السينما مرآة المجتمع؛ تتغلغل في أعماقه حتى تُبرز للمشاهد، الجوانب الخفيّة منه.
تحاول السينما تقصّي الحقائق عن طريق إبراز نقاط الضعف ومحاولة علاجها من أجل كشف المستور والمسكوت عنه مجتمعيّاً، أو ما يُعرف بـ"الخلل المجتمعيّ"، وتُبلور ذلك في إطار هيكلة أحداث تُعبّر عن واقع ذلك المجتمع، وتأخذ من الجانب القويّ الضئيل ما يساعدها في تحقيق ذلك التكامل. فإذا رصدت السينما واقع المجتمع بموضوعيّة ودون تزوير للأحداث؛ تصبح أداةً بنّاءةً وتصبح الأفلام المُقدّمة عبر شاشتها، أرشيفاً تاريخيّاً يسرد واقع شعب بأسره وتاريخه. لكن إذا قدّمت الأحداث بنفاق وتشويه وتزوير دون مراعاة الحقيقة؛ بمعنى أنه مثلاً إذا نافقت الحكّام السياسيّين أو أبرزت شخصيات مؤثرةً بشيء من التهميش، تصبح إذاً معولَ هدم للمجتمع بل لشعب بأسره.
ولكن كيف بلورت السينما المصريّة تحديداً الحياة الجنسيّة لرجال السياسة المصريّين؟ كيف أبرزت جوانب خفيّةً من سلوكيّاتهم تجاه الجنس، وهل قدّمتْ ذلك الجانب من حياتهم بطريقة إيجابيّة أم سلبيّة؟
"الراقصة والسياسي"
يحكي هذا الفيلم العلاقة بين راقصة مصريّة شهيرة تُدعى سونيا سليم، ووزير سياسيّ معروف يُدعى عبد الحميد رأفت.
كيف بلورت السينما المصريّة تحديداً الحياة الجنسيّة لرجال السياسة المصريّين؟ كيف أبرزت جوانب خفيّةً من سلوكيّاتهم تجاه الجنس، وهل قدّمتْ ذلك الجانب من حياتهم بطريقة إيجابيّة أم سلبيّة؟
يبدأ المشهد الأوّل بظهور هذا الوزير عبر أحد البرامج التلفزيونيّة، وتحاول سونيا تذكّر اللقاء الأول بينهما؛ لتكتشف أن هذا الرجل قد اصطحبها قبل عشرة أعوام في حفلة رقص خاصّة لشخصيّة سياسيّة معروفة عند زيارته الأولى لمصر.
تسترجع سونيا ذكريات تلك الليلة الجنسيّة الساخنة التي قضياها معاً بعد تلك الحفلة، وتستيقظ لتكتشف هروب خالد مدكور، وقد سرق نصف مستحقاتها الماليّة من الحفلة، ثم تحاول مراراً الوصول إليه بشتى الطرق طوال هذه المدة الزمنيّة دون جدوى. يلتقيان مرةً أخرى بعد تلك المدة بليلة جنسيّة جديدة، ولكنها فاترة، حيث تُعبّر سونيا عن ذلك قائلةً: "إيه اللي حصلك، ماكنتش كده"؛ كنايةً عن عجزه جنسيّاً عما كان سابقاً، إذ إن الأمور المُتعلّقة بالسياسة قد أثّرت على رغبته الجنسية.
شخصية عبد الحميد في هذا الفيلم أشبه بالحاوي الذي يتلاعب بحِنكته السياسيّة من أجل الوصول إلى أطماعه بسلاسة.
"درب الهوى"
يتناول الفيلم قضيّةً مُجتمعيّةً خطيرة، وهي انتشار بيوت الدّعارة في فترة ما قبل الثورة؛ يحكي قصة سيدة تمتلك أحد بيوت الدعارة والمعروف بـ"لوكاندة البرنسيسات"، في الوقت ذاته يتردّد على ذلك البيت رجل سياسي شهير، يرأس حزب "الفضيلة والشرف".
يُبرز الفيلم التناقض الكبير في حياة هذا الرجل بين كفاحه وصموده نهاراً من أجل إغلاق بيوت الدعارة، ولجوئه ليلاً إلى هذا البيت من أجل التّمتّع بليلة جنسيّةٍ سعيدة.
تحمل شخصية حسن عابدين، الكثير من ازدواجيّة التّفكير، فهو المُحارب والمُناضل بشعارات سياسيّة مزيّفة، وهو أيضاً عاشق الفتيات اللواتي يقدّمن خدمات جنسيةً، فيلجأ إليهنّ ليشعر برجولته وكينونته بعيداً عن صخب الأحداث السياسيّة.
يظهر المشهد الذي يجمع بينه وبين زينات أيضاً، ازدواجيّة التفكير والتناقض الكبير في شخصيته كرجل سياسيّ؛ حيث يعطي لها طبلةً كي يتراقص عليها ويقول: "أنا عايز وحدة تِهِزّأْني، تِهَزأْني"، فهو يملّ السلطة، النفوذ، التحكم والاحترام.
كل تلك المفاهيم التي يستشعرها من المحيطين به في أثناء عمله السياسي؛ يريد أن يتخلص منها ويشعر بأنه على طبيعته مع زينات. يتلذّذ بإهانتها إياه وكأنّ الإهانة هي مفتاح العلاقة الجنسيّة السعيدة التي يصبو إليها، أو بالأحرى هي الكلمات المُثيرة له جنسيّاً كي يبدأ علاقةً ساخنةً بكلّ شغفٍ؛ فهو لا يريد الاحترام والخوف الذي يمارسه على نُوّاب البرلمان والحاشية، بل يريد التّحرّر من كل أنواع القيود التي فرضتها السياسة عليه.
"نهر الحب"
يحكي هذا الفيلم قصة حياة فتاة من طبقة اجتماعيّة مُتوسّطة تدعى نوال، تعيش مع أخيها المحامي الشاب ممدوح الذي اختلس مبلغاً ماليّاً من العُهدة المُوكلَة إليه؛ فيعلم طاهر باشا بذلك وهو رجل سياسيٌ وربّ هذا العمل. يحاول الباشا ابتزاز هذا الشاب البسيط بطلب يد أخته للزواج بها، فتوافق نوال على الفور؛ حفاظاً على مستقبل أخيها وزوجته وتعيش مع الباشا دون حب حقيقيّ، جسداً بلا روح.
يتعامل معها الزوج بنظريّاته السياسية في كل تفصيل من تفاصيل الحياة: التنزه، التحدث ولا يوفر لها أدنى مشاعر الحب، فتقع في حب الضابط خالد الذي يُعوّض الحرمان العاطفيّ والجنسيّ لديها، ليكتشف الباشا ذلك ويراقبها جيداً حتى ينجح في ابتزازها عن طريق التقاط صور لهما في أوضاع حميميّة ويهددها بالفضيحة إذا لم تبتعد عنه وتعود للعيش معه.
والحقيقة أن شخصية طاهر هي شخصية انتهازيّة بحتة، إذ يحاول بشتى الطرق الحفاظ على منصبه السياسيّ، حتى لو كلّفه الأمر ارتماء زوجته في أحضان رجلٍ آخر من أجل الحفاظ على هيمنته السياسيّة. فهو من دفعها إلى هذا الحب وأعطها الأمان الكليّ من أجل خوض الانتخابات الرئاسيّة دون قلقٍ أو توتر، وعندما نجح في تلك الانتخابات كعادته في اقتناص الأشياء، اكتشف أن عشق زوجته للضابط؛ يُعدّ خيانةً لحياتها الزوجيّة معه وهو بالأساس من دفعها إلى ذلك بسبب بخل عاطفته ومن أجل الحفاظ على جبروته السياسيّ.
"حافية على جسر الذهب"
يتناول هذا الفيلم سيطرة رجال السياسة وهيمنتهم على المجتمع بأسره؛ يحاول عزيز دائماً اقتناص كل فريسة أُنثويّة جميلة، ويريد الحصول عليها بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة.
يحكي الفيلم قصة فتاة تُدعَى كاميليا، تقع في غرام مخرج معروف بأنه "زير نساء"، تحبّه ويُحبّها هو الآخر، ولكن يقف لهما بالمرصاد ذلك الرجل المتغطرس بنفوذه السياسيّ. لا يجدان مفرّاً من ألاعيبه القَذرة، المُعدّة بحنكة سياسيّاً، ليلقى حتفه في نهاية الفيلم بإطلاق الرصاص عليه من قِبَل تلك الفتاة المغلوبة على أمرها.
يبرز هذا الفيلم استغلال بعض رجال السياسة مناصبهم ونفوذهم السياسيّ بعد ثورة 23 تموز/ يوليو 1952؛ وما أثمرتْ عنه من سلبيّات سياسيّة وهي استغلال بعض الرجال السياسيّين نفوذهم من أجل إقامة علاقات جنسيّة بالقوة والترهيب مع العديد من النساء دون إرادتهنّ، والكلمة الشهيرة لعادل أدهم طوال الفيلم "يا قُطّة"، فبرغم نعومتها إلا أنّها تحمل داخل طيّاتها الكثير من التّرهيب والقسوة وعدم الإنسانيّة. وتُعدّ تلك العلاقات النسائيّة القسريّة من أسوأ ما أنتجته ثورة تموز/ يوليو من تداعياتٍ سلبيّةٍ.
"القاهرة 30"
يتناول الفيلم فترة النظام الملكيّ والحياة المجتمعيّة آنذاك، حيث يحكي قصة فتاة تُدعى إحسان تعيش وسط عائلة فقيرة جداً وتحاول بشتى الطرق الإنفاق على أسرتها دون جدوى. تدفعُها الأُمّ إلى استغلال جمالها وأنوثتها من أجل سدّ أفواه الأطفال الصغار وبقية أفراد العائلة، فترتمي في أحضان سياسيّ معروف وثريّ هو أحمد مظهر. تتردّد على منزله وتبدأ اللقاءات الجنسيّة بينهما، ثمّ بعد فترة تنكشف العلاقة بينهما، فيُزوّجها رجلاً آخر هو محجوب عبد الدايم حتى تصمت الألسنة نهائيّاً.
يظهر محجوب عبد الدايم بقرنين فوق رأسه في مشهد زواجه من إحسان، ما ينمّ عن انتقاص من رجولته؛ لموافقته على مثل هذا الزواج، وهو يعلم جيداً العلاقة بين الفتاة وهذا الرجل، ثم تتوالى اللقاءات الجنسيّة بين إحسان والباشا في أيام مُحدّدة، يترك فيها محجوب البيت نهائيّاً؛ فتكتشف زوجة الباشا الأمر في النهاية وتضبطه في أحد تلك اللقاءات الجنسيّة. يبرز الفيلم استغلال المناصب السياسية؛ فمن يريد وظيفةً جيدةً براتب جيّد ومستوى معيشة مُرفّه، يُقدّم زوجته قرباناً لذلك السياسي المعروف أو هديةً على طبق من فِضّة، وهو استغلال للمنصب السياسي بدناءة وانتهازيّة مفرطة.
ازدواجيّة التّفكير وتشويه الحياة الشخصيّة
يرى محمود قاسم، الناقد السينمائيّ ومؤلف كتاب "الرجل السياسيّ في السينما المِصريّة"، في حديثه إلى رصيف22، أنّ السينما المصريّة سلكتْ في بعض الأحيان اللُّعبة السياسيّة المعروفة وهي "تشويه كلُّ نظامٍ سياسيّ جديد للنظام السالف لإثبات جدارته ونزاهته السياسيّة"؛ بمعنى أن كلّ نظام سياسيّ حديث يقوم بتشويه الصورة الذهنيّة عن النظام السابق.
ويضيف: "عرضت السينما المصريّة الحياة الجنسيّة لرجال السياسة بصورة مُشوّهة، فلكل إنسان رغباته الجنسيّة التي لا يمكن الاستغناء عنها. ففي فيلم درب الهوى، تظهر شخصية حسن عابدين وهو يعاني من الفصام الشخصيّ؛ بحيث يدافع عن شيء ويفعل نقيضَه".
شخصية طاهر هي شخصية انتهازيّة بحتة، إذ يحاول بشتى الطرق الحفاظ على منصبه السياسيّ، حتى لو كلّفه الأمر ارتماء زوجته في أحضان رجلٍ آخر من أجل الحفاظ على هيمنته السياسيّة. فهو من دفعها إلى هذا الحب وأعطها الأمان الكليّ من أجل خوض الانتخابات الرئاسيّة دون قلقٍ أو توتر
وفي فيلم "نهر الحب"، يرى قاسم أن زكي رستم عدّ حياته الجنسيّة جزءاً لا يتجزّأ من حياته السياسيّة أيضاً؛ فهو يعمل جاهداً من أجل الحفاظ على ذلك المنصب السياسيّ، كما يُبرز فيلم" طائر الليل الحزين" الشخصيّة السياسيّة الانتهازية واستغلال مراكز القوى من أجل تلبية الأهواء والرغبات الجنسيّة المكبوتة.
ويختم حديثه قائلاً: "كل ما أنتجته السينما المصريّة من أفلام عن الشخصية السياسيّة، أبرزتها غير سويّة؛ فهي إما تعاني من الفصام الشخصيّ وازدواجيّة التفكير أو تعاني من الانتهازية، أو تستغلّ مراكز القوى لديها، وكل ذلك كما ذكرتُ مسبقاً من أجل إرضاء نظام سياسيّ على حساب آخر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع