شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أنت المهم وليحترق الآخرون.. هل يدعو خبراء التنمية البشرية للفردية؟

أنت المهم وليحترق الآخرون.. هل يدعو خبراء التنمية البشرية للفردية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأحد 1 أكتوبر 202311:02 ص

أجلس مع صديقاتي، نفرغ طاقاتنا السلبية ونتبادل الشكوى من أمور الحياة، تسخر إحدانا عندما نقع في حيرة من أمر ما قائلة:" ماذا يقول خبراء التنمية البشرية؟"، فتردّ الأخرى وهي تضحك: "أنت المهم ولا قيمة لشيء آخر". أجلس في صمت، أفكر فيما تقولانه في حيرة ودهشة.

كتب التنمية البشرية وتطوير الذات أصبحت موجودة في كل المكاتب، ويحرص على قراءتها أناس من كل الأعمار، كنا ننظر إلى كونها كتباً تستهدف تقوية الفرد ومساعدته على العيش في المجتمع بتوازن وسلام، ولكن من الواضح جداً أن هذه الأهداف تغيرت، أو أخذت مسلكاً آخر مع تطور الزمان، فباتت تنادي بالفردية والأنانية في التفكير، وتدعو وتعزّز مفاهيم دعم الذات وتجاهل الغير.

إن كان المقصود بالتنمية البشرية تنمية الذات وتطويرها، فلا أعلم حقاً ما هو مفهوم تنمية الذات في رأي أشخاص تدرّبوا في مختلف الأماكن، ويخرجون إلينا باستمرار على مواقع التواصل، ويسمون أنفسهم خبراء تنمية بشرية؟

هل تنمية الذات هو جحودها وذاتيتها وتجاهلها لكل ما لا يصب في مصلحتها الخاصة؟ هل تنمية الذات هي تربيتها على الرأي الأوحد وأن الراحة النفسية تبدأ من ضرب الآخرين بالنعال؟ هل تطوير الشخصية لمواجهة المجتمع تبدأ ببحثها الدائم عن سعادتها وتناسي شعور المقربين؟

تخيل أنك تعاني مثلاً من مشكلة نفسية دقيقة، ثم تضع نفسك بين يدي إنسان غير متخصّص، ليس طبيباً نفسياً في حقيقة الأمر، ولكنه شخص حصل على بعض الكورسات فقط "لايف كوتش"، وهذا جعله يعمل في بعض مراكز التدريب ويكون مؤهلاً لنصحك وإرشادك

مدرب حياة" تنمية بشرية"

بمرور الوقت تظهر لنا الكثير من الوظائف والمسميات التي لا نعرف عنها شيئاً، ومن بين هذه الوظائف " مدرب حياة"، وهي مهنة يعتبر أصحابها أنفسهم معالجين نفسيين، ولا يمانعون من أن يطلق عليهم لقب "دكتور"، وإن كان بعضهم لم يحصل على رسالة ماجستير بعد.

"لايف كوتش" هذا المسمى الوظيفي الذي سمعته من زميلتي عندما سألتها عن عملها، وعندما أخبرتها عن الشهادة التي حصلت عليها لتكون مؤهلة لهذه الوظيفة، أخبرتني أنها حصلت على كورسات ودورات تدريبية لتكون مؤهلة!

تخيل أنك تعاني مثلاً من مشكلة نفسية دقيقة، ثم تضع نفسك بين يدي إنسان غير متخصّص، ليس طبيباً نفسياً في حقيقة الأمر، ولكنه شخص حصل على بعض الكورسات فقط، وهذا جعله يعمل في بعض مراكز التدريب ويكون مؤهلاً لنصحك وإرشادك. ربما بطريقة صحيحة وربما أيضاً بطريقة لا تفيدك في شيء.

واقع الأمر يقول إن هذه الوظيفة أصبحت سهلة وتدرّ المال، ومن ثم لا يجد الأشخاص مانعاً من امتهانها واعتبارها فرصة ذهبية للارتقاء والحصول على مسمى "مدرب حياة"، وهو المسمى الوظيفي الذي يروق للكثير من الأشخاص.

أنظر حولي لأجد الكثير من مراكز التدريب المنتشرة في كل مكان، أقرأ اليافطة المعلقة على المكان، أجد أن صاحبها "لايف كوتش ومدرب تنمية بشرية وصحة نفسية"، أبحث عن مؤهلات هذا الشخص فبالكاد أجدها كافية، ثم أحاول أن أدقق في المعنى وراء كل المحاضرات التي يدعون إليها، فلا أرى سوى دعوات للاستحقاقية الزائفة غير المبرّرة، والتعالي على الغير، ومعاملة الآخر بدونية.

حضرت زميلة لي، مطلقة، محاضرة لخبير تنمية بشرية، أرادت أن تحصل على بعض النصائح منه بعد حالة الخلل النفسي التي ألمت بها عقب الانفصال. لم تكتف صديقتي بهذه المحاضرة، بل تبعتها بمحاضرة ثانية وثالثة، دخلت صديقتي في حالة نفسية أغرب بعد هذه المحاضرات، أو هكذا شعرت. وجدتها أصبحت تنظر إلى نفسها بتقييم ذاتي أعلى، وهذا جيد، لولا أنني سمعتها تتحدث عن الآخرين بتجاهل تام، تتحدث دائماً مردّدة تلك الجملة الجهنمية: "أهم حاجة سلامي النفسي".

هكذا هم مدربو التنمية البشرية، يأخذونك في أحضانهم، يشعرونك أنك أهم مخلوق في هذا العالم، وألّا أهمية لأي شيء سواك، وأنك فقط المستحق لكل ما هو جميل. يؤكدون لك أنك الباقي لمستقبلك، وأن حفاظك على نفسيتك وأمانك هو المهم، وليذهب الآخرون إلى الجحيم. لا تهتم بهم ولا تنظر إليهم.

احذر الطاقة السلبية

منذ أن فكرت في كتابة هذا المقال وأنا أسأل نفسي: ما هو العلم الذي يدعو للابتعاد عن الأشخاص المكتئبين أو الذين يمرون بكبوات في حياتهم خوفاً من أن نتأثر بطاقتهم السلبية وأن تسحب منا الطاقة الإيجابية؟ أي علم هذا الذي يدعونا لوضع هؤلاء الأشخاص في بوتقة ونرمي بهم بعيداً عنا، خوفاً على أنفسنا من الاكتئاب، وكأن لديهم مرضاً معدياً؟ أي علم يقول أن تهرب من الأشخاص الذين يحتاجونك بحجة ألا تتأثر بهم، وأن تعيش لذاتك ورغباتك فقط؟

هكذا هم مدربو التنمية البشرية، يأخذونك في أحضانهم، يشعرونك أنك أهم مخلوق في هذا العالم، وألّا أهمية لأي شيء سواك، وأنك فقط المستحق لكل ما هو جميل. يؤكدون لك أنك الباقي لمستقبلك، وأن حفاظك على نفسيتك وأمانك هو المهم، وليذهب الآخرون إلى الجحيم

أليس تشجيع الآخر على تخطي وتجاوز المحن من أكبر معالم الإنسانية؟ ألا تدعو كل الأديان للتفكير في الغير والابتعاد عن الأنانية ومشاركة الأحزان ومختلف الانفعالات؟ أليس من أبرز وأهم طرق معالجة النفس هو التفكير في الغير ومساعدتهم في شتى أمور الحياة؟ إذن متى أصبحت الحياة الصحيحة أنت فقط؟ وكيف تستقيم الحياة عندما نفكر في ذواتنا وننسى الآخرين؟

فزعت من صديقتي التي رأيتها فجأة تتجاهل عند اجتماعنا دعوة صديقتين قديمتين لنا، وعندما سألتها قالت: "أنا مش ناقصة طاقة سلبية واكتئاب"، عرفت أنها تتحدث عن نفس الأمر.

تلك القضية الجدلية التي لا نهاية لها، والغريب أن البعض بات يؤيدها. حقيقة خفت على نفسي: هل سيقذف بي أصدقائي لو مررت بفترة ركود واكتئاب خوفاً من طاقتي السلبية؟

هذه المفاهيم أصبحت لي ولغيري مخيفة حقاً. ربما آن الأوان لأصحاب هذا الاتجاه أو هذا الفكر أن يعيدوا النظر في المفاهيم التي يضعونها أمام أبناء هذا الجيل، والتي تحفزهم للاهتمام بشؤونهم فقط وتهميش كل الأمور الأخرى.

إلى كل من يعطي محاضرات في التنمية البشرية وإلى كل "لايف كوتش": أرجو إعادة ترتيب الأولويات والتأكيد على ضرورة بناء إنسان حقيقي متماسك، وليس كتلة أنانية مجردة، أن يتم التأكيد على مفاهيم أخرى، مثل الاستماع للغير والشعور به وليس تجاهله والسير فوقه، أن نتعلم التعاطف والرحمة وأن نتعايش بالإنسانية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image