شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ماما:

ماما: "البيت ده طاهر وحا يفضل طول عمره طاهر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الثلاثاء 28 نوفمبر 202311:19 ص


‑ "شو ماما؟ كيف السكس هاليومين أنت وبابا؟"

‑ "يييييييييييي"

تصرخ أمي بمزيج من الاشمئزاز والاستغراب كلما حاولت المزاح معها، كمن دعي على عزيمة عشاء معفّن يأكله الدود والصراصير. لا أستغرب الجواب، فحتى لوجيستياً، لم يعد التقارب ممكناً.

عندما أصيب والدي بڤيروس كورونا، حجر نفسه في غرفته، وذهبت أمي لتنام في غرفة ابنتها الشاغرة.

ولم تعد.

كلاجئة جُرِّدت من أرضها، أو كصبيةٍ تركت بلدها وهاجرت، ومنذ ذاك الوقت، لم يعد بإمكان أمي أن تتشارك أي شيء مع أبي. أعتقد أنه لو بإمكانها أن تلجأ بعيداً إلى بيت آخر أو حتى بلد آخر، كانت لتقبل.

في الصالون صورة من عرس أهلي، يأكلها الغبار والاصفرار، وتأكلني التساؤلات كلما وقع نظري عليها. تقول الكيمياء: لا شيء يخلق، كل شيء يتحول. أين ذهب الحب، أو هل كان موجوداً يوماً؟

"شو ماما؟ كيف السكس هاليومين أنت وبابا؟"... تصرخ أمي بمزيج من الاشمئزاز والاستغراب كلما حاولت المزاح معها، كمن دعي على عزيمة عشاء معفّن يأكله الدود والصراصير. لا أستغرب الجواب، فحتى لوجيستياً، لم يعد التقارب ممكناً

عندما خرجت أمي من المستشفى بعد وعكة صحية، تفاجأنا بأبي يقبلها سريعاً على جبينها ويهنئها بالسلامة. قبلة واحدة سريعة سرعة البرق على الجبين فقط، جعلتنا أنا وإخوتي نقهقه كمن فضحوا أهلهم في موقف حميم محرج. أقول هذا وأنا لم أفاجئ أبداً أهلي بموقف مماثل، لكن رفاقي تحدثوا لي عن ذاك الشعور بالاشمئزاز الذي يرافق رؤية مشهد الأهل في خضم العلاقة الجنسية.

عند سماع هذه الأحاديث، في الصميم، تأكلني الغيرة: كنت أحب لو فاجأت أهلي في لحظة حب، ولكن لم أشاهد سوى مشاهد المشاجرات والمشاكل، ما جعلني أعتقد أن علاقة أهلي هي كشاشة ال mbc السعودية، تتفاخر بالعنف وتعرضه متباهية، ثم تمنع أي رمز للحب والحميمية. وأنا وإخوتي، كالمشاهد العربي، أصبح الصراخ والمشاجرة خبزنا اليومي، فإذا هدأ البيت، نشعر أنه من حقنا أن نكتب للمسؤولين عن القناة، ونمتعض عن تغيير البرنامج اليومي.

على "رغم الجو المشحون وتبعاً للظرف المرهون"، لم يكن أبداً باستطاعة أمي مغادرة البيت.

كان من المحتمل، في وقت من الأوقات، أن تدق باب أهلها في "نصاص الليالي" مع حقيبتين، ولد أو ولدين، وورقة: "خلص ما بآ بدي إلعب بيت بيوت"، فتظهر كالمحارب العائد بعد خسارته.

ولكن الطلاق لم يكن وارداً قط.

المشكلة لا تكمن فقط في كونها ست بيت بدون مدخول يجعلها تتحكم بحياتها كما تريد، ولكن، ككل العائلات المحافظة، الطلاق يعد من أحد رؤوس الطاعون المسرطن الثلاثة. والله ينجينا منه!

في الحقل المعجمي الملتزم العربي، الطاعون المسرطن هو عبارة عن ثلاثة ألفاظ، إذا ذكرها أحدهم أمامكم، قد تحل لعنة على آذانكم وبيوتكم وأحيائكم وموتاكم.

1- الطلاق

2- المثلية

3- الإلحاد

ولكن برغم كل الموضة التي تلفّ موضوع المثلية الشائك في عالمنا العربي الهش والبريء، وموضوع الإلحاد، التابو الأكبر، سوف نقتضي بالحديث عن الوباء الأول فقط، ونسأل سؤالاً عميقا وجوديا فلسفيا شكسبيرياً: هل يطلّق الثنائي غير السعيد، أم لا يطلّق؟

حتى الآن، تتباهى أمي بعملية إنقاذ زواج جارتنا سعاد التي كانت على وشك أن تترك زوجها، فأقنعتها ماما بالصمود والمثابرة والحفاظ على منزلها: "وهيدا جوزك ما بيصير"، و"شو بدك تخربي بيتك؟"، و"بكرا بس يكبرو الولاد بيتغير". وما لا تعلمه أمي أن الأولاد قد يفضلون تفكك العائلة والحصول على بعض السلام في منزلين مختلفين، على العيش في أجواء مشحونة متواصلة تحت سقف واحد. لا أحد أخذ برأيهم أصلاً.

يعجّ الحي بقصص نساء ذهبن، أخريات بقين رغم رغبتهن، أو نساء حاولن مواجهة الواقع البغيض على طريقتهن. تخبرني ماما أن جارتنا بدرية تزوجت رغماً عنها من رجل لا تحبه، ووجدت نفسها عشيقة أخيه لسنوات عديدة.

تخبرني أيضاً عن جارتنا روز، التي على مدة سنوات طويلة، كانت تنتظر كل يوم زوجها ليعود من منزل عشيقته، فتقضي نهارها تطبخ وتكنس وتترقب وصوله، وهي تكزدر من الشباك إلى البلكون. ومؤخراً، أخبرتني عن حليمة، التي كانت تحلم بحياة أخرى. وإذ بها عند خروجها من قسم الولادات في المستشفى، ترى سيارتين بانتظارها ومولودها الجديد. في السيارة الأولى، زوجها مع ولدَيْها البكر، وفي الثانية حبيبها ووالد مولودها الجديد. بلا تردّد، توجهت حليمة إلى سيارة حبيبها وتركت زوجها وولديها يعودون وحدهم إلى البيت.

هل أولاد حليمة يساندون رحلة أمهم بالبحث عن الحب؟ هل يفضلون طلاقها على بقائها تعيسة في منزلها؟

أردت رأي أمي بحالة ليليان، جارتي الفرنسية، فأخبرتها تفاصيل قصتها ذات يوم: تزوجت ليليان باكراً من حبيب الصف الدراسي، وأنجبت منه ولدين وعاشا قصة حب لطيفة، إلى حين أصبحت في عمر الأربعين، وقعت ليليان بحب شاب في منتصف العشرينيات، وهجرت زوجها لتعيش قصة حبها معه.

بعد بضعة أشهر، "خلص الحب وسكتت الكلمة وتسكر القلب وما وقع ولا نجمة"، فعادت ليليان إلى زوجها، وها هي الآن، تحتفل بعيدها السادس والستين بقربه.

يعجّ الحي بقصص نساء ذهبن، أخريات بقين رغم رغبتهن، أو نساء حاولن مواجهة الواقع البغيض على طريقتهن. تخبرني ماما أن جارتنا بدرية تزوجت رغماً عنها من رجل لا تحبه، ووجدت نفسها عشيقة أخيه لسنوات عديدة

أحب قصة ليليان كثيراً، فهي تشرّع الخطأ والاعتذار. تخبرنا أن الوقوع في الحب ممكن، والخروج منه ممكن أيضاً. ومع هذه المادة الدسمة، توقعتُ أن أدعي ريكاردو كرم أو حتى كلود أبو ناضر هندي، ونفتح طاولة حوار مباشرة على الهواء، لكن ماما ردت ببساطة: "هاي بفرنسا".

أصرّيت محاولاً إكمال الحديث: "ماما، كان من الممكن أن تعيشي بفرنسا!"، وأذكرها بقصة الحب التي عاشتها في باريس في صباها.

وجدتُ في يوم من الأيام دفتر ذكريات في غرفة أمي، كتب في أوائل السبعينيات، عندما زارت خالي في العاصمة الفرنسية. اكتشفت فيه (بعد طلب الإذن لقراءته طبعاً) أنها هناك، تعرفت على صديق لبناني لخالي، يملك مطعماً لبنانياً في باريس (كأكثرية اللبنانيين المقيمين في فرنسا) وتواعدا طوال إجازتها الفرنسية.

تكتب أمي بلغة عربية عفوية، وبتفاصيل صغيرة وبريئة أماكن لقائهما، تصف اللحظات وطعم القهوة والمأكولات، وحتى تتلو الصلوات التي تضرعت بها كي ترى هذا الشاب مجدّداً.

كنت أظن أن القصة انتهت هنا، وأن الصلوات لم تصل إلى آذان صاغية، فربما كان القديسون يومذاك في رحلة حج إلى دير مار شربل عنايا، يغنون ويلعبون سوق عكاظ في البوسطة، وبالتالي لم يستطيعوا سماع تضرعاتها، ولكنها أخبرتني أنها تلقت زيارة من هذا الشاب بعد عودتها إلى لبنان، وإذ بها تنهي العلاقة، رافضة الغربة والبعد عن أهلها وبيتها.

وهكذا، أتسلى أحياناً، ومن كثرة الملل والخيبة، ومن خوفي أن أنتهي كأهلي في علاقة تُحتضر على مر السنين، ومن أعلى عرش جيل "الميلينيال" الذي أنتمي له، أتخيّل كيف كانت لتكون حياة أمي لو بقِيَت في فرنسا، أو لو لم تقبل بالزواج من أبي، أو لو قررت تركه لتعيش حياة مختلفة؟ أكانت وحدها أم مع رجل آخر؟ يكبر رأسي ويبني لي قصراً من وهمٍ، إلى أن تناديني أمي قاطعة حبل مخيلتي، فأدخل المطبخ وأجلس على المائدة معها ومع وأبي، وأكتفي بإيجاد طرق جديدة وخلّاقة لتغيير الحديث، كلما قرّر شبح الخلاف أن يزورهما. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard