل هذه المخاطر".
وأردفت المتحدثة قائلةً: "نؤكد على أهمية إدراج التربية الجنسية ضمن المناهج التعليمية داخل المؤسسات، بهدف التوعية بأهمية الجسد وكيفية الحفاظ عليه، فلا أحد يملك الحق في اللمس أو التقبيل إلا بمحض إرادة المتلقي/ ة".
وختاماً اعتبرت أميلي، أن الحديث عن التربية الجنسية له أبعاد أخرى، تتمثل أساساً في تحقيق انسجام بين الأفراد، وعدم جعل العلاقة مرتبطةً فقط بما هو جنسي.
جدير بالذكر أن الملك محمد السادس، أعطى أوامره للتكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا/ نّ أسرهم/ نّ وأضحوا/ ين من دون موارد، عن طريق منحهم/ نّ صفة مكفولي الأمة، لحمايتهم/ نّ من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرضون لها.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 20 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com