أعلنت مصر في بيان رسمي صادر عن رئاسة الجمهورية حداداً عاماً يمتد ثلاثة أيام، تضامناً مع شعبي المملكة المغربية، والجارة الغربية ليبيا. عقب زلزال عنيف أصاب أراضي الأولى وإعصار ذي قوة تدميرة تسبب في خسائر واسعة في الأرواح والمنشآت العامة والممتلكات الخاصة ضرب الثانية، قبل أن يغادرها متوجها إلى مصر أمس الإثنين 11 سبتمبر/ أيلول.
مع وصول الإعصار "دانيال" إلى مصر، تحول الطقس على المدن الشمالية القريبة من الحدود الليبية والملاصقة للصحراء الغربية من شمس ساطعة إلى غيوم صفراء وأتربة لا تزال تسيطر على محافظات الشمال إلى جانب أمطار خفيفة في بعض المناطق.
وتشابه المشهد المحافظات المصرية التي تظهرها الخرائط الطقسية الرسمية الصادرة عن المرصد الرئيسي في مصر "حلوان"، عقب استقبالها إعصار دانيال الذي انطلق من اليونان بعدما قتل 10 أشخاص فقط هناك هناك، ليصل إلى ليبيا مُخلفا أكثر من 5000 ضحية بحسب احدث البيانات الرسمية.
في مصر اهتمت الصحف والبيانات الرسمية بتحذير مصطافي الساحل الشمالي وسكان محافظتي مطروح والإسكندرية من الإعصار المنتظر قبلها بعدة أيام، لكن على مسار الإعصار حسب الخرائط نفسها تقع محافطتان أخريان، تعددت خلال السنوات السابقة حوادث سقوط الضحايا وتخريب الممتلكات العامة والخاصة فيها جراء التغيرات المناخية العنيفة لكنهما تغيبان في الغالب عن الرصد الرسمي، وهما محافظتي البحيرة وكفر الشيخ الملاصقتين للاسكندرية والمتعرضتين للضربات المناخية المرتبطة بالبحر المتوسط والصحراء الغربية، فلماذا غابتا عن البيانات الرسمية، وكيف استعدت الجهات المسؤولة فيها لإعصار قد يتكرر، وإن كانت الليلة الاولى منه قد مرت على مصر بسلام من دون أمطار عنيفة أو خسائر في الأرواح، فإن ما يتنبأ به العلم بشأن التغيرات المناخية، لا يعد بأن يستمر الحال على نفس الهيئة المسالمة في قام السنوات.
على مدار السنوات العشر الماضية، تتكرر سنوياً الأخبار حول الخسائر التي يمنى بها سكان محافظة كفر الشيخ وفلاحيها بسبب السيول الغزيرة التي بات من المعتاد تعرض المحافظة لها سنوياً والتي تتسبب عادة في غرق الشوارع وهدم بعض البيوت إلى جانب خسائر كبيرة في مزارع الفاكهة والخضروات
موازنة تعاني ومحافظات مهملة
بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن إدارات المحافظات، فإن محافظة كفر الشيخ الواقعة على مسار الإعصار والواقعة مع البحيرة على الطرف الشمالي لدلتا النيل، التي ترجح التقارير العلمية المناخية تعرض مساحات واسعة منها للغرق نتيجة ارتفاع منسوب البحر المتوسط، أنفقت خلال العام المالي الذي انتهي في يونيو/ حزيران الماضي 418 مليون جنيه (13.5 مليون دولار حسب السعر الرسمي) على البنية التحتية، أكثر من نصف هذا المبلغ ذهب لمشروعات رصف الطرق.
على مدار السنوات العشر الماضية، تتكرر سنوياً الأخبار والتقارير الصحافية في مصر حول الخسائر التي يمنى بها سكان محافظة كفر الشيخ وفلاحيها بسبب السيول الغزيرة التي بات من المعتاد تعرض المحافظة لها سنوياً والتي تتسبب عادة في غرق الشوارع وهدم بعض البيوت إلى جانب خسائر كبيرة في مزارع الفاكهة والخضروات التي تعمر بها المحافظة الزراعية.
الأخبار نفسها تتكرر سنوياً فيما يتعلق بمحافظة البحيرة، وطوال عشر سنوات باتت تلك الحوادث تتكرر فيها كل عام، لم تعلن السلطات المصرية عن خطة واضحة للتعامل مع التغيرات المناخية وآثارها التي تهدد تلك المحافظات.
بحسب البيان المالي للموازنة العامة في مصر، وما رصده محللون مختصون حول توزيعها ونصيب كل قطاع من الإنفاق العام، توجه الدولة - بحسب دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- النصيب الأكبر من الإنفاق على تحسينات البنية التحتية في مشروعات الرصف والطرق والكباري والإسكان الذي توسعت الدولة في الاستثمار فيه بصفة تجارية خلال السنوات الماضية.
أزمة نقص توجيه الإنفاق العام للاستعداد للخسائر البشرية والاقتصادية المتوقعة عن التغير المناخي في مصر، رصدتها ورقة أصدرها البرلمان الأوروبي في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي حول سياسات مصر في التعامل مع التغير المناخي، رصد خلالها ارتفاع نسب الكربون وغيره من الانبعاثات المسببة للاحترار والتغير المناخي في مصر منذ العام 2005 بشكل متواصل. وذلك على الرغم من تراجع الانبعاثات الناجمة عن النشاط الاقتصادي الإنتاجي حسبما تؤكد الدراسة نفسها، يعزز ذلك الانكماش المتواصل في مؤشر مديري المشتريات الذي يؤشر إلى تراجع مستمر في قطاعي الإنتاج السلعي (التصنيع والزراعة) والخدمي في مصر. فيما يستمر قطاع الاستثمارات في البنية التحتية والإنشاءات والنقل قطاع البترول والغاز الطبيعي والأنشطة المرتبطة بها هي الأساس الذي يحمل الاقتصاد المصري خلال السنوات العشر الأخيرة.
بحسب الورقة نفسها، علقت مصر تنفيذها لسياستها لخفض الانبعاثات والاستعداد لآثار التغير المناخي على اقتصادها وسكانها على الاستثمارات الخارجية التي قدرتها الدولة بمبلغ 196 مليار دولار، للحد من الآثار القائمة ومعالجة الأضرار، و50 مليار دولار أخرى للحد من الآثار المستقبلية، وذلك بحسب البيان المصري لاتفاقية باريس للحد من آثار التغير المناخي.
ويضع المؤشر الدولي لرصد تحركات مواجهة التغيرات المناخية مصر بين الدول "شديدة انعدام الفعالية" Highly insufficient في مواجهة التغيرات المناخية. ما يؤشر إلى عدم اتخا خطوات جادة في هذا الاتجاه، وهو ما ترجعه مصر إلى حاجتها إلى التمويل. فيما يطالب المؤشر مصر بألا تضع شروطاً لتطبيق خطة ناجعة لمواجهة الآثار المتوقعة القريبة للتغيرات المناخية والتي من شانها أن تضر بقطاعات واسعة من السكان بأشكال مختلفة في مختلف أنحاء البلاد.
بدأ التغير في الجو في مرسى مطروح منذ الثانية والنصف أو الثالثة عصر أمس الإثنين، وكانت البداية مع أمطار خفيفة، وفي الرابعة ونصف تقريباً زادت شدة الأمطار لكنها لم تصل للشدة التي تشهدها المحافظة في الشتاء والتي تحول شوارعها إلى برك تعيق الحركة
ماذا حدث في ليلة الإعصار؟
لم تتأثر شواطىء مطروح بأنباء الإعصار، واستمر إقبال المصطافين في الأيام الأخيرة للصيف قبل بدء الدراسة.
محمد هريدي مدرس يعيش في مرسى مطروح قال لرصيف22 إن التغير في الجو بدأ منذ الثانية والنصف أو الثالثة عصر أمس الإثنين، وكانت البداية مع أمطار خفيفة، وفي الرابعة ونصف تقريباً زادت شدة الأمطار لكنها لم تصل للشدة التي تشهدها المحافظة في الشتاء والتي تحول شوارعها إلى برك تعيق الحركة. موضحاً أنه منذ الساعة السادسة مساءً بدأت حركة الهواء تشتد، إلا أن ذلك لم يؤثر على إقبال المواطنين والمُصيفين على الشواطيء.
محمد خضر مساعد رئيس شركة الصرف الصحي بمحافظة مطروح يوضح لرصيف22 أن العاصفة الترابية المصاحبة لإعصار دانيال بدأت في تمام الساعة 11 ظهر الأحد واستمرت في بعض المناطق حتى عصر الاثنين مثل مدينة سيوة، وشهدت السلوم والضبعة أمطار خفيفة بين الساعة الواحدة ونصف إلى الثانية ظهرا، فضلا عن سقوط أمطار خفيفة على طريق الساحل الشمالي، مضيفاً أن المحافظة لم تشهد حتى الآن (الساعات الاولى من صباح الثلاثاء) سقوط أمطار ثقيلة. ولم يوضح المسؤول اية استعدادات خاصة اتخذتها إدارته بشأن العاصفة.
البحيرة وكفر الشيخ... العاصفة لم تعلن عن نفسها
في البحيرة بدأت العاصفة عصر الإثنين، فغلف اللون الأصفر المشبع بالأتربة سماء المحافظة، في الوقت الذي أعلنت فيه الدكتورة نهال بلبع نائب محافظ البحيرة استعداد المحافظة لاستقبال العاصفة ورفع درجة الاستعداد القصوى بنشر سيارات الشفط ومتابعة صفايات وخطوط صرف مياه الأمطار بالشوارع والطرق.
إلا أن سكان المحافظة الذين تواصل معهم رصيف22 نفوا واقعية هذه التصريحات وتنفيذها على الأرض، وتوصل رصيف22 مع المتحدث الرسمي باسم المحافظة عبد العزيز أحمد لمراجعة التصريحات ونقل شكاوى المواطنين، لكنه رد بالاكتفاء بما ورد بالبيان الرسمي مؤكداً قيام المحافظة برفع درجة الاستعداد القصوى لمتابعة شبكات الصرف الصحي والأمطار والبلاعات ومتابعة هيئة الأرصاد.
تنتشر سيارات الإسعاف على الطريق الدولي فيما تستعد مستشفى بلطيم النموذجي ومستشفى البرلس المركزي لأي طواريء أو آثار للإعصار، كما تم تنفيذ خطة الإخلاء السريع طوال الأيام الماضية في المصالح الحكومية تحسبا لأي طارئ
في كفر الشيخ اختلفت الأجواء في مدينة قلين عن غيرها يقول أحمد صلاح إن الجو في مدينته أقرب لفصل الخريف عن الصيف، فالغيوم تُخيم على السماء في شكل يُقارب الشبورة المائية يغلب عليها اللون الأصفر دون سقوط أمطار، موضحاً أن الأتربة بدأت في الظهور منذ الصباح، وعن الاستعدادات التي تشهدها مدينته لمواجهة العاصفة قال إنه لم يشهد أي استعدادات وأن أصدقائه يستمتعون بالسباحة في شواطيء بلطيم فلم تتعطل الحركة في مدينته نتيجة ما جاء في الأخبار.
اتفق هشام عبدالرازق من مدينة كفر الشيخ مع سابقه حول عدم وجود أي استعدادات في الشوارع لمواجهة العاصفة، موضحاً أن الجو لم يشهد أي تغيير أو اختلاف عن الأيام السابقة فلا وجود لأمطار أو رياح، مبيناً لرصيف22 أن الاختلاف الوحيد في وجود الأتربة منذ الخامسة مساء الإثنين يصاحبها غيوم خففت من حدة الشمس ونورها.
محمد الأسيوطي مدير عام المركز الإعلامي بديوان محافظة كفر الشيخ يؤكد لرصيف22، عدم تأثر المحافظة بأي لآثار للإعصار حتى الآن سواء أتربة أو أمطار أو غيرها من التغيرات المصاحبة له، موضحاً أن غرفة عمليات المحافظة منعقد وتم التنبيه على رؤساء المدن الساحلية في بلطين والبُرُّلس بمتابعة التغيرات والتعامل معها فورا.
وأضاف الأسيوطي أن سيارات الإسعاف تنتشر على الطريق الدولي فيما تستعد مستشفى بلطيم النموذجي ومستشفى البرلس المركزي لأي طواريء أو آثار للإعصار، كما تم تنفيذ خطة الإخلاء السريع طوال الأيام الماضية في المصالح الحكومية تحسبا لأي طارئ.
الإسكندرية... رياح الخماسين في سبتمبر
تابعت أسماء محمد الأخبار طوال الأيام الماضية حول حالة الطقس وموجة ارتفاع درجات الحرارة وذروتها، تقول لرصيف22 إنها لم تسمع في الأخبار عن عاصفة أو إعصار وفوجئت أمس بتداول الخبر عن غرق إسكندرية واقتراب إعصار، وما حدث في ليبيا من وفيات ومفقودين فشعرت بالخوف، حتى استمعت لرئيس هيئة الاستشعار عن بُعد، واطمأنت من خلال التصريحات التي تؤكد عن فقدان الإعصار أثناء قدومه لمصر لمروره بالصحراء، عكس ما حدث في ليبيا فقوته كانت لمروره فوق البحر المتوسط.
اللواء محمود نافع رئيس مجلس إدارة شركة الصرف الصحي بالإسكندرية قال لرصيف22 إن الأمر بدء بعاصفة ترابية في صباح اللإثنين ومن المتوقع أن تنتهي العاصفة المتوسطة بأمطار خفيفة إلى متوسطة وقد تكون غزيرة ورعدية نهاية يوم الثلاثاء، موضحاً أنه أثناء مروره لتفقد الحال في المحافظة لم يشهد تغير في أعداد المُقلبين على الشواطيء أو انسحاب عدد قليل منهم سوى بعد اشتداد الأتربة في السادسة مساء الاثنين.
وأضاف نافع أن الشركة أطلقت 121 سيارة وأكثر من 30 بدال تمركزت في المناطق المختلفة في الإسكندرية تحسبا لسقوط الأمطار، فيما أوضح الدكتور محمد فؤاد مستشار محافظ الإسكندرية إن المحافظة عقدت غرفة العمليات والتي لم ترصد أي تغير أو سقوط أمطار حتى مساء الاثنين، وأن المحافظة اتخذت كافة التدابير الوقائية تحسبا لأي طاريء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...