شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن تسويق الملابس الداخلية النسائيّة بلا حاجة إلى تعري النساء

عن تسويق الملابس الداخلية النسائيّة بلا حاجة إلى تعري النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 4 فبراير 201904:51 م
أقيم أخيراً معرض الملابس الداخلية النسائية في باريس ثلاثة أيام متزامنًا مع أسبوع الموضة العالمي، فأثار الكثير من الأسئلة عن كيفية تعامل دور الأزياء مع المرأة ومع جسدها الذي يُستخدم مادةً للإثارة الجنسية والإغراء، في نفس الوقت الذي يتصاعد دور الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، وما أسفرت عنه حركة "مي تو" وغيرها من الحركات النسوية في رفع صوت النساء ضد التحرّش والتعاطي المهين مع المرأة، والحاجة الملحة إلى تغيير نظرتها إلى نفسها وتأهيلها لرفض أن يتم حصر دورها بالإنجاب وما يتبعه من تلبية حاجات الرجل الجنسية وتدبير شؤون المنزل.
الشركات المنتجة للملابس الداخلية كانت أمام تحدٍ كبير هذا العام وكان عليها الإجابة عن أحد الاسئلة الصعبة جداً، ألا وهو: "كيف يمكن عرض وتسويق الملابس النسائية الداخلية دون إظهار المرأة بصورة مغرية؟!"، واللافت أن هذه العلامات التجارية بدأت بالتفكير في هذا الموضوع وتم التعبير عنه بعدة طرق؛ كتفضيل عنصر الراحة على الجمال، واللجوء إلى عارضات من جميع المقاسات والجنسيات، من النحيفات إلى البدينات إلى الشقراوات والأفريقيات. كما أن بعض الماركات وجدت أنه ما من ضرورة للعري في تسويق المنتج، إذ يمكن أن يتم تصوير المرأة بكامل ثيابها في مكان عملها أو بيتها مع الإشارة إلى نوع الملابس الداخلية التي ترتديها.

سريعاً عن "مي تو"...

قبل حركة "مي تو"، كان العديد من الممثلات والممثلين في هوليوود يرفضون أداء أدوار عارية تماماً، لأن لديهم أطفالاً أو لأسباب اجتماعية أخرى، والآن بعد "مي تو" ازداد عدد الممثلات اللواتي يرفضن التعري، كما أفضت الحركة إلى ضرورة رفض المشاهد التي تحتوي على العري غير المبرر، والتفكير في رأي المرأة عندما يقوم رجل بكتابة مشاهد الجنس، والتوقف عن تصوير المرأة بالمشهد النمطي الخاضع أمام رغبات رجل "فحل" مسيطر. كما لفت انتباهي أيضاً خلال قراءاتي عن هذا الموضوع عدم رغبة أغلب الممثلات ذوات البشرة السوداء بالظهور عاريات أمام الكاميرا، ولهذا أسبابه المتعلّقة بتنميط الجمال وتاريخ معاناة ذوي البشرة السوداء في أميركا وغيرها من دول العالم.
صحيح أنه تم اتهام حركة "مي تو" من قبل البعض بأنها "ذهبت أبعد مما يجب"،  وأن بعض الرجال ذهبوا ضحية هذه الحركة وخسروا عملهم "لمجرد أنهم سرقوا قبلة في مكان العمل!"، إلّا أن "مي تو" كانت محفزاً مهماً للتغيير الاجتماعي ولرفع صوت النساء ضد من يتحرّش بهن في تلك الدول كأميركا وأوروبا، لكن ماذا عنا نحن العرب بعد "مي تو"؟ ما الذي تغيّر؟ وما الذي يجب أن نعيد التفكير به؟
ما رأينا في فنان العرب محمد عبده الذي وقف في صف النساء وشجّع على مساندتهن في قيادة السيارات (بعد) أن صدر قرار ملكي بذلك، ولكنه في الوقت نفسه ظهر في برنامج "تفاعلكم" مع المذيعة سارة الدندراوي، التي طلبت منه أن يذكر خطأ واحداً في المرأة، فأجابها أنها هي الخطأ (أي وجودها بحد ذاته خطأ) ولم تجد المذيعة حرجاً من إكمال المقابلة، بل ضحكت. والممثل السوري قصي خولي الذي حصد شهرة كبيرة خلال السنوات الماضية، أيضاً لم يجد مانعاً من ذكر طريقته المهينة في اختيار زوجة له في أحد برامج عادل كرم، هذه الطريقة التي تتم عبر ثلاث مراحل، الأولى حين تعرض عليه أخواته فتاة للزواج، الثانية حين تقوم الأختان بإقناع الفتاة بالركض معهن لمدة نصف ساعة، والمرحلة الثالثة تكون حين يأتي قصي ليشم رائحة عرق الفتاة بعد الركض، ليتأكد إن كانت هي الفتاة المناسبة أو لا. الغريب أن هذه العبارات التي نطقها محمد عبده وقصي خولي كانت في الوقت الحالي ستندرج تحت بند الفضيحة لو أنها كانت على محطة أوروبية أو أميركية، وكان سيضطر الفنان إلى الاعتذار الى جمهوره، أما في حالتنا نحن فقد تم الاكتفاء بالضحك والتصفيق ومر الموضوع مرور الكرام.
ما معنى أن تتم صناعة لانجري بجهاز تحكّم يمسكه الرجل بدلاً من استخدام يديه وقلبه في انتزاع ثياب المرأة في مشهد يتسم بالمساواة؟ الجواب لا لبس فيه: تكريس الذكورية.
لانجري (دلوعات بالسوري) مصنوعة من الشوكولا، بعضها يصدر الأغاني، بعضها بجهاز تحكّم، ريموت كونترول يفكها عن بُعد فتسقط على الأرض، تشكيلة من الملابس الداخلية والأفكار التي لم أتوقّع أن تخطر على بال أحد ليقوم بتصميمها!
تم اتهام حركة "مي تو" من قبل البعض بأنها "ذهبت أبعد مما يجب"،  وأن بعض الرجال ذهبوا ضحية هذه الحركة وخسروا عملهم "لمجرد أنهم سرقوا قبلة في مكان العمل!"، إلّا أن "مي تو" كانت محفزاً مهماً للتغيير الاجتماعي ولرفع صوت النساء.
الشركات المنتجة للملابس الداخلية كانت أمام تحدٍ كبير هذا العام وكان عليها الإجابة عن أحد الاسئلة الصعبة جداً، ألا وهو: "كيف يمكن عرض وتسويق الملابس النسائية الداخلية دون إظهار المرأة بصورة مغرية؟!"، واللافت أن هذه العلامات التجارية بدأت بالتفكير في هذا الموضوع وتم التعبير عنه بعدة طرق.

