شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من المعدنية إلى القابلة للأكل... استخدامات غير مألوفة للملابس الداخلية

من المعدنية إلى القابلة للأكل... استخدامات غير مألوفة للملابس الداخلية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 25 سبتمبر 202301:58 م

من النادر أن نتمشى في شوارع أية مدينة عربية، ولا نتقاطع مع مشهد العرض العلني للملابس الداخلية النسائية المثيرة. ولا يشكل هذا الأمر في العادة حرجاً لمجتمعات ذات طابع اجتماعي وديني متحفظ، تُفرض فيها قوانين صارمة على اللباس، ومعايير حياء عالية.
لمن يتملكهم الفضول لمعرفة تاريخ وتطور الملابس الداخلية، سنجد أن لارتدائها أهدافاً وحاجات متعددة، قد تجتمع بعضها مع بعض، وقد تتطور إلى فروع أكثر تعقيداً، حيث يمكن اختراع شيء لسبب معين، ثم يجري استعماله لسبب آخر.

ملابس لتضخيم العضو الذكري

تزيين الجسد يمتد عبر العصور، منذ زمن الكهوف حتى عصر النهضة. فقد كان رجال الكهف يزينون أجسادهم بأشياء لامعة أكثر من النساء.
يقول مثل ماوري: "مهما كان الرجل جميلاً، فلن يبحث عنه أحد، ولكن مهما كانت المرأة قبيحة فهناك دائماً رجال جاهزون للركض وراءها". لذا كان لزاماً على الرجال وفق النظرية السابقة تحسين زينتهم للتناسل.
في عصر النهضة، انتشرت موضة السترات القصيرة والشوس "التنورة القصيرة"، التي تشبه تنورة الـ"بليسيه" بين الرجال، وقد تم ارتداؤها مع "الكود بيس" أي قطعة الصفن، التي يرتديها الرجال كغمد حول العضو الذكري، وقد يصل وزنها إلى أكثر من كيلوغرام، ما يظهر العضو الذكري أكبر وأضخم. 

في العصر الفكتوري أصبحت الملابس الداخلية بيضاء ووظيفية ومملة... لكن بعد حكم الملك إدوارد السابع، عادت الملابس الداخلية لتكون جمالية وزخرفية، وخاصة النسائية منها 
ويُقال إن الملك هنري الثامن ارتداها لأنه كان مصاباً بالزهري، فاضطر لحشوها بضمادات مشبعة بالأدوية لتخفيف الألم، وتكبير حجمها ليظهر بمظهر الملك الخصب، رغم أنه حظي بعدد قليل من الأطفال الأصحاء.
انشغل الرجال بتزيين الـ"كود بيس"، إما بأنماط الشجاعة خلال الحروب، أو بأنماط الفحولة خلال السلم. ومؤخراً عادت هذه القطعة لتظهر على منصات عرض "Gucci" و"Thom Browne" في القرن الواحد والعشرين.
في العصر الفكتوري، تقهقرت زينة الملابس الداخلية وأصبحت بيضاء ووظيفية. لكن بعد حكم الملك إدوارد السابع، عادت الملابس الداخلية لتكون جمالية وزخرفية، وخاصة النسائية منها. بينما عاد الرجال كمستهلكين في الخمسينيات والستينيات، مع سراويل زاهية وطبعات مرحة، مثل طبعات الشخصيات الكرتونية.

