صباح السبت 7 تشرين الثاني/ أكتوبر، استيقظ العالم على عناوين غير مألوفة من فلسطين. العناوين الرسمية على القنوات الإخبارية العربية والإسرائيلية تقول إن كتائب القسام هاجمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وقتلت وجرحت وأسرت عدداً ليس بالقليل من المستوطنين. أما اللغة غير الرسمية فتقول إن حماس أوجعت إسرائيل، في الوقت الذي تصدّر فيه وسم #طوفان_الأقصى معظم الصفحات في مواقع التواصل، وهو الاسم الذي أطلق على العملية.
حالة السعادة والنشوة التي أصابت الكثيرين غير مسبوقة، ومع هذا فهي غير مستغربة تماماً، لكن طبعاً لم تغب "مشاعر الخوف" منذ اللحظة الأولى، واختلطت مع مشاعر الفرح بتحقق "قليل من العدل المؤجل" كما تقول سهى (33 عاماً) وهي أم لطفلة عمرها 5 سنوات، وتسكن في رام الله مع عائلتها.
اشتريت الأدوية والطعام
تقول سهى لرصيف22: "نعلم جيداً أن الثمن سوف يُدفع، وأن نتنياهو بمجرد أن يرفع رأسه ويأخذ نفسه سوف ينتقم من كل الفلسطينيين وليس من أهل غزة فقط، لكنْ هناك وقت للفرح ووقت للحزن، ونحن جربنا النوع الثاني كثيراً وسنجربه بعد، لذا لن نبخل على أنفسنا بالفرح قليلاً".
وفي إجابتها على سؤال عما إذا كانت قد أخذت أية احتياطات، تقول: "سأذهب بعد قليل لشراء الطعام والأساسيات، وبعض الأدوية التي قد أحتاجها أو تحتاجها ابنتي، كمخفضات الحرارة، والمضادات الحيوية. لا نعرف متى سيتم فرض إغلاق، لكن لا أحد يستبعد أن نجد الدبابات الإسرائيلية تحت نوافذنا في المصيون بعد قليل".
ابنتي ستعيش ما عشته
حالة تخزين الطعام والأدوية بدأت منذ الصباح في مدن الضفة الغربية والقطاع وبمجرد تصدر أخبار ما يحصل حول غزة. لكنها لم تنتشر إلى الحد الذي يمكن وصفها به بأنها حالة عامة أو هستيرية، بيد أنها بالتأكيد تعطي مؤشراً على الشعور العام والنبوءة القادمة.
يقول ضياء البرغوثي من رام الله وهو أب لطفلة عمرها 3 سنوات: "في مثل هذه الأوضاع الخوف مفهوم، وسرعة الناس في شراء المواد الأساسية شيء طبيعي. بالنسبة لي كأب، صرت أخاف على ابنتي وأخاف ألا أتمكن من توفير احتياجاتها الأساسية".
سهى: "سأشتري الطعام والأساسيات، وبعض الأدوية التي قد أحتاجها أو تحتاجها ابنتي، كمخفضات الحرارة، والمضادات الحرارية، لا نعرف متى سيتم فرض إغلاق، لكن لا أحد يستبعد أن نجد الدبابات الإسرائيلية تحت نوافذنا في رام الله"
ويضيف أن هذا النوع من الأحداث هو أمر يختبره كل فلسطيني لطبيعة وضعه التاريخي والسياسي، فلا مفر منه، فكما عاشه هو ستعيشه ابنته، ويقول: "أنا عشت منع التجول، وفي طفولتي عشت مع أهل قريتي منع التجول لأربعين يوماً متواصلة ودبرنا أمورنا. كذلك في انتفاضة الأقصى والاجتياحات دبرنا أمورنا، فالأمر بالنسبة لي ليس هاجساً، وما عشته ستعيشه ابنتي أردنا ذلك أم أبينا".
مشاعر مختلطة
أما الكاتبة سحر موسى من غزة، والتي هاجرت إلى السويد قبل سنوات قليلة، فتقول لرصيف22: "اليوم استيقظت على طوفان رسائل من أمي في غزة، لم أركز كثيراً في بداية الأمر، قلت مناوشات وضرب كالعادة وما يحدث في غزة هو ما يحدث في غزة، لكني وبمجرد أن كبست على أيقونة الفيسبوك بدأت أستوعب أن الأمر مختلف هذه المرة وأخذتني المفاجأة كما أخذت الجميع، عملية للمقاومة بهذا الحجم كفيلة بإيقاظ جميع المشاعر المختلطة، من جانب هنالك الامتلاء المفاجئ بالأمل من أن بمقدورنا كفلسطينيين أن نقدم على ضربة تترك أثراً بعد زمن من التعرض للضربات والطعنات من كل جانب، ولا يستطيع الواحد منا إلا أن يتنفس قليلاً في هذه اللحظة ويترك مشاعره تنساب وتختلط مع مشاعر غيره ليؤكد على شعوره بالانتماء والولاء لأهله".
طبيب: "في الاجتياح كنا نخزّن المواد الطبية كالشاش والمواد التي قد نضطر لاستخدامها للاسعافات الأولية".
وتضيف: "ألتقط نفَسي للحظة مع الجميع وفي اللحظة التالية أبدأ بالتهيؤ للحرب وتحسس الطريق في الأجواء الاحتفالية من حولي لأنظر إلى ما بعد هدوء الهتافات والتبريكات. دائماً مشاعر الخوف والتوجس تفوق لدي أي مشاعر أخرى، بالأخص لأنني لست في غزة اليوم وعندي أهل أخاف عليهم وأنا عاجزةٌ عن مشاركتهم شعورهم لحظة بلحظة، ولم يعد الأمر بالنسبة لي أمراً واقعاً سيمر علي وعلى غيري بغض النظر عن رأيي أو رأيه. الحرب بدأت ولا شيء بمقدوره إيقافها، وكلنا نعرف تكلفتها جيداً، ربما تكون ضربة المقاومة فارقة وفريدة هذه المرة، لكنها تبقى غير كافية لإعادة الثقة بالنتائج أو لقلب الموازين، لكنها بالطبع تمنحنا أملاً نقتاتُ عليه في الأيام القادمة، في النهاية لا يمكنني إلا أن أتمنى السلامة لغزة ولأهلي هناك، وأن أؤيدهم منذُ اللحظةِ الأولى حتى الأخيرة".
الأطباء يخزنون الأدوية والرسامون يخزنون الألوان
يقول أسامة، الذي عمل كطبيب في الإغاثة الطبية (48 عاماً): "لا نستطيع التنبؤ بما سيحدث، لكنها الاحتياطات نفسها التي كنا نأخذها في الإغلاقات السابقة مثل إغلاق الانتفاضة الثانية الذي حدث بعد اجتياح المدن الفلسطينية، الناس يخزنون في هذه الأوقات كل شيء، وبشكل خاص المعلبات والطحين والخبز، وما يمكن تخزينه من الطعام الذي لا يفسد بدون كهرباء وثلاجة، وطبعاً الدخان بكثرة. أما لمن لديهم أطفال فالحليب والحفاظات هما الأولوية، إلا أن ما نخزنه جميعاً هو الوقود، فنملأ سياراتنا بالبنزين تحسباً لأي هروب".
ويضيف: "نحن معتادون على الظروف الاضطرارية أو الاستثنائية، هناك دائماً لجان شعبية يتم تشكيلها من قبل النقابات أو الفصائل تقوم بتوزيع طرود الطعام أو الحاجات الأساسية، مع ضرورة الانتباه إلى أن المدينة غير القرية في هذه الأيام، ففي القرى يقل الشعور بالخوف عن المدينة، وتقل الحاجة إلى التخزين".
مريم من مخيم جنين: "أنا مذعورة بالطبع، ومع أنني لا أقاوم شعور الشماتة، لكن هذا لا يعني أنني لا أنظر إلى السقف فوق رأسي ورؤوس أطفالي وأتساءل إن كان سيبقى مكانه في الأيام القادمة"
ويختم باستذكار فترة الاجتياح: "في ذلك الوقت الأطباء كانوا يخزنون المواد الطبية كالشاش والمواد التي قد يضرون لاستخدامها للاسعافات الأولية، والطريف أن كل شخص يفكر بطريقة مختلفة، أعرف بعض الفنانين كانوا يشترون الألوان بكثرة إذا استشعروا قرب إغلاق قادم".
ربما نموت في المخيم، لكننا لا نجوع فيه
تقول مريم من سكان مخيم جنين: "أنا مذعورة بالطبع، لكنني لا أستطيع أن أقاوم شعور الشماتة بالإسرائيليين، لكن هذا لا يعني أنني لا أنظر إلى السقف فوق رأسي ورؤوس أطفالي وأتساءل إن كان سيبقى مكانه في الأيام القادمة".
مريم وهو ليس اسمها الحقيقي، فضّلت أن تتحدث باسم مستعار خوفاً من أن تصرح بخوفها علناً، تقول: "الأمهات يخفن سراً، والحديث عن الخوف الآن غير مرغوب وقد يكون له عواقب، فالجميع سعيد ويوزع الحلوى وهناك شعور بالنصر".
وعن احتياطاتها، تقول إنها لم تتخذ أيا منها لأن الأوضاع المادية لا تسمح بكثير من التخزين، إلا أنها تشير إلى أن أهل المخيم اعتادوا على هذا النوع من الكوارث، وهم يتساعدون خلال هذه الأوقات، فحتى البقالات تفتح أبوابها وتخرج كل بضاعتها بالدَّين للناس، "ما في حد بجوع في المخيم". تختم حديثها.
مديرة مركز مدار للدراسات الإسرائيلية: "أتوقع أن يكون الرد الإسرائيلي صعباً جداً، نتيجة شعورهم بالمهانة والإذلال مع وجود حكومة يمينية متطرفة".
رصيف22 تحدث مع مديرة مركز مدار للدراسات الإسرائيلية هنيدة غانم، وسألها إن كان يمكن توقع رد الفعل الإسرائيلي، أو إذا كان الناس محقين في تخوفاتهم، فتقول إن توقع القادم صعب جداً لكنه مخيف جداً في نفس الوقت، تضيف: "الاندهاش هو الشعور الطاغي الآن، ونظراً لحجم المفاجأة من المبكر قراءة ما قد يحدث سياسياً والتحدث عن تبعاته، لكن الإسرائيليون في حالة صدمة، وشعورهم الطاغي هو الشعور بالإذلال، وتوقعي أن يكون رد الفعل صعب جداً".
وتتابع: "نقرأ المشهد وفق ثلاثة معطيات، حكومة يمينية متطرفة جداً، وشعور المهانة الكبير جداً، وأخيراً الصدمة لدى الإسرائيليين. وغالباً سيحاولون الآن استرجاع هيبتهم وردعهم، ومع هذا فالأمور ضبابية، وهذا يزيد من الخوف".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع