اشتهر الشيعة في التاريخ الإسلامي بوصفهم الحزب المؤيد لحق علي بن أبي طالب وبنيه في الخلافة. نشب الخلاف بين المؤرخين والباحثين حول تحديد توقيت ظهور التشيع. ذهب البعض إلى أن طبقة الشيعة الأوائل تشكلت زمن النبوة. من هؤلاء سعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى 301 هـ، والذي ذهب في كتابه "الفرق والمقالات" إلى أن الشيعة "هي فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام، المسمّون شيعة علي في زمان النبي، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي وسلمان الفارسي وأبو جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر المذحجي، وغيرهم ممن وافقت مودته مودة علي عليه السلام، وهم أول من تشيَّع من هذه الأمة". أرجع آخرون ظهور التشيع إلى مرحلة متأخرة نسبياً. على سبيل المثال، يذكر ابن النديم المتوفى 384 هـ، في كتابه "الفهرست"، أن علي بن أبي طالب لما تحرّك لقتال الخارجين عليه في موقعة الجمل سنة 36 هـ: "... تسمَّى من اتّبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول شيعتي، وسماهم عليه السلام الأصفياء والأولياء وشرطة الخميس والأصحاب".
ذهب البعض إلى أن طبقة الشيعة الأوائل تشكلت زمن النبوة.
انقسم الشيعة إلى عشرات الفرق والطوائف، التي اندثر الكثير منها دون أن تخلّف وراءها أثراً يُذكر، فيما تمكنت بعض الفرق الأخرى من الصمود والانتشار. نلقي الضوء في هذا المقال على أهم الفرق الشيعية التي ظهرت عبر القرون، لنستعرض أبرز ما عُرفت به من أفكار ومعتقدات.
الكيسانية
قُتل الحسين بن علي في كربلاء، في العاشر من محرم سنة 61 هـ. انقسم الشيعة بعد مقتله، والتفّ بعضهم حول ابنه علي زين العابدين، وهو الوحيد الذي تبقى على قيد الحياة من أبناء الحسين عقب مذبحة كربلاء. والتفّ البعض الآخر من الشيعة حول محمد بن الحنفية، وهو أحد أبناء علي بن أبي طالب، وقد نُسب إلى أمه التي ترجع أصولها إلى بني حنيفة.
بعد مقتل الحسين، انقسم الشيعة بعد مقتله، والتفّ بعضهم حول ابنه علي زين العابدين، وهو الوحيد الذي تبقى على قيد الحياة من أبناء الحسين عقب مذبحة كربلاء. والتفّ البعض الآخر من الشيعة حول محمد بن الحنفية، وهو أحد أبناء علي بن أبي طالب، وقد نُسب إلى أمه
أعلن المختار بن أبي عبيد الثقفي -أحد قادة الشيعة- في تلك الفترة ثورته على الأمويين، ورفع راية الانتقام من قتلة الحسين، وقال إنه يقوم بذلك بتكليف من الإمام الجديد محمد بن الحنفية. ظهرت في تلك المرحلة فرقة شيعية تُعرف بالمختارية أو الكيسانية. يرى البعض أنها سُمّيت بالكيسانية نسبةً إلى المختار الذي كان يُلقَّب بكيسان، بينما يقول آخرون بنسبتها إلى كيسان بن أبي عمرة قائد شرطة المختار في الكوفة، أو إلى كيسان مولى علي بن أبي طالب. أعلنت تلك الفرقة أن الإمام هو محمد بن الحنفية، وقالوا إنه هو نفسه المهدي المنتظر الذي ورد ذكره في الأحاديث النبوية. رفض أتباع تلك الفرقة تصديق خبر وفاة ابن الحنفية سنة 80 هـ، وقالوا إنه إنما اختفى عن أنظار الناس، وإنه يعيش في جبل رضوى -يقع في المدينة المنورة- وسيخرج مرةً أخرى في آخر الزمان. لم يُكتب الانتشار لتلك الفرقة، وقلّت أعداد المنتسبين إليها تدريجياً، وسرعان ما انقرضت وذاب من تبقّى منها في الفرق الشيعية الأخرى.
الزيدية
تُنسب الزيدية إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. يذكر المؤرخون أن بوادر تكوين الفرقة الزيدية وقعت في 122 هـ، بالتزامن مع إعلان زيد الثورة على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان. يذكر محمد باقر المجلسي المتوفى 1111 هـ، في كتابه "بحار الأنوار"، أن زيداً واجه بعض المشكلات مع ولاة الدولة الأموية. حاول أن يعرض المشكلة على هشام بن عبد الملك، ولكن الخليفة الأموي رد عليه باستهانة وغرور. أرسل أهل الكوفة في تلك الفترة إلى زيد يدعونه للقدوم إليهم لنصرته وتأييده. استجاب زيد لمطلبهم وأعلن ثورته على الخلافة الأموية، وقال قولته الشهيرة: "ليس الإمام منّا من جلس في بيته، وأرخى ستره، وثبط عن الجهاد، ولكن الإمام منا من منع حوزته، وجاهد في سبيل الله حق جهاده، ودفع عن رعيته، وذبّ عن حريمه".
فشلت ثورة زيد عندما قُتل وصُلب جثمانه في 122 هـ، لكن أفكاره الثورية ظلت شائعةً في الأوساط الشيعية. ظهر الكثير من العلويين الذين استلهموا ثورة زيد، ورفعوا راية الكفاح المسلح ضد الأمويين، ومن أشهرهم كل من محمد النفس الزكية المتوفى 145 هـ، وإبراهيم بن عبد الله المتوفى 145 هـ أيضاً، والحسين بن علي بن الحسن المثلث المتوفى 169 هـ، وإدريس بن عبد الله المتوفى 177 هـ. يذكر ابن خلدون المتوفى 808 هـ، في تاريخه، أن الزيدية اعتقدوا بأن النص على ولاية علي بن أبي طالب كان بالوصف والتلميح، ولم يكن بوصية واضحة ظاهرة من النبي. انتشرت الزيدية في الكثير من الأقاليم والبلدان الإسلامية، وتمكّن أتباعها من إقامة بعض الدول في إيران واليمن وشمال إفريقيا. يعيش أتباع المذهب الزيدي الآن في اليمن وبعض أنحاء بلاد المغرب.
الإمامية الاثنا عشرية
تُعدّ هذه الفرقة أكبر فرق الشيعة وأوسعها انتشاراً وتأثيراً على مدار التاريخ الإسلامي. ظهرت في أثناء ثورة زيد بن علي، على الدولة الأموية في عام 122 هـ. أوردت الكثير من المصادر التاريخية، أنه في أثناء حشد زيد لأنصاره استعداداً لقتال الأمويين، سمع بأن عدداً كبيراً من أفراد جيشه يسبّون كلاً من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب. قابل زيد رؤساء تلك الجماعة، ولمّا سألوه عن رأيه في الخليفة الأول والخليفة الثاني، مدحهما وترضّى عنهما وذكرهما بخير. قامت تلك الفرقة عندها بترك معسكر الثوار.
يذكر ابن حبيب البغدادي المتوفى 245 هـ، في كتابه "المحبر"، أن فرقة الشيعة الإمامية عُرفت بعدد من التسميات المختلفة. منها اسم الشيعة، وذلك لكثرة عددهم وغلبتهم على المذهب بشكل يفوق باقي الفرق الشيعية، حتى أصبح مسمى الشيعة يرتبط بالإمامية دوناً عن غيرهم. عُرفت تلك الفرقة أيضاً باسم الرافضة. غالبية المؤرخين يرون أنهم عُرفوا بذلك الاسم بسبب رفضهم لأفكار زيد بن علي ومعتقداته في ما يخص أبا بكر وعمر. توجد آراء أخرى تؤكد أنهم تسمّوا بذلك الاسم قبل زمن زيد بن علي.
يؤمن أتباع الشيعة الإمامية بأن النبي نص على ولاية علي بن أبي طالب وإمامته بشكل واضح وصريح في غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 10 هـ. ويعتقدون أنه تم النص كذلك على إمامة أحد عشر إماماً بعد علي، هم الحسن، والحسين، وعلي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن العسكري، وأخيراً الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري. يعتقد أتباع الشيعة الإمامية أن الإمام الأخير اختفى عن أنظار الناس في سامراء في 329 هـ، وأنه يعيش الآن في مكان غير معلوم. ويؤمنون بأنه سوف يظهر مرةً أخرى في آخر الزمان عندما يزيد الظلم والجور والفساد في الأرض.
يعتقد أتباع الشيعة الإمامية أن الإمام الأخير اختفى عن أنظار الناس في سامراء في 329 هـ، وأنه يعيش الآن في مكان غير معلوم. ويؤمنون بأنه سوف يظهر مرةً أخرى في آخر الزمان عندما يزيد الظلم والجور والفساد في الأرض
تخالف الإمامية الزيدية في النظرة إلى منصب الإمامة. يفصّل رجل الدين الشيعي المعاصر محمد رضا المظفر، تلك النقطة في كتابه "عقائد الإمامية"، ويؤكد على أن الإمامية يعتقدون بأن الإمام معصوم، لا يجوز عليه الخطأ أو النسيان أو ارتكاب المعاصي، ويؤمنون كذلك بأنه يعرف الكثير من أخبار الغيب والمستقبل، وأن الأئمة وُهبوا العديد من العلوم والمعارف التي لم تُمنح لغيرهم، فهم يعرفون لغات الحيوانات والطيور، كما أنهم يتكلمون جميع اللغات التي عرفها البشر. يؤمن الشيعة الإمامية بأنه لا تجوز إقامة الدولة إلا بعد ظهور المهدي في آخر الزمان. يتبعون في ذلك ما نقله المجلسي عن الإمام جعفر الصادق: "كل راية تُرفع قبل قيام القائم عليه السلام صاحبها طاغوت يُعبد من دون الله عز وجل". برغم ذلك، قامت بعض الدول التي أعلنت احترامها وتبجيلها للمذهب الشيعي الإمامي عبر التاريخ، ومن أهمها دولة المغول الإيليخانيين التي حكمت العراق في القرنين السابع والثامن الهجريين، والدولة الصفوية التي حكمت إيران في الفترة ما بين القرن العاشر والقرن الثاني عشر الهجري. ينتشر الشيعة الإمامية الاثنا عشرية الآن في العراق وإيران والهند والبحرين والسعودية والكويت، ويمثلون الشطر الأعظم من مجموع الشيعة حول العالم.
الإسماعيلية
يتفق الشيعة الإسماعيلية مع الشيعة الاثني عشرية في النظرة العامة لمفهوم الإمامة، وما يتصل به من سمات النص والعصمة ومعرفة الغيب. وقع الافتراق بين المذهبين، الإسماعيلي والاثني عشري، في سنة 148 هـ. في تلك السنة توفي الإمام السادس جعفر الصادق، واختلف الشيعة في تحديد خليفته. كان لجعفر عدد من الأبناء الذكور، من أكبرهم كل من إسماعيل المُلقّب بالأعرج، وعبد الله المُلقّب بالأفطح، وموسى المُلقّب بالكاظم. احتار الشيعة بعد وفاة الصادق في من سيخلفه. ذهبت الاثنا عشرية، وهي الأغلبية الغالبة من الشيعة في ذلك الوقت، إلى الالتفاف حول موسى الكاظم. ذهب البعض الآخر إلى اختيار عبد الله الأفطح، وعُرفوا باسم الأفطحية. وقال بعض الشيعة إن إسماعيل هو أكبر أبناء الصادق، وإنه هو الإمام الشرعي الجديد. عُرف هؤلاء باسم الإسماعيلية نسبةً إلى الإمام إسماعيل بن جعفر، وعُرفوا أيضاً باسم السبعية لأنهم انشقّوا عن الإمامية عند الإمام السابع.
يعيش الإسماعيليون الآن في أنحاء متعددة من العالم، بعدما توزعوا على عدد كبير من الفرق. يعيشون في الهند باسم البهرة، ويقيمون في الباكستان تحت اسم النزارية الآغاخانية. وهناك أيضاً إسماعيليون يعيشون في السعودية واليمن تحت اسم المكارمة
يذكر بعض المؤرخين أن إسماعيل بن جعفر توفي في حياة أبيه. ويؤكد الشيعة الإسماعيلية أن إسماعيل كان حياً يُرزق، وأن الصادق تعمّد أن يبعده عن أنظار العباسيين الذين يهددون حياته، ولذلك أذاع قصة وفاته. يؤكد المؤرخون أن الإمامة وصلت إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وأنه تخفّى وتنقل بين البلاد هرباً من ملاحقة العباسيين. ظل نسله من الأئمة على الحال نفسها حتى تمكّن أحدهم، وهو عُبيد الله المهدي، من تأسيس دولة له في شمال إفريقيا في أواخر القرن الثالث الهجري. عُرفت هذه الدولة باسم الدولة الفاطمية وتمكنت من السيطرة على مساحات واسعة من الأقاليم الإسلامية.
يعيش الإسماعيليون الآن في أنحاء متعددة من العالم، بعدما توزعوا على عدد كبير من الفرق. يعيشون في الهند باسم البهرة، ويقيمون في الباكستان تحت اسم النزارية الآغاخانية. وهناك أيضاً إسماعيليون يعيشون في السعودية واليمن تحت اسم المكارمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع