شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لم يخطروا ببال أحد…

لم يخطروا ببال أحد… "عرب خمسة" في قلب بلاد فارس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الخميس 21 سبتمبر 202302:29 م

يعرف العالم العربي أن لدى إيران أقليةً عربيةً متمركزةً في شمال الخليج وضفّته الشرقية، لكن لم يخطر ببال أحد أن في قلب بلاد فارس، قبائل من أصول عربية تتخذ من هذه المنطقة سكناً دائماً لها. محافظة فارس، جنوب إيران، هي موقع آخر يسكن فيه العرب، ويُعرفون بـ"عرب خمسة"، وجاءت تسميتهم هذه، بسبب تحالفهم مع أربع قبائل أخرى ضد "القشقائيين" الأقوياء فيها، إذ تحالف العرب مع عشيرة باصري الفارسية وعشائر نفر وبهارلو وإينارلو التركية.

صحيح أن أكثر تمركز لعرب خمسة يكون في محافظة فارس، لكنهم يتواجدون أيضاً في العاصمة طهران ومحافظات خراسان (شرق إيران وشمال شرقها)، ومحافظة سيستان (جنوب شرق)، ومحافظتَي كرمان ويزد (وسط)، ومحافظة خوزستان (جنوب غرب).

العشائر الخمس لمحافظة فارس

في عام 1818، أصبح "جاني خان" زعيم عشائر "بهارلو" و"نفر" و"إينارلو"، وبعد ذلك حمل كل زعماء القشقائيين اللاحقين هذا اللقب، فبعد جاني خان، خلفه ابنه الأكبر محمد علي خان، وعلى الرغم من أن محمد علي خان كان عليلاً، إلا أنه كان يحكم تلك العشائر من "قصر إرم" في شيراز.

عرب خمسة، هم العرب الذين هاجر قسم منهم إلى إيران بعد الدخول الإسلامي، وبعضهم جاء في زمن الأمويين والعباسيين، من الحجاز واليمن وعمان، ويتكونون من قبيلتين عربيتين هما الجبّارة والشيباني

اكتسب الزعيم الجديد للعشائر الثلاث، قدرةً كبيرةً وغير عادية في فترة زعامته، حيث أنه بات يحكم القشقائيين بالإضافة إلى تلك العشائر، كما أقام علاقات جيدةً مع الدولة المركزية التي كان يحكمها القاجاريون، وتزوج من ابنة "حسين علي ميرزا" حاكم محافظة فارس، وسعى إلى تزويج أحد أبنائه من إحدى بنات "محمد شاه قاجار" الملك الثالث في السلالة القاجارية، لكن خشيةً من توسع سلطته هذه، تم استدعاؤه إلى طهران ووُضع تحت الإقامة الجبرية.

وإبان حكم ناصر الدين شاه، عاد محمد علي خان إلى شيراز وتوفي فيها بعد ثلاث سنوات، وخلفه أخوه محمد قولي خان، الذي كانت سلطته بالطبع محدودةً، بسبب الاستقرار الذي باتت عليه الدولة القاجارية المركزية آنذاك. وفي عام 1850، انتفضت مناطق النعمتي الخمسة، بالاتحاد مع القشقايين في شيراز، ضد أسرة "الحاج إبراهيم كلانتر"، التي كانت تسيطر على هذه المناطق، وبهذا أصبح القشقائيون القوة الأولى في محافظة فارس.


لكن في المقابل، أعطى القاجاريون، الابن الأكبر الحاج إبراهيم كلانتر، علي محمد خان، لقب "قوام المُلك"، وجعلوه حاكماً على هذه المحافظة، كما وحدوا القبائل الخمس، وجعلوا علي محمد خان رئيساً عليها.

ومن هنا تم تشكيل ائتلافات بين القبائل والعشائر الخمس، في محافظة فارس في العهد القاجاري، بغية صد الأتراك القشقائيين الذين كانت تتزايد قدرتهم يوماً بعد يوم، وبرغم الاختلافات الثقافية الكثيرة بين تلك القبائل، إلا أن السياسة وحدها جمعت بينهم وأفرزت أقوى اتحاد بينهم. يقول المستشرق الروسي "فلاديمير إيفانوف" (1886-1970)، إن "تحالف العشائر الخمسة ليس تحالفاً عرقياً، بل هو تحالف سياسي".

كما يشرح المؤرخ الإيراني يرواند آبراهاميان، في الفصل الأول من كتاب "إيران بين ثورتين"، أن توحيد هذه القبائل الخمس من قبل الحكومة القاجارية، كان بهدف إبقاء القبائل تحت حكم الحكومة المركزية آنذاك، فيكتب: "إن هذا الاتحاد الذي كان يُعدّ معارضاً قوياً للقشقائيين، ظل تحت قيادة القاجاريين، كما ساندهم بعد سنوات في الحرب العالمية الثانية، حيث خاضوا حرباً ضد القشقائيين الذين كانوا من أنصار الألمان، ومن أجل الحفاظ على سيطرتهم، خلق القاجاريون توازناً عرقياً بهذه الطريقة".