اللانجري في سوريا

سأعود الآن إلى الملابس الداخلية النسائية، لكن إلى دمشق، وبالذات إلى سوق الحميدية، هذا المكان العتيق الذي يعج بالمحالّ التجارية، (ثياب، مكياج، بوظة بكداش، آلات موسيقية، بزورات، والكثير الكثير من الألبسة الداخلية النسائية)، وبمارّين ومتحرشين.
لانجري (دلوعات بالسوري) مصنوعة من الشوكولا، أو بدارة ضوئية تشتعل وتنطفئ، بعضها يصدر الأغاني والموسيقى، بعضها بجهاز تحكّم، ريموت كونترول يفكها عن بُعد فتسقط على الأرض، تشكيلة من الملابس الداخلية والأفكار التي لم أتوقّع أن تخطر على بال أحد ليقوم بتصميمها، وتفاجأت بعد قدومي إلى أوروبا أن هناك كاتباً ألمانياً قام بإنجاز كتاب كامل عن اللانجري السورية بعنوان "الحياة السريّة للملابس الداخلية السورية: الحميمية والتصميم"، بالإضافة إلى عدة برامج أشارت إلى هذا الموضوع.
ما معنى أن تتم صناعة لانجري بجهاز تحكّم يمسكه الرجل بدلاً من استخدام يديه وقلبه في انتزاع ثياب المرأة في مشهد يتسم بالمساواة؟ الجواب لا لبس فيه: تكريس الذكورية. في الأرياف السورية والمدن الصغيرة، فإن الموضوع مختلف عن المدن الكبيرة، إذ نادراً ما نجد الملابس الداخلية النسائية معروضة بنفس الشكل والكثافة التي نجدها في دمشق وحلب وحماه مثلاً، لأن الطلب عليها أقل، وخجول أكثر، وغالباً ما تشتري السيدات هناك "الدلوعات" لمرة واحدة فقط وذلك خلال التجهيز للعرس.
كما أن خروج النساء إلى العمل في أي مجال، بالإضافة إلى العامل المادي، كان له دور في التقليل من الاهتمام بهذه الأمور، الدراسة والتعلم أيضاً ربما وضعا التفكير بالقضايا المتعلّقة بالجنس واللباس في مكانة متوازنة أكثر،  لكن هذا قاد بعض الرجال إلى التذمر ومقارنة المرأة مع مثيلتها التي (ترتدي لزوجها كل ليلةٍ، أجمل الدلوعات وتلف حوله ست مرات سائلة إياه إن كان يرغب بشيء).
ما يحدث في غرف النوم هو حق مشروع ما دام يتم برضى الطرفين، وما ترتدي المرأة لزوجها قضية خاصة خالصة في حال عدم وجود عوامل أقنعت المرأة أن تفكيرها يجب أن لا يتعدى باب بيتها، (غرفة نومها، مطبخها، أولادها). لكن ما دامم هناك الكثير من النساء اللواتي ينحصر تفكيرهن بإغراء الرجل وإرضائه، ولذلك أسبابه الاجتماعية والدينية التي تتعلق بثقافة المنطقة، فإن الموضوع خرج عن عفويته وعن كونه حالة طبيعية وخضع مثل باقي المواضيع للمجتمع الذكوري، حيث يتم تعليم الفتاة منذ سن البلوغ عن فنون الأغراء إلى جانب الطبخ والأعمال المنزلية، ويتم ربط ذلك بالدين الإسلامي وتعاليمه، بدلاً من تشجيع الفتاة على التعلّم والعمل، وتعليمها كيف تكون شريكة للرجل بدلاً من أن تكون تابعة له، وتحصينها لمواجهة ما قد يفاجئها من ظروف في حال الطلاق أو وفاة الزوج.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image