شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل نجح

هل نجح "القفطان الأزرق" في كسر الصمت عن المثلية ورهابها في المغرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والميم-عين

الاثنين 18 سبتمبر 202303:34 م

تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.

امتلكت المخرجة المغربية مريم التوزاني، ما يكفي من الجرأة للحديث عن موضوع شائك في عالمنا العربي: المثلية الجنسية.

ومع أنها ترفض قطعاً اختصار فيلم "القفطان الأزرق" بالمثلية، لكونها تعدّه فيلماً عن الحب والصناعة التقليدية والهوية والفن والخياطة والقفطان، إلا أن تطرقها للحب بين رجلين واضح، صريح، ويُحسب لها.

يحكي فيلم "القفطان الأزرق" عن علاقة خياط بزوجته المتعايشة مع مرض مزمن والتطورات التي تحصل في يومياتهما عند دخول خياط أجير حياتهما المهنية والعائلية.

يأخذنا الفيلم إلى دروب المدينة القديمة في المغرب، بعيداً عن الصورة النمطية التي تصوّر سكان هذه الأحياء كأشخاص يعيشون داخل العنف والفوضى. وإن كان الفيلم يحكي بشكل أساسي قصة حب بين رجلين، فالدور النسائي الرئيسي حاضر بقوة وقادر على تغيير مجرى الأحداث مما يشيح بنظر المشاهد عن نظرة ذكورية اعتادها في معظم الأفلام والإنتاجات المغربية.

يبرز الفيلم مشاهد رقيقةً وكلمات دافئةً، مثل جملة "لا تخَف من الحب" التي تقولها الزوجة لتحرر زوجها من قيود السلطة والتحفظات الاجتماعية والشعور بالذنب

يترافع "القفطان الأزرق" عن حق المثليين/ ات المغاربة في الوجود داخل المجتمع المغربي، حتى في أوساطه الأكثر شعبيةً والأقل ارتباطاً بالعولمة التي يروج لها البعض على أنها سبب "انتشار المثلية"، وحتى وإن ظن البعض أن المثلية فكرة مستوردة من الغرب، فالكل، حتى من يدعي ذلك، يعلم أن المثلية موجودة في المجتمع المغربي ولطالما عاشها المثليون/ ات المغاربة في الخفاء. الجديد، والذي لا نراه في الفيلم، هو جيل شاب يرفض أن يعيش مثليته كوصم وعار، بل يعيشها بالقدر نفسه من المساواة مع الغيريين/ ات.

في مشاهد الفيلم، نرى البطل يختزل مثليته في ممارسات جنسية داخل حمام تقليدي، ليتعرف مع تطور الأحداث إلى رجل يضعه وجهاً لوجه أمامه لمواجهة مشاعره نحو الرجال. إنها قصة حب تصارع وجود امرأة في حياته، وكذلك نظرة المجتمع التي لا ترحم.

ربما تكمن نباهة الفيلم في اهتمامه بالموضوع في فضاء مغربي شعبي، داخل أسرة مغربية يتعرف على واقعها معظم المغاربة سواء تعاطفوا مع الزوج أم لا. فلا قوس قزح في الفيلم يقوم مشاهد ساذج باتهام أميركا بوضعه، ولا قبلة بين رجلين تهز عرش الفن السابع فيُمنع الفيلم ويُحرم الجمهور المغربي من مشاهدته.

لا تخَف من الحب

يبرز الفيلم مشاهد رقيقةً وكلمات دافئةً، مثل جملة "لا تخَف من الحب" التي تقولها الزوجة لتحرر زوجها من قيود السلطة والتحفظات الاجتماعية والشعور بالذنب.

وعلى الرغم من انتقاد بعض النقاد للمخرجة لاستعانتها بممثلين/ ات لا يجيدون/ ن اللهجة المغربية، إلا أن في ذلك قدرةً عبقريةً على نقل رسالة الفيلم وإيصال الإحساس بغض النظر عن جنسية الممثل/ ة أو لهجته/ ا.

يضم الفيلم أيضاً مشاهد وكلمات تليّن القلب وتكسر قسوة الموضوع، محوّلةً إياه إلى لحظة حب وإحساس لا يمكن التخلي عنها. تتجلى تلك المشاهد في عيون الممثل الفلسطيني التي تعبّر عن مشاعره خلال المشاهد الصامتة أكثر من أي حوار داخل الفيلم، وأيضاً من خلال نبرة صوت الممثلة لبنى أزبال، التي يؤدي صوتها حواراً مؤثراً بذاته.

شاهدت الفيلم خلال زيارتي لبرلين، إذ كنت قلقاً من أن يتم منعه في المغرب. وبرغم اتهام بعض الناس للفيلم بأنه يستهدف جمهوراً غربياً، إلا أن عدد الحاضرين/ ات من الغرب لم يتجاوز عدد الجمهور المغربي والعربي الذي حضر العرض الأول.

خلال عرض الفيلم، تأثرت كثيراً وشعرت بأن الدموع كانت الوسيلة الوحيدة للتعبير عن واقع يعيشه المثليون/ ات في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. نجح الفيلم بفعالية في كسر الصمت حول هذا الموضوع المهم الذي تم تركه سابقاً للأعمال الهابطة التي تهدف فقط إلى التشهير بأفراد مجتمع الميم-عين في منطقتنا.

يعطي الفيلم فرصةً للمشاهدين/ ات لفهم أن الحب هو الحب، بغض النظر عن جنس الشريك/ ة، وأنه ليس جريمةً أو حراماً. سواء كنّا مثليين/ ات أو غير مثليين/ ات، فلا يمكن إلغاء الحب بتجريمه وتحريمه

أتفهم بعض الآراء التي تعدّ بعض مشاهد الفيلم استشراقيةً، كمشاهد الحمام في الفيلم، لكنني رأيت في تلك المشاهد فرصةً لكسر الصمت حول الأمور التي تحدث وتجري خلف أبواب الحمامات. وعلى الرغم من أنه لم يتم تصوير هذا الموضوع من قبل، إلا أن ذلك لا يمنع وجوده، بل هي فرصة لإظهار أن المثلية ليست حديثةً وهي مظهر من مظاهر القرن الحادي والعشرين، بل هي موجودة منذ قديم الزمان.

استطاع الفيلم جذب أنظار جمهور الأفلام العربية وأعطى أملاً للأشخاص المثليين/ ات الذين/ اللواتي شاهدوه/ نه، فشعروا/ ن بأن الفيلم يسعى إلى تحقيق العدالة والحماية التي فشلت القوانين في تحقيقها حتى الآن في معظم دول المنطقة.

يعطي الفيلم أيضاً فرصةً للمشاهدين/ ات لفهم أن الحب هو الحب، بغض النظر عن جنس الشريك/ ة، وأنه ليس جريمةً أو حراماً. سواء كنّا مثليين/ ات أو غير مثليين/ ات، فلا يمكن إلغاء الحب بتجريمه وتحريمه.

لا يمكن إنكار أن فيلم "القفطان الأزرق" يُعدّ واحداً من أجمل الأفلام المغربية التي ظهرت في السنوات الأخيرة. وإن كان قد فشل في خلق نقاش مجتمعي فعلي حول رهاب المثلية داخل المجتمع المغربي، إلا أنه نجح في لمس قلوب من شاهدوه بغض النظر عن هوياتهم/ نّ الجنسية والجندرية، كما نجح في استفزاز حزب العدالة والتنمية الإخواني، الذي حاول تحريض الرأي العام ضد الفيلم ودعا لمنع عرضه، وفشل، لأن دعوته لم تلقَ تأييداً من قبل العديد من المغاربة الذين فقدوا الثقة بكل ما يروّج له.

هل سينجح فيلم "القفطان الأزرق" في المستقبل في تغيير نظرة أولئك الذين يشاهدونه من خارج مجتمع المثليين/ ات والعابرين/ ات جندرياً، وسلوكهم؟ ربما نحتاج إلى فترة زمنية طويلة قبل أن نحصل على إجابة واضحة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image