كثرت في الآونة الأخيرة الأعمال الدرامية والسينمائية التي تدور حول مؤسسة الزواج والمشاكل والأزمات الناتجة عن علاقة طرفي العلاقة ببعضهما، واختلاف طريقة كل من الرجل والمرأة في إدارة هذه العلاقة والتعامل مع تفاصيل الحياة اليومية، أو فيما يخص المعارك الناشئة عن انفصام عرى هذه المؤسسة وتفككها وما تنتجه من أزمات مادية ونفسية، فما الذي يمكن أن يقدمه فيلم جديد يدور في فلك ذات الفكرة؟ أو ما هي الزاوية المختلفة التي سيوجه صناع العمل أنظار المشاهدين إليها؟
"وش في وش" هو الفيلم الثاني لمخرجه مؤلفه وليد الحلفاوي بعد فيلمه الأول علي بابا الذي قدمه في 2018 ولم يحقق نجاحاً على المستويين الفني والجماهيري، ولكنه يعود بعد خمس سنوات بتجربة جيدة إلى حد ما نالت استحساناً كبيراً بسبب تماسكها وحسها الفكاهي الذي جنح إلى كوميديا الموقف أكثر من الاعتماد على الإيفيهات المبتذلة التي تبتذ ضحكات الجمهور، وإن لم تقدم معالجة مختلفة أو وجهة نظرة جديدة.
يطرح الفيلم فرضية تأجج المشاكل بين الزوجين وفشل مؤسسة الزواج في استئناف طريقها بسبب اقتحام أطراف من خارج هذه المنظومة لهذه العلاقة، مثل العائلة والأصدقاء، والسماح لهم بإسقاط تصوراتهم الذاتية الناتجة عن تجاربهم الحياتية الخاصة على طرفي هذه المؤسسة، إذ يجمع الزوجين في مكان واحد مع عائلتهما وأصدقائهما بعد أن أُغلق باب الشقة على الجميع واستحال فتحه، ويُجبر الجميع على قضاء ليلة كاملة معاً، عاصفة بالمواجهات وكاشفة للموقف الحقيقي لكل المتدخلين في النزاع.
يبدو أن دراما الأزواج المنتمين للطبقة الوسطى ستظل مسيطرة على الإنتاج الفني في مصر لعدة مواسم، فهل ينجح الكتاب في إيجاد أفكار جديدة لهذا القالب المتكرر؟
الهرشة السابعة
تحيلنا بعض تفاصيل الفيلم إلى مسلسل الهرشة السابعة، من تأليف ورشة سرد تحت إشراف مريم نعوم وإخراج كريم الشناوي، والذي حقق نجاحاً كبيراً في رمضان الماضي، إذ ناقش التغيرات التي تطرأ على العلاقة الزوجية بمرور الوقت والتي تصل إلى ذروتها في السنة السابعة.
تتمثل هذه التفاصيل في تتر البداية عندما يتوقف عند صورة للزوجين بطلي الفيلم - يقوم بدورهما أمينة خليل ومحمد ممدوح - تظهر في ذكريات تطبيق فيسبوك وقد مر عليها سبع سنوات، ما يجعلنا نعتقد أن هذه النظرية هي محور الفيلم الأساسي وأننا سنشاهد نسخة سينمائية منه، لكننا نكتشف بمرور الأحداث أنها لا علاقة لها بالحكاية، ما يجعلنا نتسائل ما أهمية التركيز على هذه المعلومة رغم أنها ليست مفيدة بأي شكل لسياق الفيلم.
تفصيلة أخرى تجعلنا نربط فيلم وش في وش بالمسلسل سالف الذكر وهي اختيار أمينة خليل لتقوم بأداء نفس شخصية الزوجة الغاضبة التي أدتها في المسلسل، وأيضاً وجود الممثلة أسماء جلال في شخصية صديقة البطلة المستقلة المتحررة، والممثل محمد شاهين لكنه يقدم شخصية مغايرة عما قدمه في المسلسل.
يناقش الفيلم أحد الأسباب التي قد يلجأ الزوجان نتيجة لها إلى الطلاق وهي تدخل المحيطين بهم في مشاكلهم، خاصةً أم الزوجة على طريقة ماري منيب في فيلم "الحموات الفاتنات"، ودفعهم نحو أفكار وقرارات عن طريق إسداء نصائح تمثل إنعكاساً لتجارب ومشكلات هؤلاء الأشخاص مع الآخر
حموات فاتنات
يناقش الفيلم أحد الأسباب التي قد يلجأ الزوجان نتيجة لها إلى الطلاق وهي تدخل المحيطين بهم في مشاكلهم، خاصةً أم الزوجة على طريقة ماري منيب في فيلم "الحموات الفاتنات"، ودفعهم نحو أفكار وقرارات عن طريق إسداء نصائح تمثل إنعكاساً لتجارب ومشكلات هؤلاء الأشخاص مع الآخر. فنرى أم الزوجة المتسلطة "أنوشكا" التي تتحكم في زوجها "سامي مغاوري" وتريد أن تصبح ابنتها صورة منها وتسعى إلى إتمام طلاقها، وهي رغبتها الدفينة التي لم تستطع هي تحقيقها، حتى أنها تدخل طوال الفيلم في صراع مع أم الزوج، مثل الفيلم الكلاسيكي السالف الذكر، لإثبات الوجود وإحكام السيطرة على الموقف.
أيضاً شخصية الصديقة المستقلة المتحررة المحجمة عن الزواج والارتباط خوفاً من تحكم الرجل بها، والتي ترى أن الطلاق هو الحل الأمثل لصديقتها للانفصال عن سلطة زوجها وامتلاك تقرير مصيرها.
على صعيد آخر نرى أصدقاء الزوج يقحمون أنفسهم في هذه المعركة العائلية الخاصة وكل منهم يحمل أسبابه الخفية، فهناك الصديق الذي يسعى خلف صديقة الزوجة "محمد شاهين" ويتخذ من وجوده في قلب الحدث حجة للتقرب منها، بينما يؤجج آخر شعلة المعركة "محمد كمال" من أجل ثأر شخصي مع أخ الزوجة "أحمد خالد صالح".
الزوجة، كما يصورها الفيلم، فتاة مدللة واقعة تحت سيطرة أمها، لا تفعل شيئاً سوى إرهاق ميزانية زوجها بمتطلبات مادية تفوق احتماله، وشخصية أم الزوجة "أنوشكا"، المتحكمة التي تدخل في حياة ابنتها دوماً وتفسدها، وتحاول أن تصنع منها صورة جديدة منقحة بالرغبات التي لم تستطع تحقيقها
شخصيات نمطية
لم يقدم الفيلم شخصيات جديدة مختلفة عما تم تقديمه سابقاً في أعمال سينمائية ودرامية تناولت نفس الموضوع ربما منذ خمسينات القرن الماضي، فالزوجة، كما يصورها الفيلم، فتاة مدللة واقعة تحت سيطرة أمها، لا تفعل شيئاً سوى إرهاق ميزانية زوجها بمتطلبات مادية تفوق احتماله وقدرة راتبه الهزيل على مجاراتها، وشخصية أم الزوجة "أنوشكا"، المتحكمة التي تدخل في حياة ابنتها دوماً وتفسدها، وتحاول أن تصنع منها صورة جديدة منقحة بالرغبات التي لم تستطع تحقيقها، حتى أن هذه الشخصية القوية المتسلطة قد قدمتها أنوشكا بنفس تفاصيلها في أعمال درامية أخرى. =
وشخصية الأب، يقوم بدوره سامي مغاوري، الضعيف الشخصية المنصاع تماماً لزوجته، ولا يجد غضاضة في الظهور بهذا الضعف أمام الآخرين والاعتراف بأن امتثاله لها هرباً من المشاكل نوعاً من الحكمة ورجاحة العقل، حتى وإن كان على حساب كرامته.
هذا طبعاً في مقابل والدي الزوج "بيومي فؤاد، وسلوى محمد علي" المتزنين اللذين يحاولان الإصلاح بين الزوجين والتصدي لمحاولات أسرة الزوجة في إفساد حياة ولدهما وإرهاقه بمتطلبات غير منطقية.
بالإضافة إلى النظرة المحدودة للفتاة المستقلة المتحررة التي تدفع صديقتها نحو الطلاق تطبيقاً لمعتقداتها عن الزواج، ثم يكشف الفيلم عن إعجابها القديم بزوج صديقتها ما يجعل تشجيعها للطلاق نوع من الغيرة.
الضيق المكاني والزماني يتطلب حلول درامية جذابة تحافظ على وحدة البناء وفي ذات الوقت لا تسمح بتسرب الملل إلى المشاهدين، وهي مهمة وفق فيها إلى حد ما خاصة في النصف الأول من الفيلم، لكنه لم يستطع إحكام السيطرة عليها
خطوط درامية زائدة
يقدم المخرج حكايته في حيز زماني ومكاني ضيق حيث تدور أحداثها في عدة ساعات وفي مكان واحد هو شقة الزوجين التي تم احتباس جميع الشخصيات داخلها، وهي حيلة ذكية تمثل التدخل المعنوي والمادي لكل هؤلاء (العائلتين والأصدقاء) في حياة هذين الزوجين، والذي يتطور في مشهد النهاية باقتحام غرفة نومهما.
هذا الضيق المكاني والزماني يتطلب حلول درامية جذابة تحافظ على وحدة البناء وفي ذات الوقت لا تسمح بتسرب الملل إلى المشاهدين، وهي مهمة وفق فيها إلى حد ما خاصة في النصف الأول من الفيلم، لكنه أيضاً لم يستطع إحكام السيطرة عليها وقتاً طويلاً فلجأ إلى خلق شخصيات وقصص فرعية زائدة مثلت عبء على سيناريو الفيلم وأصابت نصفه الثاني بالوهن والتشتت بعيداً عن الفكرة الرئيسية.
فهناك شخصية الخادمة، دنيا سامي، ونظرتها الطبقية للعائلة التي تعمل عندها والمشاعر التي تكنها للبطل، ثم العلاقة التي تنشأ بينها وبين السائق، يقوم بدوره محمود الليثي، أثناء فترة الاحتباس داخل الشقة، وحوارهما حول منظورهما نحو علاقة الرجل بالمرأة في طبقتهما.
وأيضاً شخصية الصديق الفاسد التي قدمها خالد كمال، وأزمته مع نظرة أسرة البطل واحتقارهم له، ومحاولاته المستميتة طوال الفيلم لتصحيح هذه الصورة الزائفة عنه، وحكاية المرض الخطير الذي يعاني منه والد البطل، بيومي فؤاد، وإخفاءه لهذا الأمر عن أسرته دون سبب واضح. تبدو هذه التفاصيل مقطوعة الصلة بالفكرة الرئيسية للفيلم ولا تمثل أي تأثير على تطور الحدث ما يجعلها حملاً تقيلاً على الفيلم.
فيلم "وش في وش" هو تجربة جيدة إجمالاً على مستوى الصنعة السينمائية، والقدرة على تقديم كوميديا ذكية مستندة على مواقف نسجت بحرفية درامية عالية دون افتعال أو مبالغة وأن كانت لم تقدم جديداً على مستوى الفكرة والشخصيات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع