شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"هل أنا أحمق لأصدق هذا الهراء؟"... مشاهد من تجربة العمل التطوعي في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"ماذا كنتم تفعلون هناك؟؛ سؤال وجّهه القاضي إليّ بعدما سلمتني الشرطة للمحكمة كزعيم مجموعة مشتبه بها كانت تنشط عند سواحل البلاد. قلت: جئنا متطوعين لتنظيف ساحل البحر وجمع النفايات منه. ومن دفع أجرة سيارتكم؟

- نحن دفعنا، سيدي القاضي.

- أتظن أنني أحمق لأصدّق هُراءك هذا؟ تدفعون أموالاً لتأتوا إلى الساحل كي تجمعوا النفايات؟ لابد أن تعترفوا: ما هي خطتكم وممن تأخذون الأوامر؟

هذه قصة حدثت للناشط المدني محمد، وهو حاضر في اجتماع اليوم".

بهذه العبارات باشر مهدي نعيميان، مدير أحد التنظيمات الطلابية حديثه عبر منصة مسرح المنتدى الثقافي الجامعي الذي امتلأ بالحضور في يوم مشمس ومعتدل الأجواء.

جاؤوا من أجل اجتماع نقل الخبرات في العمل التطوعي الإيراني، وما قام بشرحه الشاب مهدي لم يكن قد حدث في قديم الزمان، بل خلال السنوات العشر الماضية، التي شهدت فيها إيران قفزةً في الحراك التطوعي في شتى المجالات البيئية والاجتماعية والثقافية والفنية.

حصلت إيران على رتبة 30 بين الدول في العمل الخيري عام 2021، وهو أمر ناجم عن ثقافة هذا المجتمع المحافظ التي قد ترسخت "الصدقات" في وجدانه واندمجت مع معتقداته

عقدٌ وصلت خلاله البلاد إلى المرتبة 91 عالمياً عام 2021، في هذا المجال، وهي مكانة متواضعة قياساً إلى عدد سكان البلد البالغ 85 مليون نسمة، لكن التحديات والضغوط لم تكن متواضعةً بل صارمةً حد الاعتقالات أحياناً.

في موادّ سابقة نشرها موقع رصيف22، تعريف ببعض الشخصيات الفاعلة في العمل التطوعي، أمثال محمد درويش ورضا معمار. وفي هذه المادة سننقل الخبرة الإيرانية في العمل التطوعي داخل البلاد، ونتعرف على بعض من النشاطات والشخصيات التي شاركت في ملتقى "راستا" الطلابي.

"توزيع الصدقات على طريقة روبن هود"

في مطلع كلمتها، اعتذرت الناشطة سارا شاهْرُخِي، عن عدم وجودها في القاعة، واضطرت إلى تسجيل كلمتها وإرسالها إلى الاجتماع. "قرأت خبراً بأن الطلاب القائمين على هذا الاجتماع قد جمعوا التبرعات ووزعوا سلالاً غذائيةً على العوائل المعوزة. أنهى هذا الخبر ترددي وحسم قراري في المشاركة لنقل خبرتي".

"حينما نعطي شخصاً سلةً غذائيةً، نلقّنه بفعلنا هذا أننا متمكنون وأنه معوز. وهذه نظرة خطيرة ومغلوطة. لدينا نحو 100 ألف مؤسسة خيرية في البلد، 99% منها توزّع الصدقات على طريقة روبن هود"؛ قالت سارا.

حصلت إيران على رتبة 30 بين الدول في العمل الخيري عام 2021، وهو أمر ناجم عن ثقافة هذا المجتمع المحافظ التي قد ترسخت "الصدقات" في وجدانه واندمجت مع معتقداته.

"كنت مديرة مجموعة خيرية، أتولى رعاية 700 طفل، وقمت بإنشاء 70 منزلاً للفقراء، وبادرت بإنشاء 8 مدارس، ولكن كل هذا العمل الخيري لم يساهم في تقليل ظاهرة الفقر وتمكين الأفراد. لا بد من التغيير وليس التكرار. علينا أن نخلق الفرص للناس وننمّي مهنهم وأعمالهم"؛ هكذا شرحت سارا، مديرة منظمة "IFA" غير الحكومية.

مشروع القروض المالية

خبرتها الكثيفة في العمل الخيري، قادتها إلى عمل تطوعي آخر لتنمية الأعمال الصغيرة في القرى والمناطق النائية من أجل مكافحة الفقر. تعمل منظمتها على منح القروض المالية لأصحاب الأعمال الحرة الصغيرة، حيث يتم جمع المبلغ من الناس أيضاً، ثم تتم إعادة المبلغ إليهم.

يركز نظام منظمة إيفا، على تقديم الاستشارة التجارية والمساعدة في كتابة خطة عمل المشروع والترويج للعمل في موقع المنظمة لجمع مبلغ القرض، زيادةً على مساندات أخرى. كل هذا عمل تطوعي بامتياز تساهم فيه ثلة من الخبراء والأخصائيين في التجارة والإدارة المالية.

خلال تصفحنا موقع ifacrowd، اطّلعنا على نشاط هذه المؤسسة خلال 5 سنوات من عملها في البلاد وإليكم النتائج: تم جمع نحو 330 ألف دولار لمنحها كقروض مالية، وهو رقم جيد ما أن حوّلته إلى العملة المحلية، ساهم في إنشاء 916 عملاً صغيراً في 161 قريةً. أما نسبة نجاح هذه القروض في مساندة الأعمال فهي 89%.

"لا تجعلوا مشكلات البلاد تؤثر على نشاطكم. علينا أن نتحرك جميعاً من أجل مستقبل البلد. لا بد أن نشعر بالمسؤولية وبالتغيير، كما علينا أن نبقى في عملية التعليم دوماً"؛ هكذا ختمت كلمتها.

قراءة القصص لعشرة آلاف طفل قروي

"قصة، ألوان، كرة"؛ هذا شعار رجل دين نذر نفسه للأطفال حصراً. إنه إسماعيل آذري نجاد، صاحب مشروع "طفل القرية"، وهو أشهر ناشط في مجال العمل التطوعي الخاص بالأطفال.

"هناك 10 آلاف طفل انضموا إلى مشروعنا في محافظة ياسوج، نحو 40 شخصاً يقرأون لهؤلاء القصص. ما أهدف إليه هو إيصال أي كتاب إيراني أو أجنبي حديث الطباعة إلى القرى التي نعمل فيها خلال فترة أقصاها شهر واحد بعد طباعتها، وما يهمنا من مواضيع هو أن يكون الكتاب مساهماً في تنمية إبداعات الأطفال"؛ هي كلمات تحدّث بها إسماعيل على مسرح المنتدى في جمع من عشرات الشباب والشابات، ليشرح لهم أن في مشروعه يتم استقراض الكتب لأطفال القرى وفق تطبيق إلكتروني، من ثم يتم التعرف على عدد الكتب التي يقرأها كل طفل قروي.

تم طلاء 20 ألف صفّ دراسي، وإعادة بناء 100 مدرسة أو استكمال بنائها، وإنشاء 5 مدارس خاصة، وهذا كله حصل بمساهمة تطوعية من التلامذة الموجودين في القرى، وهو أيضاً ما قام به رجل الدين حتى الآن، إذ يرى رسالته في تنمية روح الإبداع والابتكار من خلال القصص والعمل المشترك مع أطفال القرى، البعيدين جداً عما يتمتع به نظراؤهم في المدن من مرافق عامة وخاصة.

في موقع طفل القرية، ينشر إسماعيل نشاطاته المتنوعة مع هذا الجيل الذي يحتاج إلى الرعاية والتعليم والتدريب، كما يحرص على نشر إبداعات التلامذة من رسوم وكتابة قصص ومصنوعات يدوية، محاولاً رفع صوتهم في عموم البلاد.

"لا تجعلوا مشكلات البلاد تؤثر على نشاطكم. علينا أن نتحرك جميعاً من أجل مستقبل البلد. لا بد أن نشعر بالمسؤولية وبالتغيير، كما علينا أن نبقى في عملية التعليم دوماً"؛ هكذا قالت الناشطة سارا شاهْرُخِي

تأثر كثرٌ بعمل هذا الناشط، فمنهم من قام بتنفيذ المشروع نفسه في أماكن أخرى من البلد، ومنهم من طلب أن يكون إلى جانبه. يقول إسماعيل: "اشترطت على المتطوعين لقراءة القصص في حلقات الأطفال، ألا يكون لديهم شعور بأنهم أعلم من هؤلاء التلامذة أو أفهم".

الركيزتان الأساسيتان في تربية الطفل، هما: مدرّب جيّد ووالدان مهتمان بالطفل، وقلّما يحصل ذلك في القرى، فإلى جانب تأمين الركيزة الأولى، تحدّث الناشط عن فعالياته في سبيل حث الآباء والأمهات على العناية بأطفالهم، فاجتمع بهم عبر اجتماعات خاصة وعامة، وتواصل معهم لتحفيزهم على متابعة أبنائهم ورعايتهم أكثر.

عملية بناء الفريق

المتحدث الأخير كان محمد قائم، وهو ناشط مدني ومدير أول مدرسة تقام في الطبيعة في البلاد، ومؤسس شركة "كِشمون" لبيع المنتجات الزراعية العضوية بشكل "أونلاين"، وقد خصص وقته لنقل خبرته في العمل الجماعي، وكان عنوان محاضرته: "عملية بناء الفريق".

"نفترض أنكم اخترتم هدفكم ومشروعكم، فحان الآن موعد إنشاء الفريق والعمل معه. لا بد من وضع القيم أولاً، والقوانين ثانياً، ثم روتين العمل بالنسبة لأعضاء فريق العمل. القيم هي أصول العمل الجماعي التي تشمل الشفافية وتقبل المسؤولية بالكامل. أما الروتين فهو العمل الأسبوعي واليومي لكل عضو في الفريق لكي يعرف ماذا فعل وماذا سيفعل وما هي موانع العمل. وحول قوانين الفريق الواحد فهذا يمكن أن يكون مختلفاً حسب نوعية الفريق"، قال محمد، وأكد أن ما قاله نابع من خبرته وليس الخطة الوحيدة.

مع ذلك أكد هذا الناشط المدني أن على المتطوعين دوماً أن يعملوا مثل العالِم: "لا أعرف، أختبر الفرضيات المختلفة ثم أجد الإجابة المناسبة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard