شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كعكة عيد ميلاد لابنتي في الحرب... عن أولويات الأمومة الغريبة

كعكة عيد ميلاد لابنتي في الحرب... عن أولويات الأمومة الغريبة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأربعاء 11 أكتوبر 202308:43 ص

أيقظت زوجي وأنا أقرأ بصوت عال الخبر التالي "سيطرة المقاومة الفلسطينية على حاجز إيرز في غزة"، طلب مني أن أعيد قراءة الخبر ثم نهض مسرعاً، وبدأنا نستمع إلى الأخبار في ذهول أمام ما يحدث، وفي اللحظة ذاتها سألته: "يعني رح يصير حرب"؟

بعض الأسئلة لا تخطر على البال في الأحوال العادية، خاصة لمن لم يختبر في حياته ظروفاً فلسطينية "عادية" حسب تعبير من عاش حياته في فلسطين، إلا أنني لا أعرف ما هي الحرب، ولم أطرح أسئلتها من قبل على نفسي أو على من عايشها، ويبدو أن ما يحدث اليوم سيفرض أسئلة جديدة علي، كامرأة وأم انتقلت للحياة في فلسطين حديثاً، وتحديداً رام الله التي من الممكن أن تتعرض لاجتياح أو حظر تجول أو حرب كما يتخوف ويتوشوش أهلها.

أسئلة الأطفال عن الحرب

السؤال الأول والأصعب كان من ابنتي التي اقتربت من إتمام عامها الرابع: "شو هاد اللي بتتفرجوا عليه"؟ نظرت إلى زوجي أحاول طلب النجدة، فطلب مني تأجيل أي توضيح حول ما يحدث لأبعد وقت ممكن.

حتى وإن بدا أن إبعاد أطفالنا عن استيعاب ما يحدث حولهم أمراً جيداً لاستقرارهم النفسي، إلا أن الحياة في هذه البقعة الجغرافية تجعل واحدنا يحيّد المنطق في بعض الأحيان، فطفلتي لم تتوقف عن إبداء استغرابها من جلوسنا طيلة الوقت أمام الأخبار التي تظهر مشاهد غير مألوفة بالنسبة لها.

هل نحن في حالة حرب؟

وصلتني رسالة من صديقتي تؤكد علي ضرورة شراء مؤونة للمنزل وحليب أطفال لرضيعتي التي تبلغ ثلاثة أشهر، قرأت الرسالة واستغربتها، وخرجت من البيت فوراً لشراء الخبز فأنا لدي "كل شيء" في البيت ولا ينقصني إلا ربطة واحدة من الخبز، لكن حالة المخابز كانت تؤكد الذي قالته صديقتي ولم أفهمه جيداً؛ إذ لا يوجد رغيف خبز واحد في المخبز الأول وكذلك الثاني والثالث، وجميعهم طلبوا مني العودة بعد ساعة أو أكثر ليتمكنوا من تجهيز المزيد من الخبز.

السؤال الأول والأصعب كان من ابنتي التي اقتربت من إتمام عامها الرابع: "شو هاد اللي بتتفرجوا عليه"؟ نظرت إلى زوجي أحاول طلب النجدة، فطلب مني تأجيل أي توضيح حول ما يحدث لأبعد وقت ممكن

إذن نحن في حالة حرب، لا يوجد خبز في المخابز وهناك حركة بيع كثيفة في المحلات.

كيف عليّ أن أضمن حماية ابنتيّ؟ ما الأغراض التي يحتاجها المنزل؟ بالمناسبة ما الذي حدث في الانتفاضة الأولى والثانية؟ هل سنحصل على تعويض إذا خسرنا منزلنا؟ هل تشعر عائلتي في الخارج بالخوف عليّ الآن؟ كيف سأجيب ابنتي عن سبب عدم ذهابها إلى المدرسة؟ ما هو صوت طائرة الاستطلاع الإسرائيلية المعروفة بالزنانة؟ هل ننام حين نشعر بالنعاس أم نظل مبحلقين في التلفاز؟

تنظيف الشبابيك وتعزيل المنزل

الظروف غير الطبيعية هي فرص ذهبية للتعرف إلى الذات، وبالأخص التعرف إلى ميكانزمات الدفاع التي يختارها الدماغ لتقليل التوتر في الظروف الطارئة؛ فبعد ساعتين متتاليتين من متابعة الأخبار ضمن حالة تأهب عالية وجدت نفسي أقوم بتنظيف شبابيك البيت والجدران وأغسل الستائر وألمّع الزجاج وأعزّل الملابس الصيفية والشتوية، وحين انتهيت سألت نفسي: هل هذا وقت تنظيف؟ وسخرت فوراً مما حدث قائلة: "حرب على نظافة أحسن من حرب على وسخ". 

