تعليقاً على مقطع فيديو على موقع تيك توك، يعرض مشهداً مشوقاً من أحد الأفلام الأمريكية، كتبتْ إحدى المشاركات بلهجة عربية: "احكوا لي قصة الفيلم، لا أريد اسمه، ليس لدي (خلق) لمشاهدة الفيلم كاملاً".
هذا التعليق الذي يمكن وصفه بالملول، صار يُعزى بسهولة إلى ما صار يعرف بثقافة "تشتّت الانتباه"، والتي "تُتهم" بترسيخها مواقع التواصل الاجتماعي أولاً، ثم مواقع عرض وتحميل مواقع الفيديو، وإذا كان من المعروف في عالم السينما أن السيناريو ينبغي أن يجذب المتفرج في الدقائق العشر الأولى، وإلا "لن ينظر المنتجون إليه"، فإن التنافس في عالم فيديو الإنترنت يقلّص هذه المدة إلى عشر ثوان لا أكثر، وعلى الرغم من كل ما سبق، يبدو أن السينما لا تعبأ بذلك، بل ها هي تسير في الاتجاه المعاكس تماماً، إلى درجة يكاد يمكن وصفها بالعناد.
تعليقاً على مقطع فيديو على موقع تيك توك، يعرض مشهداً مشوقاً من أحد الأفلام الأمريكية، كتبتْ إحدى المشاركات بلهجة عربية: "احكوا لي قصة الفيلم، لا أريد اسمه، ليس لدي (خلق) لمشاهدة الفيلم كاملاً"
على سبيل المثال؛ يبدأ خلال أيام عرض فيلم مارتن سكورسيزي الجديد "قتلة زهرة القمر" (Killers of the Flower Moon) من بطولة روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو، مستنداً إلى كتاب بالعنوان نفسه للصحفي ديفيد جران، تبلغ مدة عرض الفيلم ثلاث ساعات و27 دقيقة. إنه أقصر بدقيقتين فقط من فيلم سكورسيزي الأسبق، المعروض مباشرة قبل كابوس جائحة كورونا، فيلم "الأيرلندي" ( The Irishman) الذي اهتمت منتجته، شبكة نتفليكس، بتحليل مشاهداته القياسية ومشاهديه أيضاً، فوجدت أن مشاهداته تخطت 25 مليون مشاهدة خلال الأسبوع الأول من عرضه، والتحليل العمري للمشاهدين، وفقاً للبيانات المسجلة في حسابات الشبكة، أشار إلى أن معظم من أكملوا الفيلم إلى النهاية كانوا في الأربعينيات من العمر أو أكبر من ذلك.
إن هذه الحقيقة العمرية لم "تردع" المخرج المخضرم، كما رأينا من مدة عرض فيلمه المقبل، الذي يدور حول جرائم شركات النفط ضد السكان الأصليين في ولاية أوكلاهوما، قبل أكثر من قرن من الزمان، بل إن هذا الامتداد الزمني، الأطول "جداً" من الزمن الذي استقرت عليه لسنوات طويلة السينما الأمريكية وغيرها، -باستثناء الهندية – لعرض الأفلام، أي مدى (ساعة ونصف إلى ساعتين)، مع استثناءات نادرة للغاية، كاد يصبح هو القاعدة في أكبر أفلام الموسم، فباستثناء فيلم باربي (ساعة وأربعون دقيقة)، جاء فيلم كريستوفر نولان "أوبنهايمر" (Oppenheimer) من بطولة كيليان مورفي في ثلاث ساعات بالتمام والكمال.
وكذلك جاء فيلم آري أستر الجديد من بطولة خواكين فينيكس "بو خائف" ( Beau Is Afraid) في مدة زمنية لا تقل عن ثلاث ساعات إلا بدقيقة واحدة، وفي حين حطم فيلم "أوبنهايمر" بساعاته الثلاث أرقام شباك التذاكر ملامساً حاجز المليار دولار (وإن جاء ثانياً خلف باربي)، فإن فيلم آري وخواكين لم يحمل سوى الخيبة على مستوى الإيرادات والقراءات النقدية أيضاً، وبدا "غامضاً"، "مرتبكاً" و"غير ممتع".
إن ثلاثة أفلام من ذوات الساعات الثلاث من أصل أربعة أفلام كبرى في 2023 يمكن زيادتها إلى أربعة أفلام فائقة الطول إذا وصلناها بفيلم ستيفين سبيلبرج الأخير ""The Fabelmans، فالفيلم الذي عرض نهاية العام الماضي ويستعرض سيرة طفولة وشباب مخرجه، اقتربت مدة عرضه كذلك من الساعات الثلاث ( 151 دقيقة)، بل إن الأمر نفسه تكرّر في نطاق السينما المصرية، إذ احتل قمة الإيرادات في العام نفسه (2022) فيلم كريم عبد العزيز "كيرة والجن" من إخراج مروان حامد عن قصة أحمد مراد، وبلغت مدة العرض كذلك ثلاث ساعات، وهو رقم أشد ندرة في السينما المصرية، التجارية وحتى المستقلة، لم يقترب منه سوى فيلم عادل إمام "النمر والأنثى" في ثمانينيات القرن الماضي (177 دقيقة).
من المعروف في عالم السينما أن السيناريو ينبغي أن يجذب المتفرج في الدقائق العشر الأولى، وإلا "لن ينظر المنتجون إليه"، والتنافس في عالم فيديو الإنترنت يقلّص هذه المدة إلى عشر ثوان لا أكثر
هل هي المنافسة مع المنصات، على الرغم من أن بعضها أنتج أو شارك في إنتاج تلك الأفلام؟ المنافسة هنا ليست على الوقت الأقصر، بل على العكس؛ منح تجربة مغايرة، ربما إدراك أن المشاهد الباحث عن الزمن القصير، المشاهد الذي، كما كتبت المشاركة في تعليقها، "ليس له خلق على مشاهدة الفيلم"، سيفضّل حلقة التلفاز القصيرة على أية حال، حلقة الأربعين دقيقة بدلاً من فيلم الساعة وثلث أو الساعة ونصف، ومن ثم، يحسن التنافس في ساحة أخرى، ساحة من يملكون الوقت، حتى لو كان بعضهم "من سن الأربعينيات".
إنها نفس نظرية الرواية سميكة الحجم التي يفضّلها الناشرون في سوق الكتب، لأنها تمنح القارئ تجربة طويلة يعيش معها بالأيام، فتغريه بالشراء بدلاً من النصوص القصيرة التي يمكن أن يقرأها على الإنترنت. وربما كان الأمر أن سكورسيزي وسبيلبيرج ونولان، هم رجال زمن ينتهي على أي حال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...