شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أكل الفرحة في مصر (3)...  الهُبر للصعيد والطيور للريف

أكل الفرحة في مصر (3)... الهُبر للصعيد والطيور للريف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الأربعاء 27 سبتمبر 202311:04 ص

عشرات الملايين من فقراء مصر، لا يذهبون للأندية، لا يقيمون حفلات أعياد الميلاد، لا يرتادون الكافيهات الحارقة الأسعار التي تحاول تغيير وجه القاهرة إلى عاصمة عصرية زجاجية، بينما تنزوي المقاهي الشعبية الصغيرة إلى جيوب البلد، ولا يستطيعون الذهاب للشواطئ التي صارت حكرا على الأغنياء، وربما اصحاب الملايين فقط، حتى الطبقة الوسطى معتلة ولا تقوى على الوصول إلى الشواطئ إلا في أيام قليلة في السنة.

تعزّ اللحوم في مصر الآن على غالبية المصريين، لم يعد لديها زبائن ويقلّ المعروض، وكل شهر تعلن شعبة القصابين عن تداعيات أزمة الركود وخروج عدد من التجار من السوق، بعد أن وصل سعر الكيلو إلى 350 جنياً، أي ما يعادل 10-12 دولاراً، بعد أن وصل سعر الدولار إلى 40 جنيهاً في السوق السوداء.

تراجعت الأفراح الباذخة في الأرياف وتقلّصت أيام الفرحة في الصعيد وعاد الجميع إلى النساء لتدبير الاحتفالات وستر البيوت في المواسم التي تنكشف فيها القدرة على الإنفاق، إذ لابد أن يأكل أهل البيت والمدعوون اللحم أو "الزفر"، كما يُطلق عليه في الريف، لابد أن تختلف أيام الأعياد والأعراس عن الأيام العادية المشبعة بالضيق والتقشف.

الآن ولكسر حالة التقشف المجتمعي التي يعيشها المصريون، يضطر البعض لشراء اللحوم من منافذ الجيش والشرطة، رغم تدني مستوى اللحوم في هذه المنافذ، فلا يُتوقع أن يقوم عساكر التجنيد الإجباري بالتحوّل فجأة إلى قصابين وجزارين محترفين، والبعض يلجأ لشراء العجول بشكل تعاوني في الحي أو القرية، ثم يحضرون جزاراً متخصصاً لذبح وتقسيم اللحوم فيما بينهم، لمحاولة كسر حدة ارتفاع الأسعار في المحلات الخاصة أو المنافذ الحكومية، وللحصول على كميات تكفي حاجة العائلات، رغم الخطورة الصحية لهذا الإجراء، فلابد أن تحصل الذبيحة على إذن المجزر بعد الكشف الطبي عليها، ولكن يتم تجاوز هذه الإجراءات مع العوز المستدام.

تراجعت الأفراح الباذخة في الأرياف وتقلّصت أيام الفرحة في الصعيد، وعاد الجميع إلى النساء لتدبير الاحتفالات وستر البيوت في المواسم التي تنكشف فيها القدرة على الإنفاق، إذ لابد أن يأكل أهل البيت والمدعوون اللحم أو "الزفر"، لابد أن تختلف أيام الأعياد والأعراس عن الأيام العادية المشبعة بالضيق والتقشّف

بالنسبة لمدينة القاهرة وضواحيها القريبة، ربما تبدو اللحوم قضية فرعية يمكن تجاوزها مع حضور الوجبات السريعة وأشكال اللحوم المصنعة، والأكلات الشعبية الأرخص ثمناً والأقل أصالة وقيمة غذائية بالطبع، لكن مع أعماق وأطراف البلاد، ومع النقص الحاد في مقومات البهجة، تظل قضية اللحوم ونوع الأكل اليومي أو أنواع الأكل في المناسبات والأعراس، قضية محورية وتتعلق بالكبرياء، ويمكن أن تنقص عناصر الفرحة واحداً من أطرافها الأساسية، ولا يمكن غضّ النظر عن غياب اللحوم في الأعراس والأعياد الدينية، ولا سبيل سوى العودة إلى طرق النساء في التفكير والتدبير وتربية الطيور ورعاية الماشية، يوماً بعد يوم، لسد الحاجة في مواسم الفرحة. 

لحوم الفرحة في الصعيد 

يعرّف الباحثون الطبيخ الصعيدي بأنه محدود التنوع، نظراً للحياة القاسية، مناخياً واقتصادياً، جنوب البلاد، لكن في نفس الوقت لابد أن يكون مقروناً دائماً باللحم أو "الهبر"، كما يطلقون عليها في الصعيد، أو بمرقة اللحم على أقل تقدير.

وفي أحيان عادية كثيرة، يكون الطبيخ "قرديحي" أي خالياً من الزفر أو اللحوم بكل أنواعها. البعض ينتظر أسواق القرى لشراء اللحوم، وكل قرية لديها يوم معروف للذبح، وغالباً يتراوح ما بين صباحات الثلاثاء، الأربعاء أو الخميس. يتوافد الرجال والنساء من الصباح لحجز قطعة اللحم المطلوبة للطهي مع الخضار والأرز والعيش الشمسي، ومع انتصاف ظهيرة اليوم، يكون الجزار قد انتهى من عمله، ومن يفوته سوق القرية الأسبوعي، يدرك أن قطار اللحوم قد فاته لهذا الأسبوع، فالجزارون منتشرون في مراكز المدن فقط، والتي تبعد كثيراً عن حياة الغالبية العظمى من سكان القرى والكفور والنجوع. 

نمت علاقة المصريين بالماشية منذ الحضارة المصرية القديمة، قدّسوا العجل "أبيس" وجعلوه رمزاً للخصوبة، ووضعوا قرص الشمس بين قرنيه، وحنطوه في مقابرهم ليعود معهم إلى الحياة الأبدية بعد البعث، فضّلوا البقر والأغنام في طعامهم واعتبروها هبات تمدّهم بطاقة الحياة.

من النادر أن يفوّت الصعايدة المواسم الدينية، مثل مولد النبي محمد، بداية السنة الهجرية، عاشوراء، بداية شهر رمضان، وبالطبع عيد الأضحى، دون طبخ قطعة لحمة تفوح رائحة سلقها في البيت وبين الجيران، أما الأفراح فيكون الترتيب له مختلفاً تماماً.

في أغلب الأحوال، ومع تحضيرات أهل العروسين "للشوار"، يتم شراء عجل صغير لتربيته طوال فترة الخطوبة، بحيث يكون جاهزاً للذبح قبل الفرح، ويسد الحاجة لشراء كميات كبيرة من اللحوم، بالطبع تسند تربية العجل الصغير على مدار شهور لسيدة المنزل وبناتها، وتظل ترعاه بحرص وخوف من النفوق لهذه المهمة المبجّلة، وتفكر في غذائه قبل أن تفكر في غذاء أهل البيت أحياناً، وإذا مرض، تحزن ويحزن البيت كله لحين شفائه، فهو الثروة التي من الصعب تعويضها.

هناك أشكال محدودة لطبخ اللحوم في الصعيد، حتى بعد استخدام الأعيان والأغنياء للطباخين المحترفين لطهو المشويات للضيوف، يظل طبق اللحم المسلوق "الهُبر" الذي يقدم مع المرق أو الفتة هو سيد الأطباق، و لكن طبقاً مثل الكفتة المنتشر حديثاً في الأفراح الحالية، يعد في الصعيد طبخة أقل قيمة، لأنه هجين من لحوم مجهولة المصدر وبعض الإضافات، وشكل قطعة اللحم السليمة المعروف أنها جاءت من أي جزء، تعني الكرم والوضوح وعدم الغش، فلابد أن يرى الشخص ما يأكله صحيحاً وكاملاً وغير منقوص.

صنع الإنسان المصري في الصعيد كل أدوات الطبخ من العناصر الطبيعية حوله، خاصة عملية تشكيل وترويض الطين الذي نُحتت منه أوعية الطهي الأولى، والتي يستمر استخدامها حتى الآن في الصعيد.

