منذ الإعلان عن توقيع مذكرة التفاهم الخاصة به، على هامش مؤتمر مجموعة العشرين المنعقدة مؤخراً في العاصمة الهندية نيودلهي، سال وسيسيل الكثير من الحبر حول مشروع الممر الاقتصادي الرابط بين الهند وأوروبا عبر دول المنطقة، ومنها الخليجية.
يتحدث موقع "أسباب" عن إصرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على انتزاع الزعامة الإقليمية، مستدلاً بتصدّره لإعلان مذكرة التفاهم كممثل عن الشرق الأوسط، للتأكيد على محورية دور السعودية في المشروع، برغم أن فكرته قادمة من أبو ظبي، لا من الرياض. إذ تنظر الأولى إلى الممر المحتمل، كرافعة لتعزيز تموضعها الإستراتيجي المأمول، من خلال دمج مصالحها التجارية والاقتصادية مع مصالح قوى متعددة إقليمياً ودولياً، باعتبارها نقطة اتصال بحري رئيسيةً في مشروع الممر، وتالياً تعزيز أمن دولة الإمارات إزاء التهديدات الخارجية.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد أشار إلى الدور الإماراتي عند مخاطبته الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، بالقول: "لا أعتقد أننا سنكون هنا من دونك".
مؤخراً، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، عن تصاعد حدة الخلافات الإماراتية-السعودية بشأن ملفات عدة، أبرزها اليمن والنفط وغيرهما، وأن كبار قادة البلدين تجنّبا مشاركة الأحداث التي استضافاها مؤخراً بشكل مقصود. وبرغم تحالفهما الرسمي، إلا أنهما تباعدتا على جبهات عدة، وتنافستا على الاستثمار الأجنبي والنفوذ في أسواق النفط العالمية واصطدمتا في تحديد اتجاهات حرب اليمن.
أحد المصادر الرئيسية للصراع أن الإمارات ترى نفسها "كمنافس للسعودية وليس كشريك صغير"
وبحسب حديث إيمان الحسين، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إلى الصحيفة نفسها: "تطورت المنافسة الإقليمية بين دول الخليج في الآونة الأخيرة حيث تحاول السعودية والإمارات جذب المستثمرين والمواهب الأجنبية. ومع ذلك، لا تزال المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحافظان على التعاون في مجالات مختلفة. حيث تتعلم دول الخليج كيف تتعايش مع اختلافاتها".
فالدولتان "تعيدان تقييم ميزان القوى في علاقتهما الثنائية بما ينطبق على الساحة الإقليمية والدولية". ووفقاً لمتابعي الشأن الخليجي، أحد المصادر الرئيسية للصراع أن الإمارات ترى نفسها "كمنافس للسعودية وليس كشريك صغير"، حسب الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو.
بدورها، ترى كبيرة مستشاري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، دينا أسفندياري، أنه "حتى سنوات قليلة ماضية، لم يُسمع عن هذا النوع من الانقسام بين الأشقاء والسعي الصريح إلى تحقيق أهداف تتعارض مع ما يسعى إليه البعض منهم". إلا أنه في الوقت الحالي بات الأمر "طبيعياً بشكل متزايد"، إذ إن الإماراتيين قلقون من أن السعودية تعمل ضد مصالحهم، فيما السعوديين قلقون من أن الإمارات باتت تشكل تهديداً لهيمنة الرياض في الخليج.
إشكالية العلاقة بين "الطريقين"
تأتي السعودية والإمارات في المرتبتين الأولى والثالثة لأعلى حجم بناء لمشاريع مبادرة الحزام والطريق في النصف الأول من عام 2023، حيث حققتا 3.8 مليارات دولار و1.2 مليار دولار على التوالي. وفي الوقت نفسه تبني الدولتان علاقات مع الهند، المنافس الآسيوي للصين، والتي تأتي بعد الصين كأكبر مشترٍ لنفطيهما. وإدراج الهند في الممر الاقتصادي الأخير كان اقتراحاً إماراتياً، وهو ما يسهّل سبلاً جديدةً للتجارة والاستثمار في مناطق تزايد المصالح التجارية الهندية، ومنها السعودية والإمارات، حسب ساشين شاتورفيدي، المدير العام لنظام البحوث والمعلومات للدول النامية.