خرجت من البيت فوراً لشراء الخبز، حالة المخابز أكدت نصيحة صديقتي لي بضرورة التموين، إذ لم أجد رغيف خبز واحد في ثلاثة مخابز.

ثمة رعب مبالغ فيه يصيب من يتابع الفلسطينيين من الخارج، فحين كنت أتحدث مع أبي على الهاتف اليوم وأخبره عما يحدث وعن أحوال البلد، تدخّلت أمي على الفور وأشارت لي بأن أصمت لأن كل شيء واضح على التلفاز ولا حاجة للحديث عن تفاصيل أخرى عبر الهاتف، ما يعني أن أمي تخشى أن أتعرض وعائلتي للخطر إذا تحدثت عن إسرائيل على الهاتف. أي جنون هذا؟ في الوقت ذاته طلبت مني أختي أن ألتزم الجلوس في المنزل، وأرسلت لي قريبتي دعوات علي أن أرددها باستمرار إلى أن تنتهي الحرب.

ماذا لو انقطعت مستلزمات الأطفال؟

في نهاية اليوم كتبت قائمة بالحاجات اللازمة للمنزل في حالة الحرب أو حظر التجول الذي يمكن أن يحصل غداً وحتى إشعار آخر، وصار علي أن أقدّر الكميات التي يمكن أن تستهلكها أسرتي يومياً من طعام وشراب، ثم التفكير بطريقة تقليلها إلى النصف لأن حالات الطوارئ تفرض تقنين الاستهلاك، لكن هناك بعض الأمور لا يمكن التحكم فيها مثل حفاضات الأطفال، ودواء المغص وخافض الحرارة والسجائر والشامبو والخبز. وهكذا كتبت عدة قوائم ومزقتها وعدت للكتابة ولم أفلح في الوصول إلى قائمة الحاجيات الأساسية في حال حصول حرب. 

الفكرة الأخيرة التي ختمت فيها السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كانت حول طلب صديقتي مني بأن أموّن علب حليب لطفلتي، علماً بأنها تعرف أنني أرضع ابنتي رضاعة طبيعية بالكامل، حاولت أن أفسّر هذا الطلب طيلة النهار لكنني فشلت، وقبل أن أنام تذكرت أن الخوف يتسبب بتوقف إدرار الحليب، وأنا سأخاف من الحرب بلا شك، لذا علي شراء الحليب يوم غد وبكميات جيدة.  

بعد ساعتين من متابعة الأخبار وجدت نفسي أنظف الشبابيك والجدران وأغسل الستائر وألمّع الزجاج وأعزّل الملابس الصيفية والشتوية، وحين انتهيت سألت نفسي: هل هذا وقت تنظيف؟ وسخرت فوراً : "حرب على نظافة أحسن من حرب على وسخ"

ما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر يشبه الحلم. "المقاومة الفلسطينية" هي التي بادرت إلى المعركة، برأيي لا يهم ما سيحدث غداً وفي الأيام القادمة طالما أنها المرة الأولى التي يخسر فيها الإسرائيلي كما يخسر الفلسطيني؛ فهل يصبح الموت أخف وطأة حين تكون خسائر الحرب متشابهة؟ وحين يخاف العدو الذي أخافه من الفلسطينيين؟

كُتبتْ هذه المادة أثناء متابعة الأخبار فجر الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، بينما تطلب مني ابنتي أن أستمع إلى طلباتها الخاصة بشكل كعكة ميلادها الذي سيأتي بعد شهرين، وقد اتفقنا على أن يكون "يوني كورن".  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image