من هم عرب خمسة؟

عرب خمسة، هم العرب الذين هاجر قسم منهم إلى إيران بعد الفتح الإسلامي، وبعضهم جاء في زمن الأمويين والعباسيين، من الحجاز واليمن وعمان، ويتكونون من قبيلتين عربيتين هما الجبّارة والشيباني، كما أنهم يتحدثون بلهجة عربية قريبة إلى الخليجية، دخلت فيها مفردات وعبارات فارسية كثيرة، وهم مسلمون وغالبيتهم من الشيعة.

هاجرت عشيرة الشيباني إلى إيران من شبه الجزيرة العربية قبل عشيرة الجبّارة، وتوجهت في البداية إلى مدينتي "تربت جام" و"تربت حيدريه" في محافظة خراسان الرضوي شمال شرق إيران، وأقامت في تلك المحافظة مدةً طويلةً، ثم هاجرت إلى محافظة فارس، بينما يعيش عدد من أفرادها في منطقة شيبان الأهوازية في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، وعرب بني شيبان هم من القبائل الاثنين والتسعين التي يعود أصلها إلى قبيلة "جذام"، المنحدرة من قبيلة "قحطان" الكبيرة.


ويُعرّف أهل جبارة أنفسهم، بأنهم من نسل "الشيخ جناح بن جابر"، أحد أحفاد "جابر بن عبد الله الأنصاري" الصحابي الشهير، وهذه القبيلة جاءت بعدما سكن الشيبانيون في المنطقة وتوطنوا فيها.

يتحدث عرب محافظة فارس بلهجتهم العربية الخاصة بهم، وقد تأثرت لغتهم بالتواصل مع الفرس، ومع الأجيال، ضعفت فصاحتها وحلت محل الكلمات العربية الفصحى، كلمات فارسية أو مفردات عربية سماعية، كما يمكن ملاحظة اختلافات بسيطة بين لغتهم ولهجتهم، إلا أن جميع عرب خمسة، يستطيعون التحدث مع بعضهم البعض بشكل جيد وبلهجتهم العربية الخاصة.

عرب خمسة بين حياتهم البدوية والعيش في المدن

في عام 1932، وبأمر من رضا شاه بهلوي، تم تفكيك العشائر الخمس وإبعادهم من منطقة سكنهم، ليعيشوا متفرقين في المدن والقرى والأماكن البعيدة عنها، وتمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الشرقي لمحافظة فارس، حيث تتواجد هناك أكواخهم وبيوت الشعر البدوية الصيفية والشتوية.

ولمدة 9 سنوات عاشوا في حالة مزرية وهم بعيدون عن موطنهم، حتى سقوط رضا شاه ووصول ابنه محمد رضا إلى سدة الحكم في عام 1941، حينها رجعوا إلى منطقتهم وحياتهم الطبيعية التي اعتادوا عليها، لكن في السنوات الأولى عانوا بشدة إذ كانوا لا يملكون أي رأس مال أو مواشٍ مثل الأغنام والإبل والخيول والحمير، إلى ذلك تمزقت بيوت الشعر البدوية التي كانت ملجأهم الوحيد.


وعندما تم توطين قبائل عرب خمسة قسراً كغيرها من القبائل الإيرانية، كان عدد أسرها اثنتي عشرة ألف أسرة، وعندما تركوا منطقتهم تقلص عدد عرب الجبارة والشيباني، حتى وصل ما يقرب من ثلاثة آلاف أسرة فحسب، وذلك بسبب فقدان ماشيتهم وثرواتهم خلال فترة التوطين القسري، كما هاجرت مجموعة منهم إلى مدينة عبادان في محافظة خوزستان، حيث تم تعيينهم هناك في شركة النفط الإيرانية، ولجأت مجموعات أخرى إلى المدن في شتى أرجاء البلاد، بينما بقيت مجموعات في القرى للعمل كمزارعين، ولقي عدد كبير منهم حتفهم بسبب الاكتظاظ والأمراض المختلفة، وهذه العوامل تسببت في تقليل عددهم في تلك الفترة.

يتحدث عرب محافظة فارس بلهجتهم العربية الخاصة بهم، وقد تأثرت لغتهم بالتواصل مع الفرس، ومع الأجيال، ضعفت فصاحتها وحلت محل الكلمات العربية الفصحى، كلمات فارسية أو مفردات عربية سماعية

أما بعد برهة من رجوعهم إلى موطنهم، فازداد عدد عرب خمسة مجدداً، حيث أن بعضهم تزوج من امرأتين أو ثلاث وأحياناً أربع، كما ارتفع عدد الأغنام والإبل والخيول والحمير ووصل إلى ذروته، وبحسب إحصاء جرى في عام 1963، بلغ عدد هؤلاء العرب نحو خمسين ألف نسمة، لكن لن يدوم هذا الأمر طويلاً حتى تتشتت القبائل، بعد حفر الآبار العميقة وشبه العميقة وإنشاء الحقول والحدائق في الجبال وتدمير المراعي والصراع بين أبناء القبائل وغيرها من العوامل.

وفي الوقت الحالي، وبحسب إحصائيات وزارة الزراعة، تعيش نحو 3،000 أسرة من العشائر الخمسة، وتستوطن نحو 30 ألف أسرة في المدن وضواحيها، حيث يكبر هذا العدد باستمرار.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image