شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
قهوة وحضن ودلال… متحف القطط في طهران

قهوة وحضن ودلال… متحف القطط في طهران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أثار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، حفيظة الإيرانيين على منصات التواصل الاجتماعي في العام الماضي، حينما قرر أن يداعب قطةً بابتسامة وسط توتر العلاقات السياسية بين البلدين، فالقطة ترمز إلى الحدود الإيرانية كما هو معروف، ذلك أن خريطة إيران تشبه شكل القطة.

كانت القطة منذ قرون بعيدة من الحيوانات الأليفة في إيران، خلافاً للكلاب التي بدأ الاهتمام بها في العقود الأخيرة، ومما أسهم في ذلك وجود سلالة إيرانية (Persian Cat) التي تشتهر عربياً بـ"القط الشيرازي" أو "القط الفارسي".

القطط الفارسية هي قطط ذات شعر طويل ومظهر لطيف، لكنها كسولة تحب البقاء في وضع الراحة دوماً، وتفضّل عادةً التمدد في مكان معيّن من المنزل لمراقبة ما يجري حولها، وهي قطط منزلية لا تفضّل الذهاب إلى الخارج، وتحبّذ الاحتضان، والحصول على الاهتمام من قبل أصحابها.

"مِيُوزِيه"، عنوان جمع بين اسم صوت القطة بالفارسية "مِيَو" (مِياو)، واسم المتحف بالفارسية "موزيه"، وهو بيت تقليدي إيراني قديم يضم نحو 30 قطةً من سلالات مختلفة، وألوان متنوعة، بأسماء فارسية

بهذه المقدمة القصيرة نذهب معاً كي نتعرف علی مقهى ومتحف القطط في طهران، والذي يُعدّ أيقونة العاصمة هذه الأيام.

"مِيُوزِيه"، عنوان جمع بين اسم صوت القطة بالفارسية "مِيَو" (مياو)، واسم المتحف بالفارسية "موزيه" (مأخوذاً من الفرنسية)، وهو بيت تقليدي إيراني قديم يضم نحو 30 قطةً من سلالات مختلفة وألوان متنوعة، بأسماء فارسية أصيلة منها: آذَر، آرَش، بَهمَن، شيرين، أخْتَر، فَرُّخ، درويش، بابَك، رامين، سيمين، شهرزاد، وغيرها.

يعمّق المتحف معرفة رواده بالقطط، لكي يجعلهم يتواصلون معها بسلاسة أكبر، فثمة فتيان وفتيات يعملون كحرّاس للقطط هناك. يرحبون بالزوّار، ثم يرشدونهم إلى كيفية التعامل مع قطط المتحف.

شروط الزيارة

تتصرف القطط في الطابق الأول والثاني كيفما تشاء، ويدخل إليها الزوار ضمن شروط خاصة؛ لا يمكن أن ندخل بقططنا هناك، ولا أن نحتضن القطط، ولا أن نجلب لها طعاماً من خارج المتحف، ولا أن نوقظها إذا ما كانت نائمةً. كل ما علينا هو أن نجلس بجانب أي واحدة منها، ونهديها طعامها المفضل من المتحف، ونلتقط الصور معها، ونداعبها.

"أعشق القطط، لذلك أهوى هذا المكان وأجواءه المرحة كثيراً"؛ بهذه الکلمات شرحت الطالبة الجامعية مينا، سبب مکوثها وسط القطط. أما صديقها محمد فصرّح: "أشعر بالبهجة عندما آتي إلى هنا، لأنني أحب القطط، ولكن إذا لم تجلب لها الطعام معك، فسوف تتجاهلك".

وأثنت الزائرة شيرين على فكرة المتحف الفريدة من نوعها، وتحدثت عن حب ابنها للحيوانات، فجاءت برفقته كي تقضي أوقاتاً سعيدةً مع القطط. أما ناهيد، فتؤكد أنها جاءت لتزرع حب الحيوانات في طفلتها التي تداعب القطط.

وأكد مدير المتحف حسين حَمْلة داري، أن "القطط الموجودة في المتحف كلها جاءت ضمن نظام التبني، إذ جلبها المواطنون إلى هنا، ولم يتم شراء أي واحدة منها"، لأنهم يعارضون شراء الحيوانات وبيعها.

استوحى الإيرانيون متحفهم هذا من متاحف كثيرة تشبهه حول العالم، وباشر المتحف عمله في عام 2020، بأربع قطط فقط، وهو غير حكومي، إلا أنه يحمل تراخيص من وزارتي السياحة والتراث، والصحة.

أما في فناء المنزل والطابق الأرضي، فتُزيّن الجدران مئاتُ الملصقات التاريخية للقطط التي جُمعت من حول العالم، وعشرات الصور والرسوم للقطط الإيرانية عبر الزمن، ويمكن أن تحتسوا/ين قهوتكم/ن وتدردشوا/ن مع أصدقائكم/ن وأنتم/ن وسط فضاء يعرض لكم/ن الكثير عن تاريخ القطط.

