لم تدر الأسرة العلوية أنها على موعد مع تميمة الحظ التي ستغير مسار العائلة المالكة، حيث بدأت الحكاية في حديقة قصر المنتزه بالإسكندرية، عندما لمح فؤاد الأول، ملك مصر، سيدة عجوزاً ترتدي ملابس غريبة، تمشي بجوار سور القصر، فأمر باستدعائها.
تنبأت هذه السيدة العجوز للملك فؤاد أنه سينعم بملك عظيم طالما حافظ على وجود حرف "الفاء" في عائلته، وأنه في اليوم الذي سيتخلى عنه سيزول حكمه.
وبالفعل، أمر الملك فؤاد بأن يتزيّن قصره، البوابات والتحف والانتيكات والموبيليا، بحرف "الفاء" باللغة الإنجليزية، كما أمر أن يسمّى أبناءه بأسماء تبدأ بحرف الفاء (فوقية، فاروق، فوزية، فايزة، فائقة وفتحية)، ومن بعده قام ابنه الملك فاروق بالحفاظ على استمرار حرف الفاء، حتى أنه اسمى زوجته الأولى صافيناز ذو الفقار بالملكة فريدة، وأطلق على بناته أسماء (فريال و فوزية وفادية)، لكن فاروق لم يتبع هذا التقليد في زيجته الثانية بالملكة ناريمان، التي أنجب منها ولي عهده أحمد فؤاد الثاني، وكان المثير للدهشة أنه في نفس العام انتهى حكم الملك فاروق وانتهى معه حكم الأسرة العلوية.
وجاء بعد ذلك الملك أحمد فؤاد الثاني الذي أنجب كل من (محمد علي، فوزية لطيفة وفخر الدين).
تنبأت سيدة عجوز للملك فؤاد أنه سينعم بملك عظيم طالما حافظ على وجود حرف "الفاء" في عائلته، وأنه في اليوم الذي سيتخلى عنه سيزول حكمه، وهذا بالضبط ما حصل
واذا كان حرف الفاء هو تميمة الحظ للأسرة العلوية، فماذا عن اسم "فوزية"؟ ذلك الاسم الذي حملته ثلاث أميرات من الأسرة العلوية، وهن فوزية فؤاد، فوزية فاروق، فوزية لطيفة أحمد فؤاد الثاني. هؤلاء الأميرات حملن نفس الاسم، فهل اشتركن في نفس المصير؟ هل "فوزية" كان اسماً يجلب النحس على من أطلق عليهن؟ هل تسبّب في معاناتهم؟ وهل كانت حياتهن على عكس معنى الاسم الذي كان يعني الفوز والنجاح؟
فوزية فؤاد الإمبراطورة... صاحبة الوجه الحسن والحظ السئ
"إنها المرأة التي ترك الرب توقيعه عليها"، هكذا كانت كلمات رئيس فرنسا الأسبق شارل ديجول، عن الأميرة فوزية التي تمتعت بجمال نادر وغامض، إذ لم تكن مجرد أميرة، بل كانت من أجمل أميرات الأسرة العلوية، لكنها لم تحظ بحياة سعيدة.
كان زواج الأميرة فوزية من شاه إيران، محمد رضا بهلوي، زواجاً سياسياً من الدرجة الأولى له أبعاد سياسية، حيث كان الملك فاروق يحلم بقيام إمبراطورية شرقية، من خلال إقامة علاقة نسب بين العائلة المالكة المصرية والعائلة المالكة الإيرانية .
وقد حظيت فوزية باهتمام من نوع خاص من قبل شقيقها الملك فاروق، لذا وافقت على على زيجتها من شاه إيران، بعد إقامة عرس أسطوري لها في القاهرة وسافرت بعد ذلك إلى طهران عام 1939، لتصبح أول من يحصل على لقب إمبراطورة، وكان عمرها في ذلك الوقت 17 عام.
فوزية في طهران
لاقت الأميرة فوزية كل الحب والتقدير من الشاه- الوالد- رضا بهلوي، فكان يكن لها عناية خاصة، حتى أنه عندما كانوا يجلسون على مائدة الطعام، كانت فوزية تجلس بجواره، وحدث في مرّة من المرّات أنها كانت تمر بوعكة صحية، فلم تحضر إلى طاولة الطعام، فلم يحضر هو أيضاً، ولم يهدأ له بال حتى اطمأن أنها استردت عافيتها، وبالرغم من ذلك لم تحب الأميرة فوزية الشاه رضا بهلوي، ووصفته بأنه رجل عنيف وعدواني.
بدأت معاناة الأميرة في طهران مع علاقتها بوالدة وأخوات زوجها، واللواتي رأين فيها منافسة لهن في حبه، حتى أن الأميرة أشرف بهلوي، الأخت التوأم لزوجها، كسرت إناء على رأس فوزية، كما قيل إن الشاه محمد رضا بهلوي كان غير مخلص في علاقته مع زوجته، وأنه شوهد برفقة نساء أخريات.
ليس هذا فحسب، حتى أن الطعام الفارسي لم يلق استحسان الأميرة فوزية التي تربت على نوعية الطعام الفرنسي، حيث ذكرت أن الطعام الفارسي كان "دون المستوى".
بدأت معاناة الأميرة فوزية فؤاد في طهران مع علاقتها بوالدة وأخوات زوجها، واللواتي رأين فيها منافسة لهن في حبه، حتى أن الأميرة أشرف بهلوي، الأخت التوأم لزوجها، كسرت إناء على رأس فوزية، كما قيل إن الشاه محمد رضا بهلوي كان غير مخلص في علاقته مع زوجته
أنجبت الإمبراطورة فوزية من الشاه محمد رضا بهلوي ابنة تدعى شاهيناز، وهو ما زاد الأمر سوءاً، لأن الإمبراطورة لم تنجب ولي العهد للشاه، وهناك بعض الموروثات الفارسية التي تدعي بأنه عندما يكون أول مولود للشاه أنثى وليس ذكراً فذلك يعتبر نذير شؤم، فقد يُغتال الشاه أو ينحّى عن عرشه، والمثير للدهشة أن هذ ما حدث بالفعل، فكان محمد رضا بهلوي هو آخر من حكم إيران، قبل الإطاحة به بسبب إندلاع الثورة الإسلامية عام 1979.
طلاق الإمبراطورة
كانت كل هذه الأسباب كافية لكي تصاب الأميرة فوزية بالاكتئاب، وقد عولجت من قبل طبيب نفسي أمريكي بداية من عام 1944، وقد ذكر ذلك زوج ابنتها، وزير الخارجية الإيراني في عهد الشاه، أرشير زاهيدي، للمؤرخ الأيراني الامريكي عباس ميلاني في مقابلة عام 2009، والذي قال أيضاً إنها قالت من قبل أن زواجها كان بدون حب وأنها لم تطلب الطلاق أيضاً.
كان الملك فاروق يتتبع تلك الأمور التي تحدث للأميرة فوزية في إيران عن طريق تقارير سرية كانت تصل له، تشير إلى أن الأميرة فوزية تعيسة في حياتها وتقضي معظم الوقت منعزلة في حجرتها، وكما اتخذ فاروق قرار الزواج ، اتخذ أيضاً قرار الطلاق، ليكون بذلك الطلاق الأكثر غموضاً في التاريخ.
يصف كريم ثابت ملابسات قرار الطلاق في مقدمة كتابه "طلاق إمبراطورة"، قائلاً: "بأنها كانت أقرب إلى القصص الخيالية منها إلى القصص الواقعية"، كما لو أن الحبكة هذه قد أعدها الشيطان بذاته، إذ طلب الملك فاروق من الشاه أن تسافر فوزية إلى القاهرة لتهنئة شقيقتها فايزة بزواجها من محمد على رؤوف، وقد وافق الشاه فوراً وسمح لفوزية بالسفر، وأرسل معها حاشية كبيرة تليق بأمبراطورة عرش الطاووس.
ونزلت فوزية بالفعل و معها الحاشية الإيرانية في قصر أنطونيادس بالإسكندرية، وفي المساء وجه الملك فاروق دعوة لشقيقته فوزية لتناول العشاء معه في قصر رأس التين بالإسكندرية، لا أحد يدري كيف أقنع فاروق شقيقته فوزية بالطلاق، لكن يرجّح كريم ثابت في مذكراته أنه ربما أدعى أن هناك مؤامرة تحاك ضدها بغرض التخلّص منها، لأن هناك من يسوءه أنها إمبراطورة إيران.
كانت فوزية تثق في آراء فاروق، فوجدت أن هذا الصواب والخيار الأمثل، فوافقت أن تبقى في قصر رأس التين، وأن تقطع أي إتصال بالحاشية الإيرانية، وكانت المفاجأة عندما تم تهريب كل متعلقات الأميرة فوزية وملابسها من قصر أنطونيادس الذي نزلت فيه مع الحاشية الإيرانية، وتم إعطاء الأمر بسحب الخدم والشماشرجية والحرس والضباط.
وقد استيقظ أفراد الحاشية الإيرانية على صدمة، عندما وجدوا أن القصر يخلو من الخدم والحرس، باستثناء ضابط حراسة الذي أخبرهم أن هناك أوامر جاءت لهم بإخلاء القصر من الخدم والحرس، وهو ما يعني شيئاً من الإهانة أنهم ليسوا في ضيافة الملك.
ومضى فاروق في خطته لطلاق فوزية من الشاه وطلاقه أيضاً في نفس الوقت من الملكة فريدة، ليتزامن الطلاق الملكي ما بين القاهرة وطهران. ربما أراد فاروق من ذلك أن يشتت تركيز الشعب عن طلاقه من الملكة فريدة الذي أغضبهم كثيراً، وجعلهم يخرجون في متظاهرين يهتفون: "خرجت الفضيلة من بيت الرذيلة"، كما ورد في كتاب "فاروق من الميلاد إلى الرحيل"، لدكتورة لطيفة محمد سالم.
وكان من شروط الطلاق أن تعيش شاهيناز، ابنة الأميرة فوزية، في طهران، وافق الملك فاروق وفوزية على ذلك، وقام فاروق بمنع وصول أي رسائل لفوزية من إيران، حتى صور ابنتها، ومنع عنها أي أخبار عن إيران أو عن أفراد الأسرة الملكية هناك، وحجب عنها الصحف التي فيها أي أخبار عن طهران، حتى أنه منع عزف المقطوعة الموسيقية "السوق الفارسي" داخل القصر في حضور فوزية، التي استعادت لقبها مرة أخرى "الأميرة فوزية"، ولم يعد هناك لقب إمبراطورة .
لم تغادر الأميرة فوزية مصر بعد قيام ثورة 1952 ، وظلت تعيش في الاسكندرية حتى توفيت في 2 يوليو 2013 عن عمر يناهز 91 عاما.
فوزية فاروق الأول
قد لا تتشابه قصة حياة الأميرة الثانيه مع عمتها، لكنها لاقت أيضاً مصيراً حزيناً لا يليق بأميرة من الأسرة العلوية.
حياة الأميرة الثانية لم تكن صاخبة بالأحداث مثل عمتها، حيث غادرت مصر في عمر 12 عاماً مع والدها إلى المنفى بعد ثورة 1952، سماها والدها بهذا الاسم نظراً لحبه الشديد لشقيقته فوزية.
عاشت الأميرة فوزية لطيفة مع والدها وأشقائها، عملت في مجال العلاقات العامة والإعلام، وعملت أيضاً دبلوماسية ضمن وفد مونت كارلو بالنمسا، وكانت تحمل جواز سفر إمارة موناكو، وتزوجت مؤخراً من فرنسي مسلم يدعى سلفان هونودو
عانت الأميرة فوزية فاروق من مرض المفاصل طوال حياتها، وعندما سافرت مع والدها إلى المنفى بإيطاليا، التحقت بعد ذلك بمدرسة داخلية في سويسرا، وعندما تخرجت منها، عملت مترجمة فورية هناك ولم تعد إلى مصر مجدّداً، وتوفيت وحيدة كما عاشت وحيدة، في 28 يناير عام 2005 في مستشفى بمدينة لوزان بسويسرا، بسبب معاناتها مع المرض.
عاشت الأميرة حياة حزينة وبائسة بالرغم من انها ولدت في أفخم وأعرق القصور الملكية "سراي عابدين" القصر الذي تربع على عرشه أجدادها الملوك، لكن القدر حال دون ذلك.
فوزية لطيفة، ابنة الملك أحمد فؤاد الثاني
تبدو حياة فوزية الثالثة أفضل من الأولى والثانية إلى حد ما، لعل ذلك يعود أنها لم تولد كأميرة في القصر الملكى وتدهور بها الحال، أو لأنها لم تعش حياة الدسائس والمكائد التي كانت تحاك في القصور الملكية، و تكمن الدراما في حياة فوزية الثالثة، التي ما زالت على قيد الحياة والتي سميت أيضاً على اسم الأميرة فوزية فؤاد، في الاستقرار الأسري، فيبدو أن والدها، وريث عرش الملك أحمد فؤاد الثاني، لم يحالفه الحظ في الزواج مثل أبيه، فقد تزوج أحمد فؤاد من والدتها، دومينيك فرانس بيكار، الفرنسية اليهودية التي أسلمت فيما بعد، وسميت بالملكة فضيلة، وأنجبت له الأمير محمد علي والأميرة فوزية لطيفة والأمير فخر الدين، وسرعان ما دبت الخلافات بينهم وتم الطلاق في عام 2006، وعاش الأبناء مع والدهم.
عاشت الأميرة فوزية لطيفة (ولدت في 12 فبراير 1982) مع والدها وأشقائها بعد الطلاق، عملت في مجال العلاقات العامة والإعلام، وعملت أيضاً دبلوماسية ضمن وفد مونت كارلو بالنمسا، وكانت تحمل جواز سفر إمارة موناكو، وتزوجت مؤخراً من فرنسي مسلم يدعى سلفان هونودو، ويعمل مهندس الكترونيات، رسمت الحياة الهادئة ملامحها على وجه فوزية لطيفة، فهي لا تبدو صاخبة مثل سابقتيها، عمتها أو شقيقة جدها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...