تخصصت عدد من محافظات الوجه القبلي في صناعة الفخار منذ آلاف السنين، وخاصة محافظة قنا التي تضم عدداً كبيراً من القري المتخصصة في صناعة الطواجن المستخدمة في الطهي، البلاليص المستخدمة في نقل المياه العذبة من النيل للبيوت، والزير الذي يقوم بدور الثلاجة في حفظ الماء قبل وصول الماء في الحنفيات المنزلية، والقلة الصعيدي معروفة أيضاً كوسيط طبيعي صغير لشرب الماء.

وبالمناسبة، هناك بعض القرى لم يصلها الماء والصرف الصحي في الصعيد، وبالتالي لا يزال استخدام هذه الأدوات سارياً. كل هذه المنتجات صنعها الفلاح الصعيدي، فهناك فروق بين عرب الصعيد القادمين من قبائل عربية وصحارى مجاورة، وفلاحي الصعيد العاملين في الأراضي الزراعية والمتخصصين في صناعة الفخار منذ القدم، كما نوهت الباحثة وينيفرد بلاكمان، في كتابها المرجعي "الناس في صعيد مصر"، عن فترة إقامتها بالصعيد في عشرينيات القرن الماضي، ما يعني أن قرب الفلاح من الأرض كان خطاً مستقيماً أنتج من خلاله كل أدوات الحياة.

وصفات لحم الفرحة الصعيدي

طاجن التقلية

هذه الطبخة لا يمكن تجاهلها في الأعراس والمناسبات الصعيدية، بالإضافة إلى أنها انتقلت من البيوت إلى المطاعم والمحلات التي تقدم الطعام الصعيدي في مراكز المدن.

طاجن التقلية يتكون من ثلاثة عناصر أساسية، اللحم المدهن، البصل، الطاجن الصعيدي.

يحمل الطاجن الصعيدي تاريخاً طويلاً من المذاقات الأصلية لطعام شعب صعيد مصر، هناك أكلات لا يمكن الحصول على طعمها دون طبخها في الطاجن الصعيدي الغامق، المحروق قبل استخدامه في الطهي في أفران الخبيز التقليدية بالعسل الأسود الذي يسدّ مسام الفخار ويمنعه من التسريب

يحمل الطاجن الصعيدي تاريخاً طويلاً من المذاقات الأصلية لطعام شعب صعيد مصر، هناك أكلات لا يمكن الحصول على طعمها دون طبخها في الطاجن الصعيدي الغامق، المحروق قبل استخدامه في الطهي في أفران الخبيز التقليدية بالعسل الأسود الذي يسد مسام الفخار ويمنعه من التسريب، ومن بينها طاجن التقلية أو طاجن اللحمة بالبصل.

الفقراء الذين يعجزون عن شراء اللحم، يمكنهم شراء العظام وسلقها لعمل مرقة تعطي الطعم وبعض الفيتامينات المطلوبة

وفي آخر الاكتشافات العلمية الحديثة الهامة في مدينة الأقصر، جنوب مصر، والتي أطلق عليها "المدينة الذهبية المفقودة"، والتي قد تكشف جوانب اجتماعية جديدة في حياة المصريين القدماء، وجدت أفران كبيرة، بداخلها طواجن اللحوم، ما يدل على أن طاجن اللحوم بدأ استخدمه فعلياً منذ 3300 عاماً، مع تطوير وتبديل بعض المحتويات، لكن ظلت الفكرة الأساسية راسخة حتى الآن.

الوصفة القديمة لعمل الطاجن تعتمد على إضافة كمية بصل أربعة أضعاف اللحم، مع البهارات الأساسية مثل الفلفل الأسود والكزبرة الناشفة، ويتأخر وضع الملح، وكان البصل رفيقاً ودوداً للأكل الصعيدي لرخص ثمنه، فغالبية البيوت كان تخزّن بصل العام كله، ويشترونه بالشوال لأنه يستعمل بكثرة في المأكولات الصعيدية، وكان يساعد أيضاً في تفخيم الطبخات المتواضعة المكونات، كان ذلك قبل أن يزيد سعر البصل المصري مع موجات التضخم المتتالية، بحيث يتفوق سعره الآن على سعر الخضروات الموسمية النادرة.

توضع المكونات المذكورة في الطاجن مع المرق والدهن، يغطى جيداً ويترك لساعات في الفرن حتى ينضج، ثم يرفع الغطاء لينال وجه الطاجن طبقة مقرمشة من البصل مع رشة الفلفل الأسود.

