يبدو أن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، بعد توقيع اتفاق "التطبيع" مع الإمارات في 2020، بأن إسرائيل ستوقّع المزيد من اتفاقات "السلام" مع دول عربية أخرى، لم تكن مجرد كلمات، بل مسار رسمه أكثر من تولّى قيادة إسرائيل منذ قيامها، وهو اليوم على أعتاب ولايته السادسة، تماماً كعدد الدول العربية التي وقّعت اتفاقات سلام مع إسرائيل حتى الآن؛ مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، فهل تشهد ولاية نتنياهو السادسة توقيع دول عربية أخرى اتفاق سلام، خاصةً أن الحديث يدور حول اقتراب السعودية من التوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل، وربما قد يكون اتفاقاً مكتملاً؟
سأجلب السلام
الحديث عن التوصل إلى اتفاق سلام بين الرياض وتل أبيب، لم يكن وليد هذه الأيام، فنتنياهو قال في تموز/ يوليو الماضي، عشية زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المملكة: "إذا عدت في مهمتي لقيادة وزعامة إسرائيل فإنني أعتزم توقيع اتفاقيات سلام كاملة مع السعودية ومع دول عربية أخرى"، مثنياً على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان ودوره في اتفاقيات أبراهام: "أودّ أن أعبّر عن تقديري لولي عهد السعودية لمساهمته في تحقيق اتفاقيات السلام التاريخية الأربع التي توصلنا إليها".
قال نتنياهو، بعد توقيع اتفاق "التطبيع" مع الإمارات، إن إسرائيل ستوقّع المزيد من اتفاقات "السلام" مع دول عربية أخرى
وحقيقة الأمر، أن دعوات التوصل إلى اتفاق سلام مع السعودية، لم تصدر من نتنياهو وحده، بل سبقه رئيس الوزراء الحالي والذي كان يتولى منصب وزير الخارجية قبلها، يائير لابيد، فبحسب ما نشرته صحيفة "معاريف"، دعا لابيد إلى تطبيع العلاقات مع الرياض، مؤكداً أن "ذلك يُعدّ مصلحةً إسرائيليةً من الناحية الأمنية والإستراتيجية، ولن يكون الأمر بمثابة المفاجأة حينها، لكن الأمر يتطلب بعض الوقت، وهناك عمل يجري مع الولايات المتحدة وبعض دول الخليج من أجل التوصل إلى اتفاق قريب مع الرياض".
بحسب ما نشره موقع "هيدابروت" الإسرائيلي، فقد أجرى نتنياهو اتصالاً مع المدوّن السعودي الشهير محمد سعود، هنّأه خلاله على فوز السعودية على منتخب الأرجنتين في كأس العالم المقامة حالياً في قطر، وقال سعود بحسب ما نشره موقع "كيكار هاشابات"، لنتنياهو: "أنت رئيس وزراء السلام، وبإذن الله فإن السلام آتٍ"، وهو ما يُعدّ تمهيداً شعبياً لقبول الاتفاق من قبل السعوديين، من خلال تواصل المسؤولين الإسرائيليين مع مشاهير في السعودية.
الطريق يمرّ بواشنطن
شهدت ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فترةً تاريخيةً من توقيع الاتفاقيات مع الدول العربية، بسبب العلاقات الجيدة بين نتنياهو وترامب من جهة، وبين الأخير والدول العربية خاصةً الخليجية من جهة أخرى، إذ وقّعت إسرائيل 4 اتفاقيات مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
وبعد رحيل ترامب وقدوم حكومة إسرائيلية جديدة، لم يشهد هذا الملف تحوّلات كبرى، لكنه يعود اليوم على رأس اهتمامات نتنياهو في ولايته القادمة، خاصةً مع التقاربات الأخيرة، وكان من ضمنها تصريحات معلنة من بن سلمان، في حديث له مع صحيفة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، في آذار/ مارس الماضي، إذ لمّحت الصحيفة إلى أن "وليّ العهد السعودي يسعى إلى تحسين وبحث العلاقات مع تل أبيب، خاصةً أن توجهات الأمير الشاب هي الانفتاح وتحقيق مصالح المملكة بما يتوافق مع مصالحها العليا".
اتصل نتنياهو بالمدوّن السعودي محمد سعود، هنّأه خلاله على فوز السعودية على منتخب الأرجنتين، فرد الأخير: "أنت رئيس وزراء السلام، وبإذن الله فإن السلام آتٍ"
وتجمع إسرائيل والسعودية توجهات مشتركة عدة إزاء هذا الملف، لكن تطبيع العلاقات سيمر أيضاً هذه المرة من واشنطن، لكن بشروط وطلبات سعودية تحدّث عنها الكاتب والمحلل الإسرائيلي، عاموس هرئيل، في مقالة نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بعنوان "نتنياهو يحتاج إلى التطبيع مع السعوديين لكن الطريق إلى الرياض يمر من واشنطن".
