شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الألحان الروحانية بين

الألحان الروحانية بين "المسحنة" والسرقة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الخميس 21 سبتمبر 202312:33 م


كان يوبال الذي هو من نسل قايين بن آدم، أول شخصية ذُكرت في الكتاب المقدس ترتبط بالموسيقى: "كان أباً لكل ضارب بالعود والمزمار" (تك "21:4"). وبحسب كتاب "الكنيسة مبانيها ومعناها"، يقول الراهب أثناسيوس المقاري: "إن الموسيقى كانت العنصر الأساسي في الهيكل في العهد القديم 'عند اليهود'، فكان اللاويون يقفون شرقي المذبح يضربون بالصنوج والرباب والعيدان ومعهم الكهنة الذين عددهم مئة وعشرون ينفخون الأبواق مع الصنوج وآلات الغناء والتسبيح لتكتمل عبادة الرب. ثم كان داوود النبي حين أمسك بقيثارته وترنّم بمزاميره؛ وصلت وقتها الموسيقى إلى أوجها. من هنا انطلقت فكرة الأغنية الروحية في المسيحية كعنصر مكمّل للألحان والصلوات الليتورجية".

رتّلت الجماعة المسيحية الأولى المزامير بلحنها اليهودي نفسه دون آلات، ثم مع انتشار المسيحية بدأت الألحان الكنسية الطقسية والصلوات تظهر ممزوجةً بصبغة كل دولة، وبحسب الباحثين الأقباط، في مصر المسيحية ظهرت أولى الألحان التي عرفها العالم المسيحي والتي تُعدّ الصورة الواضحة للألحان المصرية القديمة.

بين تبريرات مثل "مسحنة" و"تعميد" وإضفاء الصبغة المقدسة على الألحان، تُنتهك حقوق الملكية الفكرية والإبداعية لملحنين كثر لصالح كلمات بعض الترانيم التي يتم نشرها بعد سرقة لحنها

ويشير الدكتور راغب مفتاح الذي يرجع إليه الفضل في تسجيل وجمع التراث الموسيقي واللحني للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، إلى أن الموسيقى القبطية لها ثلاثة مصادر: الأول حين أخذ المسيحيون الأوائل موسيقى ألحانهم عن الألحان المصرية القديمة، أي وضعوا عليها نصوصاً مسيحيةً، مثل لحن "غولغوثا" الذي كان يقال في أثناء تحنيط الملوك وبعد مسحنته أصبح يقال في صلوات الجمعة الحزينة. والمصدر الثاني الألحان العبرية التي أصلها المزامير والثالث الألحان البيزنطية مثل لحنَي توليثو وأطاي بارثينوس وكل هذه الصلوات والألحان تكون صوتيةً فقط غير مصحوبة بأي آلة سوى الناقوس والمثلث أحياناً، على عكس الترانيم تماماً.

الترانيم

الترانيم أو الأغنية الروحية، لا تقال في الصلوات أو القداسات أو الطقوس، إنما في المناسبات والاجتماعات (مدارس الأحد) بالنسبة إلى الكنيسة الأرثوذوكسية، واجتماعات الصلاة بالنسبة إلى الكنيسة الإنجيلية، وهي عبارة عن قصيدة كُتبت خصيصاً لتعبّر عن الإيمان والحياة المسيحية ومعها بعض الأفكار اللاهوتية، وتأخذ المسار الطبيعي لإنتاج الأغنية العادية من الكتابة والألحان التي تخرج من مجموعة من الآلات الموسيقية المختلفة، مثل الكمانجا والغيتار والعود والبيانو وغيرها، ثم الظهور سواء في الكنائس من خلال الكورال، أو على القنوات الدينية أو المنصات الإلكترونية مثل يوتيوب.

وبحسب شادي لويس في ورقته "ترانيم في ميدان التحرير: عن علمنة موسيقى الكنيسة المصرية"، ظهرت الترانيم في مصر وتطورت بدءاً من منتصف القرن الثامن عشر، وتحديداً مع دخول الإرساليات التبشيرية الإنجيلية التي قامت بترجمة الترانيم الغربية إلى العربية، وطبعها وتوزيعها، وكانت موسيقى هذه الترانيم أكثر تحرراً واستطاعت أن تغيّر الرؤية إلى الترانيم التي كانت أكثر صرامةً عند الأغلبية الأرثوذكسية السائدة. ومع تحول عدد من أبناء الصعيد الأرثوذكس إلى الطائفة الإنجيلية بدأ ظهور عدد من المرنّمين والملحنين الذين لحنوا وأنتجوا عدداً ضخماً من الترانيم، انتبهت إليها في ما بعد الطائفة الأرثوذوكسية وبدأت بكتابة ترانيم جديدة وتلحينها.

وكان كتاب "الترنيمات الروحية للكنيسة القبطية (1900-1926)"، للأرشدياكون حبيب جرجس، مؤسس مدارس الأحد، بداية الزخم الحقيقي لترانيم الكنيسة الأرثوذوكسية، حيث ذكر في مقدمة كتابه: "لما رأيت حاجتنا وافتقارنا إلى وجود بعض التراتيل الروحية لانتعاش روح العبادة في نفوس المؤمنين، وضعت هذا الكتاب وجاء حاوياً لأكثر من مئة ترنيمة لأهم المواضيع الروحية والدينية".

إنتاج الترانيم حالياً

يقول المنتج فيكتور فاروق: "في البداية اقتصر إنتاج الترانيم على عدد قليل من فرق الكورال والمرنّمين الذين قامت كنائسهم بإنتاج ترانيم لهم عن طريق شريط الكاسيت، مثل كورال القطيع الصغير في كنيسة مار جرجس الجيوشي في شبرا، وكورال الراعي الصالح كنيسة العذراء، والملاك ميخائيل في الخلفاوي، والشماس ضياء صبري في كنيسة الملاك بعياد بك شبرا وغيرهم، وكانت تجارب ناجحةً ومؤثرةً وسط تعطش المسيحيين إلى هذا، لكن بدايةً من أواخر الثمانينيات بدأت تجربتنا في 'بافلي فون' حيث عملنا على إنتاج أعمال بشكل خاص وأكثر احترافيةً وبتنوع كبير من خلال تحديث عملية التسجيل".

وبخصوص تطور ألحان الترانيم، يشير فيكتور إلى أن الترانيم حالياً أصبحت أكثر تحرراً في لحنها وتحديداً في شكلها الفني، ويُعدّ ذلك أمراً جيداً وصحياً لأنه يسهم في جذب الشباب لمتابعة الترانيم وهناك فرق ناجحة تقدّم هذا اللون مثل فريق مار إفرام السرياني وفريق قلب داوود وفريق "المس إيدينا". وفي السنوات الأخيرة عادت الترانيم إلى اللحن القبطي الأصيل وبالفعل قدّم بافلي فون هذه التجربة من خلال ترانيم "نجنا" و"ستر العلي" و"مراحمك"، وأرى أيضاً أنه شيء جيد أن تسمع شريحة كبيرة من الجمهور لحنهم القبطي ويحفظونه بسهولة من خلال ترنيمة.

فيكتور فاروق

ويوضح المنتج فيكتور فاروق أنه بخصوص المسحنة وسرقة الألحان، فإن هناك جهات إنتاجيةً تتعامل باحترافية من حيث التدقيق في جودة الكلمات والألحان طبقاً لحقوق الملكية الفكرية، وفي المقابل جهات أخرى لا تهمها هذه المعايير فتسرق ألحاناً ذات شعبية لتضع عليها كلماتها وتبثها.

ويضيف: "كان هذا الأمر شديد الانتشار في ترانيم عصر الكاسيت، وتحديداً الترانيم المتعلقة باحتفالات القديسين، وتقلّ الظاهرة تدريجياً كلما تطورت الأدوات والتقنيات التي تستطيع كشف سرقة حقوق الألحان أو أي جزء من أي محتوى".

بين المسحنة والسرقة

بين تبريرات مثل "مسحنة" و"تعميد" وإضفاء الصبغة المقدسة على الألحان، تُنتهك حقوق الملكية الفكرية والإبداعية لملحنين كثر لصالح كلمات بعض الترانيم التي يتم نشرها بعد سرقة لحنها، ويحدد الموسيقيون 4 موازير كاملة لاعتبار اللحن مسروقاً ويخضع بعدها للتجريم باعتباره عملاً جنائياً.

الأمر في حالة الترانيم ليس فريداً من نوعه، فالأغاني في غالبيتها مسروقة، إما من ألحان تراثية أو ألحان أغانٍ أخرى أو مقطوعات موسيقية، لكن تثير الصبغة المقدسة للترنيمة ترسيخاً قوياً داخل العقل الجمعي القبطي بأن حتى هذا اللحن مُسلم آبائياً وجزء من العقيدة وهو ما يظهر في شبه سطو مقدّس أيضاً.

منذ عام 2010، ورواج المهرجانات الشعبية، قامت محاولات فردية في المجتمع المسيحي لوضع كلمات روحية على ألحان هذه الأغاني في محاولة منهم لجذب الشباب إلى الكلمة الروحية 

فمثلاً ترنيمة "يا سلام على العدرا" يعدّها المسيحيون ترنيمةً تراثيةً بلحن أصيل، لكن الحقيقة أن لحنها مسروق بالكامل وكلماتها مقلدة من طقطوقة "يا سلام ع الفلة" التي لحنها الموسيقار داوود حسني، عام 1920.

أما ترنيمة "يا محباً مات عن جنس البشر"، والتي رنّمتها المرنّمة الشهيرة فاديا بزي، ضمن ألبومها "يا جراح المسيح" الذي ضم تسع ترانيم أخرى كان لحنها مأخوذاً عن موشح أندلسي شهير وهو "بالذي أسكر من عذب اللما".

وكذلك ترنيمة "جوا قلوبنا يا بابا شنودة" للمرنّمة هايدي منتصر، والتي صدرت بعد وفاة البابا شنودة الثالث ولحنها مقتبس من لحن أغنية تركية للمغنية سيزين أكسو، وهي Geri don.

ومنذ عام 2010، ورواج المهرجانات الشعبية، قامت محاولات فردية في المجتمع المسيحي لوضع كلمات روحية على ألحان هذه الأغاني في محاولة منهم لجذب الشباب إلى الكلمة الروحية بعيداً عن كلمات المهرجانات المبتذلة من وجهة نظرهم، فظهر المنتَج النهائي أكثر ابتذالاً واختفى، والأمر برمته نُرجعه إلى أزمة إبداعية حقيقية إذ يستسهل كثيرون الأمر، بدعوى خدمة الله وفي غياب الوعي بما تُسمّى حقوق الملكية الفكرية!   


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image