في روايته "مدينة الظلال البيضاء"، ناقش الروائي الجزائري أنور رحماني، فكرة الحب المثلي التي يمكن أن تجمع بين رجلين، وذلك من خلال بطل الرواية "المستوطن الأوروبي"، الذي وقع في غرام مجاهد إسلامي مثلي جنسياً، في أثناء الثورة الجزائرية.
أثارت الرواية حينها ضجةً أفضت إلى ذهاب أنور للمحكمة، ليس فقط لحديثه عن حب الرجال، لكن أيضاً لأنه -وفقاً للانتقادات- طعن في نقاء الثورة الجزائرية، وعمل على تشويها بإظهار أحد مجاهديها "شاذاً جنسياً"
القوس المرفوض
ما حدث مع رحماني لم يكن مفاجأةً، فمن المفهوم أن يغضب الجمهور الجزائري المحافظ لإلحاق المثلية بمجاهد من مجاهدي ثورته، لكن المذهل أن الأمور تطورت بسرعة، ليتجاوز النقاش الكتب ويصل إلى ألوان لعب الأطفال، وقبلها لون ورق المصحف.
فما أن يرى أحدهم ألواناً قد تحمل شبهة التقاطع مع علم المثليين، حتى تثور ثائرته، ويهب دفاعاً عن الشرف والرجولة.
في منتصف تموز/ يوليو الماضي، صادرت السلطات الجزائرية ما يقرب من 81 مصحفاً، بدعوى أنها محاولة لإقحام الرموز المثلية في المجال الديني، وفي الشهر التالي ثارت حمله أضخم، لكن هذه المرة على ألعاب أطفال ملونة، رأى البعض أنها تتشابه مع علم المثليين، فدُشّنت حملات أمنية من رجال الدرك وبعض الفاعلين في جمعيات حماية المستهلك لتجول على الروضات والمدارس الابتدائية وحتى الجامعات، للتحذير من ألوان قوس القزح ضمن حملة نظمتها وزارة التجارة الجزائرية للحفاظ على ما وصفته بالقيم الأخلاقية والدينية للمجتمع الجزائري.
إذا كان القانون الجزائري يعاقب المثليين ويحاكمهم، فإن قانون الشارع أقصى وأشد عليهم، إذ ينكل بهم، ويقتلهم أحياناً.
الجريمة والعقاب
المثلية في المجتمع الجزائري ليست مرفوضةً فحسب من قبل العوام، لكنها قانونياً تُعدّ جريمةً تستوجب سجن ممارسها.
فوفقاً للمادة 338 من قانون العقوبات، "كل من ارتكب فعلاً من أفعال الشذوذ الجنسي على شخص من نفس جنسه يعاقَب بالحبس من شهرين إلى سنتين".
وقد صدرت انتقادات عدة من دول أوروبية في مجلس حقوق الإنسان في جنيف العام الماضي، لذلك القانون، مطالبين بإلغائه، لتجيب الجزائر بأنها لا تعتزم رفع التجريم عن المثلية للعديد من الاعتبارات الدينية والاجتماعية المرتبطة بقيم المجتمع.
ومن جانبها رصدت هيومن رايتس ووتش، مجموعةً من الإحالات الجنائية والملاحقات القضائية لمجموعات مثلية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، في تموز/ يوليو 2020، داهمت الشرطة أحد المنازل في ولاية قسنطينة، واعتقلت 44 شخصاً بتهمة ممارسة الشذوذ، وهو الأمر الذي تكرر مع مجموعات أخرى وأفراد آخرين.
لكن إذا كان القانون الجزائري يعاقب المثليين ويحاكمهم، فإن قانون الشارع أقصى وأشد عليهم، إذ ينكل بهم، بل يقتلهم أحياناً.
ففي التاسع والعشرين من أيار/ مايو الماضي، قُتلت امرأة عابرة جنسياً تدعى زازاة في منطقة باب عزون، بعد مطاردتها وضربها من طرف مجموعة من الأفراد في جريمة كراهية ضد مجتمع الميم.
فتّش عن الألوان
"حملة وزارة التجارة خلقت وأيقظت كراهيةً لم يجاهَر بها بهذه الطريقة ضد المثليين في الجزائر"؛ هكذا تستهل الناشطة الحقوقية آمال حجاج، حديثها إلى رصيف22، وتضيف: نحن نتحدث هنا عن فئة هشة في مجتمعنا تعيش التحريض والعنف سواء كان رمزياً أو رقمياً، ومن خلال هذه الحملة الأجيال القادمة ستتعلم الرفض والتحجر أمام كل أنواع الاختلاف، بدعوى الحفاظ على القيم الإسلامية".
لكن على الجانب الآخر، يرى البرلماني أحمد صادوق، عضو حركة حمس الإسلامية، أن توجه الدولة نحو الانسجام مع أبعاد الهوية التي نؤمن بها، هو توجه محمود، ويستطرد البرلماني في حديثه معنا، قائلاً: في وقت سابق للأسف الشديد كان مسؤولون كبار في الدولة هم الذين يدوسون على ثوابت وقيم الأمة، الحمد لله الآن الدولة هي التي تتبنى الدفاع عن القيم الأخلاقية والإسلامية التي هي مرجعية أساسية للشعب الجزائري.
ويضيف صادوق: "لكن نخشى الغفلة عن القضايا التي تُبنى في الظلام. هناك أدباء ومؤلفون رواياتهم تشجع على هذه العلاقات الشاذة، وأحياناُ تُؤخذ هذه الكتب كمرجع في الجامعة الجزائرية. إذاُ، بقدر ما نركز على الألوان يجب التركيز أيضاُ على ما يتم غرسه من أفكار وقيم في الكتب والمجلات التي تموّل أحياناً بأموال عمومية".
"هل ستمنع الحكومة ظهور قوس قزح في السماء"؛ هكذا تستهل فرح شبوب، صاحبة مبادرة TBD، حديثها إلى رصيف22، وتقول: لا خلاف مطلقاً على أهمية حماية الأطفال من البيدوفيليا (التحرش الجنسي بالأطفال)، لكن ذلك يتم بالتوعية والشرح لا بمنع أي منتج يحمل ألواناً تتشابه مع ألوان قوس القزح!
وكان وزير التجارة قد صرّح سابقاً، أنه تم سحب وإتلاف 38،542 لعبةً من لعب الأطفال وأدوات مدرسية تحمل ذات الألوان والرموز"، وتصل قيمتها إلى 3.5 ملايين دينار جزائري.
هل يتعرض الشعب الجزائري المحافظ لهجمة منظمة لنشر المثلية الجنسية بين شبابه؟
أليست من حقنا الغضبة لديننا؟
رنا جليس (46 سنةً)، من وهران، ترى القصة بعين الأم، وتقول لرصيف22: أليس من حقي أن أخشى على أبنائي من خطر الشذوذ الذي حذرنا الله من عاقبته، إذ قلب الله قريتهم، وجعل عاليها سافلها؟ تستطرد حليش: لماذا يريدون أن يفرضوا علينا ما يغضب الله ويخالف قيمنا؟ لماذا الآن؟
يشارك الكثيرون من الجزائريين نظرة حليش إلى القضية عينها وبالمنطق نفسه، والقائم إلى حد كبير على تصور أن هناك من يسعى إلى "فرض" المثلية عليهم، أو حثهم على تقبلها.
والحقيقة أننا إزاء خلط بين المفاهيم، فما يطالب به الحقوقيون هو "عدم قمع أحد أو عقابه على ميوله الجنسية"، وليس نشر تلك الميول. وهناك فرق كبير بين الاثنين، فالحديث هنا عن عدم انتهاك خصوصية أحدهم لمجرد اختلافك مع ميوله الجنسية، الفكرة ليست أن تشجع المثلية، وإنما تترك العباد لرب العباد، ولا تعدّ نفسك يد الله في الأرض...... هذا فقط هو المطلوب لا أكثر ولا أقل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...