حماية وراحة صحية 

العلم الطبي حول الأمراض التناسلية علم جديد إلى حد ما، لذا كان استخدام الملابس الداخلية للحماية من الأمراض والأضرار محدوداً. لكن مع إختلاط الأعراق والثقافات، وتحديداً في العصور الاستعمارية وزيادة الأمراض، بدأت الحاجة للحماية.
حماية العضو الذكري كانت الأولوية على مر العصور، خصوصاً لحمايته من لدغات الحشرات. مثلاً كان الهنود الحمر والبرازيليون، ورجال الـ "نوكاهيفا" البدائيون يرتدون قطعة قماش حوله لهذا السبب.
ثم ظهرت سراويل "Jockey YFront" و "البوكسر" في القرن العشرين لتوفير بيئة حرارية مناسبة للخصيتين، لإنتاج الحيوانات المنوية. ولمنع الالتهابات التناسلية والروائح غير المرغوبة، فاعتمد الأوروبيون والأمريكان على الملابس الداخلية لحماية أجسادهم، نظراً لأن الاستحمام لم يكن عادة يومية لديهم في السابق. 


حتى نهاية العصور الوسطى، كانت الملابس الداخلية مشتركة بين الرجال والنساء، لكن مع القرن 19، ارتدت الفتيات "البانتاليس"  وهو سروال يشبه البنطلون، ذو فتحة بين الفخذين
حتى نهاية العصور الوسطى، كانت الملابس الداخلية مشتركة بين الرجال والنساء، لكن مع القرن التاسع عشر، بدأت الفتيات ترتدين "البانتاليس" بمجرد بلوغهن، وهو سروال يشبه البنطلون، ذو فتحة بين الفخذين.
وكانت الأسباب الصحية، وكذلك للوصول الجنسي السريع، أساسية لهذا الارتداء. "الكورسيه" أي المشد كان وسيلة صارمة لتشكيل الجسم بشكل جمالي معين، ولكبح الشهوة الجنسية، وحرية حركة الجسم.

للحماية من القوى الميتافيزيقية 

الخرافات شكلت جزءاً مهماً من ثقافات من الحضارات القديمة، يقول الرحالة سومرفيل: "سكان تانا في هيبريد الجديدة، يحيطون العضو الذكري بأمتار من القطن. لتجنب "الناراك" وهي قوة سحرية خارقة".
كما تؤمن قبائل الكاميرون بالإصابة بالعين التي تسبب العقم، فيخبىء الرجال أعضاءهم بعناية. كما تفعل نساء السنغال نفس الأمر، خشية من شيطان له شكل إنسان أبيض، قادم لاغتصابهن.

ملابس داخلية دينية 

يرتدي معتنقو اليهودية "التليث" المصنوع من الكتان تحت ملابسهم، كالتزام ديني. بينما يرتدي المورمون ملابس داخلية خاصة داخل المعبد، كجزء من طقوس العبادة. ونجد أن السيخ رجالاً ونساءً يرتدون ما يسمى "الكاتشيرا" وهو نوع من السراويل الشبيهة بالبوكسر، كعنصر أساسي من عناصر الإيمان. وفي الزرادشتية يتم ارتداء قميص داخلي، يشد حول الخصر بحزام مقدس، يسمى "كوشتي".
كما تشير قصة آدم وحواء في الحجة الدينية المسيحية، على لسان القديس أوغسطين: "بعد نزول آبائنا الأوائل، حدث تحول في أعضائهم الجنسية، جعل عُريهم غير لائق، فحاكوا ملابس من ورق التين" التي تتشابه إلى حد ما مع الرواية الإسلامية واليهودية.

هوية اجتماعية

في مصر القديمة، كانت الملابس الداخلية حكراً على النخبة، وكانت تشمل مناديل حوضية مثلثة، تصنع من الكتان والصوف. وقد وُجد في مقبرة الملك توت عنخ أمون العديد من المناديل الحوضية. أما في روما وأثينا القديمتين، ارتدى الرجال فقط المناديل الحوضية، بينما كانت النساء يرتدينها مع المناديل الصدرية "Subligacula" خلال الممارسات الرياضية فقط. وعلى عكس ما كان سائداً في مصر، كانت الملابس الداخلية مخصصة للعبيد والعاهرات.
في بعض الثقافات، كانت تغطية الأعضاء التناسلية حكراً على المتزوجات، والعكس عند شعوب أخرى. في أستراليا القديمة وخليج البوتاني، كانت الفتاة ترتدي صدرة مزينة بأشرطة رفيعة تصل إلى خصرها، إلى أن تتزوج.
أما في العصور الحديثة، خصوصاً في الشرق الأوسط، فترتبط القوة الاجتماعية للنساء بالزواج، مما يؤدي إلى تنظيم سلوكهن وأزيائهن، حتى الداخلية منها، حسب الأعراف السائدة.

قمع أو تهذيب أو اعتزاز

من باب الاعتزاز وليس القمع أو التهذيب، كانت الملابس الداخلية ذات هوية جنسانية واضحة، في العصور القديمة.
عند قبائل التوبي البرازيلية تلبس الفتاة خيوطاً ثخينة من القطن حول خصرها بمجرد بلوغها. وفتيات الهوتينتوس يزين صدورهن بقطعة قماش مزرينة بالأزرار والأصداف، للفت الانتباه إلى أنوثتهن. 

يرتدي معتنقو اليهودية "التليث" المصنوع من الكتان تحت ملابسهم كالتزام ديني. بينما يرتدي المورمون ملابس داخلية خاصة داخل المعبد، كجزء من طقوس العبادة
أما في أوروبا العصور الوسطى، فقد اعتمدت النساء على التنانير الداخلية متعددة الطبقات للحصول على شكل إجاصي ممتلئ، ثم ارتدين وسادات تسمى "كرينولينات" لتحقيق ذات الهدف. واليوم تأتي الشورتات الإسفنجية لتكمل هذه المهمة، كل هذه الملابس كانت تعبيراً واضحاً عن الهوية الجنسية.
ومع حكم الملك إدوارد السابع، الذي كان معروفاً بانخراطة في الجماليات الحسية، حصلت المرأة على حرية أكبر للتعبير عن هويتها الجنسية، من خلال الملابس الداخلية المزينة بالدانتيل والكشاكش، واللانجري المفعم بالتفاصيل.
في القرن العشرين، شهدت النساء تناقضات بين الصورة الجذابة للانجري الإدواردي، وصورة المرأة المستقلة القوية، كالتطلع إلى الحساسية الجنسية، مع الخوف من الرجعية القمعية.

فرض قوة وسيطرة سياسية واستهلاكية 

قال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو: "الهيمنة هي لعبة لا تنتهي، ترسم طقوسها عبر التاريخ. تحكم وتفرض قوانينها الخاصة، وتترك ذكرياتها في الأشياء، وحتى في الأجساد".
الجسد الذي كان عريه الكامل، أو شبه الكامل، حدثاً يومياً طبيعياً لقرون، اعتبر مع قوانين اللباس جسداً غير محترم. هافلوك إيليس، الصحافي الشعبي، ادعى أن النساء بحاجة إلى ارتداء الكورسيه، لأن تطور الإنسان من الأفقي إلى الرأسي صعب بالنسبة لهن، عكس الذكور.
لكن مع بداية القرن العشرين، جاء العالم بتوجه استهلاكي ترفيهي جديد، ومعه عشاق رقص التانغو وحركات الجمال والصحة والنظافة. وظهرت حركات التحرر النسائي والنقابات العمالية المهتمة بالملابس الداخلية لرفض القيود المفروضة على الملابس الداخلية، مثل الكورسيه.
تم رفض ربط الحشمة بالإخفاء، والعرض بالإثارة، وبدأت الملابس الداخلية النسائية تعبر عن تحرير الجسد والمتعة بعيداً عن السيطرة السلطوية.
قامت المتظاهرات خلال اعتصام الحركة النسوية أمام مسابقة جمال أمريكا 1968، برمي حمالات الصدر على رصيف مدينة أتلانتك سيتي، كتعبير عن الرغبة بتحرير المرأة"

منذ ذلك الحين، تم ارتباط النسوية بشكل وثيق بالملابس الداخلية في مخيلة الجمهور. فاستخدم كل من النسويين والمعارضيين للنسوية الملابس الداخلية، كرمز للدفاع عما يؤمنون به.
أثناء احتدام الحرب العالمية الأولى والثانية، تأثر تطور الملابس الداخلية بالحروب، فابتكرت سراويل تسهل على الجنود التبول دون خلع الملابس، وانحسر الكورسيه بفضل تلك المرحلة لصالح حمالات الصدر، نظراً لندرة المواد، ولصعوبة عمل النساء في وظائف الرجال المجندين وهن يرتدينه.
ولعل "روب النوم" هو القطعة الوحيدة التي انتعش سوقها كبديل للملابس الداخلية، نظراً لسهولة ارتدائه والهرب في حالات القصف الليلية.
عادت الملابس الداخلية في مطلع القرن الواحد والعشرين لتتحكم بجسد المرأة، حالها حال موضة "الطعام العضوي" أو "الطبيعي" والهوس بهندسة الجسد، وفاتنات السوشال ميديا، وعمليات نحت الجسد. فأُنتجت المزيد من حمالات الصدر الرافعة، والسراويل المحشوة بالإسفنج، وتطورت تكنولوجيا المشدات الضاغطة. كلها تُظهر أن معاناة النساء في الدخول والخروج من الكورسيهات لم تنته بعد.

أسباب جنسية 

سُئِل أحد الزعماء في الكونغو عن سبب عري نساء قبيلته، فأجاب: "إن إخفاء ذلك الشيء يجعل الفضول شرهاً". ويؤكد ذلك الفنان فينفي دو موريه: " لا شيء أكثر عفة من العري الكامل".
وتذكر الأسطورة أن فينوس تخلت عن جميع أسلحتها التي كانت تستعملها لإثارة الرجال، عندما خلعت كل ثيابها ووقفت عارية على المنصة. 

 "روب النوم" هو القطعة الوحيدة التي انتعش سوقها كبديل للملابس الداخلية بعد الحرب العالمية، نظراً لسهولة ارتدائه والهرب في حالات القصف الليلية 
لا بد أن نتفق على أنه كلما قلت الرؤية ازداد الخيال خصوبة. وقد كانت تغطية الأعضاء عند البدائيين تحدث لرفع الجاذبية الجنسية أثناء حفلات الرقص.
لبست العروس "الكاميسول" في بداية القرن العشرين، وهي قطعة تكشف الصدر، صنعت من أقمشة شفافة ورقيقة، تفتح من الأمام. وكانت نقشاته غير متناظرة وإنسيابية، حيث تلمح الانسيابية إلى الفوضى، وهو عامل يعزز الإثارة الجنسية.
أما في الموروثات الشرق أوسطية التي اعتبرت الطاعة الجنسية واجب على كل زوجه، فقد أدى الخوف من التعددية الجنسية المتاحة للرجل لابتكار أزياء متجددة ومتنوعة لإغواء الزوج، والاحتفاظ به.
في كتاب "الحياة السرية للملابس الداخلية السورية" لرنا سلام ومالو هالاسا، صور متعددة للملابس الداخلية في الأسواق الشعبية. تلك المزينة بالطيور والفراشات والريش والعقارب، زهور وفراء، وبعضها باللؤلؤ والخرز، وتلك التي تهتز أو تصدر موسيقى أو أضواء، وأخرى يمكن أكلها.
تقول الكاتبه جاكلين سلام: "هنا نحن نحب الجمال، ونقدس الجنس، ونبدع ملابس داخلية لن يتهمنا الغرب بالإرهاب بعد اليوم".
أما في ثقافات أخرى كان حزام العفة، الذي يغلق على الأعضاء التناسلية بمفتاح، يملكه الأب ثم الزوج، للحفاظ على العذرية. دليلاً آخر على ارتباط الملابس الداخلية بالهوية الجنسية.
إنها لعبة المتغيرات، سطوات تتغير، وحاجات تتبدل، وأفكار تبرز وتأفل أخرى.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image