بعد نحو ستة أشهر من فوز خالد البلشي المنتمي إلى تيار الاستقلال بمنصب "نقيب الصحفيين" في مصر، بأغلبية بسيطة متفوقاً على منافسه الرئيسي خالد ميري رئيس تحرير صحيفة الأخبار والمحسوب على الدولة، ازدادت شعبية البلشي حتى بين رافضيه ممن دعموا منافسه بعد نجاحه ومجلسه في عدد من الملفات التي لم يفلح فيها المجلس السابق بقيادة ضياء رشوان النقيب السابق ورئيس مجلس أمناء الحوار الوطني والذي يجدد الإعلان عن دعمه للبلشي ومجلس النقابة المنتخب، الذي بات لتيار الاستقلال فيه عدد أكبر من المقاعد مقارنة بالمجلس السابق.
لكن يبدو أن الهدوء يرفض سُكنَى مبنى رقم 4 في شارع عبد الخالق ثروت في وسط القاهرة، لأن من بين أعضاء المجلس المنتخبين في الاقتراع عينه الذي فاز فيه البلشي وعدد من زملائه في تيار الاستقلال، اختار الصحافيون عبد الرؤوف خليفة نائب رئيس مجلس إدارة الأهرام، عضواً مدعوماً بقوة من تيار "تصحيح المسار" المقرب من الدولة والذي يحمل له كثير من الصحافيين المصريين، سيما المستقلين منهم ذكريات غير إيجابية ارتبطت بـ"شق الصف الصحفي" غبان أزمة تيران وصنافير التي تبعها اقتحام أجهزة الأمن المصرية بالمخالفة للقانون لمبنى نقابة الصحفيين لإلقاء القبض على صحافيين مصريين أحدهما عضو بالنقابة وآخر لم يكن قد نال حقه في العضوية بعد.
إذ فوجئ مجلس النقابة قبل أيام بإعلان خليفة عن جمعية أهلية خطط أن تحمل اسم "جمعية الصحفيين للإسكان"، لتبدأ هذه الجمعية خلافاً داخل النقابة يتصل بآليات العمل النقابي واحترامه، وامتد الأمر إلى شاشات التلفزيون وبرامجها الحوارية الليلية لتظهر شكوك حول كون الأزمة تمهيد لمحاصرة تيار الاستقلال الذي ينتمي له البلشي وعدد من أعضاء المجلس ذوي الشعبية المتزايدة.
كلمة السر: الخدمات
خرجت الأزمة للعلن في 26 سبتمبر/ أيلول المنقضي، عندما نشر عضو المجلس عبد الرؤوف خليفة عبر صفحته الشخصية منشوراً يعلن فيه عن "بدء مرحلة جديدة من العمل النقابي"، بتدشين "جمعية الصحافة للخدمات والتنمية".
في تقديمه لنشاط جمعيته التي أسسها ثم سحب أوراقها من النقابة، قال خليفة إن للجمعية مجلس إدارة برئاسته وعضوية صحافيين ينتمون إلى مؤسساتٍ متنوعةٍ، وأن نشاط الجمعية يشمل: توفير وحداتٍ سكنيةٍ ومقابر وأراضٍ زراعية، إقامة الدورات التدريبية لأبناء الزملاء وأسرهم، تنظيم رحلات الحج والعمرة، تقديم المساعدات المالية والعينية، وتوفير العلاج بالمجان.
يأتي تأسيس الجمعية بعد أشهر من الغضب الموجه ضد خليفة بسبب غياب خدمات لجنة الإسكان التي يشرف عليها، وتكرار شهادات من أعضاء بالنقابة يشكون فيها ما يرونه "ردوداً عنيفة وغير لائقة" عند اتصالهم بهم لأجل خدمات تتصل بلجنته.
لفهم ذلك ربما علينا أن نقدم شرحاً مختصراً حول الاختصاصات القانونية والعرفية لمجلس نقابة الصحفيين وهيكل عمل النقابات في مصر.
ترتبط كافة الخدمات في مصر بدءاً من التعليم والعلاج وصولاً للسكن واستخراج الأوراق الرسمية بالـ"حكومة" ويتطلب الحصول على حقوق المواطنين إجراءات بيروقراطية غير قليلة وصلات داخل الجهاز الإداري في الدولة لا يملكها الغالبية العظمى من المواطنين.
موافقة مجلس النقابة على الجمعية أتى بناء على طرح من عبد الرؤوف خليفة بأن الجمعيات الأهلية تحصل على مخصصات أكبر من تلك التي تحصل عليها النقابات المهنية، وهو ما يدعمه قيام نقابات المهندسين واتحاد نقابات المهن الطبية بتأسيس جمعيات أهلية تحصل على خدمات الإسكان من الدولة لأعضائها بتسهيلات كبيرة
استقر الحالي في مصر على أن تقوم النقابات المهنية بدور الوسيط بين أعضائها والدولة لتسهيل حصول أعضائها على الخدمات المختلفة بأقل قدر من البيروقراطية والاضطرار إلى الانتظار، وعليه تتشكل في مجالس النقابات لجان يكون على رأس كل منها عضو بالمجلس قادر على مساعدة أعضاء النقابة على الحصول على الخدمات التي يحتاجونها من الدولة من خلال القيام بدور المفاوض بين النقابة والهيئات الحكومية أو المؤسسات الخاصة المعنية للحصول على الخدمات بقدر إزعاج أقل أو بأسعار أفضل.
من بين تلك اللجان، لجنة الإسكان التي تعنى منذ تخصيص موضع لها في مجلس النقابة بخدمات توفير المساكن والمقابر وما يرتبط بها للصحافيين إما بأسعار تفضيلية، أو مؤخراً بسرعة ونظم تقسيط تتناسب مع دخولهم المتدنية، خاصة بعد وقف كافة الأسعار التفضيلية التي كانت تقدمها الدولة لأعضاء النقابات.
بحسب البيانات التي أصدرها نقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي؛ فإن موافقة مجلس النقابة على الجمعية أتى بناء على طرح من عضو المجلس عبد الرؤوف خليفة بأن مصادر في وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة أفادته بأن الجمعيات الأهلية باتت تحصل على مخصصات أكبر من تلك التي تحصل عليها النقابات المهنية، وهو ما يدعمه قيام نقابات المهندسين واتحاد نقابات المهن الطبية بتأسيس جمعيات أهلية تحصل على خدمات الإسكان من الدولة لأعضائها بتسهيلات كبيرة.
بحسب بيان البلشي أيضاً وما نشره من وثائق، وافق النقيب على هذا الطرح وخاطب وزارة التضامن الاجتماعي للموافقة على إنشاء الجمعية على أن يخصص لها غرفة داخل النقابة لتكون مقراً لها. يقول البلشي في بيانه إن الموافقة على إقامة الجمعية أتت شريطة أن تكون تحت إشراف النقابة ورقابتها، وأن يكون المجلس طرفاً رئيساً في وضع لائحتها وشروط عضويتها وبنود نشاطها، والحق في عدم المضي قدماً في إنشاءها كونها تتعارض مع النشاط والأداء النقابي.
تفجر الأزمة
بحسب البلشي في بيانه خاطبت النقابة التضامن الاجتماعي في 25 مايو/ أيار الماضي بالموافقة على تأسيس الجمعية تحت مظلة النقابة، إلا أن المجلس فوجئ بخليفة عقب إرسال المخاطبة "يستولي على الأوراق من النقابة" ويسحبها وحجته في ذلك اعتراض الأجهزة الأمنية على رئاسة البلشي للجمعية لأنه "معارض"، وهو ما رد عليه البلشي بأنه لا يسعى لرئاسة الجمعية وليكن رئيسها من ينتخبه الأعضاء؛ وإنما التشديد على أن تظل الجمعية تحت مظلة النقابة ورقابة مجلسها.
رفض قطاع من الصحافيين الجمعية واعتبرها "محاولة لشق الصف من جديد وخلق كيان مواز للنقابة"
وأضاف البلشي أنه تم اتخاذ قرار بوقف الجمعية، وإرسال مخاطبات بذلك إلى التضامن الاجتماعي وإلغاء الموافقة السابقة، معتبراً ما قام به خليفة "تحايلاً" على قرار المجلس بوقف أى جمعيات تحمل اسم "الصحفيين". وحصل خليفة على ترخيص الجمعية تحت عنوان "جمعية الصحافة للخدمات والتنمية".
منذ تلك اللحظة تصاعدت الخلافات بين خليفة من جانب والبلشي ممثلاً للرافضين داخل مجلس النقابة من جانب آخر، فيما آثر بعض أعضاء المجلس الصمت.
ورفض قطاع من الصحافيين الجمعية واعتبرها "محاولة لشق الصف من جديد وخلق كيان مواز للنقابة" وهو ما ينفيه خليفة، الذي دفع خلال مداخلة تليفونية في برنامج "على مسؤوليتي" الذي يقدمه الصحافي أحمد موسى، بأن النقابة صارت مختطفة من "الشيوعيين" أمثال خالد البلشي، في إشارة لانتماء البلشي للتيار الاشتراكي.
قرارات لمجلس النقابة
عقب تصاعد الأزمة، أصدر مجلس الصحافيين قراراتٍ شملت إعفاء عبد الرؤوف خليفة عن مهام منصبه بصفته رئيساً للجنة الإسكان، ودعوته إلى إلغاء الجمعية، خاصة فى ظل تعارض دورها مع دور النقابة، وفقا للبند 2 من المادة 7 في قانون ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019 ، ونصها: "على أن يكون اسم الجمعية اسمًا مميزًا مشتقًا من غرضها، ولا يؤدي إلى اللبس بينهما، وبين جمعية أو مؤسسة أخرى تشترك معها فى نطاق عملها الجغرافي، أو النوعي، أو يكون مشابهًا لاسم إحدى مؤسسات الدولة أو أجهزتها أو إحدى المنظمات الدولية".
كما أحال المجال شكويين أخريين للتحقيق تتعلقان بتأسيس جمعية تختص بشؤون تقع تحت أساسيات العمل النقابي واختصاصات النقابة، "مع استغلال لاسم الصحفيين والزج بهم فى اسم جمعيته"، والثانية تتهم خليفة بتهديد أحد زملائه بالخطف والسجن.
كذلك قرر المجلس مخاطبة الوزارات بوقف نشاط الجمعية وحظر التعامل معها لمخالفتها وتعديها على اختصاصات نقابة الصحفيين.
قال عبد الرؤوف خليفة: "هناك عدم إدراك لدور تلك الجمعية، ولا يوجد ما يسمى بالكيان الموازي، هذه كلها مسميات مختَّلقة وغير حقيقية، الجمعية أُنشئت طبقاً للقانون وتعمل في ظله ونشاطها مُحدد طبقاً له"، وتابع: "أنا أول مرة أشوف صحافيين ضد مصلحتهم"
خليفة يرد
رد نائب مجلس إدارة الأهرام وعضو مجلس النقابة المنتخب عبد الرؤوف خليفة على بيان نقيب الصحفيين والخلاف الدائر في النقابة مؤكداً أنه "معملتش حاجة غلط" وأنه لم يرتكب مخالفة قانونية أو يسعى لخلق كيان مواز للنقابة أو منافس لها كما يتهمه صحافيون. وقال خليفة لرصيف22: "الجمعية مش هتطلَّع كارنيه نقابة عشان يقولوا منافس للنقابة أو كيان موازي"، موضحاً أنَّ الجمعية ليست لها علاقة بـ"المهنة" من قريبٍ أو بعيدٍ.
وواصل: "هناك عدم إدراك لدور تلك الجمعية، ولا يوجد ما يسمى بالكيان الموازي، هذه كلها مسميات مختَّلقة وغير حقيقية، الجمعية أُنشئت طبقاً للقانون وتعمل في ظله ونشاطها مُحدد طبقاً له"، وتابع: "أنا أول مرة أشوف صحافيين ضد مصلحتهم. جمعية الصحافة للخدمات والتنمية شغالة وبتقبل العضويات عادي".
وبشأن قرارات مجلس النقابة الخاصة بإحالته للتحقيق بسبب تأسيسه لتلك الجمعية قال عبد الرؤوف خليفة: "قرارات المجلس يبلوها ويشربوا ميِّتها؛ هذه قرارات ليس لها أثر قانوني".
وختم: “هم جابوا مجموعة من الشيوعيين لكتابة مذكرةٍ ضدي، ويشتكوني اني بعمل كيان موازي لنقابة الصحفيين. دا كلام لا يودي ولا يجيب”.
عادة ما تبدأ الدولة محاولات السيطرة على النقابة إما بإثارة الخلافات داخل التيارات السياسية المختلفة أو بدعم تاسيس كيانات موازية تنتقض من اثر النقابة، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح في السابق
مخاوف السيطرة
شهدت نقابة الصحفيين المصريين عبر تاريخها عدة محاولاتٍ لضرب تماسكها وتشتيت مجلسها الذي يتضمن الهيكل التنظيمي له "نقيباً" يُنتخب كل عامين، ومجلساً يتكون من 12 عضواً، يُنتخب نصفه كل عامين، يُختار منهم وكيلين وأميناً للصندوق وسكرتيراً عاما للنقابة.
أشهر تلك المحاولات، ما حاول تنفيذه الرئيس الراحل محمد أنور السادات في عام 1979، عندما سعى إلى تحويلها إلى “نادٍ اجتماعي” على غرار نادي القضاة، يقدم الخدمات والرحلات والأنشطة لأعضائه العاملين والمعاشات لأعضائه المتقاعدين.
محاولة أخرى جرى تنفيذها عام 1997، عندما ظهرت "نقابة الصحفيين المستقلين" التي قادها حسين المطعني وآخرون لتكون نقابة موازية لنقابة الصحفيين وأودعت تلك النقابة أوراقها في وزارة القوى العاملة، وأصدرت جريدة "صاحبة الجلالة"، وروجت لنفسها أنَّ لها مزايا مثل نقابة الصحافيين الرسمية، وهي الكيان الذي حاربه مكرم محمد أحمد، النقيب الأسبق.
وعادة ما تبدأ الدولة محاولات السيطرة على النقابة إما بإثارة الخلافات داخل التيارات السياسية المختلفة (المؤيدون والمعارضون والمستقلون) أو بدعم تاسيس كيانات موازية تنتقض من اثر النقابة، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح في السابق، وهو ما استدعى لأذهان الصحافيين المصريين قضية الكيانات الموازية وشق الصف النقابي من خلال تحركات أعضاء المجلس المحسوبين على الدولة أو أجهزتها الأمنية.
يقول يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، وأحد الوجوه المهمة في تيار الاستقلال النقابي إنَّ تاريخ النقابة شهد محاولاتٍ جادةٍ للسيطرة عليها، أو لاستهداف دورها الأصيل، ومنها محاولة تحويلها إلى "نادٍ" على يد "السادات"، أو حتى الاستعانة باختراع مثل المجلس الأعلى للصحافة (تم إلغاؤه الآن) والذي كانت فكرته في الأصل أخذ جزء من أدوار نقابة الصحفيين.
ويضيف في حديثه لرصيف22 أنه حتى المحاولة الخاصة بـ"جبهة تصحيح المسار" هي الأخرى كانت تعد محاولةً لـ"تهميش دور النقابة"؛ فقد تم الحشد لها أولاً في مؤسسة الأهرام، على أن تُعقد اجتماعات بشكلٍ دائمٍ في المؤسسات الصحافية الحكومية، و"لكن رويداً رويداً انفضت جموع الصحفيين عنها".
