تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
يواجه العابرون/ ات في مصر تحديات عديدةً، من الممكن أن تكون تجارب قاسيةً ومتنوعةً تتضمن التعرض، على أرض الواقع، للعنف والتمييز في حياتهم/ نّ اليومية، بالإضافة إلى الجوانب النفسية والقانونية والاجتماعية التي تصاحب هذه التحديات، والتي هي تبعات التهميش للأفراد، غير معيارَي الهوية الجندرية/ الجنسية، خاصةً اللاجئين/ ات منهم/ نّ.
صراع الهوية وضغوط التكيّف
"كان الخوف يلازمني دائماً في الشارع منذ الحضانة مروراً بمراحل دراستي؛ في هذه الحالة لو كان الخوف جسداً لقتلته"؛ هذا ما تقوله شمس (25 عاماً)، وهي ناشطة نسوية كويرية وامرأة عابرة جنسياً.
تحكي شمس لرصيف22، عن ذكرياتها الأولى عن نفسها، وعن تقاطع محاولاتها لاكتشاف ذاتها والرعب الذي سببته كراهية المحيطين بها، خاصةً تلك الموجّهة إلى تعبيرها عن هويتها الجندرية؛ ففي نظر المجتمع وأهلها، لم تكن طريقة شمس ولا تصرفاتها تتماشى مع شكل جسدها عند الولادة؛ كما أن الأطفال في الحضانة والشارع لا يشبهونها، كما تقول.
"كان الخوف يلازمني دائماً في الشارع منذ الحضانة مروراً بمراحل دراستي؛ في هذه الحالة لو كان الخوف جسداً لقتلته"
يشعر العابرون/ ات بالاختلاف مع كل مُدخل جديد في حياتهم/ نّ؛ فعندما يختبرون/ ن مواقف اجتماعيةً جديدةً من المفترض أن تغذّي لديهم/ نّ شعور الراحة والاندماج، ولكن من الممكن أن تجعلهم/ نّ يشعرون/ ن بأنهم/ نّ أكثر غربةً وبعداً عن هويتهم/ نّ أو/ وذواتهم/ نّ الحقيقية، وينتهي بهم/ نّ الأمر إلى أن يرتدوا/ ين قناعاً ليخفوا /ين أنفسهم/ نّ وراءه؛ مع العلم بأن البعض محظوظ لتعثره بجرعة شجاعة في مرحلة ما ساعدته على خلع ذلك القناع.
سواء في المدرسة أو العمل، غالباً ما يعاني الأشخاص (الذين لا يتماشون مع تصورات الجندر)، من الصور النمطية ويتعرضون بشكل أكبر للتمييز مما يجعلهم/ نّ مجبرين/ ات على إخفاء هويتهم/ نّ ليشعروا/ ن بالأمان.
عنف مركب
"أذكر لقائي الأخير مع دلال، وكلامنا عن أحلام السفر. فجأةً انطفأ الحزن في عينيها الجميلتين وبدأ النور يشرق منهما بالأمل، وهي تخطط لبدء حياة جديدة في بلد آمن... كانت متوقدةً بالحماسة، تحسب أيامها (الأخيرة) بالساعة في مصر، حتى استيقظنا على صدمة اعتقالها وفقدت الاتصال بها نهائياً"؛ هذا ما تقوله سارة جبريل، وهي صديقة دلال وامرأة عابرة جنسياً.
اعتُقلت دلال (46 عاماً)، وهي عابرة يمنية لاجئة في مصر، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. آخر ما كان يعرفه أصدقاؤها عنها، بحسب ما يقولون لرصيف22، أنها كانت تتجهز بحماسة لانطلاقها إلى حياتها الجديدة حيث أنها بعد سنين طويلة من اللجوء في مصر، قُبلت إعادة توطينها في فرنسا عبر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، لكن جميع أحلامها تبددت وهي تسمع طرقات مفتش الشرطة على باب شقتها، حيث تم نقلها إلى مركز الشرطة، وسجنها وفق "قانون الدعارة والفجور" في مصر، بحسب ما أورد محاميها.
يشعر العابرون/ ات بالاختلاف مع كل مُدخل جديد في حياتهم/ نّ؛ فعندما يختبرون/ ن مواقف اجتماعيةً جديدةً من المفترض أن تغذّي لديهم/ نّ شعور الراحة والاندماج، ولكن من الممكن أن تجعلهم/ نّ يشعرون/ ن بأنهم/ نّ أكثر غربةً وبعداً عن هويتهم/ نّ أو/ وذواتهم/ نّ الحقيقية
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها احتجاز دلال، فقد تكررت معاناتها مع السجن والاحتجاز والترحيل في مصر واليمن، ولكن تجربتها في السجون المصرية لا تشبه سابقاتها، كما صرحت في السابق، فقد أشارت إلى أنها تعرضت للتعذيب والتعنيف في سجن الرجال بشكل مستمر وصولاً إلى التحرش والاعتداء داخل قسم الشرطة مع التنمر عليها، وقد وُجدت آثار التعذيب على جسدها هذه المرة أيضاً، عند مقابلة محاميها مجدي إسماعيل لها في جلسة النطق بالحكم.
ولأن دلال لاجئة في مصر، تم حرمانها من وجود أهلها لدعمها أو حتى توفير احتياجاتها الأساسية، ولم تتعاون مفوضية شؤون اللاجئين بالشكل الكافي معها. فعلى الرغم من قبول الطعن في قضيتها في الثالث من أيلول/ سبتمبر الجاري (2023)، إلا أنها لا تزال محتجزةً حتى إحالتها إلى المحكمة الاقتصادية.
لا تعاني دلال من هذا وحسب، لكنها تشكو أيضاً من الجوع والمرض وعدم توافر ملابس لها وقد صرحت بذلك لمحاميها مجدي إسماعيل في المحكمة، وأضافت أنها تطلب الطعام أحياناً ممن يشاركونها الزنزانة وأحياناً تشعر بالإحراج ولا تفعل.
رهاب عبور غير مرصود
يواجه العديد من الأفراد العابرين/ ات جنسياً صعوبات عند السفر في المطارات، مما يتعارض مع مبادئ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
جاء راشد (28 عاماً)، وهو شخص عابر، إلى مصر، بمساعدة إحدى المنظمات الدولية بسبب ما عاناه من "اضطهاد ممنهج من قبل الدولة والمجتمع في الأردن"، على حد قوله.
وبعد أشهر من الترتيبات، وجدت المنظمة طريقةً مناسبةً لدخول راشد إلى فرنسا عن طريق الترانزيت وطلب اللجوء في مطار باريس، ولكن استوقفه مفتش في مطار القاهرة الدولي ليتأكد من أوراقه الثبوتية يوم الرحلة، وحينها سأله المفتش: "مكتوب في الجواز أنثى؟"، فردّ راشد على المفتش وشرح له أنه يعاني من "اضطراب الهوية الجنسية" كما يصفه الأطباء في بلده، مستدلّاً بتقرير من الطب النفسي في الأردن.
وبعد التواصل مع السفارة الفرنسية للتأكد، عاد المفتش إلى راشد ليخبره بأن رحلته رُفضت لعدم استيفاء الأوراق اللازمة.
قد يكون من الصعب التعبير المباشر عن تحيز بعض الأشخاص في المطارات ضد العابرين/ ات، ولكن في بعض الحالات، يمكن أن يتجلى هذا التحيز من خلال سلوكيات ملتوية وغير مباشرة تشمل إجراءات فحص إضافيةً غير مبررة أو تأخيراً في تقديم الخدمات.
فبحسب تقرير صادر من airport technology، المشكلة الأولى بالنسبة للعابرين/ ات في المطارات تتعلق بخلفية المفتش الثقافية ونظرته إلى المسافر/ ة، وكيفية تقديم المسافر/ ة لنفسه/ ا، والثانية تتعلق بوثائق الهوية الشخصية وقلة وعي بعض الموظفين/ ات بالأشخاص، غير معيارَي الهوية اللذين يزدادان في الدول التي تحارب أفراد مجتمع الميم-عين.
معايير مزدوجة
"في إحدى تجاربي لتوفير الاستقرار المادي داخل مصر، حاولت العمل في مركز خدمة عملاء (كول سنتر) يعمل على الصعيد الدولي، ويدّعي أن لديه سياسات صديقةً لمجتمع الميم-عين"، كما يقول يحيى لرصيف22.
ويتابع: "في فترة التدريب، قامت المدربة بشرح تلك السياسات قائلةً إن جميع من سوف نردّ على اتصالاتهم/ نّ يجب أن تتم معاملتهم/ نّ بمساواة واحترام بغض النظر عن هويتهم/ نّ أو ميولهم/ نّ. بدأ أعضاء الفريق بإبداء انزعاجهم/ نّ مما جعل المدربة تأتي بمثال قائلةً: 'من الممكن أن يصلنا اتصال من شخص صوته صوت أنثى، ولكنه أخبرنا بأن اسمه جون ويستخدم صيغة هو/ أنت في الحديث، ونحن يجب أن نقول له سيدي وليس سيدتي؛ ويجب أن نمتنع عن السخرية منه مباشرةً، وأن نتأكد من كتم الصوت قبل التنمر عليه'".
يواجه أفراد مجتمع الميم-عين الكثير من التمييز وسوء المعاملة، مع العلم بأنهم/ نّ جزء لا يتجزأ من تنوع المجتمعات، وهم/ نّ يسعون/ ين بكل جهد لتحقيق المساواة والاعتراف بحقوقهم/ نّ
أكملت المدربة حديثها قائلةً: "من المؤكد أن ذلك ليس ما نؤمن به كموظفين/ ات، ولكن بسبب أن الشركة لها فروع دولية فنحن مجبرون/ ات على فعل ذلك".
وعن هذه الحادثة، يقول يحيى، وهو رجل عابر جنسياً: "كان من الصعب عليّ أن أكمل العمل في الشركة بسبب انكشاف هويتي الجنسية وتعرضي للتنمر حتى أني تلقيت تهديدات مبطنةً من قبل موظفة في قسم الموارد البشرية؛ أدى ذلك إلى استقالتي مباشرةً وعدم حصولي على أي مستحقات".
باختصار، يواجه أفراد مجتمع الميم-عين الكثير من التمييز وسوء المعاملة، مع العلم بأنهم/ نّ جزء لا يتجزأ من تنوع المجتمعات، وهم/ نّ يسعون/ ين بكل جهد لتحقيق المساواة والاعتراف بحقوقهم/ نّ. والبعض منهم/ نّ يطمحون/ ن إلى أن يكون العالم أكثر تفهماً وأكثر تقبّلاً لأناس يسعون إلى العيش بحرية وأمان والتعبير عن هوياتهم/ نّ الجنسية والجندرية المختلفة.
على الرغم من أن التحديات لا تزال ماثلةً أمام هؤلاء الأشخاص، إلا أن هناك إيماناً بأن التفهم المستمر والدعم المتواصل سيسهمان في تحقيق تطلعاتهم/ نّ وأحلامهم/ نّ، كما يتطلع هؤلاء إلى مستقبل يشمل الجميع ويضمن التمثيل العادل للفئات كافة، بغض النظر عن هويات الأفراد الجنسية والجندرية واختلافاتهم/ نّ.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون