ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد صدور قرار من قبل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، يحظر ارتداء النقاب في المدارس، بالتزامن مع العام الدراسي الجديد المقرّر انطلاقه نهاية سبتمبر الجاري. القرار صدر في شكل كتاب دوري ووُزع على المديريات التعليمية بجميع المحافظات المصرية، وحسب ما جاء فيه: أن يكون غطاء الرأس "الحجاب" اختيارياً للطالبات، دون إجبار من العاملين بالمدارس، شرط ألا يحجب الوجه، فلماذا صدر هذا القرار وهل يمكن تنفيذه بالفعل وكيف استقبلته التيارات الإسلامية؟
ردود أفعال
الوزارة في بيانها، الذي حدّدت فيه الزي الرسمي الموحّد، أكدت أن القرار الذي يتضمن حظر ارتداء النقاب، هدفه نشر التناغم وترسيخ الانضباط والتنظيم بين الطلاب والحدّ من التنمّر وتخفيف الأعباء المالية على أولياء الأمور، إضافة إلى تحقيق توافق نفسي واجتماعي داخل المدارس.
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد صدور قرار من قبل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، يحظر ارتداء النقاب في المدارس، بالتزامن مع العام الدراسي الجديد، فلماذا صدر هذا القرار وهل يمكن تنفيذه بالفعل وكيف استقبلته التيارات الإسلامية؟
واجه القرار هجوماً حاداً من قبل السلفيين وبعض رجال الدين، كان من أبرزهم تعليق الشيخ مصطفى العدوي، الداعية الإسلامي، الذي ظهر في مقطع فيديو يتهم الوزير بنشر التبرّج وقتل العفاف ومحاربة الفضيلة والطهر، كما توعد للقائه يوم القيامة، كما لو أراد أن يقول له سوف أتولى محاسبتك نيابة عن الله، ثم حذّر الناس من مصير أسود ينتظرهم، في حال تنفيذ القرار، وأن مصر قد تصاب بالكوارث البيئية عقاباً من الله بسبب منع النقاب.
الشيخ مصطفى العدوي يحذر وزير التعليم ويطالب بعزله
في لقاء تليفزيوني على قناة "الشمس" الفضائية، جمع بين الكاتبة فريدة الشوباشي التي أعربت عن سعادتها بقرار حظر النقاب واعتبرته خطوة لحظر النقاب بشكل عام في مصر كلها، شاركها اللقاء الشيخ حسن الجنايني، الذي يرفض القرار ظناً منه أنه تمهيد لقرارات لاحقة قد تصل إلى حظر ارتداء الحجاب أيضاً، بل ويرى أن الطالبات، في المرحلتين الإعدادية والثانوية، راشدات رغم أن سن الرشد يبدأ بعد مرور واحد وعشرين عاماً، وليس في الخامسة عشر.
حظر النقاب يضع الحجاب في خطر
المعارضون للنظام المصري، اعتبروا أن القرار مجرد وسيلة لإلهاء الشعب المصري عن تدابير وإجراءات تقوم بها الحكومة في ظل انشغال الناس بالحديث حول حظر النقاب، وكتب أحد المغرّدين على تويتر: "ما الخطر الذي يشكله النقاب على نظام السيسي أم أن قرار حظر النقاب في المدارس مخطط لتغيير هوية مصر"، ولا نعرف ما الخطر الذي يشكله خلع النقاب على الرجال، أم أن هذا القرار ومثله يمكن أن يفضح دونية وأمراض الذكور الذين يثيرهم جنسياً وجه وشعر الفتيات في عمر البلوغ والمراهقة؟
جهاد الفيسبوك دفاعاً عن النقاب
دشّنت لجان التيارات الإسلامية حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وإيكس (تويتر سابقاً) وغيرها، من أجل وقف حظر النقاب في المدارس، كان معظم المشاركين فيها رجال، يدافعون عن حقوق ليست لهم وملابس لا تخصهم، وبعضهم استغل الموقف للتسويق لنفسه على حساب النساء، والبعض الآخر حاول أن يلصق بالنظام المصري تهمة التمييز والعنصرية المتمثلة في حرمان الطالبات المسلمات من التعليم لأنهن منتقبات، لكن من يحاسب أولياء أمورهن على حرمانهن من طفولتهن بحجة النقاب؟ هل من المعقول أن فتيات قاصرات يرغبن في ارتداء النقاب من أنفسهن دون إجبار من أحد؟
أحد المشاركين في حملة "لا لحظر النقاب"، كتب على حسابه بموقع فيسبوك: "أي بنت منتقبة لها كورس التسويق مجاناً+ كورس آخر ثمنه 50 دولار"، أصحاب مراكز الدروس الخصوصية من السلفيين، شاركوا في الحملة وعرضوا تقديم حصص مخفضة للمنتقبات فقط، وحتى محلات الأحذية قدمت عروضاً شرائية بنصف السعر للمنتقبات فقط
زيد أسامة، أحد المشاركين في حملة "لا لحظر النقاب"، كتب على حسابه بموقع فيسبوك: "أي بنت منتقبة لها كورس التسويق مجاناً+ كورس آخر ثمنه 50 دولار"، أصحاب مراكز الدروس الخصوصية من السلفيين، شاركوا في الحملة وعرضوا تقديم حصص مخفضة للمنتقبات فقط، وحتى محلات الأحذية قدمت عروضاً شرائية بنصف السعر للمنتقبات فقط، ومعامل تحليل الدم قدمت عروضاً للمنتقبات فقط وكل الداعمين للحملة رجال، والحقيقة لا أفهم لماذا الرجال في بلادنا العربية يحشرون أنوفهم في ملابس المرأة وشعر المرأة وميعاد الدورة الشهرية للمرأة واسم عضوها التناسلي في اللغة العربية؟
تاريخ حظر النقاب في مصر
قرار حظر ارتداء النقاب في الهيئات التعليمية ليس جديداً في مصر، ففي عام 2010، تم منع الطالبات المنتقبات من أداء امتحانات منتصف العام الدراسي بقرار صدر من محكمة القضاء الإداري للجامعات، والسبب أن النقاب يسهّل عمليات التنكر بين الطالبات، ما يجعل طالبة تؤدي امتحانات لطالبة غيرها، وجاء حظره لتحقيق المساواة بين جميع الطالبات.
احتجّت الطالبات المنتقبات على القرار، واعتبرنه حينها تعدياً على حرية المرأة وحقوقها في اختيار ملابسها ودينها، وصدرت أيضاً أصوات معارضة للقرار من قبل ناشطين حقوقيين، وفي مطلع عام 2016، صدر قرار من قبل محكمة القضاء الإداري، يؤيد قرار الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة آنذاك، والذي قرّر حظر النقاب على عضوات هيئة التدريس، تجدّد القرار مرة أخرى في يناير من عام 2020، حيث صدر حكم من المحكمة الإدارية بمجلس الدولة بتأكيد القرار الصادر من محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، الذي ينصّ على حظر ارتداء النقاب لعضوات هيئة التدريس بالجامعة، وذلك بسبب تأثير النقاب على العملية التعليمية بين الطلاب وعضو التدريس.
ما يصل إلى 80 باحثة بالجامعة رفضن القرار، وقدمن طعناً للمحكمة لإلغاء العمل به، لكن المحكمة رفضت الطعن وأوصت باستمرار حظر النقاب، وحسب المادة 96 من قانون تنظيم الجامعات، فإن اللوائح تلزم أعضاء هيئة التدريس بارتداء الملابس التي تحترم التقاليد الجامعية فقط والعمل بها.
البعض يعتبر النقاب خطراً على الأمن القومي في مصر، هذا ما دفع غادة عجمي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري لعام 2018، الإعلان عن مشروع قانوني من شأنه حظر ارتداء النقاب والبرقع وكل ما يخفي الوجه في الأماكن العامة، بحيث يعاقب المخالفين بغرامة مالية لا تقل عن 1000 جنيه مصري، بما يعادل 35 دولار أمريكي، بعد وقوع حادث إرهابي بمحافظة المنيا استهدف حافلة يستقلّها حجاج مسيحيون، وتسببت الواقعة التي أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤوليته عنها، في استشهاد 8 مواطنين مصريين، لكن النائبة تراجعت عن الفكرة بعد أيام قليلة من طرحها، تخوفاً من إحداث انقسامات، حسب ما صرحت به لوسائل إعلامية مصرية محلية.
تفاصيل مشروع حظر النقاب في مصر الذي مات قبل أن يولد
متى دخل النقاب مصر؟
بدأ عصر انسلاخ المرأة المصرية من ملابسها الشعبية وارتداء الملابس التي يغلب عليها الطابع الإسلامي، مع بداية القرن العشرين ووقوع مصر ولاية تابعة للاحتلال العثماني، وهنا عرفت النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية، ما يسمى البرقع، وهو غطاء للوجه مطرز بالترتر. الانسلاخ لم يأت مرة واحدة، حيث كانت النساء تلبسن مع البرقع عباءة مشدودة من عند الخصر، وفي القدم الخلخال، والأحذية ذات الكعوب العالية، وخلال مظاهرات ثورة 1919، ظهر البرقع واضحاً جلياً في الوثائق المسجلة لأحداث الثورة، ترتديه النساء الثائرات، وكانت الثورة فرصة ثمينة للتخلص منه.
لعبت مجلة "السفور" منذ عام 1915، دوراً بالغ الأهمية في تشجيع نساء مصر على التحرّر الفكري، وترك الملابس التي تخفي الملامح وتعزل النساء عن المجتمع، في مواجهة شرسة مع دعاة الإصلاح الديني الذين كانوا يروّجون بالأساس لانتشار البرقع والملابس المحتشمة.
نكسة الزي الشعبي المصري
كانت السيدة هدى شعراوي، رائدة الحركة النسوية قديماً، أول امرأة تخلع البرقع في مصر، وسارت على نهجها نساء القاهرة والنساء المقيمات في عواصم المدن الكبرى، من العائلات الأرستقراطية، ومثّلت الخمسينيات والستينيات أزهى عصور المرأة المصرية التي تمتعت فيهما بحرية الملابس وأناقة مظهرها.
ظلت نساء مصر تنعم بالحرية حتى هبوب أعاصير الوهابية في نهاية السبعينيات، وانتشرت المفاهيم التي تسيء للنساء، بأنهن وصوتهن وشعرهن وجسدهن وكلهن عورة، وبدأ انتشار الحجاب تلاه الخمار، ثم النقاب
زادت الدعوة لتحرير المرأة المصرية بعد ثورة 1952، وارتفعت الأصوات المنادية بتعليم وعمل المرأة، ومع الاستجابة لهذه الدعوات، انفتحت النساء على الأزياء العالمية وظهرت التنورة والفساتين القصيرة، والميني جيب والميكروجيب، مع ظهور الشعر الاصطناعي والبورايك، وطغت هذه الأزياء على مظاهر المرأة العاملة والمقيمة في الحضر.
ظلت نساء مصر تنعم بهذه الحرية حتى هبوب أعاصير الوهابية في نهاية السبعينيات، وانتشرت المفاهيم التي تسيء للنساء، بأنهن وصوتهن وشعرهن وجسدهن وكلهن عورة، وبدأ انتشار الحجاب تلاه الخمار، ثم النقاب.
ظهر ما يعرف بالدروس الدينية التي كان يلقيها تلامذة الوهابية الوافدين إلى مصر من السعودية، ويسمون أنفسهم "دعاة إسلاميينط، وبسرعة البرق أخذت أفكارهم تغزو القرى والأقاليم المهمّشة فكرياً وثقافياً، والفقيرة مادياً، لاسيما فيما يخص المرأة، ولاقت الملابس الإسلامية الخارجة عن مظهر المرأة المصرية الحقيقي استحسان وقبول بفضل البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وكان النقاب يوزع مجاناً بين الفتيات للتشجيع على انتشاره.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتم بالفعل تطبيق القرار وحظر ارتداء الطالبات للنقاب داخل المدارس؟ هل يمكن الصمود أمام كل هذه الدعوات التي تحفّز الفتيات لعدم الاستجابة لقرار الوزارة وعدم التخلي عن النقاب؟ ثم ماذا عن المدرسات المنتقبات؟ أليس ارتداء النقاب يعرقل العملية التعليمية والأداء التعليمي والتربوي بين المعلمة وطلابها داخل الفصول الدراسية؟ ألا يحتاج الطلاب لرؤية وجه معلمتهم تبتسم لهم في بداية صباح اليوم الدراسي أو حتى عند توديع المدرسة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون