شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أعداد الغرقى الجزائريين في ارتفاع… الإهمال شريك البحر

أعداد الغرقى الجزائريين في ارتفاع… الإهمال شريك البحر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الأربعاء 13 سبتمبر 202304:07 م

حمى الله الجزائر من الكوارث الطبيعية التي حصدت أرواح المئات في البلدان المجاورة، لكنها خسرت أرواحاً أخرى بسبب الإهمال المميت، من قبل الحكومة تارةً، ومن قبل الشعب تارةً أخرى.

فهل يكون هذا آخر صيف يتشح بالسواد يمرّ على شواطئ الجزائر، أم أن الطبع غلّاب؟

أرقام مرعبة 

وفقاً للأرقام المعلنة من قبل هيئة الحماية المدنية، فإن إجمالي حالات الوفيات غرقاً في الفترة من مطلع حزيران/ يونيو الفائت حتى نهاية آب/ أغسطس الماضي، بلغت 281 حالة وفاة، منها 208 حالات على مستوى الشواطئ التي تُمنع السباحة فيها، أو التي رُفعت فيها الرايات الحمراء، وقد وصف التقرير ذلك الرقم بأنه الأكبر في تاريخ الجزائر.

تواصل رصيف22، مع المتحدث باسم الحماية المدنية في ولاية الجزائر يوسف عبيدات، الذي يقول: "نحن إزاء مشكلة يمكن وصفها بالكارثة، إذ سجّلت وحداتنا أكثر من 3،000 حالة إنقاذ خلال يوم واحد في نهاية شهر آب/ أغسطس، وهذا رقم مرعب، فنحن نتحدث هنا عن شريط ساحلي ممتد في البلاد عبر 14 ولايةً تضم 437 شاطئاً، فما بالك بالمناطق الداخلية التي يعاني سكانها من انعدام المرافق وأماكن الترفيه، ليكون اللجوء إلى البرك الزراعية والسدود والمسطحات والوديان فيها أشبه بالانتحار الرحيم!".

تشير التقارير الأمنية إلى وجود عشرات حالات الغرق سنوياً في السدود والحواجز المائية التي يعلق فيها الكثيرون في ظل استحالة الإنقاذ، وعدم وجود قوات للحماية المدنية في تلك المناطق، خاصةً أن مياه السد أكثر خفةً من مياه البحر، وتصعب السباحة فيها لغير المعتادين.

وللأسف فوفقاً لتقارير الهلال الأحمر، أغلب حالات الوفيات الناجمة عن السباحة في السدود، من الأطفال.

هل يمكننا لوم الدولة الجزائرية على انتشار الغرق الناجم عن استهتار المواطنين؟

التوعية الغائبة

حوادث الغرق الموجعة، دفعت وزارة الداخلية إلى التعبير عن قلقها إزاء تفاقمها، الأمر الذي حثّ جهات في المجتمع المدني ومختلف الأطراف، على توجيه جهود التوعية للحدّ منها، كما طالبت المزارعين خصوصاً بتغطية الآبار والتجمّعات المائية المخصّصة للسقي، وتسييجها، من أجل منع استغلالها في السباحة من قبل الأطفال وغيرهم.

إلا أن هذه البيانات لاقت آراءً متباينةً حولها، لدى المواطنين في هذه الولايات الداخلية، فالبعض عبّروا عن استنكارهم من خلال التعليقات الغاضبة من عدم توافر المسابح، وكذا توفير أماكن الترفيه والاستجمام، أو تنظيم رحلات من السلطات أو حتى وضع هذه السدود وغيرها من المسطحات المائية تحت الحراسة، في حين حمّل البعض الآخر المسؤولية للأولياء لعدم مراقبتهم أطفالهم.

هواية تنتهي بكوارث

وإذا كان ضحايا المسطحات المائية لا يملكون متنفساً آخر غيرها في ظل حتمية اللجوء إليها هرباً من أشعة الشمس اللاسعة، ففي رحلة البحث عن الهدوء، هناك من يرتادون الشواطئ الصخرية غير المحروسة، غير مبالين بخطورتها.

والشواطئ الصخرية ممنوع ارتيادها للسباحة، إذ تشتمل على أخطار حقيقية سواء بسبب تيارات مائية ساحبة، أو صخور خطرة أو عدم توافر المسالك، أو بسبب تشكل وديان أو آبار عميقة في البحر، تحصد عشرات الأرواح خصوصاً من فئة الشباب، كونها شواطئ لا تخضع للمراقبة، وتقع غالباً في أماكن معزولة، وغير مأهولة ومسالكها وعرة، وهو ما يؤخر عملية التدخل. وبتأخر وحدات الحماية المدنية أو خفر السواحل للوصول إليها والمسارعة في عمليات الإنقاذ، يكون الموت غرقاً حتميةً لا مهرب منها.

إلقاء النفس إلى التهلكة

" البحر يدّي العوام"؛ هذا مثال مشهور في الجزائر، معناه أن البحر يلتهم من يظن نفسه سباحاً ماهراً.

ثمة فئة من الشباب تسعى وراء حب الظهور وجلب الانتباه، وحصد الإعجاب والتوثيق بالسيلفي، ثم النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويرى مختصون أنها ظاهرة تجب محاربتها.

يقول مسعود بن حليمة الأخصائي النفسي لرصيف22: "الشباب الذين يقومون بحركات السباحة المحفوفة بالمخاطر تجب معاقبتهم بطردهم من الشواطئ، كما كانت تفعل الجهات الأمنية في زمن كورونا، وعليها اللجوء إلى غلق المسالك بالمتاريس والحجارة الكبيرة، لأن هؤلاء المتهورين يشجعون على الانتحار، عبر التنمر وإطلاق التحديات، خاصةً عندما تكون السباحة حيث الراية الحمراء".

ويواصل الأخصائي النفسي حديثه إلى رصيف22: "يُفترض أن تكون الشواطئ فضاءً عمومياً للراحة والعودة بنفس جديد إلى العمل أو الدراسة، لكنها أصبحت أحياناً مكاناً للحوادث التراجيدية، بسبب السلوك غير المسؤول للمصطافين، فالبعض من شبابنا يصرّون على السباحة في النقاط السوداء والأماكن الصخرية، وكأنهم يبحثون عن الانتحار ويحثون عليه، وتالياً هم ينشرون ثقافةً وسلوكيات سيئةً ولا بد للسلطات أن توقفهم".

بالرغم من التنبيهات والإرشادات، إلا أن الشباب والأطفال يتصدرون المشهد المؤلم بين الغرقى، بسبب العناد أو المرح الزائد أو التحديات بين بعضهم.

وتدعو الحماية المدنية الأولياء دائماً إلى مراقبة أبنائهم، وتوعيتهم بمخاطر السباحة عند الشواطئ الممنوعة وفي السدود، خاصةً أن الفئة العمرية المعنية بمثل هذه الحوادث، هي في أغلب الأحيان من الشباب والأطفال.

وفقاً للأرقام المعلنة، فإن حالات الوفيات غرقاً في الأشهر الثلاثة الماضية في الجزائر بلغت 281 حالةً

إعاقات وعاهات وإصابات بالشلل

في السياق نفسه، نبّهت مصادر صحية إلى خطورة حركات السباحة التي يقوم بها عدد من المصطافين عند بعض المرتفعات الصخرية، مؤكدةً أن هذه الممارسات تسببت في إعاقة حركية للكثير من الشباب. إذ تستقبل مستشفيات ولايات الجمهورية، العديد من ضحايا حركات السباحة خلال مواسم الاصطياف، إلى جانب حالات الغرق، الأمر الذي يجعلها في وضعية استنفار طوال أشهر العطلة الصيفية.

ويقول سلامة كواش الطبيب المتخصص في الصحة العامة: "هناك حالات عدة استقبلتها المستشفيات نتجت عن المجازفة والقفز من فوق الصخور، إذ يتسبب هذا السلوك في كسور تؤدي إلى إعاقات حركية، قد تصل إلى الشلل التام، عند اصطدام الجسم بالماء أو الصخور. حركات السباحة الخطيرة، حولت حياة بعض الشباب إلى جحيم، بعدما أصيبوا بإعاقة حركية تحولت أحياناً إلى شلل جسدي تام".

الأرقام المرعبة لحوادث الغرق الأخيرة، دفعت الجميع للتجنّد من أجل الحد من هذه النعمة التي تتحول إلى نقمة، وأطلقت مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي صرخةً لدق ناقوس الخطر، منبهين إلى خطورة تزايد اللجوء إلى الأماكن غير المحروسة.

وانخرط في هذه الحملة مدوّنون ونجوم السوشال ميديا، مطالبين بتدخل السلطات الأمنية وحرّاس الشواطئ، لردع كل من تسوّل له نفسه السباحة حيث الراية حمراء، وحتى غلق الشواطئ في وجههم إن تطلّب الأمر، فالصرامة واجبة في تطبيق القانون، إذا أرادت الجزائر الحد من حوادث الغرق، التي بلغت مستوى لا يمكن السكوت عنه.

بين إدانة الدولة لتقصيرها، وإدانة الكثيرين لإهمالهم، تتأرجح الأسئلة حول النتائج قبل المسؤوليات، وإن اتفق الجميع على أن العشرات تُهدر أرواحهم في مياه الجزائر، يومياً


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image