تأسست "جبهة تصحيح المسار" من قياداتٍ في إدارة وتحرير الصحف الحكومية بعقد اجتماعٍ في الأهرام شارك فيه أعضاء بمجلس النقابة وقتها، ورفضت قرارات الجمعية العمومية للصحفيين في 4 مايو/ أيار 2016، عقب الأزمة الشهيرة الخاصة باقتحامها، واعتقال الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا "كانا مطلوبين قضائياً".
وكان من بين قرارات الجمعية العمومية المطالبة بإقالة وزير الداخلية المصري وقتها مجدي عبد الغفار (مستشار حالي لرئيس الجمهورية للشؤون الأمنية)، واعتذار الوزارة عن اقتحام النقابة، كما أن “جبهة تصحيح المسار” عارضت مجلس النقيب وقتها يحيى قلاش، واعتبرته أنه "يتصادم مع الدولة".
وتابع قلاش: "كل هذه محاولات كانت الدولة طرفاً فيها، ولكن هناك محاولات أخرى عبر (الوسطاء) ويتم الترتيب لها بطريقة (خُش عليه) مثل الجمعيات"، موضحاً أن كل هذه المحاولات في تاريخ النقابة لم تحقق أهدافها وكانت مجرد محاولاتٍ لاستنزاف المجالس النقابية، أو شغلها عندما تكون تركيبة هذه المجالس لا تُعجب السلطة، أو عندما تكون النقابة "نشطة شوية" فيحاول هؤلاء شغلها لتغيير أولوياتها.
يعترض أشرف رمضان، العضو المؤسس في الجمعية، على ما يراه تصعيداً من قبل مجلس نقابة الصحفيين تجاه عبد الرؤوف خليفة، ويقول "لا يوجد في إشهار الجمعية أو مخالفةً للقانون، وإذا كان يرى مجلس النقابة أنَّ هناك مخططاً خبيثاً من وراء تأسيس الجمعية، فلماذا وافق عليها من البداية؟"
نقابة امتصاص الصدمات
يرى النقيب الأسبق يحيى قلاش أنه على فتراتٍ "تظهر محاولاتٌ لمناوأة دور نقابة الصحافيين مثل الجمعية التي يحاول الزميل عبد الرؤوف خليفة تأسيسها"، وبرأيه، فإن هذه محاولة محكوم عليها بالفشل بحكم التاريخ.
ويوضح: "النقابة دائما بتتقبل الصدمات دي وبتحتويها وتهضمها، لأن هناك تفاصيل قد لا تعيها الأجيال الجديدة من الصحفيين، وهي أنَّ الكيان النقابي استمد صلابته من الخمسين عاماً التي سبقت تأسيس النقابة رسمياً عام 1941، هناك أجيالٌ أطلق عليهم اسم (البنائين)، كتير منهم لم يروا النقابة عندما خرجت للنور، ولكنهم عملوا على حفر أساسات متينة للنقابة قبل تأسيسها، فصار هذا الكيان راسخاً وهذا يفسر فشل كل المحاولات".
يضيف: "تراكم المحاولات للسيطرة على النقابة أو إعاقة عملها، ثم التصدي وإفشال هذه المحاولات فائدته أنه بيكون خبرات تمثل ذاكرةً مهمةً للأجيال الصحافية التي تهب وتستيقظ كلما ظهرت محاولات جديدة لمناوأة النقابة".
وبخصوص إحالة عضو المجلس عبد الرؤوف خليفة للتحقيق، يقول قلاَّش: "قانون النقابة من أرقى القوانين، وتبدأ الإجراءات في مثل هذه الحالات بالتحقيق، وإذا تكرر غياب العضو عن التحقيق، فهذا يعد نوعا من أنواع الاعتراف بوجود خطأ، وفي مثل هذه الحالات لا يملك المحققون سوى إحالة العضو إلى لجنة التأديب، وإذا تغيب أيضا العضو مراتٍ، ففي هذه الحالة القرارات التأديبية قد تكون، لفت النظر، الغرامة، الشطب المؤقت، الشطب الدائم، وهذا يفقد عضوية النقابة، ويسقط بالتالي حقه في عضوية مجلس النقابة".
في انتظار عقلاء المهنة وشيوخها
يختلف أشرف رمضان، العضو المؤسس في الجمعية، مع حديث قلاش، ويعترض على ما يراه تصعيداً من قبل مجلس نقابة الصحفيين تجاه أحد أعضائه عبد الرؤوف خليفة، ويقول "كان لا يجب إحالة عبد الرؤوف خليفة للتحقيق، لأنه لا يوجد في إشهار الجمعية أو مخالفةً للقانون، وإذا كان يرى مجلس النقابة أنَّ هناك مخططاً خبيثاً من وراء تأسيس الجمعية، فلماذا وافق عليها من البداية؟".
ويكمل: "أحترم النقابة ومجلسها واستحالة نكون نقطة في انشقاق الصف الصحفي، ولو وجدت للحظة أنَّ من ضمن أهداف الجمعية شق الصف الصحفي، لم أكن لأنضم إلى مؤسسيها. مجلس النقابة هو الذي أعطى الشرعية للجمعية من البداية، وإذا تحدثنا عن الإحالة للتحقيق، فيجب أن تتم إحالة كل المجلس الأعضاء والنقيب للتحقيق".
ويرى رمضان أنَّ مجلس النقابة "هو الذي بدأ بالتصعيد"، وأنَّ الحل الآن هو تدخل عقلاء وشيوخ المهنة المحايدين، والاستماع إلى مجلس النقابة، والاستماع إلى عضو المجلس عبد الرؤوف خليفة، ووضع سيناريو يرضي الجميع ويحدد مصير هذه “الجمعية”.
عبدالحفيظ: لا يوجد يد خارجية
محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس النقابة غير المحسوب على المعارضة أو التأييد، يقول لرصيف22 إنَّه ضد أي كياناتٍ موازيةٍ تنشأ وتُقدم خدماتٍ موازيةٍ للتي تقدمها النقابة، وأنه ضد أي عضو مجلس أو "نقيب" يقدم نشاطاً موازٍ للنشاط الذي يقدمه المجلس، منعاً لتضارب المصالح.
وفسَّر: "أنا حالياً مسؤول عن مركز ولجنة التدريب في النقابة، مينفعش أروح أفتح مركز تدريب للصحافيين في الخارج، لو عملت كده، يبقى بسحب الناس من النقابة، ولكن ينفع بعد ما أسيب اللجنة والمركز".
وطالب عبد الحفيظ أعضاء مجلس النقابة بعدم ممارسة أي نشاطٍ مشابهٍ للملفات التي كلَّفهم المجلس بها؛ درءاً للشبهات وحتى لا تتعارض المصالح.
وتابع: "لا أحد يستطيع تحدي قرارات مجلس النقابة"، في إشارة إلى قرارات إحالة عبد الرؤوف خليفة للتحقيق. رافضاً الطرح الذاهب إلى أن تأسيس خليفة للجمعية يأتي مدفوعا من "طرف خارجي": "في رأيي لا توجد أطراف خارجية دفعت في اتجاه تأسيس جمعية عبد الرؤوف خليفة، لإحداث نوعٍ من التلاعب أو تفجير النقابة من الداخل كما يعتقد كثير من الصحفيين".
اعتبر نقيب الصحافيين الأسبق أنَّ الجمعية التي أسسها عضو المجلس عبد الرؤوف خليفة "جريمةٌ نقابيةٌ متكاملة الأركان، وعندما يرتكبها عضو مجلس نقابة، يصبح الأمر هولاً"
طريقتان لوأد "الانتعاشة" النقابية
لكن على الجانب الآخر يقول قلاش إنَّ "الانتعاشة الحالية في النقابة" من الممكن أن يتم التعامل معها من قبل السلطة بعقليتين، الأولى ترى أنه من الأفضل لها وللصحافيين ترك هذه الانتعاشة باعتبارها تمتص الغضب وتمنع الانفجارات، "حتى نتيجة الانتخابات الأخيرة كانت نوعاً من الانفجار قالت فيه الناس كفاية وانتخبت نقيباً وأعضاءً غالبيتهم قد لا يروقون للسلطة".
ويتابع: "أما العقلية الثانية فقد تتعامل مع هذه "الانتعاشة" بنوعٍ من عدم الترحيب، وترى أنه من الأفضل "إعاقة أو كعبلة" هذه الحالة حتى يضعف مجلس البلشي في نهاية مدته، وتعود مجالس نقابية ترضى عنها الدولة". ويؤكد: "علينا الاعتراف بأنَّ هذا التعامل قد يكون موجوداً".
ويرى قلاش أنَّ غضب الزملاء الصحافيين صنع حالةً ضد جمعية عبد الرؤوف خليفة، ويشير إلى أن هذه الحالة جعلت المجلس يُسرع في اتخاذ قرار بالانعقاد السريع و"إصدار قرارات شجاعة"، متابعاً: "في الأول كان فيه نوع من الاستخفاف بالموضوع، لكن الزملاء صنعوا الموقف دا بهبَّتهم ضد الجمعية، وهي اللي خلت هذا الزميل خاف يدخل النقابة ويحضر الاجتماع، رد الفعل دا من الزملاء عمل نوع من أنواع الردع".
واعتبر نقيب الصحافيين الأسبق أنَّ الجمعية التي أسسها عضو المجلس عبد الرؤوف خليفة "جريمةٌ نقابيةٌ متكاملة الأركان، وعندما يرتكبها عضو مجلس نقابة، يصبح الأمر هولاً".
لا تؤثر على كيان النقابة
المحامي الحقوقي أسعد هيكل يوضح لرصيف22 الموقف القانوني للجمعية الجديدة التي أسسها عضو مجلس النقابة والتي أثارت كل هذا الجدل: "الجمعيات الأهلية لها شخصية معنوية مستقلة، والتشابه الجزئي مع نشاط نقابة الصحافيين لا يقلل من النقابة في شيء، ولا يؤثر على كيانها"، ضارباً المثل بوجود أكثر من جمعيةٍ داخل نقابة المحامين مثل: "جمعية الإسكان" و"جمعية رعاية أسر المحامين".
ويضيف أنَّ نشاط تلك الجمعيات يخضع لوزارة التضامن الاجتماعي في انتخاباتها ومجالس إدارتها، موضحاً أنَّ نقابة الصحافيين لا تستطيع وقف جمعية "الصحافة للخدمات والتنمية" التي ستمارس عملها مثل آلاف الجمعيات، خاصةً أنه لا يوجد "تشابه كامل" بين نشاط الجمعية ونشاط النقابة.
الإسلامبولي: القضاء هو الفيصل في حل الأزمة
لكنَّ الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي يختلف مع هيكل، ويقول إنَّ أزمة "جمعية الصحافة" تتركز في تأسيسها عن طريق عضو بمجلس نقابة الصحافيين، ما يجعلها في موضع "خلط وتضارب مصالح"، لأن عضو المجلس من المفروض أن يكون حريصاً على عدم منافسة النقابة في نشاطها ويؤدي مهام منصبه النقابي لأعضاء النقابة كلهم وليس المنضمين إلى جمعيته فقط.
وأوضح لرصيف22 أنه لا يستطيع أحد حل الجمعيات الأهلية إلاَّ عن طريق القضاء، مشيراً أنه يتعين على مجلس نقابة الصحفيين إن استقر على وزجود مخالفة نقابية أو تعارض مصالح أن يتقدم إلى الوزارة المعنية بالمخاطبة وعلى الوزارة أن تقدم طلباً للقضاء للفصل في الموضوع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...