يرى عاموس هرئيل، في مقالته، أن توقيع الاتفاق يُعدّ إنجازاً نوعياً بالنسبة إلى نتنياهو، وسوف يقلّل من حدة بعض الملفات المقابلة التي تُعدّ تحديات تنتظره، من ضمنها الخوف من أزمة أمنية مع الجانب الفلسطيني، وكذلك الملف الاقتصادي والتحذيرات من ركود دولي طويل وميزانية محملة بأعباء ثقيلة، وكذلك الملف الإيراني الذي يُعدّ نقطة تلاقٍ مع الجانب السعودي، وتُعدّ إيران تهديداً مشتركاً لتل أبيب والرياض، وهناك تنسيق استخباراتي موسع بين الطرفين لمواجهة التحديات الإيرانية.
العام المقبل؟
تزداد التوقعات بإبرام الاتفاق خلال العام المقبل، وهو ما أكده سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الذي قال إن السعودية ستنضم إلى اتفاقيات أبراهام في غضون عام، بحسب ما نشرته "تايمز أوف إسرائيل"، في كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وفي السياق نفسه قال دانون، بحسب ما نشره "ميدل إيست مونيتور": "نحن على اتصال بالسعوديين منذ سنوات. وعملت معهم شخصياً في الأمم المتحدة بشأن قضايا الاستقرار والأمن الإقليميين".
وأضاف: "إنها مسألة وقت فقط قبل أن يخرج القادة الشجعان من الظل ويتحقق السلام الكامل بين جميع أبناء إبراهيم، إننا نصلّي من أجل أن تنمو البذور التي زرعناها هنا اليوم لتصبح سلاماً عالمياً غير مسبوق وتعايشاً لأجيال قادمة".
ولفت دانون، بحسب ما نشرته "تايمز أوف إسرائيل"، في تقرير آخر، إلى أن العشرات من الدبلوماسيين ورجال الدين وقادة الأعمال والأكاديميين الذين اجتمعوا في روما في قمة القيادة العالمية لاتفاقات أبراهام، ناقشوا سبل التوسع في الاتفاقات، مؤكداً أن معلوماته حول التوصل إلى اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل خلال عام تستند إلى محادثات تمت بالفعل، و"نتنياهو يضع توسيع اتفاقات أبراهام ضمن جدول أولوياته المقبلة"، والصحيفة الإسرائيلية نفسها استشهدت بتحسن العلاقات بين الرياض وتل أبيب من خلال فتح مجال السعودية الجوي أمام إسرائيل في تموز/ يوليو الماضي.
سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة، داني دانون، قال إن السعودية ستنضم إلى اتفاقيات أبراهام في غضون عام
طلبات السعودية؟
يدور الحديث بحسب عاموس هرئيل، عن طلبات سعودية واضحة ستكون فيها تل أبيب وسيطاً لدى الإدارة الأمريكية الحالية، والطلبات ستكون ثلاثةً وهي:
1- تقوية العلاقات بشكل معلن مع الجانب الأمريكي من خلال بيان إيجابي من الكونغرس، الذي تسيطر عليه الأغلبية الديمقراطية التي تتبنى موقفاً مضاداً ضد المملكة بسبب مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي.
2- عدم رضوخ المملكة لطلبات واشنطن بشأن زيادة الإنتاج السعودي من النفط، وهنا يرى مدير معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط، روبرت ساتلوف، أن الدولتين ستتغلبان على تلك المشكلة وهي مسألة وقت لا أكثر.
3- مساواة الرياض في مشتريات الأسلحة من واشنطن، مع الدول الأعضاء في حلف الناتو، ما يمكّن المملكة من اقتناء مقاتلات إف 35، وموافقة الولايات المتحدة على إقامة مشروع نووي سعودي سلمي من خلال استغلال مخزون المملكة الكبير من اليورانيوم.
وبحسب هرئيل، "هذه الطلبات قد يتم رفضها من قبل الكونغرس الأمريكي، ما قد يعرقل المفاوضات وتالياً يكون حجر عثرة في سبيل التوصل لاتفاق سلام منتظر بين السعودية وإسرائيل"، مشيراً إلى أن "المشروع السعودي المسمى بـ’مدينة نيوم’ على مضيق تيران، قد يكون وسيلة تقارب في الاتفاق المزمع عقده، خاصةً أنه سيمهد الطريق لفتح أفق اقتصادية واسعة للطرفين.
