شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
صفقة المصالح والتنازلات... ماذا في كواليس التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟

صفقة المصالح والتنازلات... ماذا في كواليس التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأربعاء 27 سبتمبر 202304:16 م

في إسرائيل يقولون إنهم يتفاءلون بشهر أيلول/ سبتمبر، ويطلقون عليه "سبتمبر السلام"! وبنظرة سريعة إلى الوراء، نجد أنه تم التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، في حديقة البيت الأبيض في 17 أيلول/ سبتمبر 1978، وتم التوقيع على اتفاقيات أوسلو في البيت الأبيض في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، وتم إضفاء الطابع الرسمي على اتفاقيات أبراهام في واشنطن في 15 أيلول/ سبتمبر 2020.

وليس بعيداً عن هذا الشهر، وقّعت إسرائيل والأردن اتفاق السلام بينهما في وادي العربة في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، وبدأت محادثات السلام في مدريد في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1991.

العامل المشترك الآخر غير موضوع "شهر التفاؤل" هذا، هو أن الاتفاقات المذكورة أعلاه كلها كانت في صالح إسرائيل من أوسلو إلى أبراهام. كذلك، فخلال الأشهر الأخيرة، تصدّر ملف "التطبيع بين السعودية وإسرائيل"، أجندة الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، وظهر بكثافة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين، فالحديث يدور عن صفقة كبيرة، تتشابك فيها المصالح والتنازلات، نستعرض أبعادها في هذا التقرير.

الحديث عن التطبيع

تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 22 أيلول/ سبتمبر الجاري، قائلاً: "إن إسرائيل في طريق التطبيع مع الرياض"، ثم عرض خرائط للشرق الأوسط عام 1948 عندما كانت إسرائيل محاطةً بدول عدوّة، وصورةً لعام 2023، تظهر فيها إسرائيل محاطةً بدول لديها معها اتفاقات سلام. تصريحات نتنياهو، سبقها تصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قال فيه: "الاتفاق مع الرياض في متناول اليد".

كما أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال خطابه أمام الأمم المتحدة، بالجهود المبذولة لخلق "شرق أوسط أكثر تكاملاً". وجاء في كلمته التي وجهها إلى نتنياهو: "لقد سمعتموني أقول مرات عديدةً إنه لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترعها. لو تحدثنا أنا وأنت قبل 10 سنوات عن التطبيع مع المملكة العربية السعودية، فأعتقد أننا كنا سننظر إلى بعضنا البعض كمن يقول: من كان يشرب ماذا؟".

"لقد سمعتموني أقول مرات عديدةً إنه لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترعها. لو تحدثنا أنا وأنت قبل 10 سنوات عن التطبيع مع المملكة العربية السعودية، فأعتقد أننا كنا سننظر إلى بعضنا البعض كمن يقول: من كان يشرب ماذا؟"

ردّ عليه نتنياهو قائلاً: "أعتقد أنه تحت قيادتك، سيدي الرئيس، يمكننا تحقيق سلام تاريخي بين إسرائيل والسعودية. وأعتقد أن مثل هذا السلام سيقطع شوطاً طويلاً بالنسبة لنا للمضي قدماً في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وتحقيق المصالحة بين العالم الإسلامي والدولة اليهودية، وتعزيز السلام الحقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين".

التصريحات ظهرت أيضاً من الجانب السعودي، حيث أجرت قناة فوكس نيوز الأمريكية، مقابلةً نادرةً، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أدلى خلالها بتصريحات حول المضي قدماً في عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية، قال فيها إن "حكومته تقترب كل يوم من اتفاق مع إسرائيل"، مشيراً إلى أن "القضية الفلسطينية بالغة الأهمية لمسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، وعندما سُئل عن التقارير التي تفيد بأن السعودية أوقفت المفاوضات، أجاب بأن هذا "غير صحيح".

أكمل بن سلمان: "كل يوم نقترب، أكثر فأكثر. يبدو الأمر جدياً لأول مرة. علينا أن نرى كيف ستسير الأمور". وأصرّ على أن بلاده يمكن أن تعمل مع إسرائيل، بغض النظر عمن هو المسؤول، واصفاً الصفقة بأنها "أكبر صفقة تاريخية منذ نهاية الحرب الباردة"، وقال إنها "ستستمر، بناءً على اتفاقيات تتعلق بمعاملة الفلسطينيين"، وأوضح: "إذا حققنا انفراجةً في التوصل إلى اتفاق يوفر للفلسطينيين احتياجاتهم ويجعل المنطقة هادئةً، فسنعمل مع أي شخص موجود هناك".

فيما ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن الاتفاق المتبلور سيكون جاهزاً في غضون 9 إلى 12 شهراً، وربما يتم الإعلان عنه قريباً بحسب ما ورد سابقاً في تقرير في صحيفة "وول ستريت جورنال".

شبكة مصالح معقدة

شبكة من المصالح المعقدة تربط بين أطراف الصفقة الثلاثة (الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل)، مما يجعل الصفقة ممكنةً عند نقطة محددة، إذا استطاعت الأطراف التوفيق بين مصالحهم والتنازلات التي عليهم تقديمها لإتمام الصفقة.

فالإدارة الأمريكية لها مصلحة في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية (على الرغم من التوتر الذي بدأت به إدارة بايدن مع الرياض بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي)، لكن المصلحة الأمريكية الآن لها أبعاد عدة، على رأسها مواجهة النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، ومحاولات التدخل الصيني لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، وهي الفكرة التي طرحها الباحثان يوآل غوجانسكي، وإلداد شافيط، من معهد الأمن القومي في دراستهما المنشورة في 18 أيلول/ سبتمبر الجاري.

من بُعد ثانٍ، فإن الاتفاق سيُعدّ نصراً جيو-سياسياً للولايات المتحدة، فحقيقة عدم تعاون حلفاء أمريكا الرئيسيين في المنطقة (إسرائيل والمملكة العربية السعودية)، أعاقت واشنطن في تحقيق بعض أهدافها الإقليمية.

ومن خلال بُعد آخر يرتبط بالشأن الداخلي الأمريكي، فإن تحقيق اتفاق تاريخي بين الدولتين قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام المقبل، سيخدم الحزب الديمقراطي، على الرغم من أنه لا ينبغي المبالغة في ذلك، لأن الأمريكيين يصوّتون بشكل عام على القضايا الداخلية، وليس على السياسة الخارجية.

وذكرت الدراسة أنه من المتوقع أن تطلب الولايات المتحدة من السعودية مطالب عدة لتحقيق الصفقة، من بينها: "تقليص العلاقات بين الرياض وبكين في مجالات مختلفة، مع التشديد على التعاون التكنولوجي والأمني والنووي، وكذلك تفهم المصالح الأمريكية في مجال الطاقة، وخطوات سرّية بهدف وقف الحرب في اليمن، ومطالب أخرى تتعلق بتحسين وترميم (وتمويل) البنى العسكرية اللوجستية الأمريكية في السعودية، ومن الممكن أن تكون هناك مطالب في مجال حقوق الإنسان والنظام القضائي في السعودية".

 تريد إسرائيل منذ وقت طويل ضمّ السعودية بمكانتها الكبيرة في المنطقة، إلى اتفاق التطبيع، والذي سيعني ضمنياً انتهاء الصراع العربي الفلسطيني، كما أن نتنياهو يريد ترميم مكانة حكومته، فهل يحصل ذلك؟

بالنسبة إلى المصلحة الإسرائيلية، فإن إسرائيل تريد منذ وقت طويل ضمّ السعودية بمكانتها الكبيرة في المنطقة، إلى اتفاق التطبيع، والذي سيعني ضمنياً انتهاء الصراع العربي الفلسطيني، كما أن نتنياهو بشكل شخصي معنيّ بحدوث اختراق مع السعودية من أجل ترميم مكانة حكومته في نظر الرأي العام في إسرائيل والعالم.

بالنسبة لنتنياهو، الغارق في أزمة الإصلاح القضائي، فإن الصفقة ستكون مُنقذةً وستغير بشكل واضح الحوار الداخلي في إسرائيل بشكل كبير، ليثبت العقيدة التي يحاول منذ سنوات إثباتها وكانت مشروع حياته وطرحها بشكل واضح في كتابه "رجل تحت الشمس"، والتي مفادها أن السلام مع العالم العربي أمر ممكن من دون السلام الكامل مع الفلسطينيين.

مطالب السعودية ومعضلة إسرائيل

على الضفة السعودية، فإن التطبيع سيسبب إحراجاً للمملكة التي من الممكن أن تواجه غضب الفلسطينيين، ودولاً أخرى في المنطقة رافضة للتطبيع مثل الجزائر والعراق وليبيا، وهو ما جعل الإدارة السعودية تطلب المزيد من الولايات المتحدة وإسرائيل، مقابل إتمام الصفقة على اعتبار أنها الفرصة الذهبية لتأخذ حيثما تشاء من الولايات المتحدة، وتتفاوض حول الأشياء التي رفضتها إدارة بايدن من قبل.

ويذكر محللون ومطّلعون لوسائل إعلام إسرائيلية أنه "على رأس هذه المطالب، إنشاء اتفاق دفاعي أمني بين واشنطن والرياض، على غرار الناتو، وليس واضحاً ما إذا كانت السعودية تريد التزاماً دولياً يتطلب تخصيص قوات وموارد لوقت طويل، في الوقت الذي تدفع المصلحة الأمريكية فيه إلى التركيز على جنوب شرق آسيا، ومن ناحية الولايات المتحدة، فإن احتمال توقيع اتفاق دفاع مُلزم، بحسب نموذج البند الخامس في الناتو، ضئيل، لأنه يُرغم الولايات المتحدة، قانونياً، على اعتبار أي هجوم على السعودية هجوماً عليها".

"المباحثات الجارية الآن في الغرف المغلقة هدفها الوصول إلى نقطة مشتركة، وبلورة اتفاق يساهم في تحسين التعاون الأمني بين الدولتين ويكون أقل إلزاماً من نموذج الناتو، فبالنسبة إلى السعودية الهدف هو الدفاع الأمريكي عنها في مواجهة التهديدات الإيرانية. وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن هذا المطلب السعودي لا يسبب لها مشكلةً، فزيادة الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي، مصلحة إسرائيلية واضحة"، بحسب دراسة معهد الأمن القومي السابق ذكرها.

المعضلة تتركز في مطلب السعودية الآخر، والذي يتعلق بتطوير قدراتها في المجال النووي والتي تمثل هدفاً مركزياً في رؤية محمد بن سلمان "لتحويل السعودية إلى قوة عالمية عظمى"، تتمتع بضمانات أمنية أمريكية وقدرة وصول إلى السلاح النووي.

إذ يسعى بن سلمان إلى خلق ظروف لا تتخلف فيها السعودية عن إيران في السباق للوصول إلى قدرات عسكرية نووية، فيما تم التعبير عن هذه الرؤية بالتصريح علانيةً بأنه "إذا طوّرت إيران سلاحاً نووياً، فإن السعودية ستحذو حذوها."

هذا المطلب يضع إسرائيل أمام معضلة حقيقية، ويُعدّ من أهم الخلافات في الصفقة، وهو الذي يعيقها حتى الآن، ففي الوقت الذي تستطيع فيه إسرائيل أن توافق على اتفاق الدفاع بين الولايات المتحدة والسعودية، تعارض أي تنازلات أميركية في المجال النووي، والتي تشمل دائرة وقود نووي كاملةً ومستقلةً، ستسمح للسعودية بمراكمة قدرات ومعرفة ومواد في المجال النووي، وتالياً من شأنها أن تسرّع سباق التسلح النووي في دول إضافية في الشرق الأوسط.

وهناك معارضة كبيرة في الجيش الإسرائيلي والموساد ولجنة الطاقة الذرية لقيام السعودية بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، ومَن يعبّر عن هذه المعارضة، علناً، هو رئيس الموساد سابقاً تامير باردو، بحسب تقرير للصحافي الإسرائيلي المتخصص في شؤون الاستخبارات يوسي ميلمان، في صحيفة "هآرتس".

موقع القضية الفلسطينية

المعضلة الثانية التي تعيق الاتفاق، وتسببت في تعطيله خلال الأشهر الأخيرة، أن السعودية اشترطت بشكل واضح دمج القضية الفلسطينية في الصفقة. وليس واضحاً حتى هذه اللحظة ما هي المطالب التي ستطلبها السعودية في ما يتعلق بالفلسطينيين، ولكن وفقاً لتقارير غربية فإن بعض المطالب تتعلق بنقل إسرائيل أجزاء من المنطقة C ، إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، و"التوقيف الكامل" للنشاط الاستيطاني، مع تعهد إسرائيلي بعدم ضم الضفة الغربية، واستئناف المساعدات المالية السعودية الضخمة للسلطة الفلسطينية، والتي توقفت منذ نحو ثلاث سنوات، واستئناف المفاوضات مع إسرائيل بوساطة أمريكية والتي توقفت في عام 2014، في عهد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري.

تشكل قائمة المطالب التي تتعلق بالفلسطينيين عقبةً حقيقيةً أمام إتمام الصفقة، فحتى لو كان نتنياهو على استعداد للتنازل، فإن حكومته اليمينية المتشددة تشكل عائقاً أمامها، فكيف ستكون النهاية؟

قائمة المطالب التي تتعلق بالفلسطينيين تشكل عقبةً حقيقيةً أمام إتمام الصفقة، فحتى لو كان نتنياهو على استعداد للتنازل عن بعض هذه المطالب، فإن حكومته اليمينية المتشددة تشكل عائقاً أمامها، إذ لن يوافق عليها الحزب الصهيوني الديني الذي يتزعمه بتسلئيل سموتريتش، ولا حزب "قوة يهودية" الذي يتزعمه إيتمار بن غفير، على هذه الخطوات، ومثل هذه الخطوة قد تكلّف نتنياهو حكومته، بحسب تقرير للصحافي الإسرائيلي عومير تيفون، في صحيفة "هآرتس".

كما أن إدارة بايدن قد بحثت مؤخراً إمكان قيام ائتلاف حكومي بديل في إسرائيل، وطُرح الموضوع في الاجتماع الذي جرى بين مستشاري الرئيس الأمريكي ورئيس المعارضة يائير لبيد، وقد أجابهم الأخير بأنه ليس مستعداً للانضمام إلى ائتلاف يرأسه نتنياهو في أي وضع كان، وفي تقديره، أن رئيس المعسكر الرسمي بني غانتس سيتخذ هذا الموقف أيضاً في ضوء تجربته الماضية مع نتنياهو.

قد تكون الصفقة القريبة مثلما تفيد التقارير خلال الأسابيع الأخيرة، لكن ما يبدو ظاهراً حتى الآن أن الظروف والمطالب السابق ذكرها تشير إلى أن فجوات كبيرةً لا تزال قائمةً، ويمكن أن تعيق الاتفاق في أي مرحلة منه. ولكن إذا نجحت الأطراف في التوافق في ما بينها، فإن الحديث عن شرق أوسط جديد وتغيير خريطة التحالفات في المنطقة، سيصبح أمراً واقعاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ماضينا كما يُقدَّم لنا ليس أحداثاً وَقَعَت في زمنٍ انقضى، بل هو مجموعة عناصر تجمّعت من أزمنة فائتة ولا تزال حيّةًً وتتحكم بحاضرنا وتعيقنا أحياناً عن التطلّع إلى مستقبل مختلف. نسعى باستمرار، كأكبر مؤسسة إعلامية مستقلة في المنطقة، إلى كسر حلقة هيمنة الأسلاف وتقديم تاريخنا وتراثنا بعين لا تخاف من نقد ما اختُلِق من روايات و"وقائع". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. ساعدونا. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image