بعد الزلزال المدمّر في منطقة الحوز المغربية، انتشرت مشاهد الضحايا ولا تزال حصيلة القتلى ترتفع تدريجياً متجاوزةً ألفين وثمانمئة ضحية. زلزال ضاعفت من شدّة وطأته عزلة قرى المنطقة الجبليّة، وطبيعة الأبنية البسيطة والتقليديّة التي تحوّلت إلى مقابر جماعية. أمّا الناجون فيحصون خساراتهم، مكلومين لفقدان أقاربهم. أعلنت المملكة الحداد الوطني ثلاثة أيام، فيما حاولت فرق الإنقاذ والجيش الوصول إلى قرى صغيرة منسيّة في الأيام العادية.
ثوانٍ في الجحيم
كعادتهن كل ليلة، اجتمعت مريم (17 سنةً)، وصديقاتها في جلسة سمر، من أجل تبادل أطراف الحديث، في أحد الدواوير في جماعة سعادة في مدينة مراكش، لكن سرعان ما شعرن باهتزاز مرآب أحد المنازل خلفهن. في البداية اعتقدت مريم أن "الأرواح الشريرة تطالبهن بالرحيل حالاً". وقفن مبهورات وتجمدن في أماكنهن. يبدو أن الأرض تهتز تحت أقدامهن. لقد تأكد الأمر: إنه زلزال بالفعل. بدأت الفتاة تسابق الزمن بحثاً عن والدها. وصلت إلى المنزل أخيراً: "بابا؟ أين أنت؟". لم يكن أحد في المطبخ ولا في غرفة المعيشة، بعد ثوانٍ من البحث والهلع وجدت الأب الذي اعتاد الذهاب إلى فراشه مبكراً من أجل العمل، في غرفته. أفاقته الصدمة من غفلته، غير مصدق لما يحدث من حوله: "إنها هزة أرضية وعلينا الخروج حالاً من المنزل يا أبي"، قالت له مريم. "أين والدتك؟"، سألها الأب مرتبكاً. "إنها في الخارج مع بقية الجيران".
أحد سكان مدينة تامنصورت الواقعة بالقرب من مراكش، يقول بنوع من الخوف والرجفة التي لا تزال ظاهرةً في صوته، في حديثه إلى رصيف22: "إنها مأساة أصابتنا جميعاً".
"إنها هزة أرضية وعلينا الخروج حالاً من المنزل يا أبي"، قالت له مريم. "أين والدتك؟"، سألها الأب مرتبكاً. "إنها في الخارج مع بقية الجيران"
ويضيف: "لقد رقص منزلي بأكمله، وسقط أحد جدرانه، وتكسرت بعض الأواني والأجهزة. كاد المنزل أن يسقط بكامله بالفعل، لولا لطف الله".
في مدينة مراكش، تكرّرت مشاهد الرعب وتساقطت بعض المباني والجدران داخل المدينة العتيقة، التي التقطتها كاميرات المراقبة في البيوت والمقاهي. لكن الرّعب الحقيقيّ لم يكن قد تجلّى بعض للأنظار. وقع الزلزال في الحادية عشرة ليلاً، وفي الصباح استيقظ المغاربة على العنف الحقيقي للكارثة، إذ إن المتضرّر الأكبر كان قرى بكاملها في مناطق معزولة، منها ما استوت مع الأرض.
#FARMAROC #زلزال_المغرب pic.twitter.com/h9d1nCUGRt
— Far-Maroc (@FAR_MAROC) September 11, 2023
تفاصيل مرعبة عاشها سكان أقاليم ومناطق الحوز ونواحي مراكش وورزازات وأزيلال وشيشاوة وتارودانت. جلّهم كانوا نياماً في ذلك الوقت من الليل. ثوانٍ قليلة جعلت الأسر في المدن الكبرى تفترش الطرق بعيداً عن المنازل وتقضي ليلتها البيضاء في البرد القارس. ثوانٍ كانت كافيةً لسقوط قرى ودواوير كاملة، ما أسفر عن موت المئات.
إغيل وأغبار... عين الدّمار
بدا الوضع مأساوياً للغاية، ونحن ننتقل من جماعة قروية إلى جماعة، أو من قرية إلى أخرى، في الطريق الصعبة جداً إلى مركز الزلزال العنيف الذي ضرب منطقة الحوز وسط المغرب، والتي استغرقت أزيد من 18 ساعةً انطلاقاً من أكادير جنوباً. يتسابق الأهالي إلى إنقاذ الناجين المحتملين في جماعتي إغيل وأغبار، وهما أبعد نقطتين يستحيل الوصول إليهما بالسيارات بسبب انقطاع الطرق نتيجة الزلزال، فيما عاينّا مروحيات عسكرية تعمل على إنقاذ الناجين المحتملين هناك.
في الطريق نحو إغيل، وهي القرية المعزولة حتى كتابة هذه الأسطر، بسبب تساقطات صخرية من جبال المنطقة، صادفنا السيد إيدر آيت أوقاريض، وهو ابن القرية، يحاول الوصول إلى بيته وأهله هناك. يقول إيدر: "المتضرر كثيراً في هذه المنطقة هو دُوَّار (تجمع سكان في قرية) أمرزغان. هذا الدُّوار أضحى بكامله تحت الأنقاض، بنايات وساكنةً".
تابع إيدر متحدثاً إلى رصيف22: "أبناء المنطقة ممّن يعملون في مدن عدة من المملكة، حلّوا هنا منذ ليلة الزلزال، عندما علموا أن ذويهم تحت الأنقاض". إيدر، الذي غادر قريته قبل ليلة من الزلزال في اتجاه مراكش لقضاء أغراضه، يبرز أنه "من دون شك يوجد ضحايا كثر في الدُوّار الذي أصبح مدفوناً بالكامل"، وهو ما أكده له اثنان من جيرانه الذين لم ينقطع التواصل معهم. رصد رصيف22، حجم الدمار الذي لحق بمجموعة من القرى مرّرنا بها تابعة لجماعة ثلاث نيعقوب، إذ سُوّيت الدّور والبيوت القروية فيها تماماً بالأرض، بل في بعض المناطق سُويت قرى بقضّها وقضيضها.
هذا الزلزال المُدمّر هز الجبال فانهارت صخور كبيرة جداً على الطريق، وهو ما جعل مئات الأشخاص يكملون المسير مشياً على الأقدام لتقديم العون والمعونة لأهالي جماعتي إغيل وأغبار المعزولتين والأكثر تضرراً من الزلزال. يقول أحد هؤلاء السكان الذي التقيناهم، إنهم "يحاولون الوصول إلى ذويهم وأسرهم في الدَّواوير المعزولة.
من دون شك يوجد ضحايا كثر في الدُوّار الذي أصبح مدفوناً بالكامل
تفصلنا عن قريتنا نحو 10 كيلومترات مشياً على الأقدام". أضاف في حديثه إلى رصيف22: "قضينا الليل هنا في قرية تينمل، واتصلت أمس بوالدتي فأكّدت لي أنهم لم يجدوا ما يقتاتونه، أما بيتنا فقد انهار وأهلي يعيشون الآن في العراء". أفاد الشاب، أنهم إذا "لم يجدوا الطريق لإيصال بعض المؤونة إلى أهاليهم هناك، سيموتون جوعاً. يجب أن نُغيثهم بشكل سريع جداً".
تعززت آليات إزاحة الصخور من على الطريق الجبلية، بوصول جرافات عديدة، بعد ظهر الأحد، للعمل على تسريع فتح الطريق اليتيمة في جبال الأطلس الكبير التي تربط المناطق المتضررة بالمراكز الحضرية. فتح الطريق أمام رجال الإنقاذ والإغاثة، وأمام المواطنين، سيمكن من تسريع تقديم الدعم اللازم وتقديم مؤونة للناجين المحتملين هناك، خصوصاً بعدما عايننا قوافل من السيارات والشاحنات الخاصة تحاول الوصول إلى هذه المناطق المتضررة.
إنه المغرب موطن الكرماء والشرفاء ??
— ⴽⴰⵏⴼⵓ ⵢⵓⵏⵙ | يونس قنفوح | kanfohyounes (@youneskanfoh) September 10, 2023
يد واحدة ✋وڨلب واحد ❤️#هزة_أرضية #زلزال_المغرب #زلزال_مراكش #زالزال_المغرب #زلزال_في_المغرب #زلزال #زلزال_الحوز #زلازال_المغرب #المغرب #Earthquake_Morocco #Marruecos #Morocco #Marocco #Marrakech pic.twitter.com/aGktNfnZvb
وقد هبّ آلاف المغاربة للتطوع لنقل مؤونة إلى المناطق المتضرّرة سواء من المتحدّرين منها أو من مناطق بعيدة. الشعور بين السكان قد يُلخَّص في كلمة "الفاجعة"، بالنظر إلى مشاهد الدمار الواضحة، واستغاثة الساكنة من الناجين، فضلاً عن نواح النساء الثكالى وبكاء الأطفال على وجه الخصوص، وهم في جنبات الطرقات وفي خلاء القرى بلا مأوى.
نداء عاجل: "أنقذونا"
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في التعريف بحجم الدمار، قبل وصول وسائل الإعلام. في إحدى القرى الأمازيغية الجبلية، الواقعة في إقليم الحوز وسط المملكة، توجد قرية مولاي إبراهيم، حيث استفاقت الساكنة على كابوس لا يُنسى؛ منازل ومتاجر مهدمة وممحوّة الأثر، فيما لم يبلغ رجال إنقاذ إيطاليون المكان إلا بعد أكثر من 24 ساعةً على الكارثة.
تأخر وصول الإنقاذ إلى القرية وغيرها سببه طبيعة المنطقة. ولولا مشاركة أيّوب (شاب ثلاثيني)، مقطع فيديو على فيسبوك، بعد ثوانٍ من الحادثة، يدعو فيه السلطات إلى تقديم يد المساعدة لنجدة الضحايا، لما وصل خبر حجم الدمار في القرية. قال: "نداء عاجل، من الضروري مشاركة الفيديو على أوسع نطاق، جماعة مولاي إبراهيم أصابها زلزال، نحاول الاتصال بالسلطات المحلية والإقليمية، لكن شبكات الاتصال متوقفة، الساكنة عالقة تحت أنقاض المنازل، نحتاج سيارة إسعاف حالاً، جزاكم الله خيراً". بالكاد استطاعت فرق الإنقاذ والمتطوعين الوصول إلى القرية وغيرها من القرى المتناثرة في قلب جبال الأطلس الكبير والتي يصعب الوصول إليها، نظراً إلى موقعها الوعر وعدم احترام مبانيها شروط مقاومة الزلازل.
هزة أرضية، أسفرت عن مقتل المئات، وستصاحبها بلا شك نتائج اقتصادية وثقافية واجتماعية شديدة نظراً إلى فداحة الدمار
"كانت ليلةً مليئةً بالرعب، بالألم، بالفزع والإيمان بقضاء الله وقدره. لا أعرف كيف خرجت من تحت الأنقاض حيّةً أرزق؟ فاجعة حلّت بالدوار، استوت فيها جميع المنازل بالأرض. ذهب ضحية هذا الزلزال بعض من تلاميذي". لا تزال زينب، شابة عشرينية، تمارس مهنة التعليم في منطقة "تاجكالت" في إقليم تارودانت، تحت وقع الصدمة، وهي العائدة من الموت حرفياً. حتى اللحظة تحاول زينب البقاء نشطةً على مواقع التواصل الاجتماعي، لإسماع صوت ساكنة الدوار الذين أمسوا بغالبيتهم يستغيثون من تحت ركام المنازل.
البلاد ترتدي ثياب الحزن
أعلن ملك البلاد محمد السادس، الحداد الوطني 3 أيام، نُكست فيها الأعلام فوق المباني العمومية ونُكست معها قلوب المغاربة جميعاً، واستُحدثت لجنة وزارية لوضع برنامج استعجالي لإعادة التأهيل وتقديم الدعم، لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة.
وفقاً لبلاغ الديوان الملكي، (السبت 9 أيلول/ سبتمبر الجاري)، فقد وجه الملك محمد السادس خلال اجتماع في القصر الملكي في العاصمة الرباط، تعليماته ورفع المسؤولون الحاضرون تفاصيل الإجراءات الاستعجالية التي تم اتخاذها من أجل التعامل السريع مع تبعات الزلزال. كما أعطى الملك تعليماته بالتكفل الفوري بكافة الأشخاص الذين أمسوا بلا مأوى، لا سيما في ما يرتبط بالاحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى فتح حساب خاص لدى الخزينة وبنك المغرب بهدف تلقّي المساهمات التطوعية.
في مشهد آخر، قدّمت دول عربية وغربية تعازيها إلى المغرب بضحايا الزلزال، وسارع عدد منها إلى مد يد العون، ووجهت فرق إنقاذ ومساعدات طبيةً عاجلةً لدعم جهود الإغاثة في البلاد المنكوبة. ما وقع لا يُختزل فقط في حدوث هزة أرضية، أسفرت عن مقتل المئات، وستصاحبها بلا شك نتائج اقتصادية وثقافية واجتماعية شديدة نظراً إلى فداحة الدمار وطبيعة المجتمع المحلي في المناطق المنكوبة. إننا في الواقع إزاء كارثة ممتدة التأثير، تجسد دروساً كثيرةً يمكن الخروج بها مما حصل، وأهمها الجاهزية الدائمة للتعامل مع مثل هذه الكوارث وهذا يشمل مناطق المملكة بأكملها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 29 دقيقةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يوملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 6 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...