زعامة المنطقة
قالت "وكالة الهجرة الدولية في الشرق الأوسط"، في تقرير نشرته، إن "ثمة تحالفاً جديداً رئيسياً وسرّياً بين المملكة وإسرائيل هدفه إحلال السلام في منطقة مضطربة بالأحداث، ويجعل السعودية زعيماً بلا منازع في منطقة الشرق الأوسط".
وهناك اتفاق سلام تتم بلورته وصفه التقرير بـ"غير المسبوق"، وبأن "مصطلح "صفقة القرن" يهدف، من ضمن أهدافه، إلى أن تكون إسرائيل حليفاً للدول العربية ما يجلب السلام إلى المنطقة المضطربة"، لافتاً إلى أن السعودية نفسها هدّأت من لغة العداء مع إسرائيل، إذ كان يتم وصف إسرائيل بالعدو الصهيوني، والوضع الآن يتغير.
واستشهد التقرير بتصريح أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وهو الأمير وليد بن طلال، الذي يقول فيه: "المصالح السعودية الإسرائيلية متوازية وهو أمر لا يصدق"، كما عزز التقرير من مؤشرات التقارب بين تل أبيب والرياض من خلال العدو المشترك وهو إيران، وكذلك فإن إسرائيل "تخشى من تكرار سيناريو الربيع العربي في المملكة وهو ما قد يجلب نظاماً إسلامياً متشدداً".
يدور الحديث عن طلبات سعودية واضحة ستكون فيها تل أبيب وسيطاً لدى الإدارة الأمريكية الحالية، والطلبات ستكون ثلاثةً، الأولى تقوية العلاقات مع واشنطن، فماذا عن البقية؟
ولفت التقرير إلى الاجتماعات السرّية التي جمعت مسؤولين إسرائيليين بنظرائهم من المملكة في محاولات لتقريب وجهات النظر وذلك منذ عام 2015، وهو ما لم تنكره إسرائيل والسعودية على حد سواء، والتي أعقبتها اجتماعات علنية في 2016، إذ التقى رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل، الجنرال يعقوب عميدرور، وهو مستشار كبير سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في معهد واشنطن، وهو مركز أبحاث مؤيد لإسرائيل في واشنطن، وصافحه.
كذلك في العام نفسه، قاد الجنرال السعودي السابق، أنور عشقي، فريقاً من رجال الأعمال والأكاديميين، لإجراء محادثات غير مسبوقة مع أعضاء الكنيست الإسرائيليين. ومنذ ذلك الحين ظهر عشقي، على شاشة التلفزيون وهو يتحدث لصالح صفقة مع إسرائيل، وفق ما ذكره التقرير نفسه.
ويدور الحديث عن المكاسب الاقتصادية للجانبين، والتي من ضمنها رفع القيود التجارية مع الشركات الإسرائيلية، وبحسب التقرير فإن الفوائد الفورية التي ستعود على إسرائيل تُقدَّر بنحو 45 مليار دولار، ومن ضمن المحادثات الجارية تحقيق وإبرام الصفقات التجارية بين الجانبين.
تفاؤل حذر
يروّج الإعلام الإسرائيلي لمؤشرات تبدو إيجابيةً حول تقبّل السعودية لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل، وتسود نغمة من التفاؤل الحذر بين الأوساط الإعلامية والسياسية وغيرها، ويتحدث تقرير نشرته "تايمز أوف إسرائيل" في كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عن تطلع السعودية إلى توقيع اتفاق سلام، مستشهدةً بتصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، بأن التطبيع سيحدث في نهاية المطاف، حتى لو أخذ ذلك وقتاً، فضلاً عن أن طلبات ولي العهد السعودي وشروطه لتوقيع الاتفاق لم تشمل الجانب الفلسطيني الذي لطالما شكّل توقيع اتفاق سلام عربي يشمل فلسطين، حجر عثرة، وتالياً عدم شمول فلسطين، أو وضعها ضمن الشروط قد يسهّل الأمر.
وكل الشروط تتعلق بالمملكة والولايات المتحدة فقط، وهذا الاتجاه أكده تقرير حصري نشرته قناة i24NEWS الإسرائيلية، ذكر أن هناك تقدماً مستمراً في مسألة توقيع الاتفاق، لكن التفاؤل حذر، واستشهد التقرير بتصريحات الجبير التي تؤكد ضرورة اتخاذ تطبيع العلاقات مع إسرائيل طابع "النضج"، ومسألة الوقت المشار إليها أكدها كذلك زعيم الجالية اليهودية من الولايات المتحدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...