القطط في التاريخ الإيراني

تتزين إحدى الصالات، بأوراق مصوّرة من كتاب "الفأر والقط"، للشاعر والأديب الإيراني خواجة نظام الدين عُبيد الله زاكاني، من القرن الرابع عشر الميلادي، والمتميز بأسلوبه الفكاهي. برغم قدم الكتاب، إلا أنه في عام 1952، تمت إضافة رسوم للقطط والفئران إليه،تصور أحداث الحكاية، وتم عرضه في الأسواق. أما اليوم، فقد قررت إدارة المتحف أن تصدر الكتاب المصوّر وتضعه على الجدران، كي تبرز أهمية القطط في التاريخ الإيراني. ويتناول الكتاب في إطار فكاهي حكاية صراع دار بين قطط مدينة كِرمان وسط إيران وفئرانها، لتنتهي بانتصار القطط بعد هزيمتها. وجاء في مقدمة أشعار كتاب "الفأر والقط": "إذا كان لديك العقل والعلم/ تعال واسمع حديث القط والفأر".

وكانت لأشهر شاه إيراني في القرون الأخيرة، ناصر الدين شاه القاجاري، الذي حكم البلاد خلال معظم سنوات المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، قطّان اسمهما "بَبْري خان" و"كَفتَر خان"، وكان يهتم بهما كثيراً.

نشاطات أخرى وحضور افتراضي

يقيم المتحف معارضَ لصور قطط الشوارع، بغية تحفيز الشارع على شدّ انتباهه إلى هذا الحيوان الأليف ورعايته من قبل السكان. كما أن هناك متجراً لبيع المصنوعات اليدوية التي ترمز إلى القطة، فيبتاع زوار المعرض تماثيل القطط أو هدايا منوعةً رُسمت عليها أشكال القطط. 

يمتلك المتحف حساباً على إنستغرام، بنحو 95 ألف متابع، ويشرح الكثير من سلوك القطط، ويبدد ما يحيط بها من غموض، ويحرر طاقاتها على لسان القطط نفسها، فيمثل استجابةً لحاجات شريحة كبيرة من المتفرجين إلى المعلومات، ويقدمها بشكل جذاب ومسلٍّ، بعيداً عن ملل الدروس الكلاسيكية، وتتسنى للمتابعين متابعة يوميات قطط المتحف التي تجلب تعاطف كثيرين.

تصف الكاتبة الفرنسية فرانسواز جيرو، القطط بعبارة شاعرية، فتقول: "نحن لا نمتلك القطط، بل هي من يمتلكنا". وسمة التملك هذه يحاول المتحف أن يبرزها لزوّاره الحقيقيين والافتراضيين، إذ غالباً ما يتم التأكيد على أن القطط هي صاحبة المتحف، ونحن موظفون لا أكثر. وحينما يطالب الزوار بزيادة وقت زيارة المتحف، يسمعون: "آسفون... القطط تحتاج إلى الكثير من الاستراحة".

قطط حديقة "لاله"

لا يمكن لأي عابر أن يتمشى بسهولة وسط حديقة "لاله" الشاسعة والواقعة في وسط العاصمة طهران، وذلك لكثرة وجود القطط في جميع أنحائها؛ فالقطط هي أيقونة هذه الحديقة منذ عقدين من الزمن، إذ كانت تعيش نحو 500 قطة في الحديقة، ثم وصل الحال إلى 250 فحسب، وخصصت البلدية قسماً من الحديقة كمنزل للقطط والاهتمام بها.

لا يمكن أن ندخل بقططنا هناك، ولا أن نحتضن القطط، ولا أن نجلب لها طعاماً من خارج المتحف، ولا أن نوقظها إذا ما كانت نائمةً. كل ما علينا هو أن نجلس بجانب أي واحدة منها ونهديها طعامها المفضل من المتحف

ويرعى السكان قطط الحديقة، ويجلبون لها الطعام ويهتمون بصحتها، ويأتي ذلك عبر تبرعات تُجمع من خلال حساب إنستغرامي خاص بقطط حديقة "لاله".

ثمة مجموعات تنشط في مجال حماية الحيوانات في البلاد، تصب جلَّ تركيزها على نشر التوعية لدى المواطنين ومطالبة المعنيين بحقوق الحيوانات.

ولكن وسط هذا الاهتمام، يمكن سماع أصوات من يطالبون بعدم الاكتراث بالحيوانات في المدن لما تسببه من أمراض للسكان، واستلم البرلمان الإيراني مشروع قانون تقدَّم به بعض النواب، يحدد امتلاك الحيوانات الأليفة من قبل المواطنين، بيد أنه لم تتم المصادقة عليه حتى الآن.

عدم اكتراث الحكومة بشأن الحيوانات الأليفة بل مخالفتها الصريحة لذلك، يأتي إلى جانب إقبال الإيرانيين على تربية حيوان أليف في المنازل أكثر فأكثر، ويمكن مشاهدة ذلك عبر ازدياد المشافي والمستوصفات البيطرية والمتاجر الخاصة بمستلزمات الحيوانات، وكذلك الحسابات التي يتم الاهتمام بها على منصات التواصل الاجتماعي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard