شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
على دراجتَين قريبتَين من القلب… مع الإيرانييَن مينا وإحسان

على دراجتَين قريبتَين من القلب… مع الإيرانييَن مينا وإحسان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع نحن والبيئة

الاثنين 2 أكتوبر 202301:26 م

العديد من النساء اللواتي يعشن في قرى إيران، لديهن أنامل ومواهب فنية باهرة، ويصنعن بفنهن هذا، منتجاتٍ يدويةً ومحليةً مأخوذةً من الثقافة والفن الإيرانيَين، تسحر قلوب المشاهدين، ولكل منها قصة مثيرة للاهتمام، فجميعها مصنوعة بمعدات وتقنيات تقليدية ومحلية.

لكن هناك عدداً كبيراً من المنتجين/ات الذين/اللواتي يعيشون/ن في مناطق نائية عن العاصمة الإيرانية، كما أنهم فقراء مادياً إلى درجة بالكاد يديرون حياتهم اليومية معها، فهناك تتوقف الفتيات عن الدراسة للدخول في سوق العمل، وتعتمد الأسرة على المساعدات الصغيرة التي تأتي أحياناً من الحكومة والمؤسسات غير الحكومية، فكيف لهم أن يعرّفوا الناس، على منتجاتهم دون عملية التسويق التي تكلف غالباً الكثير من المال؟

تقول مينا: "لم تحظَ الفنون المحلية باهتمام بالغ. ومن هذا المنطلق أردت أن أساعد على الأقل عدداً قليلاً من النساء والفتيات على الخروج من هذه الحلقة المفرغة، كما أردت أن أمنحهنّ فرصةً ليعشن حياةً أفضل، ولهذا قررنا أنا وزوجي، إنشاء منصة روستاتيش"

وخلال الرحلات الترفيهية التي قام بها الزوجان مينا كامْران وإحسان مهتدي، على دراجتيهما الهوائية من طهران إلى تلك القرى البعيدة، تعرّفا على وضع هؤلاء النساء والفتيات، إذ كانا يشاركان الناس رحلاتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، ولقيا تفاعلاً واسعاً من قبل المتابعين، فقررا ذات يوم ترك عملهما في طهران، والاستمرار في التعريف بهذه الفئة من المجتمع، وذلك لبناء جسر بين محبّي الفنون المحلية ومنتجيها في القرى الإيرانية.

"روستاتيش"، هو اسم نشاطهما الممتع هذا، الذي له قصة مثيرة للاهتمام، يرويها مينا وإحسان، ليعرّفونا على أجواء ريادة الأعمال الاجتماعية، وتمكين النساء والفتيات الريفيات.

إحسان، الذي كان مهندساً عمرانياً وكان لديه عمل في طهران ذات يوم، يروي قصته كالتالي:

"جُبنا أنا ومينا جميع أنحاء إيران بدراجتينا لمدة 15 عاماً تقريباً، وكان ركوب الدراجة هو الشغف الذي أبقاني على قيد الحياة، وكان هدف سفرنا التعرف على الأماكن الخلابة والاستمتاع بها. ولكن بعد بضع سنوات، أصبحت عوامل الجذب البصرية متكررةً، وبدلاً من ذلك، كانت بهجتنا هي التفاعل مع القرويين/ات الطيبين/ات.

وبعد تلك الرحلات ورؤية أهالي القرى في مختلف مناطق البلاد، تعرفنا على تحدياتهم ومشكلاتهم الرئيسية في الحياة، ومن هنا لم نتمكن من العيش كما في السابق، إذ وصلنا إلى نقطة عرفنا فيها، أنه حان الوقت للقيام بدورنا لرد الجميل الذي تلقيناه من هؤلاء الناس، حيث أنهم أصبحوا بمثابة عائلتنا الكبيرة، التي تشاركنا أفراحنا وأحزاننا".

قبل تأسيس "روسْتاتيش"، كانت مينا تقوم بأعمال التيسير الاجتماعي في المناطق النائية عن العاصمة طهران، حيث كانت تعمل في مجال ترميم الهياكل والمباني القديمة المهترئة، وهناك تعلمت كيفية التواصل مع الأشخاص المهمشين الذين لديهم فرص أقل. تشرح مينا بداية عملها لرصيف22: "كان صمود القرويين وقدرتهم، وخاصةً النساء منهم، في مواجهة الكم الهائل من العمل والمسؤولية التي تحمّلوها، مفاجئَين, وإنجازاً عظيماً بالنسبة لي، ومن ناحية أخرى، رأيت فتيات، لم يتمكنّ من الدراسة برغم اهتمامهن بها، اضطررن إلى ترك التعليم، والدخول في سوق العمل. وكن قد صنعن العديد من المنتجات اليدوية والبديعة، وكان من الواضح حبهن لهذا الفن من خلال هذه المنتجات، لكن لم يكن في وسعهن بيعها إلا في الأسواق المحلية، وبأسعار منخفضة.

ولهذا السبب، لم تحظَ الفنون المحلية باهتمام بالغ. ومن هذا المنطلق أردت أن أساعد على الأقل عدداً قليلاً من النساء والفتيات على الخروج من هذه الحلقة المفرغة، كما أردت أن أمنحهنّ فرصةً ليعشن حياةً أفضل، ولهذا قررنا أنا وزوجي، إنشاء منصة روستاتيش".

ذهب إحسان ومينا إلى القرى المهمشة وغير المعروفة، حيث كان لهما أصدقاء، وكانا على دراية بقدراتهما وإمكانياتهما، وقاما بمبادرة إنشاء منصة على الإنترنت تحت عنوان "روستاتيش"، التي تعرض السلع والصناعات اليدوية لأهالي تلك القرى.

مع هذه المبادرة، لم تعد نساء القرى بحاجة إلى انتظار الزبائن، إذ تحسنت المنتجات الريفية لتتناسب مع الحياة العصرية بروحها وطابعها التراثي الجميل، وتنوعت هذه المنتجات، مثل الملابس والإكسسوارات المنزلية والحلي وحتى الأطعمة التقليدية الشهية. لكن ما كانت تهدف إليه روستاتيش أبعد من بيع المنتجات فحسب، إذ عملت هذه المنصة على تمكين النساء والفتيات الريفيات من رفع مستوى الأعمال هذه، إذ تقول مينا عن كيفية اختيار هذه المنتجات: "جاءت هذه المنصة لتطوير وبيع المنتجات الريفية، وهدفنا من خلالها، هو تمكين المجتمعات الريفية، وبيع منتجاتها بسهولة، كما نحاول إشراك عملائنا في تنفيذ مشاريع تنموية لهذه القرى.

المرحلة الأولى من الزيارة هي قياس المؤشرات الأولية في القرى، وأهمها المناقشة الاقتصادية والاستعداد للتغيير، ثم نقوم بتقييم الاحتياجات، وهذا الأمر يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين، وفي الأخير وفقاً للإمكانات التي نراها في ذلك المجتمع الريفي، نصنع منتجاً أو خدمةً، تُنشر على موقع روستاتيش وصفحاته المحلية والدولية".

هناك نماذج ناجحة لريادة الأعمال الاجتماعية في دول جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، لكن المشكلات والتحديات للمجتمع الإيراني مختلفة تماماً، حيث أنها تتضارب في بعض الأحيان مع المصالح الحكومية أو تفتقر إلى البنية التحتية أو النظام الأبوي السائد في المجتمع وعلى وجه الخصوص في هذه القرى، وعدم استدامة الدعم الحكومي والعديد من المشكلات الأخرى، إذ تجعل من الصعب مزامنة هذا العمل مع ثقافة المجتمع الإيراني، ويقول إحسان عن هذه التحديات: "لقد جاء مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية من الغرب وعلينا أن نوطّنه بأنفسنا. نحن نؤمن بأنه في ريادة الأعمال الاجتماعية لا ينبغي أن يعود أي ربح للمساهم، فمن يأتي ويصبح مساهماً في القرى، لن يحصل على الربح بأي شكل من الأشكال، والمساهمون لدينا ملتزمون بهذه المسألة، وبالطبع نقول إنه يجب أن نحقق ربحاً، لكن هذا الربح يعود للقرى والمجتمع المحلي وحل التحديات أو بدء الأنشطة في قرية أخرى.

نحن لا نتحدث فقط عن المنتجات، فبالنسبة لنا لدينا وظيفة محددة، وهي حل المشكلات الاجتماعية هناك، ومن ناحية أخرى، روستاتيش ليست مجرد منصة لبيع المنتجات، حيث أنها تُطلع المساهمين على المشاريع الريفية، بمعنى آخر، تطلعهم على التغييرات التي قاموا بها من خلال مساهمتهم، في هذه القرى النائية".

يرى الناس أن تمكين المجتمعات الريفية، هو مثال للحكمة التي تقول "إذا أردت أن تشبع أحداً أعطه سمكةً، وإذا أردت أن تصنع حياته علّمه صيد السمك"، إلا أن مينا لا توافق على ذلك، وتعتقد أن ما يفعلونه يتجاوز تعليم صيد الأسماك. وتضيف على ذلك: "يجب أن ننظر من وجهة نظر أخرى، إذ إن المجتمعات المحلية والريفية في إيران تعرف كيفية صيد الأسماك، وقد عرفت ذلك على مر السنين، كما تعلم كيفية العيش في بيئتها وإدارتها، لكن المشكلة هي أنه عندما تطورت بلادنا وأصبحت تدار بشكل مركزي من العاصمة ومراكز المحافظات، خسرت المجتمعات المحلية دورها، وبذلك حدثت فجوة عميقة بينها وبين الحياة الحديثة وإنتاج الثروة، لهذا هم بحاجة إلى معرفة مكان الصيد في العالم الجديد.

وإذا تغيرت عقلية المرأة في الأسرة، سيتغير مجتمعها أيضاً، وهنا يمكن أن تكون النساء والفتيات مصدر التغيير حتى في المجتمعات الريفية. من هذا المنطلق بدأنا ريادة الأعمال للفئات المهمشة في المناطق الريفية، وأولينا المزيد من الاهتمام للنساء والأطفال، والأهم من ذلك كله أننا قمنا بتدريبهم، وحاولنا أن نجعلهم يتمتعون/ن بقدرات مستدامة".

وبالإضافة إلى بيع المنتجات الريفية والقروية على موقع روستاتيش، عمل إحسان ومينا على تطوير المجتمعات الريفية، بتعليم المرأة، ومن وجهة نظرهما فإن التمكين الاقتصادي ذريعة لتحسين الوضع الاجتماعي لهؤلاء الناس، حيث تمكنوا وإن ببطء من إقناع النساء في المناطق الريفية النائية بالوقوف على أقدامهن، وهذا العمل يتطلب الكثير من الصبر والجهد في المجتمع الأبوي الإيراني. وبحسب إحسان: "حاولنا من خلال تعليم وتعريف نساء المجتمعات الريفية والتقليدية، بسلسلة من المفاهيم والحقوق الاجتماعية لهن. ومن خلال فهم هذا الموضوع أصبحت مطالبهن أكبر، فالنساء اللواتي لم يكن لديهن إذن بالخروج من المنزل حتى أو بوضع صورهن على الشبكات الاجتماعية، أصبحن يطالبن بحقوقهن ويعبّرن عن ذواتهن، كما بات الرجال يعترفون بحقوقهن تدريجياً، مع تحقيق استقلالهن المالي والفكري".

بالإضافة إلى بيع المنتجات الريفية والقروية على موقع روستاتيش، عمل إحسان ومينا على تطوير المجتمعات الريفية، بتعليم المرأة، ومن وجهة نظرهما فإن التمكين الاقتصادي ذريعة لتحسين الوضع الاجتماعي لهؤلاء الناس

على الرغم من أن توسّع الإنترنت في إيران، كان دائماً مصحوباً بتحديات من قبل السلطات، إلا أنه يوجد اليوم أكثر من 66 مليون هاتف ذكي في هذا البلد، وآلاف الشركات الناشئة تعمل في مجال تقديم السلع أو الخدمات المختلفة عبر الإنترنت.

كما أصبح استخدام الهواتف الذكية وميزاتها أمراً شائعاً بين القرويين/ات، إلى حد أن معدل انتشار الإنترنت تضاعف ثلاث مرات، في السنوات السبع الماضية في جميع أنحاء إيران، والتسوق عبر الإنترنت هو السبب الثالث الذي يدفع الإيرانيين/ات لاستخدام الإنترنت، وهذا يوضح الإمكانية المحتملة لمنصة روستاتيش في توسيع بيع المنتجات الريفية الأصلية في جميع أنحاء البلاد. تشارك روستاتيش الآن في أنشطة التمكين في 50 قريةً إيرانيةً، ووفرت فرص عمل مباشرةً لـ653 شخصاً.

وفي النهاية يتحدث إحسان عن أمنيته لمستقبل روستاتيش: "الآن نعمل على الدخول في المجال السياحي للقرى، حيث نقوم بتصميم سكن سياحي في إحدى قرى محافظة سيستان وكذلك بلوشستان (جنوب شرق إيران)، اللتين تبعدان 1500 كيلومتر عن العاصمة الإيرانية. وفي النهاية، أتمنى أن تتمتع النساء والفتيات في قرى إيران بالتمكين، بحيث يُدرن عجلة قريتهن بأنفسهن، دون حضور هذه المنصة، و'روستاتيش' في اللغة الفارسية، هي مزيج من كلمتي 'روستا' (قرية) و'آتيش' (نار)، على ألا تنطفئ نار الحياة القوية في قرى إيران".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image