شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كمال أبو عيطة... من الأذان في الميدان إلى الهتاف للرئيس

كمال أبو عيطة... من الأذان في الميدان إلى الهتاف للرئيس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الثلاثاء 12 سبتمبر 202311:41 ص

"القيادي هو الرجل الذي يستطيع تكييف المبادئ مع الظروف"... جنرال جورج باتون

هذا المقال ليس انتقاصاً من قدر أحد، ولا تفتيشاً في النوايا أو نبشاً في الماضي. لكننا نكتب انطلاقاً من إيماننا بحق القارئ في رؤية الصورة من زاوية أخرى.

نكتب لنرصد مسيرة وزير سابق ومناضل أسبق، نقدّر ماضيه، ونثق بشرفه، دون أن يمنعنا ذلك من تتبع مساراته السياسية، التي توثق لحقبة مهمة في تاريخ مصر المعاصر.

نكتب لأن الكلمة باقية والسلطان زائل.

سنوات النضال

"حد أدنى للأجور للي ساكنين القبور...

حد أقصى للأجور للي عايشين في القصور...".

ذلك كان الهتاف الأشهر لكمال أبو عيطة، الذي خاض معارك شرسةً ضد نظامي الرئيسين السادات ومبارك، دفاعاً عن حقوق العمال، فألقي القبض عليه 23 مرةً حسب تصريحاته.

وُلد كمال أبو عيطة في الأول من آذار/ مارس سنة 1953، في حي بولاق الدكرور، أحد أحياء القاهرة الشعبية العريقة. وفي مطلع سبعينيات القرن الماضي، التحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة قسم فلسفة وعلم نفس. وهناك بزغ اسمه كأحد أبرز الطلاب الناصريين المنغمسين في السياسة و"الهتِّيف" الأشهر في المظاهرات.


خطاب من مذكرات الكاتب محمد سلماوي

في الجزء الأول من مذكراته التي تحمل عنوان "يوماً أو بعض يوم"، يصف الأديب محمد سلماوي، الطالب كمال أبو عيطة، مسؤول الأنشطة في نادي الفكر الناصري، قائلاً: "كان لا يباريه أحد في الهتاف، ففي أي مظاهرة كان كمال بسرعة بديهته يبدع في الهتافات المناسبة للموقف، فيرددها على الفور من خلفه الطلاب جميعهم".

بعد تخرّجه من الجامعة، تدرج أبو عيطة في المناصب حتى أصبح مديراً عاماً لمصلحة الضرائب العقارية في الجيزة.

وعلى خط موازٍ لم ينقطع عمله السياسي يوماً كناشط ناصري أو مناضل عمالي كما يطلق عليه أصدقاؤه، ولكن شهرته الأكبر تحققت عبر قيادته اعتصاماً لموظفي الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء في مطلع عام 2008، للمطالبة بمساواتهم بباقي موظفي الضرائب. كما شغل الرجل منصب الأمين العام للجنة الدفاع عن سجناء الرأي، فضلاً عن كونه أحد مؤسسي حزب "الكرامة" الناصري.

اختتم أبو عيطة رحلته مع نظام مبارك، بوقوفه شامخاً في مشهد نهاية عصره، وهو يهتف من قلب ميدان التحرير: "مش هنخاف مش حنطاطي... إحنا كرهنا الصوت الواطي"

لماذا قبل القيادي الناصري كمال أبو عيطة، أن يدخل البرلمان على قوائم الإخوان المسلمين أعداء الناصريين التاريخيين؟

ناصري على قوائم الإخوان

لم تدُم يوتوبيا التحرير طويلاً بعد ثورة كانون الثاني/ يناير، وسرعان ما بدأ الشقاق يدبّ بين أطرافها. وكانت أحداث شارع "محمد محمود" الدامية هي نقطة الفراق الفاصلة بين القوى الثورية وجماعة الإخوان المسلمين.

ففي الوقت الذي اعتصم فيه أهالي بعض الشهداء، تدعمهم القوى الثورية للمطالبة باستكمال مطالب الثورة، كانت جماعة الإخوان المسلمين ترى أن من مصلحتها خوض الانتخابات البرلمانية، التي كانت تفصلها أيام عن موعد جولتها الأولى. فغادروا الميدان ولم يشاركوا في اشتباكات محمد محمود الشهيرة، والتي فقد الكثير من الشباب عيونهم فيها، فضلاً عن الكثير من الوفيات.

وفي تلك اللحظة الفارقة ترشح كمال أبو عيطة (الناصري)، على قوائم حزب "الحرية والعدالة" التابع لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، التي أسفرت عن دخوله المجلس، ليتم اختياره وكيلاً للجنة الاقتراحات والشكاوى، التي ترأسها القيادي الإخواني صابر أبو الفتوح.

دخول كمال أبو عيطة البرلمان على قوائم الإخوان المسلمين، وفي تلك اللحظة تحديداً، كان تحولاً دراماتيكياً في حياة الرجل، ليس فقط لأنه تحالف مع من وُصفوا بأنهم "باعوا الثورة" التي كان هو مؤذنها يوماً، لكن لأننا إزاء ناصري عريق يقبل بأن يدخل البرلمان على قوائم الإخوان المسلمين، مرتضياً لنفسه أن يكون وكيل لجنة يترأسها إخواني! فتاريخياً لم يبغض الإخوان المسلمون شخصاً أكثر من بغضهم لجمال عبد الناصر، حتى أن محمد مرسي، في أول خطاب له في ميدان التحرير بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، أشار إلى حقبة ناصر باستياء بالغ قائلاً: "الستينيات... وما أدراك ما الستينيات".

هذه الخطوة المفاجئة من أبو عيطة، أثارت غضب الكثيرين حينها، ليتحول مؤذّن الثورة بين عشية وضحاها إلى أحد المستهدفين على هاشتاغ "الفرز مستمر"... فسبحان مبدّل الأحوال.


كمال ابو عيطه يؤدي اليمين الدستوري

معالي الوزير كمال ابوعيطة

"تأخَّرنا في التحالف مع الإخوان 40 سنةً"،
 "أدعو الله أن يغفر لي ذنبي بترشحي على قوائم الإخوان".

التصريحان أعلاه للشخص نفسه كمال أبو عيطة. تفصل بينهما ثلاثة أعوام، تبدلت خلالها الأحوال وتغيرت المواقع، ليهبط الإخوان من هرم السلطة، ويعودوا إلى غياهب السجون.

في السادس عشر من تموز/ يوليو 2013، حدثت النقلة الأكبر في تاريخ كمال أبو عيطة المهني، حين صعد إلى كرسي الوزارة، ليلقي اليمين الدستورية أمام الرئيس عدلي منصور، وزيراً للقوى العاملة في حكومة حازم الببلاوي.

المفارقة هنا ليست في اختيار أبو عيطة وزيراً، بل المفارقة أنه أتى وزيراً في حكومة من أطاح بالإخوان. الذين قبل عام واحد فقط كان نائباً برلمانياً على قوائمهم، ويصرح في الصحف بأنهم ظُلموا في عهد مبارك وأن التحالف معهم كان لا بد أن يتم منذ عقود، وها هو الرجل اليوم لا يمانع  أن يأتي وزيراً في حكومة من اطاح بهم.

تعديل كمال أبو عيطة تموضعه السياسي أكثر من مرة، خيانة لمبادئه أم تصرفات منطقية بنت ظروفها؟

حيثيات اختيار أبو عيطة لمنصب الوزير تبدو منطقيةً للبعض، لكن الصادم، وفقاً لآراء بعض معارضيه، أن أداءه كوزير جاء مخيباً لآمال العمال الذين راهنوا عليه. يستدل أصحاب هذا الرأي بوقائع محددة يبلورونها لدعم مبررات هجومهم على الوزير كمال أبو عيطة، قائلين إنه في أثناء توليه الوزارة، والتي استمرت قرابة عشرة شهور، تنصّل من مدّ يد العون للمستنجدين به، سواء من عمال مصنع "سانتامورا" للبطاطين، الذين دخلوا في نزاع مع الإدارة من أجل حقهم في إنشاء نقابة مستقلة أو من غيرهم. وحين توجه وفد من عمال الشركة إلى مكتب الوزير كمال أبو عيطة لعقد جلسة تفاوضية في 26 أيلول/ سبتمبر 2013، تم تجاهلهم (وفقاً لتصريحات بعضهم حينها)، من الساعة الـ11 صباحاً حتى الـ1 مساءً، وفي النهاية اعتذر أبو عيطة عن مقابلتهم بحجة "الإرهاق".

الأمر ذاته تكرر بصيغة مختلفة خلال أزمة عمال مصنع كريستال عصفور، حيث صرح المتحدث الرسمى للعمال حينها صلاح عبد العاطي، بأن تصريحات أبو عيطة عبر وسائل الإعلام بشأن أزمتهم كانت مخيبةً للآمال، فنحن لم نفضّ اعتصامنا ولم تتم الاستجابة لمطالبنا وهي الحصول على نسبة من الأرباح وتحسين الأجور. وعبّر المتحدث الرسمي باسم العمال في الصحف حينها عن استيائه من "استغلال الوزير" لهم، على حد قوله.

من جانبه، أصدر المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية تقريراً حول تلك الواقعة ذكر فيه: "توجه العمال يوم الإثنين 16 كانون الأول/ ديسمبر لمقابلة وزير القوى العاملة كمال أبو عيطة، الذي أبلغهم برفضه التفاوض معهم إلا بعد فضّ إضرابهم، الأمر الذي رفضوه، مؤكدين على أحقيتهم في الإضراب والاعتصام بشكل سلمي".

بالطبع هناك أصوات أخرى ترى أن أبو عيطة لا يمكن التشكيك في ولائه للحركة العمالية، فضلاً عن أنه من غير المنصف محاسبته على تلك المدة الوجيزة التي قضاها في الوزارة، والتي سعى فيها جاهداً إلى تحسين أوضاع العمال، وإن لم تنجح كافة مساعيه لأسباب غالبيتها خارجة عن إرادته.

من جانبه صرح أبو عيطة لاحقاً عن دوره في تلك الحقبة قائلاً: "أنا كنت وزير على ما تُفرَج".


ميادين الثورة تنتقل إلى نيويورك

المشهد الختامي، في رحلة أبو عيطة مع المظاهرات، التي أمضى قرابة الأربعين عاماً وهو يقودها، جاء في نيويورك، حين وقف أمام الفندق الذي يقيم فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته الأولى للولايات المتحدة عقب تسلمه مهام منصبه رسمياً، يهتف ملوّحاً بعلم مصر، جنباً إلى جنب مع لميس الحديدي وطارق علام وأحمد الفضالي وآخرين، ويصرّح من هناك: "عندما قرأت عن استعداد الإخوان لاستقبال الرئيس السيسي شعرت بأن هذه التهديدات تهدف إلى إرهاب مصر، وكان لزاماً عليّ أن أساهم في منع هذه الإهانة".

وعندما عاد أبو عيطة إلى القاهرة، قال خلال كلمته في مؤتمر تيار الاستقلال لعرض نتائج الزيارة: "ميادين الثورة انتقلت إلى أمريكا تأييداً للرئيس عبد الفتاح السيسي".

وقبل أن يسدل الستار تم اختيار كمال أبو عيطة عضواً في لجنة العفو الرئاسي، ليكون ذلك التعيين ربما آخر محطة في مسيرة سياسي بارز بدأ حياته بالهتاف دفعاً عن حقوق العمال، وأنهاها بالهتاف للرئيس عبد الفتاح السيسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image