شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"البلشي" نقيباً للصحفيين... هل يتسع "الأمل" ليحمل تغييراً للمجتمع بأكمله؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الثلاثاء 28 مارس 202311:33 ص

بمقدار ما ضرب "زلزال" نتائج انتخابات نقابة الصحفيين الجميع، وبقدر ما جاء صعود خالد البلشي لموقع نقيب الصحفيين المصريين مفاجئاً وباعثاً على الأمل، أثار الأسئلة، وفي غمرة التساؤلات والانتظار لما سيأتي، بات السؤال الأبرز والذي يحتاج إلى الإجابة هو: هل تمتد عدوى التغيير لتتجاوز نقابة الصحفيين وتصل لتغييرات يستفيد منها المجتمع بأكمله؟

في حسابات السياسة، كانت نقابة الصحفيين دائماً واحدة من أهم مكونات المجتمع المدني المصري، وإحدى أهم مؤسسات الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام والرأي والتعبير، ثم إن انتخاباتها كانت دائماً مؤشراً لدرجة الغضب أو الرضا العام عن السلطة- أي سلطة- ولعل انتخابات الصحفيين كانت دائما المقدمة- والبشارة- لأي تغيير قادم تنتظره مصر، فلم تكن النقابة أبداً معزولة عن السياق الأوسع والمشهد السياسي العام، بل كانت دائماً في القلب من معارك البلد الرئيسية، بحكم كونها نقابة رأي تجمع بين المهني والسياسي، ثم أن أعضاءها، وبحكم عملهم، في تقاطع دائم مع السياسة.

في تاريخ مصر القريب مثالان واضحان شكّلت فيهما نتائج انتخابات الصحفيين مقدمة لتطور سياسي مهم له ما بعده، هذان المثالان أكّدا أن كل تغيير نشاهده في النقابة العريقة هو نقطة البدء لتطورات تحدث في المشهد السياسي بأكمله.

المثال الأول كان في العام 2003، وقتها راهن ما يُعرف بتيار الاستقلال النقابي على دعم الكاتب الصحفي جلال عارف، المعروف بخلفيته الناصرية والمنتمي لصفوف الكتّاب المعارضين لسلطة الرئيس الراحل حسني مبارك، وتقدموا به إلى موقع نقيب الصحفيين، وقتها خاض عارف المنافسة في مواجهة الكاتب الصحفي الراحل والقريب من السلطة، صلاح منتصر، وبعد منافسة ساخنة وشدّ وجذب انتخابيين، جاءت النتيجة بفوز عارف وتقلده منصب نقيب الصحفيين المصريين، في انتصار مدوٍّ لتيار الاستقلال النقابي حمل معه بشائر مهمة لما هو قادم، جاء انتصار عارف ليكشف عن "تململ" واضح في صفوف الصحفيين المصريين ضد سلطة مبارك، وليشير إلى أن مساحة الرضا العام عن السلطة القائمة وقتها يتراجع كما لم يحدث من قبل.

بشائر فوز تيار الاستقلال بمقعد النقيب في 2003 كان له ما بعده، فبعد عام واحد وفي 2004 ظهرت على المشهد السياسي حركة "كفاية" التي رفعت شعار "لا للتمديد ولا للتوريث"، في إشارة إلى مبارك الأب وابنه جمال مبارك. حملت "كفاية" الإرهاصات الأولى لثورة 25 يناير الخالدة، ومنها خرجت حركات وصيغ متعدّدة تطالب بالتغيير السياسي الشامل، على رأسها: صحفيون من أجل التغيير، ومحامون من أجل التغيير، وشباب من أجل التغيير، وغيرهم من مجموعات تحركت بقوة في صفوف الشعب المصري، حتى كان مشهد التغيير المهم والملهم في عام 2011.

نقابة الصحفيين واحدة من أهم مكونات المجتمع المدني المصري، وإحدى أهم مؤسسات الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام والرأي والتعبير، وانتخاباتها كانت دائماً مؤشراً لدرجة الغضب أو الرضا العام عن السلطة

في العام 2009 تكرّر مشهد جلال عارف، لكن بمرشح جديد على منصب النقيب هو ضياء رشوان، نقيب الصحفيين السابق ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات الحالي، وأحد الوجوه المعارضة لسلطة مبارك. المواجهة هذه المرة كانت أصعب وأكثر سخونة، فرشوان القريب من المعارضة يدخل إلى المعركة الانتخابية في مواجهة مكرم محمد أحمد، أحد كبار الكتاب الصحفيين، والقريب جداً من الحكم، وأحد النقباء التاريخيين للصحفيين، والمعروف بعلاقاته الواسعة في دوائر السلطة.

ورغم أن المنافسة انتهت لصالح مكرم محمد أحمد، إلا أن رشوان- الأربعيني وقتها- نجح في خوض منافسة قوية انتهت إلى الإعادة في الجولة الأولى من الانتخابات، وهو ما وضع مكرم والسلطة القائمة في حرج شديد، وأظهر أن دائرة الغضب والتململ من النظام الحاكم تتسع.

في الجولة الثانية من الانتخابات فاز مكرم لكن بصعوبة، وبتدخّل ودعم مباشرين من السلطة، فيما أظهرت المواجهة الانتخابية ميلاد جيل جديد من الصحفيين، حاول أن يخرج من كل صيغ التبعية لأهل الحكم ليكون أكثر انحيازاً للصحافة وحريتها وللنقابة واستقلالها، حتى أن الشعار الذي رفعه هذا الجيل وقتها في أعقاب نتيجة الانتخابات: "كنا شباب بنواجه دولة".

في عام 2009 انتهت المعركة الانتخابية بما أفرزته من جيل جديد وروح جديدة سرت في أوصال نقابة الحريات ومهنة البحث عن الحقيقة، وبعدها بعام واحد، وفي 2010 بدأت معارك مصر الحاسمة طوال العام، والتي انتهت بتغيير سياسي كبير حدث في 2011.

المثالان السابقان هما النموذج الأبرز لتغييرات مختلفة حدثت في المشهد السياسي في أعقاب نتائج انتخابات الصحفيين، فهل يمكن أن يكون صعود البلشي مؤشراً على تغيير منتظر؟

في تقديري أن هناك تغييراً يمكن أن يحدث على مستوى ثلاثة ملفات على الأقل خلال الفترة المقبلة:

الأول قد تنتشر عدوى التغيير إلى نقابات مهنية أخرى مهمة ومؤثرة، مثل نقابتي المحامين والأطباء وغيرهما، وأظن أن التغيير سيشمل الابتعاد عن دعم كل المحسوبين على السلطة، ودعم المجموعات التي تناصر استقلال النقابات عن الحكومات والأحزاب على السواء، وإذا ما صحّ هذا التوقع، فإن انتخابات الصحفيين تكون قد فتحت الباب واسعاً لتحرير جزء مهم من المجتمع المدني من القيود الكبيرة المفروضة عليه منذ بضع سنوات، فضلاً عن انتزاع مساحات أكبر للتحرك النقابي الجاد.

مشهد التغيير في نقابة الصحفيين يمكن أن يتسع ليشمل المجتمع كله، وأرى الجميع ينصت لكل تطور يمكن أن تخلقه نتائج انتخابات صنعت الأمل، وبعثت الأحلام من براثن الإحباط الذي تحكم في الناس لفترة طويلة

أما الملف الثاني فظني سيكون مرتبطاً بالصحفيين وبنقابتهم وبالمجتمع بالتبعية، إذ إن فوز البلشي قد يكون نقطة البداية لحوار جاد بين السلطة الحالية والنقابة حول مساحة حرية أوسع للصحافة، وفكّ القيود المفروضة بشكل كبير على المحتوى الصحفي، والتوقف عن سياسة حجب المواقع التي بدأتها السلطة الحالية في عام 2017 وطالت مئات المواقع الصحفية، وهو مكسب- إن حدث- سيتجاوز تأثيره المهنة والنقابة ليصل إلى المجتمع وحقه في المعرفة وتداول المعلومات بشفافية.

أما الملف الثالث الذي سيُفتح بعد نتيجة الانتخابات، فأظنه سيكون مرتبطاً بتعديل القوانين المنظّمة للعمل الصحفي، لا سيما القانون 180 لسنة 2018، والذي قنّن و"شرعن" حجب المواقع وإيقافها، ووسّع من القيود المفروضة على حرية الصحافة، وغلّظ الغرامات التي تُفرض على المؤسسات الصحفية في حالة الخطأ بدرجة كبيرة، وظني- وربما أملي- أن الحوار السياسي الذي دعا له رئيس الجمهورية يمكن أن يشكل مدخلاً لتفاوض جاد بين النقابة وأهل الحكم فيما يتعلق بالملفات الثلاثة، ليكونوا هم البداية لتغيير يبدأ من الصحافة ليصل إلى المجتمع بأكمله.

مشهد التغيير في نقابة الصحفيين يمكن أن يتسع ليشمل المجتمع كله، وأكاد أرى الجميع ينصت لكل تطور يمكن أن تخلقه نتائج انتخابات صنعت الأمل، وبعثت الأحلام من براثن الإحباط الذي تحكم في الناس لفترة طويلة، وها نحن في الانتظار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard