شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
زيارة المقرِّر الأممي للجزائر… نهاية للقمع أم تجميل له؟

زيارة المقرِّر الأممي للجزائر… نهاية للقمع أم تجميل له؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التجمع

الأحد 1 أكتوبر 202301:25 م

"الجزائر تؤمن إيماناً عميقاً بأن احترام حقوق الإنسان وترقيتها هو حجر الزاوية لأيّ نظام سياسي ذي مصداقية"، بهذا الكلمات، دافع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن سجلّ بلاده الحقوقي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 78 المنعقدة بنيويورك، الأسبوع الماضي.

حديث تبون أتى قبل أيام قليلة من انتهاء جولة المقرِّر الأممي لمجلس حقوق الإنسان كليمان فول، بالجزائر، من أجل التحقّق من أن هنالك تغيرات حقوقية تحقّقت أم لا؟

السؤال الآن: هل السماح لـفول بزيارة الجزائر وتفقّد ولاياتها، خطوة حقيقة من حكومة تبون للمضي قدماً صوب ديمقراطية حقيقة وحريات للجميع، أم أننا إزاء إضافة بعض المساحيق لوجه القمع الكريه؟

جولة المقرِّر الأممي لمجلس حقوق الإنسان

بعد عقود من اتهامات تلاحق الجزائر بالتضييق على الجهات الحقوقية والمجتمع المدني، سمحت الدولة أخيراً (بعد عام من المماطلة) لمقرِّر الأمم المتحدة الخاص، المعني بالحق في التجمّع السلمي وتكوين الجمعيات، كليمان فول، بزيارة الجزائر والتجوّل في ربوعها للوقوف على حقيقة الوضع الحقوقي بها.

السماح لفول بالقيام بتلك الجولة، وُصف من قبل المعنيين بالأمر أنه خطوة كبيرة اتخذتها الجزائر صوب مزيد من الانفتاح والانفراجات السياسية، بعد ازدياد مضطرد في الفترة الماضية في سياسات قمع الحريات الأساسية، وعلى رأسها الحق في التجمّع السلمي وتكوين الجمعيات.

جاب فول عدة ولايات في الجزائر، كوهران وبجاية، حيث دامت زيارته عشرة أيام، انتهت في السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول الجاري، التقى خلالها بالمسؤولين المعنيين بالملف، مثل وزارة العدل، الداخلية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما التقى فاعلين في منظمات المجتمع المدني المستقل وأحزاباً سياسية من الموالاة والمعارضة، ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين.

وفي نهاية الرحلة، أصدر فول بياناً أعرب فيه ﻋﻦ ﺗﻘﺪﯾﺮه ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ لموافقتها ﻋﻠﻰ زيارته، كونها اﻟﺰيارة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺎ ﻣﻘﺮِّر ﺧﺎص ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 2016، وهو ما اعتبره فول ﻣﺆﺷﺮاً إﯾﺠﺎﺑﯿﺎً ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻔﺘﺎح المتزاﯾﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻮار واﻟﺘﻌﺎون ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن، وقيّم الرحلة وأصدر توصيات للحكومة تمحورت حول حتمية تعديل بعض القوانين والتوسع في الحريات.

بدا البيان متوازناً، حرص كاتبه على عدم "الضغط" بشدّة على الحكومة الجزائرية، وإن حثّها على تقديم المزيد في ذلك الملف.

لماذا سمحت السلطات الجزائرية للمدوّن المعارض مرزوق تواتي بالجلوس مع المقرِّر الأممي لمجلس حقوق الإنسان 

من الاتهام بالتخابر إلى الجلوس مع الضيوف

المفارقة الكبرى، والتي أثارت تساؤلات في المجتمع الحقوقي والسياسي، كانت السماح للمدوّن المعارض مرزوق تواتي، بالجلوس مع فول.

تواتي، الذي اعتبرته السلطات عدوّاً للوطن، ووجهت له في 2017 تهمة تبادل معلومات استخباراتية مع جهات أجنبية، إثر إجرائه مقابلة فيديو مع المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ليُحال بعدها إلى المحكمة، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة عشرة أعوام، لم ينفذ منها سوى عام واحد ليخلي سبيله بعدها.

وها هو اليوم يسمح له بالجلوس مع المقرِّر الأممي لتباحث ملف الحريات، ضمن وفد ضمّ 20 مناضلاً حقوقياً.

خرج المدون مرزوق تواتي من لقائه مع فول ليكشف كواليس اللقاء، قائلاً: "كانت الجلسة واضحة وصريحة، كشفنا فيه للمبعوث الأممي أن كل أشكال التجمّع ممنوعة، حتى التجمّع في المقاهي الثقافية، وأن الأحزاب السياسية باتت تمنع من النشاط عقاباً لها على فتح أبواب مقراتها أمام المناضلين".

أما الناشط السياسي سعيد بودور، فقد وصف اللقاء لـرصيف22 قائلاً: "اللقاء كان مثمراً، هذه أول مرة نلتقي فيها مقرِّراً أممياً مع ناشطين منذ 13 سنة، وقد تحدثنا معه عن ملف معتقلي الرأي، فضلاً عن قرار الدولة حل رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان دون أدنى تبليغ".

معطيات متضاربة حول وضعية حقوق الإنسان

عند طرح ملف الحريات والحقوق وسجناء الرأي في الجزائر، تطوف على السطح معطيات متضاربة بين الناشطين الحقوقيين والسلطات الجزائرية، حيث يرى معارضون أن ملف الجزائر أسود في مجال حقوق الإنسان، فيما يؤكد آخرون أن فوزها بمقعد في مجلس حقوق الإنسان في الفترة 2023/ 2025 ما هو إلا دليل على ترقية وتعزيز الحقوق والحريات في البلاد، على حد تعبير المستشار في مجلس حقوق الإنسان فاروق قسنطيني، الذي يرى أن الوضع في البلاد يتحسّن مقارنة بالسنوات الماضية، وأن زيارة المقرِّر تحمل دلالات على التقارب الرسمي مع المنظمات والهيئات الأممية الحقوقية.

لكن حديث قسنطيني يتعارض تماماً مع بيان منظمة العفو الدولية، الذي أشار إلى أن السلطات الجزائرية قادت هجوماً استهدف أقدم منظمة مستقلة لحقوق الإنسان في الجزائر، فضلاً عن مواصلة استخدام القوانين المقيّدة للحق في التجمّع السلمي.

لا يوجد في الجزائر معتقلو رأي

في الوقت الذي أصدرت فيه تنسيقية الدفاع عن سجناء الرأي بياناً كشفت فيه عن وجود أكثر من 300 معتقل سياسي في البلاد، وُجِّهت لهم تهم التجمّهر غير المسلّح أو التحريض على التجمّعات، فضلاً عن إفراط السلطات في استعمال السجن المؤقت، وملاحقتهم بعقوبات جنائية، خاصة المادة 87 مكرر، التي تمّ سنها عام 2021، والتي تعتبر "السعي بأي وسيلة إلى الوصول إلى السلطة" فعلاً إرهابياً.

من جانبها، تنفي السلطات الجزائرية دوماً وجود معتقلي رأي أو صحفيين في السجون، مؤكدة على أن كل المقبوض عليهم تجاوزوا القانون.

 تنفي السلطات الجزائرية دوماً وجود معتقلي رأي أو صحفيين في السجون، مؤكدة على أن كل المقبوض عليهم تجاوزوا القانون.

آمال ومخاوف النشطاء

"أرى أن هناك مؤشرات انفتاح جديد للدولة الجزائرية على الآليات الخاصة لحقوق الإنسان"، هكذا استهلّ عضو حزب اتحاد القوى الديمقراطية سمير بلعربي، حديثه مع رصيف22، واستطرد قائلاً: "قدّم المقرِّر الأممي الخاص المعني بالحق في التجمّع طلبات عدّة لزيارة الجزائر منذ 1997، قوبلت كلها بالرفض أو المماطلة.

فقبول دخوله للبلاد الآن والسماح لنا بالجلوس معه، مؤشر لا يمكن تجاهله لانفراجة في مجال حقوق الإنسان وتقبّل الآراء والأفكار المخالفة".

لكن هناك من يرى الأمر بعين أخرى، مثل المعتقل السابق مرزوق تواتي، الذي يرى أن السلطة مجبرة على قبول الزيارة؛ لأنها تسعى على تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، خصوصاً بعد أن تحدّثت كل المنظمات الحقوقية العالمية عما يحدث في الجزائر اليوم.

يتفق مع ذلك الرأي المناضل سعيد بودور، قائلاً: "إذا رفضت الزيارة، فستكون إدانة إضافية للسلطات الجزائرية، فهي تسعى للحفاظ على عضويتها في ﻣﺠﻠﺲ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة، التي من المفترض أن تستمر حتى 2025"

ويبقى السؤال... هل السماح لـفول بزيارة الجزائر وتفقّد ولاياتها، خطوة حقيقة من حكومة تبون للمضي قدماً صوب ديمقراطية حقيقة وحريات للجميع، أم أننا إزاء إضافة بعض المساحيق لوجه القمع الكريه؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image