وتبلغ تجارة الإمارات مع الهند، 84 مليار دولار والاستثمار 15 مليار دولار. وتبلغ واردات الهند من السعودية 42 مليار دولار، والصادرات 11 مليار دولار. كما حدد جهاز أبو ظبي للاستثمار الذي تبلغ تكلفته 850 مليار دولار ولاية غوجارات الهندية، كمكان لمكتبه الثاني في الخارج. والآن، تقول وزارة الاستثمار السعودية إنها تريد مكتباً في الهند أيضاً.
"الممر الهندي الأوروبي ممر اقتصادي تجاري غير سياسي وليس موجهاً إلى أحد وليس منافساً لأحد أو مضاداً لممر آخر، بل يسعى إلى التكامل مع الممرات الحالية ويدعمها وليس منافساً لها، لا سيما وأن العالم يحتاج إلى المزيد من هذه الممرات والطرق الاقتصادية للمحافظة على سلاسل الإمداد وإمدادات الطاقة"، حسب الدكتور أحمد الشهري، الباحث في العلاقات الدولية، ورئيس منتدى الخبرة السعودي.
"التواجد في وسط خط سكة حديد إلى الهند وأوروبا يقتل الكثير من الطيور بحجر واحد لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد"، فهل يبقى التنافس بينهما ضمن حدوده الطبيعية؟
ويضيف في حديثه لرصيف22: "السعودية والإمارات دولتان قويتان اقتصادياً ولهما نفوذ على الصعيد العالمي، لذا فإنهما تسعيان إلى الحفاظ على أمن الطاقة وسلاسل الإمداد ووجودهما في منظمة أوبك وأوبك بلس، جعل من السياستين السعودية والإمارتية المتوازنتين أيقونة نجاح على الصعيدين العربي والدولي، واتضح ذلك إبان أزمة كورونا وتأكد مع الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثر ممرات الطاقة والغذاء، مما يحتم العمل ضمن رؤى استشرافية للمستقبل وفق منهجية لخدمة العالم خاصةً الدول الأكثر فقراً".
الممر الهندي... زيادة التنافس؟
"التواجد في وسط خط سكة حديد إلى الهند وأوروبا يقتل الكثير من الطيور بحجر واحد لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد"، حسب الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية، روبرت موجيلنيكي، فالعديد من مكونات المشروع موجودة فعلياً. في الإمارات، ميناء جبل علي قائم كمركز للتوزيع منذ عقود، وترتبط مع السعودية ببعض خطوط السكك الحديدية. وعلى الجانب السعودي، يمتد خط الشمال والجنوب إلى الحدود الأردنية. وعليه، "لن يتم تطوير السكك الحديدية من الصفر"، وفقاً لبريم كومار، المستشار السابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما. إلا أن توسيع الشبكة السعودية قد يكون تحدياً، لوجوب مروره عبر تضاريس صحراوية معرضة للعواصف الرملية والحرارة الحارقة.
من يستثمر ويضخّ أموالاً أكثر في الممر الهندي-الأوروبي، سيكون له نصيب الأسد من المكانة الجيو-سياسية، حسب الكاتب والمحلل السياسي المتابع للشأن الخليجي، درويش خليفة، فمصافحة بايدن للشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان فور إعلان المشروع لها دلالات واضحة بأن الاعتماد في تمويل المشروع سيكون عليهما.
واشنطن بدأت تفكر جدياً في إعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط، الذي من الممكن أن تخسر جزءاً من نفوذها فيه
وفي إفادته لموقع رصيف22، يضيف: "في ما يخص مشروع الممر الهندي وتأثيره على القطبين الخليجيين، يحتاج التنبؤ وتقدير التنافس بين الرياض وأبو ظبي في هذا المشروع على وجه الخصوص إلى التروي قبل بدء تنفيذه، نظراً إلى ضخامة المشروع"، مرجحاً أن تبدأ السعودية بضخ 20 مليار دولار فور انطلاق المشروع، الذي يعني برأيه، أن "واشنطن بدأت تفكر جدياً في إعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط، الذي من الممكن أن تخسر جزءاً من نفوذها فيه بعد دخول المارد الصيني من الممر الضيق، عبر خطوة غيّرت التوازن في المنطقة، عندما عقدت صفقات مليارية مع دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية. ناهيك عن الجانب الأمني، بالاتفاق الذي رعته بين الخصمين الإقليميين السعودية وإيران".
التنافس المحمود
تقيم الدولتان علاقات دبلوماسيةً وثيقةً للغاية منذ عقود. ومع ذلك، تتنافسان على جذب المستثمرين والشركات. ومؤخراً، شهدت العلاقة بينهما بلوغ ذروة تنافسهما بسَنّ الأمير محمد بن سلمان سياسات انفتاحيةً، والعمل على ترسيخ أسس اقتصاد سياحي منافس للإمارات، ومنها مدينة "نيوم" المنافسة لدبي في كل شيء، مع إقرار الرياض لقرار عدم التعاقد مع الشركات الأجنبية ما لم تنقل مقارّها الإقليمية إلى المملكة لغاية عام 2024. بالإضافة إلى عدم رضا أبو ظبي عن ظروف المصالحة التي تمت في قمة العلا بين الرياض والدوحة، وعدم التشاور أو التنسيق المسبق مع المملكة في انسحاب الإمارات من التحالف العسكري الذي تقوده الرياض في اليمن عام 2019.
كما زادت التعديلات السعودية على قواعد الاستيراد من دول مجلس التعاون الخليجي، لتستبعد السلع المنتجة في المناطق الحرة أو التي تستخدم مكونات إسرائيليةً، من الامتيازات الجمركية التفضيلية، التنافس سخونةً، بتأثيرها على المركز الريادي للإمارات، في التجارة والأعمال إقليمياً، حيث تقيم الأخيرة علاقات طبيعيةً مع إسرائيل.
يوضح خليفة، أن التنافس الاقتصادي السعودي الإماراتي بدأ يظهر إلى العلن قبل عامين، بعد طلب قيادة المملكة من الشركات الإقليمية والعالمية العاملة فيها أن تكون لها مقارّ في الرياض كما هو الحال في دبي. فالاقتصاد السعودي يُعدّ الأول في المنطقة، لكن نصيبه من المقارّ الإقليمية لا يتناسب وحجم الاستثمارات والتجارة الدولية التي يتطلع إلى لعب دور كبير فيها. وعلى صعيد الإعلام، يتم تدريجياً نقل فضائيتَي العربية والحدث، ومجموعة MBC إلى الرياض من الميديا سيتي في دبي. إلا أن انضمام الدولتين الخليجيتين إلى الممر، محاولة منهما لتخفيف الخسائر المالية المحتملة، من خلال مشاريع متباينة، في حالة التباطؤ الاقتصادي الصيني، أو تصعيد النزاع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على الرغم من أن شراكتهما مع بكين قوية ولا تزال قائمةً.
فرص النمو المرتبطة بعدد السكان والعامل الجغرافي والموارد الكبيرة للسعودية، تفوق مثيلاتها في الإمارات، المدركة لذلك. وتالياً، ليست بصدد منافسة السعودية على حجم الاقتصاد، ولكنها ليست بصدد الاستسلام لجهود الرياض في إزاحتها عن موقعها كمركز للأعمال في المنطقة، الذي نالته بتوفير الظروف الملائمة لبيئة الأعمال الجاذبة للشركات الدولية. فبرغم ارتفاع ترتيب السعودية في سهولة ممارسة الأعمال التجارية عالمياً من المرتبة 92 إلى المرتبة 62 العام الماضي، بقيت بعيدةً عن الإمارات التي تحتل المرتبة 16 عالمياً.
وتسعى الإمارات إلى تقويض الديناميكية السعودية العُمانية، الرافعة لوتيرة المنافسة التجارية. إذ تم الكشف أن شركة أسياد للملاحة، المملوكة للهيئة العُمانية للاستثمار، تفكر في شراء موانئ ومحطات في الخارج، مما يجعلها منافساً محتملاً لموانئ الإمارات العالمية. وأعلن الجانبان، السعودي والعُماني، اتفاقاً لتسريع الانتهاء من طريق الربط البري بينهما، مع عقدهما محادثات أمنيةً حول تطوير معبرهما الحدودي، الذي سيمكّن حركة المرور المباشرة بين الجانبين. وستمنح عُمان السعودية إمكانية الوصول المباشر إلى المحيط الهندي، عبر شبكة موانئها سريعة التطور. ومؤخراً، تم الإعلان عن خط أنابيب لتصدير النفط الخام السعودي عبر عُمان متجاوزاً مضيق هرمز، عبر استخدام ميناء مدينة الدقم الجديد ومرافق تخزين النفط الضخمة التي يتم بناؤها قرب منطقة "رأس مركز" العُمانية، مما يقّوض شبكة النقل في الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لديفيد هيرست في ميدل إيست أي.
فرص النمو المرتبطة بعدد السكان والعامل الجغرافي والموارد الكبيرة للسعودية، تفوق مثيلاتها في الإمارات، المدركة لذلك. وتالياً، ليست بصدد منافسة السعودية، ولكنها ليست بصدد الاستسلام، فماذا ستفعل؟
ويضيف: "في اليمن، تسعى الإمارات إلى السيطرة على ميناء عدن الإستراتيجي، وعلى جزيرة سقطرى. وقد منح الدعم الإماراتي للمجلس الانتقالي الجنوبي الإمارات السيطرة على العديد من موانئ وجزر اليمن مع إمكانية الوصول إلى مضيق باب المندب الإستراتيجي والقرن الإفريقي، ما يتعارض مباشرةً مع مصالح السعودية وعُمان".
وبرأي خليفة، أصبحت الرياض وأبو ظبي جزءاً مهماً في رسم حدود التنافس الدولي اقتصادياً، في إشارة منه إلى دورهما المحوري في الممر الاقتصادي الهندي-الأوروبي، إلى جانب دعوة الدولتين في الشهر الماضي للانضمام إلى مجموعة "بريكس" مما يعكس مدى أهمية الدولتين في صنع القرار الدولي.
ويعكس الصدع السعودي-الإماراتي منافستهما الأوسع على النفوذ الجيو-سياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وأسواق النفط العالمية، حسب وول ستريت جورنال، التي اشتدت بعد خفض الولايات المتحدة مشاركتها في المنطقة. ففي وقت سابق، خلق الضغط السعودي لرفع أسعار النفط العالمية احتكاكاً مع الإمارات، إذ اتهمت الأخيرة السعودية بإجبارها على الموافقة على خفض إنتاج النفط، مفصحةً، عن استعدادها للانسحاب من أوبك، نتيجة إحباطها من الهيمنة السعودية على المنظمة.
في المحصلة، لافتة جداً كثرة ما تنشره البي بي سي ووول ستريت جورنال في هذا الشأن، ومفهوم كيف يمكن أن تكون "أخبار" هكذا خلافات مهمة لكُثر، حتى لو بدا أن الواقع لا يقترب كثيراً من الحديث المنشور شكلاً ومضموناً، لكن يبقى الثابت أن ما تحتاجه دولنا الوطنية حقيقةً، هو تنافس قياداتها مع قيادات الدول الأخرى في مجالات الاستثمار والتنمية والريادة الاقتصادية والسياسية، وفي حدود التنافس البنّاء، وإلا لا شيء سيتطوّر، وستبقى دولنا قابعةً في ذيل القوائم الدولية تنموياً، ومتصدرةً لهذه القوائم في مجالات الفقر وتلقّي المساعدات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع