أبو ريحان البيروني، عالم إيراني مسلم، يُعدّ جامع العلوم؛ فهو عالم في الفلك والرياضيات والفيزياء والطب والصيدلة والجغرافيا والتاريخ والأدب. يمتلك قائمةً متنوعةً من العلوم، التي له في كل منها تأثير كبير ونظريات وأبحاث مهمة، يستفيد منها العلماء في شتى بقاع الأرض حتى يومنا هذا.
رفيق الملوك والعلماء ورجل سياسي ورحالة ومحب لكل الشعوب والأديان والمذاهب ويكنّ لها احتراماً بالغاً. إذا أردنا التحدث عن أبو ريحان فالكلام يطول دون ملل، لنتعرف على هذا العالم النابغة المميز، من خلال دراسة ملخصة لقصة حياته الشيّقة.
من هو أبو ريحان؟
محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي الأصل، وُلد في الرابع من أيلول/سبتمبر 973، في قرية في ضاحية مدينة خوارزم الواقعة في أوزبكستان حالياً، التي كانت آنذاك تحت سلطة وحكم سلالة السامانيين، وسُمّيت هذه القرية في ما بعد بالـ"بيروني"، تخليداً وتكريماً لهذا العالم الشهير.
هو عالم في الفلك والرياضيات والفيزياء والطب والصيدلة والجغرافيا والتاريخ والأدب. يمتلك قائمةً متنوعةً من العلوم، التي له في كل منها تأثير كبير ونظريات وأبحاث مهمة، يستفيد منها العلماء في شتى بقاع الأرض حتى يومنا هذا
اختلفت الروايات حول لقبه "البيروني"، لكن هناك روايةً تُعدّ الأقرب إلى الواقع، إذ يقول "السمعاني" إنه كان يُطلَق في خوارزم، على كل من يعيش خارج البلدة لقب "بيروني" بالفارسية حينها، وبما أن أبا ريحان كان يعيش في قرية قريبة وخارجة عن المدينة، لذا عُرف بالبيروني.
بداية مسيرته العلمية
كان البيروني يعيش في العصر الذهبي الإسلامي، وبدأ مسيرته العلمية وهو في ريعان شبابه، كمساعد لعالم نباتات يجمع له البذور والأعشاب، وغرس ذلك في نفسه حب البحث والعلم، فانتقل إلى دراسة الأجرام السماوية وعلوم الفلك، كما تعلّم الرياضيات على يد "أبي نصر منصور بن علي بن عراق"، واتصل بالعالم الشهير ابن سينا.
منذ طفولته درس "الفقة الإسلامي" والنحو وعلم الكلام والرياضيات وعلم الفلك والطب والفلسفة، وكان له باع في علم الفيزياء وغيرها من المجالات العديدة، ثم انتقل إلى مدينة طبرستان عام 998، ليلتحق ببلاط الأمير الزياري شمس المعالي قابوس بن وشكمير، وهناك في عام 1000، كتب أول أعماله المهمة، وهو: "الآثار الباقية عن القرون الخالية".
وبعد نحو 17 عاماً، أي في 1017، جلب السلطان محمود الغزنوي، أغلب الباحثين والعلماء، ومنهم البيروني، إلى مدينة "غزنة"، عاصمة الدولة الغزنوية، وبهذا أصبح البيروني عالم الفلك والمنجم الخاص بالبلاط.
قدّم خلال تلك الفترة، العديد من الأبحاث الفلكية، وبذلك أصبح من أبرز العلماء في العالم الإسلامي، وتقرّب منه محمود الغزنوي ليستفيد من علومه ومعارفه، كما قدّم له السلطان هديةً ثمينةً هي عبارة عن حِمل فيل من القطع الفضية، لكنه رفض وقال إنه يحب العلم من أجل العلم لا من أجل المال أو السلطة، وهذا إن دل على شيء، فعلى زهده وعزة نفسه.
دراسة الهندوسيين
بعدما صارت له مكانة عند السلطان، اصطحبه محمود الغزنوي معه في غزواته للهند، واستفاد البيروني من هذه الرحلات في معرفة الحضارتين الهندية والإغريقية، وكانت حصيلة هذه الصحبة، كتاب "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، الذي يُعدّ أهم وأوسع كتاب وصلنا في وصف عقائد الهندوسيين، فقد قضى البيروني، 40 عاماً في الهند يدرس شرائع أهلها وعاداتهم في أنكحتهم وأطعمتهم وأعيادهم ونظم حياتهم وخصائص لغتهم.
كان أبو ريحان يحب العلم والتعلم، إلى درجة أنه وهو على فراش الموت، وفي الساعات الأخيرة من عمره، كان يسعى إلى تعلّم موضوع جديد.
ويشرح أبو ريحان لقرّاء هذا الكتاب، تفاصيل الثقافة الهندوسية بكل جوانبها، إذ خصص فصلاً طويل المقام لعقيدة التناسخ عندهم، ومما جاء فيه أن "الإيمان بالتناسخ شعار النحلة الهندية، كما أن كلمة التوحيد شعار الإسلام، وكلمة التثليث شعار النصرانية".
كما يُعرف عنه أنه كان يتكلم اللغات اليونانية والسنسكريتية (اللغة الأساسية للهندوسيين) بطلاقة، وقد وصف السنسكريتية بأنها تشبه اللغة العربية في تسمية الشيء الواحد بأسماء عدة، إلا أنها مركّبة من حروف لا تكاد ألسنتنا تنقاد لإخراجها.
وعن كره الهندوسيين للمسلمين، يشير في كتاب "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، إلى أن الهندوسية عانت في القرن الحادي عشر، من العديد من الهجمات التدميرية على المدن، حيث أخذت الجيوش الإسلامية الكثير من رهائن الهندوس إلى بلاد فارس، وكما يعتقد البيروني بأن هذا الأمر هو الذي ساهم في ريبة الهندوس من أي غريب وليس من المسلمين فحسب.
عالِم بكل شيء
ولم تختصر مسيرة أبي ريحان العلمية في دراسة الهند والهندوسيين فقط، بل له 180 كتاباً ومؤلفات ودراسات عديدةً أخرى، في الرياضيات والفلك والفيزياء والصيدلة والجغرافيا والتاريخ والفلسفة والأدب، إذ له في علم الرياضيات والفلك فقط 95 كتاباً، درس فيها النصوص والعلوم الفلكية، أما عن التنبؤ الفلكي فلم يتحدث عنه كثيراً، واكتفى بوصف الأبراج الفلكية بأنها مجرد شعوذة.
لكن عن علم الفلك ودوران الكرة الأرضية حول محورها، اعترف البيروني بأنه غير قادر على إثبات هذا الدوران أو نفيه، وكان رأيه يميل إلى"نعم" حول هذا الموضوع، كما كتب أيضاً تعليقاً مطولاً على علم الفضاء الهندي في كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، ادعى خلاله البيروني، أنه حل مسألة دوران الأرض في كتاب فلكي لم يبقَ له أثر اليوم يُدعى "مفتاح علم الهيئة".
وفي دراسته للجغرافيا، توصل البيروني في أحد كتبه، إلى وجود يابسة أخرى على الكرة الأرضية غير القارات الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، وبالفعل تم اكتشاف صحة هذه المقولة، بعد اكتشاف القارتين الأمريكيتين، حيث استنتج البيروني وجودهما على أساس حساباته الدقيقة لقطر الأرض، واعتماداً على تقدير مساحة قارات العالم القديم الثلاثة، إذ إنها لا تمثل سوى خمس محيط الأرض، وبالنظر إلى مبدأ الجاذبية النوعية، الذي استنتج من خلاله أن العملية الجيولوجية التي أدت إلى ظهور الصفيحة القارية الآسيوية الأوروبية، يجب أن تكون قد أظهرت قارات أخرى في المحيط الشاسع بين آسيا وأوروبا.
للبيروني كتب عديدة في مجال الصيدلة وأهمها كتاب "الصيدلة في الطب"، يشرح خلاله فوائد وأنواع الأعشاب والعقاقير، وكيفية صناعة الدواء من الأعشاب، ومناطق نموها، ولغاية يومنا هذا يستعين الكثير من المهتمين بالطب القديم بهذا الكتاب القيّم.
حول لقبه "البيروني" يقول "السمعاني" إنه كان يُطلَق في خوارزم، على كل من يعيش خارج البلدة لقب "بيروني" حينها، و"بيرون" يعني "الخارج" في الفارسية، وبما أن أبا ريحان كان يعيش في قرية خارج المدينة، فعُرف بالبيروني
وله كتب كثيرة أخرى موزعة على سائر المجالات العلمية، كتب معظمها باللغة العربية، بينما له كتاب ألّفه باللغتين الفارسية والعربية، وهو كتاب "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم"، الذي أصبح من أهم المصادر لاقتباس المفردات والمصطلحات اللغوية الفارسية، كما يتميز هذا الكتاب لكونه يُقدّم أصول العلوم بأسلوب البيروني المفصّل والبارع.
طلب العلم على فراش الموت
معروف أن أبا ريحان كان يحب العلم والتعلم، إلى درجة أنه وهو على فراش الموت، وفي الساعات الأخيرة من عمره، كان يسعى إلى تعلّم موضوع جديد. فنقلاً عن "ظهير الدين الولوالجي" الذي كان رفيقه في الدراسة، أنه زاره في آخر يوم من حياته، وعند دخوله عليه، سأله أبو ريحان عن مسألة، فأجابه مشفقاً: "أفي تلك الحالة؟"، فرد عليه البيروني: "يا هذا، أن أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة خير من أن أخليها وأنا جاهل بها".
بعد هذا الحديث بدقائق، توفي أبو ريحان البيروني في 9 كانون الأول/ديسمبر 1048، عن عمر يناهز الخامسة والسبعين، في مدينة غزنة الواقعة حالياً في أفغانستان، مخلّفاً مخزوناً كبيراً من الكتب والمؤلفات العلمية الثمينة، التي لا تزال إلى يومنا هذا من أهم المصادر العلمية والبحثية في جميع أنحاء العالم. وما ميزه ويميزه حتى اليوم هو أنه تفرّد بانحيازه للبراهين العلمية البحتة وأصالة العلم والإثباتات العلمية، كما لو أنه عالم حديث بما تعنيه الكلمة اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون