شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
كيف تحولت

كيف تحولت "الرابعة" من فرقة قتالية إلى فرقة بنكية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الخميس 21 سبتمبر 202312:40 م
Read in English:

Soldiers turned tax collectors: Syrian Army’s Fourth Division gains economic influence

"الفرقة الرابعة؟ ببساطة تحولت مع سنوات الحرب إلى شركة مساهمة بامتيازات سيادية جعلتها شريكة السوريّ في لقمة عيشه وتأخذ دور الضابطة الجمركية بشكل أكثر اتساعاً، حتى تمكنت من فرض جمارك كيفيةً أو منظمةً، حتى على البرغي حين يمرّ عبر حواجزها"؛ يقول أحد التجار السوريين في حديثه إلى رصيف22، مفضّلاً عدم ذكر اسمه لأسباب معروفة.

يكمل حديثه بالإشارة إلى أن "تناول الرابعة في أحاديث الشارع لم يعد من المحظورات طالما أنّه لن يتجاوزها إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً"، ليقول: "الجميع يعرف ماذا حلّ بكل البلد بسبب سياسة الجباية القسرية تلك والتي تفرضها الفرقة عبر مكتبها الأمني الذي يهيمن على الاقتصاد عبر حواجزه المنتشرة في كل سوريا، والتي قام بتسليم إدارتها والإشراف عليها لشخص مدنيّ مقرّب من مركز القرار وهذا الشخص لا يتمتع بأيّ خلفية اقتصادية أو سياسية عدا عن كونه كان عشية الحرب شخصاً عادياً في قريته، وهذه حقيقة وليست نكتةً".

ما وراء القرار

كانت السلطات السورية قد أصدرت مؤخراً قراراً بإزالة حواجز الرابعة من الطرق الرئيسية والفرعية واستبعادها نحو الحدود بعد تخفيض عددها، علماً بأنّ قراراً كهذا لا يصدر بشكل مكتوب بيْد أنّه يعمم شفهياً بعد الاتفاق مع الفرقة نفسها، ويكون مصدر قرار كهذا إدارة الأمن الوطني، وهي الإدارة المسؤولة عملياً عن شعب وإدارات الأمن والمخابرات في سوريا، وهي بشكل أو بآخر تتولى التنسيق والإشراف في عموم الملفات الداخلية والخارجية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وصولاً إلى الجانبين العسكري والاجتماعي.

الجميع يعرف ماذا حلّ بكل البلد بسبب سياسة الجباية القسرية تلك والتي تفرضها الفرقة عبر مكتبها الأمني الذي يهيمن على الاقتصاد عبر حواجزه المنتشرة في كل سوريا، فما الذي يحصل؟

يشير مصدر مطلع على خلفيات القرار لرصيف22، إلى أنّ "قرار إزالة الحواجز اتُّخذ على عجل، برغم مناقشته سابقاً في مواضع متعددة، ولكنّ أيّاً من تلك النقاشات لم تفضِ إلى قرار بإزالتها، كما حصل مؤخراً حين اتُّخذ القرار أواخر شهر آب/ أغسطس الفائت، ليتم إعلام الجهات الأمنية والعسكرية المعنية به".

وبحسب المصدر فإنّ "التطبيق بدأ بشكل فوري ابتداءً من حاجز السن على طريق طرطوس-اللاذقية الدولي، ومن ثمّ حاجز حسياء على طريق دمشق-حمص الدولي، وتزامناً أزيلت كل حواجز الرابعة من المنطقة الواقعة بين القصير ومفرق شنشار بالقرب من حمص ضمن مسافة لا تتجاوز كيلومترات عدة، على أن تحتفظ الفرقة بحاجز وحيد هناك قبالة حدود لبنان لدواعٍ تم الاتفاق عليها مسبقاً، وهي أمورٌ ضمن السياق، تتعلق بالتهريب المرتبط بالأشخاص أو السلاح أو المخدرات".

ويتابع أنّ "القرار بإزالة الحواجز وتغيير مواقع بعضها باتجاه المناطق الحدودية أو شبه الحدودية، جاء ضمن خطوة من خطوات عدة تهدف إلى محاولة التغيير في الواقع المعيشي والاقتصادي للناس، الذين بدأت ترتفع أصواتهم في مواجهة تلك الحواجز، خصوصاً مع ما يحصل في السويداء ومحاولة امتصاص موجة الغضب تلك".

ويوضح المصدر أنّ "سياسة الإزالة تتم بشكل متواصل وحتى الآن لم يتم الانتهاء منها"، مبيّناً أنّ "هناك مشكلةً يجري البحث عن حلٍّ لها تتعلق بحواجز الطريق بين دمشق ولبنان عبر حدود المصنع، فذلك المحور بحسب المصدر حساسٌ للغاية ويشكل مصدر تهديد في مناحٍ متعددة نظراً إلى أنّ حواجز الرابعة كانت تعرف جيداً كيف تتعامل مع مختلف الحالات بحكم الخبرة التي اكتسبتها خلال السنوات".

وكان حاجز حمص الشرقي قد نُقل باتجاه بوابة البادية، وحاجز حماه باتجاه الرقة ودير الزور، وحاجز مدخل التل في ريف دمشق باتجاه مدخل الحدود مع العراق من جهة العاصمة.

من البندقية إلى الجباية

يعرف السوريون جيداً أنّ الفرقة الرابعة هي فرقة قامت على أنقاض سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، ومنذ إخراج رفعت من سوريا إثر محاولة انقلابه على شقيقه في ثمانينيات القرن الماضي جرى العمل على هيكلة الفرقة من جديد، لتكون إلى جانب الحرس الجمهوري باسمها الجديد، عماد نخبة الجيش السوري، وهذا ما كان، إذ تلقت الفرقة دعماً مالياً وعسكرياً غير محدود لسنوات طوال، حتى بدأت الأزمة السورية.

خلال سنوات الحرب، أوضحت تقارير عدّة أنّ روسيا لا ترتاح كثيراً للرابعة، ولعلّ ذلك اتضح من خلال إنشاء روسيا للفيلق الخامس-اقتحام، ومقرّه في حماه، عوضاً عن تدعيم فرقة مجهزة أساساً، في حين نضج الاحتضان الإيراني الواسع للفرقة ولم يعد ذلك خافياً، ومن الدلائل البسيطة عليه القصف الإسرائيلي الذي استهدف غير مرّة مقارّ للرابعة تجري داخلها اجتماعات لقيادات إيرانية ومعهم أفراد من حزب الله وضباط سوريون.

امتلاك السلطة السورية للكثافة العددية القتالية بعد انحسار جبهات المواجهة ودخول قوات متعددة لصالحها، جعل الفرقة نفسها أكثر ارتياحاً وبمهام أقل ما أتاح لها التصدي للمهمة الجديدة وهي، كما يصفها الناس: "تشليحهم أموالهم"، ولطالما ارتبطت بشقيق الرئيس السوري بشار الأسد، ماهر الأسد، قائد الفرقة.

فتحت الفرقة، خلال الحرب، الأبواب لانضمام مدنيين كثر إليها، ويرى مراقبون أنّ ذلك الأمر أدى إلى تفلت أزاح عنها صفة التنظيم المطلق، وهو ما جعل الفرقة المدرعة صاحبة "إنجازات" عسكرية أقل، وهو ذاته ما هيّأها للمهمة الجديدة أيضاً، المهمة التي جاءت بوضوح مع مرحلة ما بعد "المخلوفية"، نسبةً إلى رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خالة الرئيس السوري، الذي كان ممسكاً بالاقتصاد السوري لعقود إرثاً عن والده محمد مخلوف، والذي تم إقصاؤه وسط ظروف ملتبسة أفضت إلى عواقب اقتصادية وخيمة.

دفعت قبل مدة لوسيط مقرب من الرابعة مبلغ 8 آلاف دولار مقابل شراء الطريق من أجل عبور سيارة تابعة لي مرةً واحدةً يومياً فقط، على أن أدفع لاحقاً بشكل شهري مبلغ 7 ملايين ليرة سورية

سوريون كثر يرون أنّ إقصاء مخلوف كان بداية تعميق الكارثة الاقتصادية، لا سيما أنّ ذلك تزامن مع بدء تطبيق قانون عقوبات قيصر الأمريكي على سوريا نهاية عام 2019، إذ تمكّن مخلوف من وجهة نظر اقتصادية من المحافظة على سعر صرف مقبول خلال سنوات الحرب قياساً بالانهيار الذي حصل من بعده، وهو الذي جاء في زمن يشير إليه الناس بوضوح مبدين استغرابهم من استبدال "لصٍ ذكي"، بلصوص حديثي نعمة قضوا على ما تبقى من اقتصاد البلد.

وبالفعل، فإنّ كل الأسماء التي عُوّمت وتسلمت اقتصاد البلد لتشغل الفراغ جاءت من خلفيات لا علاقة لها بالاقتصاد، وكلّها بشكل أو بآخر كانت من اختيار الرابعة التي نشرت حواجزها لتدعم الاقتصاد، ولكنّ دعمها هذا جاء عن طريق "الجباية"، "الجباية" التي لم تدعم الاقتصاد بعد ذلك كله، ومن هذه الأسماء أو أبرزها خضر الطاهر المعروف بأبو علي خضر وهو يعمل مباشرة لصالح الفرقة الرابعة، سامر فوز ويسار إبراهيم وهما يعملان مباشرة مع "القصر"، أي القصر الجمهوري.

ومن أمثلة الجباية تلك، فرضها قانون جمركة الموبايلات، بمعنى أنّ الهاتف الذي يكون سعره في دولة مجاورة كلبنان مثلاً ألف دولار، ليعمل على الشبكة السورية، سيكلّف 2،500 دولار تقريباً، وكذلك أسطوانة الغاز التي تصل إلى الحدود السورية من لبنان تهريباً بسعر مئة ألف ليرة سورية (7 دولارات تقريباً)، تصل إلى الداخل السوري بسعر يتراوح بين 250 و300 ألف ليرة، وكذلك المازوت والبنزين والزيت والاستهلاكيات والأجهزة الكهربائية وكل ما يخطر على البال، ليصار إلى استنتاج بسيط، هو أن الفرقة ليست ضد التهريب، ولا مشكلة في الأمر إطلاقاً، ولكن التهريب يجب أن يتم من خلالها.

شراء الطرق؟

استطاع رصيف22 الوصول إلى شخص تمكن من شراء إحدى الطرق بين حدود لبنان وإحدى المحافظات السورية القريبة، وكانت هناك صعوبة في الحديث معه لخطورة الأمر بعينه، لكنه وافق أخيراً مشترطاً عدم الإشارة إليه نهائياً.

يقول: "دفعت قبل مدة لوسيط مقرب من الرابعة مبلغ 8 آلاف دولار مقابل شراء الطريق من أجل عبور سيارة تابعة لي مرةً واحدةً يومياً فقط، على أن أدفع لاحقاً بشكل شهري مبلغ 7 ملايين ليرة سورية، وطبعاً سيارتي ستنقل أدوات كهربائيةً، وبهذه المعادلة أكون قد تخلصت من الدفع للحواجز وليس هذا الأخطر، بل الأخطر أنّه يمكن أن تصادَر السيارة كلها لو لم أشترِ الممر".

ويضيف: "طبعاً السيارات سيتم تفتيشها ولو فيها أي شيء غير المتفق عليه تتم مصادرته وتغريمي أضعاف ثمنه وسجني أيضاً، وهذه الصفقة يجريها كثر وهي تعود على التاجر بربح كبير برغم كل ما سندفعه، ففرق الأسعار بين سوريا ولبنان كبير جداً".

إلا أنّ الحظّ لم يحالف ذلك الشخص سوى أسابيع محدودة قبل أن تسحب الرابعة حواجزها وتذهب الأموال دون أن يتمكن من المطالبة بها أو مفاتحة أحد في موضوعها: "إذا فتحت فمي سأصبح في خبر كان. عوضي على الله، وبالمناسبة التوسط لفتح طريق ليس بالأمر الهيّن، بقيت عاماً كاملاً حتى عثرت على وسيط"، يقول.

قد لا تنتهي القصص حول حواجز الرابعة وكيفية فرضها جبايةً على السيارات العابرة، في الوقت الذي يمكن فيه إيجاد أشخاص لم يتعرضوا لأيّ جباية بسبب عدم وجود أي شيء يمكن استشعار أنّه مخالفٌ، فنقل كرتونة تبغ يُعدّ مخالفةً، بينما نقل "كروزَين" مسموح في قانونهم. نقل 20 ليتراً من البنزين مسموح، أكثر من ذلك يصبح مخالفةً، وهكذا. إلا أنّه دائماً ما تكون هناك طريقة لـ"البلطجة".

بالإضافةً إلى ذلك كله، ثمّة ملف المرافئ، ولعلّه الأهم في عمل الرابعة التي تفرض سيطرتها على شاطئ الساحل السوري، وهناك تمتلك صلاحيات مطلقةً تمكّنها من فرض "إتاوات" وضرائب خياليةً على كل وارد إلى البلد.

فبعد دفع التاجر رسوم التخليص الجمركي على بضائعه المستوردة في المرفأ، تظهر له الرابعة من الجهة الثانية مطالبةً بسداد قيمة نقدية متوسطها يعادل 20 في المئة من ثمن المستورَد.

يأتي قرار إزاحة الرابعة من المشهد على أمل أن ينفّس غضب المحتجين، ليس في السويداء فقط، بل في عموم سوريا، وبالتزامن مع كل ذلك، تراهن السلطة على الوقت لتمييع الحراك وقتل بذوره، فهل تنجح؟

كل تلك الإجراءات والسياسات النقدية والاقتصادية جعلت من الفرقة الرابعة فرقةً بنكيةً لا فرقةً قتاليةً، تمتلك الدور شبه الوحيد داخلياً في رفع الأسعار وإيصالها إلى حدود غير مسبوقة، حدود يعجز معها المواطن من تناول طعام يومه، في حين أنّ تلك الأموال على ضخامتها لا تذهب بأي شكل لصالح الناس في البلاد، فحتى حين رفعت السلطة مرتبات الموظفين أواسط آب/ أغسطس الماضي، رفعت قبالة ذلك الدعم عن المحروقات لتؤمن قيمة الزيادة. فأين تذهب أموال الرابعة؟ هذا هو السؤال.

على غير العادة

لم يعتَد النظام السوري في أفضل حالاته أو أسوئها، تقديم أي تنازل مهما بدا بسيطاً. واحدٌ من أوضح الأمثلة على ذلك، حين اعتصمت بيئته الحاضنة وأغلقت المدينة في حمص أواخر عام 2015، مطالبةً بتغيير المحافظ إثر سلسلة التفجيرات التي كانت تعصف بالمدينة، فجاءهم الرد بشكل غير مباشر: "كلّما تظاهرتم أكثر أطلتم عمر محافظكم".

ويفترض من قراءة تلك السياسة أن ينسحب الأمر نفسه على السويداء، إلّا أنّ السلطة فعلياً قدّمت تنازلات لهذه المحافظة، كان أوّلها ألّا يخدم أبناؤها في الجيش خارج محافظتهم، مروراً بالكثير من القوانين الخاصة بها، وصولاً إلى قرار فيه خرق للدستور وجاء عشية الحراك هناك، وهو كتاب أمني بمنع توقيف أي مواطن من السويداء بأيّ جرم أمني أو شرطي خارج محافظته إلّا في حالة الجرم المشهود.

ويأتي قرار إزاحة الرابعة من المشهد على أمل أن ينفّس غضب المحتجين، ليس في السويداء فقط، بل في عموم سوريا، وبالتزامن مع كل ذلك، تراهن السلطة على الوقت لتمييع الحراك وقتل بذوره، وبما قدمته حتى الآن، تبدو وكأنها قد ضحت كثيراً قياساً بنظرتها إلى الأمور وإلى سياق الحرب السورية المستمرة منذ 12 عاماً.

لكن الآن في السويداء ثمّة ما يتجاوز حجم ما يمكن تقديمه، فالأمور وصلت إلى حدّ الإشباع في تحدّي السلطة، والمعلومات الواردة من هناك تقول إنّ الناس لا يريدون ترك الساحات قبل تحقيق مطالبهم السياسية، وتضاف إلى ذلك كله خطورة جديدة بعد أن أطلّت أمريكا برأسها لتحادث بشكل مباشر شيخ العقل الدرزي ورمز الحراك في الجنوب، حكمت الهجري، فيما لا شك أنّ حلفاء دمشق يضعون خطتهم المضادة الآن. وبين تزاحم الخطط من كل الأطراف تلك، لا يتمنى سوريٌّ واحدٌ أن تكون السويداء كبش فداء جديد في "المقتلة" الوطنية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image