الكمونية

هي طبق يمكن وصفه كمقبلات من اللحوم، ولذلك يقدم كتمهيد قبل الأطباق الرئيسية، بعض الفلاحين والصعايدة يستخدمونه كوجبة غداء في نهار الفرح قبل وجبة العشاء الأساسية، وهو عبارة عن أمعاء الماشية التي تضم الكبدة، الفشة، الكرشة، الطحال وبعض اللحوم.

الكمونية تطهى في وعاء كبير على النار مباشرة بعد تشويح قطع من اللية، وهى دهن مركز يجلب من الأغنام. تقطع كل المكونات بحجم صغير ويتم تسويتها مع الكثير من الكمون المطحون وحبوب الكمون الكاملة والفلفل وبعض الطماطم والثوم، تظل المكونات على النار لفترة من الوقت، ثم تقدّم ساخنة وتغمس بالعيش الشمسي. 

طيور  الفرحة في الريف

المفهوم الشامل للحوم في الريف المصري شمال العاصمة، يختلف عن نظيره في الصعيد الجنوبي الذي يرى في طبخ الطيور في الأعياد الدينية أو الأفراح والمواسم، تدهوراً اقتصادياً، ويعطي الانطباع بفقر الأسرة، ربما يتحول إلى "عيبة" في حق العائلات، لكن طبخ الطيور في الريف جزء رئيسي من الاحتفال، خاصة لو كانت هذه الطيور جزءاً من الطيور المنزلية التي تشرف عليها الجدة أو الأم، ثم بنات ونساء الأسرة تباعاً، فالبيوت الريفية تؤسس على ضرورة وجود مساحات لخبز العيش، مساحات لتربية الطيور والدواجن بكافة أنواعها، سواء في سطح المنزل أو في ساحة خلفية واسعة، ولا يزال هذا سارياً في أغلب قرى الريف المصري.

تعودت النساء أنه لا أمان في اقتصاديات الحكومات المتعاقبة، فلابد أن يضمن كل بيت ما يكفيه أو ما يضطر لبيعه أو مقايضته في حالات الكرب أو الأزمات المالية، بالإضافة إلى معيار الجودة: لحوم الطيور المنزلية يتفوق طعمها على الطيور المباعة في الأسواق، مضمونة لأنها لا تخضع ابداً للنظم الحديثة التي تعتمد على الإضافات الهرمونية لزيادة أحجام الطيور.

في المنازل، تراقب المرأة طيورها وتميزهم بالواحدة، وأحياناً تعطي لهم الأسماء، وغالباً ما تكون آخر من يتذوق لحمهم. تصرف لهم الأكل من نوعين، الأكل المخصص للطيور، وبواقي الأكل المنزلي الذي يأكل منه أهل البيت، وبالتالي فتربية الطيور في المنزل يختلف تماماً عن مفهوم مزارع الدواجن الكبيرة المترامية على أطراف المدن والقرى، حين نطالع مباني وسط الغيطان تضم عدة طوابق، لا تنطفئ فيها الإضاءة طوال 24 ساعة، حتى لا تنام الطيور معتقدة أن النهار لا ينتهي، فتظل تأكل بشكل مستمر وتنمو بشكل سريع وتباع بوتيرة أسرع وتجني الأرباح، وفي النهاية يأكل أهل المدينة لحوم الطيور المنهكة المعذبة بلا نوم، فلنا أن نتخيل طعم لحوم هذه الطيور وأضرارها للجسم البشري.

وصفات طيور الريف

الحمام المحشي بالفريك

حتى الآن، نادراً ما يتم طبخ الدواجن في الأفراح والمناسبات الدينية

تعتبر الدواجن مخلوقات حديثة العهد للإنسان المصري، الذي رسم البط والإوز على جدران معابد الحضارة المصرية القديمة، ظهرت قليلاً الفرخة الفرعونية، ولكن لم يحتف  بها المصريون كما جرى مع باقي الطيور.

وحتى الآن، نادراً ما يتم طبخ الدواجن في الأفراح والمناسبات الدينية، لا يزال البط الريفي والحمام الذي يربي في أبراج عملاقة أو في غية حمام على سطح المنزل، الطيور الأكثر حضوراً في طعام الفرحة، اللحم الأبيض الصريح غير مستساغ بالقدر الكافي، وبالكاد يظهر في منازل الريف المتواضعة الحال، ففي أقل تقدير، يطبخون الفراخ البلدي التي حصلت على تربية مريحة ودقيقة من ربة البيت، فلا تقوى الأسرة الريفية على شراء الدواجن من الأسواق.

لا تذبح الدجاجة البيّاضة، ولا يذبح الديك بسهولة، هناك مواقيت لذبح الدجاجات والطيور، ومن أهم هذه المواقيت: أيام الفرحة.

وبالنسبة للحمام، فإنه يربّى خصيصاً من أجل بعض المناسبات، مثل "عشاء العروسة"، وهى وجبة أساسية تصاحب العروس ليلة الزفاف. تخرج صينية العشاء من بيت أهلها، وربما تسبق العروس إلى بيت الزوجية، وتضم طبق الحمام المحشي بالفريك وليس الأرز، كما هو شائع في طبق الحمام المنتشر في مطاعم وبيوت المدينة التي يفضل سكانها الأرز على الفريك، ومن المستحسن أن يكون الفريك أخضر ومصنوعاً من قمح أرض العائلة، ففريك الحشو يختلف عن فريك الطواجن مثلاً.

المفهوم الشامل للحوم في الريف المصري شمال العاصمة، يختلف عن نظيره في الصعيد الجنوبي الذي يرى في طبخ الطيور في الأعياد الدينية أو الأفراح والمواسم، تدهوراً اقتصادياً، ويعطي الانطباع بفقر الأسرة، وربما يتحول إلى "عيبة" في حق العائلات

هناك حضارات عديدة لا تأكل شعوبها لحوم الحمام، مثل الحضارة البابلية و بلاد الرافدين والحضارات الغربية، لكن لم يستدل على أصل الحمام المحشي الذي يشتهر به المطبخ المصري، وربما هو خلطة ثقافات عابرة ما بين المطبخ المصري والمطبخ التركي والبحر الأبيض.

وفي الظروف الاقتصادية المرهقة على جموع المصريين، تقدمت وصفات مثل "الحمام الكداب"، وهو عبارة عن فراخ صغيرة متنكرة بهيئة حمام، مطبوخة بنفس المواصفات، تطبخه النساء للتعويض عن غياب المنتج الحقيقي!

المدسوس باللحمة

وهو طاجن الأرز المعمر باللحمة، أو المدسوس، طبقاً لتوصيف الفلاحين، فحين تقوم ربة البيت بإشعال الفرن البلدي الكبير، فلابد من إنتاج بعض الطبخات التي تطهى في الفرن الذي لا تخمد ناره إلا مع نهاية اليوم.

والمدسوس خلطة تنتج من مكونات منزلية أساسية للريف المصري، مثل الأرز الفلاحي المحلي صغير الحبة، الحليب الطبيعي والزبدة البلدي، أو القشطة المنزوعة من اللبن، وقطع اللحم المسلوقة مسبقاً، بالإضافة إلى القليل من مرقة اللحم، ومرقة اللحم هو طبق متوارث منذ الحضارة المصرية القديمة، كما نقش على جدران معبد "أخ حتب" عن طريقة سلق اللحوم، للحصول على أكبر قدر منها حين تنسلخ عنها العظام طواعية، حتى العظام يمكن استخدامها وحدها لعمل المرقة المطلوبة، لذا نجد أن سلق اللحوم يضاعف استخدامها في الطهي، حيث يتم استخدام المرقة في طبخ الخضروات أيضاً.

كما أن الفقراء الذين يعجزون عن شراء اللحم، يمكنهم شراء العظام وسلقها لعمل مرقة تعطي الطعم وبعض الفيتامينات المطلوبة. يقدم طاجن المدسوس في عشاء العروسة، وأحياناً في فطار الصباحية للعروسين. 

والمدسوس طبق انتقل من الريف لمطاعم المدينة بقوة، لا يمكن مقارنته بما يطهي بمكونات طبيعية، خاصة وأن نسخة طاجن المدسوس في المدينة، تعتمد على الوصول إلى شكل المنتج وليست حقيقه طعمه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard