شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عندما تُصنع الملابس الداخلية النسائية وفق أذواق الرجال

عندما تُصنع الملابس الداخلية النسائية وفق أذواق الرجال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 27 يناير 202303:00 م

إذا سألنا الأشخاص عن أهمية ارتداء الملابس الداخلية، فمن المتوقع أن تكون الإجابات بسيطةً، مثل حماية الأعضاء التناسلية من الاحتكاك أو الالتهابات، وتالياً يجب أن تُصنع الملابس الداخلية من أقمشة ناعمة، وأن تكون مريحةً وعمليةً لأنها تلتصق بالجلد طوال اليوم.

غير أن الملابس الداخلية النسائية اكتسبت بعداً أوسع من مجرد حماية الجسم، وأصبحت مع الوقت جزءاً من فن إغواء الرجال، وجعل السيدات أكثر إثارةً في عيون الشريك، لتصبح هذه الصناعة الموجهة بالأساس إلى المرأة تُصنع تبعاً لاحتياجات الجنس الآخر وذوقه.

ملابس داخلية غير مريحة

في أثناء التسوّق لشراء حمّالة صدر مناسبة، باتت تشعر صديقتي آية (اسم مستعار)، وكأنها تبحث عن رابع المستحيلات: "أرغب في شراء حمالة صدر مريحة، مصنوعة من قماش ناعم لا يؤذي بشرتي وبلا قطعة حديدية تؤلمني". صحيح أن طلبها ليس تعجيزياً لكنه متكرر وشائع لدى كثيرات يجدن صعوبةً في إيجاد حمالة صدر مناسبة، فالحصول على ملابس داخلية نسائية مريحة يوضع الآن مع الغول والعنقاء والخل الوفي في القائمة ذاتها.

ولعلّ السبب وراء حيرة صديقتي ليس نقص الملابس الداخلية النسائية في الأسواق، خاصةً أنها صناعة عملاقة بالفعل، ولكن هذه المنتجات التي من المفترض أن تكون موجهةً إلى المرأة، لا تُصنع لها، إذ إننا نجد في المتاجر حمّالات صدر مصنوعة من الدانتيل أو القماش المخرم والمزخرف والمطرز، مع قطع من حديد تدعم الثديين لرفعهما، قد يكون شكلها جميلاً إنما هي غير مريحة: قماش يُشعر بالحكة أو يثير الحساسية في الجلد، مع معدن يدخل في لحم الجسم، كل ذلك لأن صناعة الملابس الداخلية موجهة لإرضاء الرجال، تبعاً لأذواقهم وتخيلاتهم.

وعليه، تشكو النساء من قطع الملابس الداخلية التي يتم الترويج لها بأنها السبيل إلى السعادة الزوجية: ملابس داخلية تُصنع من أنواع الأقمشة غير المريحة، ولا تغطي المناطق الحساسة أو تقيها من الالتهابات نتيجةً للاحتكاك بالملابس وهي باهظة السعر للغاية مقارنةً بالملابس الداخلية الخاصة بالرجال.

نجد في المتاجر حمّالات صدر مصنوعة من الدانتيل أو القماش المخرم، مع قطع من حديد تدعم الثديين لرفعهما، قد يكون شكلها جميلاً إنما هي غير مريحة: قماش يُشعر بالحكة أو يثير الحساسية في الجلد، مع معدن يدخل في لحم الجسم، كل ذلك لأن صناعة الملابس الداخلية موجهة لإرضاء الرجال

في هذا الصدد، قالت الكاتبة ميرهان فؤاد، لرصيف22: "تقوم صناعة الجمال بالأساس على الملابس الداخلية غير المريحة التي كانت المرأة ترتديها في الماضي، مثل الكورسيهات التي تخنق الخصر ليصبح رفيعاً، والقطع الإضافية لرفع الثدي أو زيادة حجم المؤخرة".

وأضافت: "كل ما يخص المرأة ويتعلق بالموضة يؤذيها بشكل أو بآخر، مثل الزيرو سايز الذي يجعل المرأة تصاب باضطرابات الطعام ويفسد علاقتها بجسمها لشعورها بالإحباط نتيجة عدم وصولها إلى ما يسميه المجتمع الجسم المثالي".

ملابس داخلية للعفة

كشفت الروائية ومحررة الموضة، نورا ناجي، لرصيف22، أن تطور الملابس الداخلية يرتبط بتطور الإنسان ذاته: "كان تطور الملابس الداخلية كجزء من الأزياء شاهداً على الحركات الثقافية والثورية والحروب، وهو جزء من السيميولوجيا أي هو مؤشر على تطور الشعوب".

وأوضحت نورا أنه في البداية كان الهدف من الملابس الداخلية، حماية المناطق الحميمية، وتالياً لم تكن لها دلالات جنسية بل استخدامات عملية، ثم تطورت مع تطور الحضارة المصرية القديمة كجزء من الاحتفاء بجسد المرأة وخصوبتها، واستمر ذلك في الحضارات القديمة حتى الحضارة الأوروبية مع بداية الغزوات والاحتلال والخوف من اغتصاب النساء فبدأت تأخذ نمط حماية العفة أو حزام العفة.

إذا كنّا نريد حقاً استكشاف تطور الملابس الداخلية، فمن المهم العودة إلى أقدم المجتمعات المسجلة، مثل روما القديمة ومصر، 753 قبل الميلاد إلى 476 م.

خلال تلك الفترة، وتحديداً في اليونان، ارتدت النساء ملابس داخليةً تُسمى "تونيك" و"ستروفيوم" وهي صدرية مصنوعة من الكتان، تعمل على إبراز الشكل الأنثوي المثالي في وقتها، أي الصدر الصغير والوركين الكبيرين، وفي مصر القديمة كانت هناك ملابس مشابهة ولكن مخصصة للطبقة الغنية فقط.

الملابس الداخلية المؤلمة ليست سوى حلقة من العلاقة المسيئة المستمرة التي تضطر السيدات إلى عيشها مع أجسادهنّ، وكأنه وبغية الحصول على "علامة الأنوثة الكاملة"، يجب أن يوضَعن في قوالب محددة مسبقاً لإرضاء أذواق الجنس الآخر، من دون اعتبار التفضيلات الشخصية

في العصور اللاحقة، تطورت الملابس الداخلية واستخداماتها، ففي عصر النهضة، كان يُنظر إلى هذه الملابس على أنها تساعد على العفة، بحيث أنها تحمي السيدات من التحرش الذي قد يحصل من خلال التنانير، ولكن في الوقت ذاته وبسبب اتصالها المباشر بالأعضاء الأنثوية كان ارتداؤها حتى منتصف القرن التاسع عشر أمراً يقتصر على الفتيات الصغيرات للحفاظ عليهنّ أو على السيدات اللواتي يسعين إلى الإغراء.

بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، ظهر المشدّ أو الكورسيه لأول مرة، وأخذ يتغير شكله ليظهر بالشكل الذي نعرفه الآن، أي ذلك الشكل المخروطي المقلوب الذي يجعل الخصر طويلاً ورفيعاً، بينما يشكل الجزء الذي في الأسفل ليصبح أعرض، وبدأت أجزاء أخرى تنضم إليه مثل معززات المؤخرة.

في هذا السياق، سخرت الكاتبة نانسي سبرنجر، من قطع الملابس هذه في سلسلة روايات "إينولا هولمز"، التي تدور أحداثها في القرن التاسع عشر، فاستخدمت الكورسيه كمكان لحفظ المال والأسلحة للبطلة، والمؤخرة الزائفة لوضع الحقيبة التي هربت بها من منزلها، مع العلم أنه في ذلك الوقت كانت تلك الملابس دليلاً على مكانة المرأة، فمن لا ترتدي المشد المثالي هي إما من الطبقة الدنيا أو من أصحاب السمعة السيئة.

حتى اليوم، لا يزال المشدّ من القطع الرائجة لدى السيدات للحصول على البطن المسطحة أسفل الملابس، أما الأطواق فلم تعد رائجةً وظهرت بدلاً منها قطع الملابس الداخلية المرتبطة بخيوط مطاطية يُفترض أن تجعل أعضاء الجسم تبدو أكثر أنوثةً، ومع كل موضة جديدة تظهر قطع يتم الترويج لها من دون الاهتمام بالجانب العملي وعلى حساب الراحة الجسدية للمرأة.

الأنوثة المؤلمة

رأت الكاتبة مها طه، أن "هناك ميلاً إلى ربط الأنوثة بالألم، بدايةً من طرق إزالة الشعر الموجعة والتي تُعدّ أي طريقة دونها مثل حلق الشعر، غير أنثوية كفاية، ومقاسات الجسم وشكله المحدد والمتغير الذي يدخل المرأة في دوامات من الحميات القاسية أو محاولة زيادة الوزن ولعب الرياضة للوصول إلى الشكل الكيرفي، هذا غير الكعب العالي الذي يُعدّ رمزاً للأنوثة، وتحمّل الأوضاع الجنسية المعقدة لإرضاء الزوج، أو القيام بالعلاقة مع الإصابة بالالتهابات حتى لا يغضب، وصولاً إلى وصف أي امرأة تشكو من الآلام المصاحبة للحمل أو الولادة أو الرضاعة بالدلع والضعف". وأضافت أيضاً: "أفهم أن موضوعك يركز على نقطة محددة، لكن فعلياً المجتمع يكرّس لفكرة أن الأنوثة مرتبطة بالألم، وبمدّ الخط على استقامته تجدين أنها كلها وجوه مختلفة للحقيقة نفسها".

بمعنى آخر، الملابس الداخلية المؤلمة ليست سوى حلقة من العلاقة المسيئة المستمرة التي تضطر السيدات إلى عيشها مع أجسادهنّ، وكأنه وبغية الحصول على "علامة الأنوثة الكاملة"، يجب أن يوضَعن في قوالب محددة مسبقاً لإرضاء أذواق الجنس الآخر، من دون اعتبار التفضيلات الشخصية.

وعليه، فإن الملابس الداخلية التي يُفترض أن تستر الأعضاء الحساسة في الجسم لحمايتها من الاحتكاك بالملابس والالتهابات والأمراض، أضحت مصدراً للمشكلات الصحية ومؤلمة بصورة كبيرة فقط لأن صنّاعها لا يضعون احتياجات المرأة الحقيقية أمامهم عند تصميمها واختيار أقمشتها.

إن الملابس الداخلية ليست رفاهيةً، بل هي حاجة للجميع كونها تحمي المنطقة الحميمية من الأمراض والاحتكاك، غير أن صناعة الملابس الداخلية النسائية هي في الغالب مجحفة بحق المرأة ولا تأخذ بعين الاعتبار راحتها وكأن عليها أن تلبّي رغبة الجنس الآخر ولو كان ذلك على حساب صحتها

تعليقاً على هذه النقطة، قالت مصممة الأزياء، منار حازم، لرصيف22: "إن هدف إراحة النساء لم يكن محط الأنظار حتى السنوات الأخيرة، حيث شهدنا زيادة وعي النساء براحتهنّ بصورة نسبية".

وتابعت بالقول: "قبل ذلك، كان الهدف الأساسي هو إرضاء الرجال وجعل شكل جسد النساء مثيراً أكثر، فالكورسيه مثلاً كان يتم الترويج له على أساس أنه يحسّن شكل الجسم ما يدفع النساء لشرائه"، مشيرةً إلى أن أكبر دليل على أن الملابس الداخلية كانت وسيلةً لتقييد المرأة هو "أنه خلال الحرب العالمية الأولى، تغيّر شكل ملابس النساء بسبب نزول المرأة إلى سوق العمل واختفى الكورسيه والملابس الداخلية المثيرة".

تظهر الملابس الداخلية "التقاطعية" كذلك بين الطبقة والجنس، فالنساء من كل الطبقات يعانين من الملابس الداخلية ذات التصاميم غير المريحة، ولكن نجد أن هذه المعاناة تتضاعف لدى سيّدات الطبقة الدنيا اللواتي لا يستطعن اقتناء إلا تلك الملابس الداخلية المصنوعة من أقمشة شديدة الرداءة.

في الختام، إن الملابس الداخلية ليست رفاهيةً، بل هي حاجة للجميع كونها تحمي المنطقة الحميمية من الأمراض والاحتكاك، غير أن صناعة الملابس الداخلية النسائية هي في الغالب مجحفة بحق المرأة ولا تأخذ بعين الاعتبار راحتها وكأن عليها أن تلبّي رغبة الجنس الآخر ولو كان ذلك على حساب صحتها وجسدها. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image