لم تكن البيوت في قديم الزمان، مجرد مبانٍ مكدسة على بعضها بعضاً، نستخدمها للاستراحة أو المبيت فحسب، بل كانت بفنّها المعماري الجميل والفريد من نوعه وبمساحاتها الكبيرة، مبانيَ ذات روح وطابع، تجمع بين أشخاص الأسرة وتلمّ شملهم.
وهناك بيوت جميلة في شتى أرجاء إيران، هُجرت لفترة طويلة، فعتقت واهترأت، ولكن بعد مرور زمن وجدت من يقدّرها ويهتم بها ليعيدها إلى أيامها السابقة، لا بل يحوّلها إلى مقاهٍ ومطاعم وحتى فنادق مريحة، يزورها السياح من مختلف مدن إيران وجميع أنحاء العالم.
كثيرة هي البيوت التي رُممت وجُددت، لتتأهل وتتحول وتصبح واجهةً سياحيةً يزورها كثر. تقع أبرز هذه البيوت في المدن الكبيرة في إيران، مثل طهران العاصمة، وأصفهان والأهواز وشيراز، وسنتعرف هنا على بعضها.
بيوت طهران
بما أن طهران هي عاصمة البلاد ومن أكبر مدنها، من حيث المساحة والعدد السكاني، لذا تقع أكثر هذه البيوت المتحولة في هذه المدينة؛ مثل بيت "محسن مقدم" الذي تحول إلى "مقهى ومتحف مقدم"، وهو أحد المباني التاريخية الذي يعود إلى العهد القاجاري في إيران، ويُعدّ اليوم من أغلى المنازل في العالم، ويتكون هذا المبنى من مجموعة متاحف ومقهى، وفيه حديقة جميلة يملؤها السكون والهدوء، لمن يهرب من ضجيج الشوارع المكتظة والخانقة.
هناك بيوت جميلة في شتى أرجاء إيران، هُجرت لفترة طويلة، فعتقت واهترأت، لكن بعد مرور زمن وجدت من يقدّرها ويهتم بها، ليعيدها إلى أيامها السابقة، لا بل يحوّلها إلى مقاهٍ ومطاعم وحتى فنادق
يتكون هذا المبنى من جزأين داخلي وخارجي، وتُعدّ زخرفته نموذجيةً نظراً إلى الفن المعماري في تلك الحقبة، فقد أعطى البلاط الملون والأعمدة والأقواس جواً أصيلاً وفريداً، كما تمتلئ حديقته الهادئة بالأشجار المزهرة والورود المتنوعة والشجيرات الجميلة، وتتوسطها نوافير فيروزية منقوشة ومنحوتة بشكل مبهر، وفي المبنى توجد غرفة، أحد جدرانها مرصع بالأحجار الكريمة والمرجان، كما يوجد أيضاً جدار آخر مطلي باللون الذهبي.
ويسمى هذا المبنى بـ"مقدم"، لأن ملكيته تعود إلى "محسن مقدم"، وهو رسام وعالم آثار وأستاذ الفنون في جامعة طهران، والبيت من تصميمه. كان هو وزوجته "سلمى كويوميجيان" (بلغارية)، مهتمين جداً بالثقافة والتاريخ، ولذا كرّسا حياتهما، لجمع الأشياء الثمينة من جميع أنحاء العالم وحفظها، وقد احتفظا بهذه الأشياء في منزلهما، الذي تحول الآن إلى متحف، يعرض ما اقتنيا طوال حياتهما.
ولو تجولنا أكثر في طهران، سنجد مقهى ذا شعبية كبيرة، يسمى بمقهى "تهرون فيلا"، الذي بدأ نشاطه في "حديقة نِكارِستان" عام 2013، واشتهر بالأجواء والمساحة وقائمة الطعام الخاصة به التي يقدّمها لضيوفه، وتزايد شيئاً فشيئاً عشاقُه وزبائنُه.
فالكراسي الخشبية ذات التصميم البولندي تضفي دفئاً مميزاً على جوّه، وتخلق تناغماً جيداً بجوار مفارش المائدة المطرزة بالكشمير، والمزهريات الفخارية الزرقاء على الطاولات، كما أن ستائر الدانتيل البيضاء الموضوعة بين إطارات النوافذ والجدران الخضراء الرائعة، تخلق أجواء مريحةً يشعر بدفئها كل من يتواجد هناك من أول لحظة.
ومنذ بدايات عمله أصبح مقهى "تهرون فيلا"، مكاناً يجتمع فيه الفنانون/ات وهواة الفن، وأمست أحداث فنية كتوقيع كثير من المؤلفين/ات لكتبهم، وسهرات الفنانين/ات والكتاب والكاتبات، من بين برامج هذا المقهى الذي يمتلئ بهذه الأجواء الفنية الجميلة.
ومن المثير للاهتمام أن نعرف أنه نُشر مؤخراً كتاب بعنوان "شارع فيلا" للكاتب الإيراني علي رضا عالم نجاد، وهو عبارة عن مجموعة قصص وذكريات للناس من داخل المقهى وخارجه، والأشخاص الذين يعيشون في شارع المقهى الذي يحمل اسم "فيلا"، وقد ألّفه كاتبه نتيجةً لتواجده اليومي في المقهى ولفترة ثلاث سنوات.
بيوت أصفهان
من العاصمة طهران نتجه صوب مدينة أصفهان، العاصمة الثقافية لإيران؛ ففي هذه المدينة تتواجد الكثير من هذه البيوت القديمة التي تحولت مؤخراً إلى أماكن سياحية، وذلك نظراً للتاريخ العريق للمدينة.
"بيت دِهدَشتي" هو أحد بيوت أصفهان التاريخية، التي بقيت من العصر القاجاري في هذه المدينة، يزوره أكبر عدد من الضيوف والسياح في عطلة الصيف، وذلك بعد أن تحول إلى مقهى يحمل اسم مقهى "هوغر كافيه" (Huger Cafe).
يحتوي هذا المبنى التاريخي على مساحتين مفتوحتين، ويضم الفناء الخارجي ساحةً خضراء جميلةً، والداخل مخصص لغرف الاستقبال الجميلة والرائعة، فعند مدخل المبنى نشاهد قاعةً مبنيةً في منتصف الجزء الداخلي من المبنى محاطةً بغرفتين من الجانبين، وشرفتين أمام الغرف الجانبية، وغرفة ملكية خلف القاعة تكمل مجموعة منزل دِهدَشتي.
المساحات الداخلية لمنزل دهدشتي مفتوحة على بعضها بعضاً، عبر أبواب خشبية عتيقة، ما يفسح مساحات متنوعةً وفريدةً من نوعها في داخل المنزل، وفي وسطه توجد قاعة تتكون من أوشحة جميلة أمام الفناء، الذي تتوسطه بركة صغيرة، تعكس صورة أوشحة القاعة الملونة، وتخلق منظراً جميلاً يسرّ عيون الناظرين.
من بين البيوت التاريخية الكثيرة في مدينة أصفهان، يوجد بيت آخر باسم "خانه كشيش"، أي بيت القسيس، وهو أحد المنازل القليلة المتبقية على الطراز المعماري المنتسب إلي العصر الصفوي، وكان هذا المنزل التاريخي ملكاً للقسيس الإيراني، جارجين هانانيان، الذي توفي في أيلول/سبتمبر 1970، ودُفن بجوار جرس كنيسة "وانْك" القريبة من هذا البيت، الذي تحول في ما بعد إلى فندق يستضيف السياح طوال أيام السنة.
ويضم هذا الفندق دهليزاً وغرفاً عديدةً وغرفةً ملكيةً وشرفة كبيرة مزيّنة بزخارف الجص والمرايا من الداخل، كما يتزين سقف هذا الرواق بإطارات خشبية مربعة، ويرتكز على أربعة أعمدة خشبية طويلة.
وفي عام 2005، اشترى هذا المنزل "همايون أفهام" من ورثة الكاهن، وهو أحد محبي الثقافة والفن الإيرانيين، إذ تمت عملية الشراء هذه، بهدف الحفاظ على ثقافة العمارة الصفوية وحضارتها، ومن هذا المنطلق رممه بمساعدة خبراء ترميم للأعمال الفنية، ليصبح هذا المبنى وجهةً للزوار المحبين للتراث والفن الإيرانيين البديعين.
بيوت الأهواز
هذه المرة وجهتنا مدينة الأهواز، العاصمة النفطية لإيران، وإحدى المدن الحاضنة لهذه البيوت التاريخية الجميلة، حيث أنها كانت منذ القدم مدينةً تجاريةً وصناعيةً، تجذب كل من أراد الاستثمار خاصةً في القطاعات النفطية.
على ضفاف "نهر كارون" الذي يعبر من وسط المدينة، يقع "فندق قو" أو ما تبقى منه، حيث يعود تاريخ إنشائه، إلى أواخر الفترة القاجارية، أي إلى عام 1920 في إيران، لكن كل ما تبقى من هذا الفندق الذي كان عبارةً عن تحفة معمارية في عصره، هو مجرد هيكل هشّ مهترئ قد ينهار في أي لحظة، حيث لم يحظَ باهتمام جدّي، غير أن منظمة التراث الثقافي لمحافظة خوزستان قامت بعمليات ترميم جزئي له في عامي 2018 و2019.
لكن بعد عام 2018، قامت مجموعة باسم "أوكسين للدراجات الهوائية" في الأهواز، بتنظيف المبنى وساحة الفندق وترميمهما بشكل طوعي، ولا تزال هذه العمليات مستمرةً، وذلك إلى جانب افتتاحهم مقهى في ساحة الفندق، وجاءت هذه الخطوة بهدف إعادة افتتاح الفندق بشكل دائم، ولتعريف الناس به أكثر، كما ستُدفع جميع الأرباح من مبيعات هذا المقهى لصيانة المبنى وترميمه.
تقع في طهران أكثر البيوت المتحولة فيها، مثل بيت "محسن مقدم" الذي تحول إلى "مقهى ومتحف مقدم"، وهو أحد المباني التاريخية الذي يعود إلى العهد القاجاري في إيران، ويُعدّ اليوم من أغلى المنازل في العالم
وعلى بعد كيلومتر واحد من فندق قو، يوجد "خانه مابار"، المقتبس من اسم عبد المجيد مابار، المالك الأصلي لهذا البيت وأحد تجار الأهواز، في زمن كان فيه حكم السلالة القاجارية في إيران يلفظ أنفاسه الأخيرة، حيث قرر بناء منزل بأسلوبه الخاص، وكلّف أحد أفضل المهندسين المعماريين في تلك الفترة بإنشاء المبنى. وبعد وفاة عبد المجيد، استولت الحكومة البهلوية على منزله، حتى انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، وسُلّم منزل مابار إلى منظمة التراث الثقافي، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المكان أحد المعالم التاريخية والسياحية في الأهواز.
المدخل الرئيسي لهذا المبنى مرصوف بالطوب الذي وُضع بشكل متعمد مع بعضه بعضاً، وعندما ندخل إلى فناء هذا البيت، نشاهد أنه مكون من طابقين وقبو، بطراز المنازل القديمة التي توجد بها العديد من الغرف حول الفناء. وما يعطي هذا المبنى التاريخي منظراً مذهلاً، هي أبواب غرفه الخشبية المزينة بزجاج ملون.
هوية المنازل التاريخية في الأهواز، هي الأقواس الهلالية التي تظهر بوضوح فيها، تتصل بسقوف الغرف المصنوعة من ألواح خشبية، بينما الدَرابزينات المشبكة للمنزل تكمل جمال المبنى، وتتوسط ساحة البيت بركة صغيرة ذات لون فيروزي، تهيئ أجواء مريحةً وجميلةً للزائرين.
في هذه الأيام، أصبح بيت مابار التاريخي مقهى ومكاناً لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية المختلفة كإطلاق مراسم توقيع كتب جديدة الإصدار، أو عرض مسرحيات، أو إقامة معارض للصور والرسمات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين