شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الزلزال يوحّد سوريين موالين ومعارضين... هل توقظ

الزلزال يوحّد سوريين موالين ومعارضين... هل توقظ "الفزعة" وعياً وطنياً أوسع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 10 فبراير 202301:21 م

"نعوة كبيرة بألوان زرقاء"؛ هو الوصف الذي يمكن إطلاقه على فيسبوك، الذي تحوّل لدى السوريين إلى مكان لإعلانات الوفاة وجمع التبرعات لضحايا كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، في 6 شباط/ فبراير الجاري، واللافت أن السوريين المنقسمين إلى ثلاث شرائح رئيسية منذ عام 2011 (معارضة وموالية ورمادية)، جمعتهم المصيبة مجدداً، وكأن الكوارث وحدها هي القادرة على لمّ الشمل السوري الممزق.

الزلزال ليس الكارثة الأولى منذ 12 عاماً، لكنه جاء بفعل الطبيعة لا بقرار بشري لطرف ضد آخر، والركام الذي جثم فوق صدور آلاف السوريين من ساحل البلاد وصولاً إلى أقصى شمالها الغربي، حرّك شعوراً غاب لسنوات طوال لدى جميع الأطراف، شعور الوحدة، أو وحدة الحال بالحد الأدنى.

ليست أولى الكوارث، لكنها للمرة الأولى كارثة وطنية غير قابلة، إلى حد ما وفي مساحة ما، للتقسيمات السياسية والخلفيات العقائدية، إذ انتشرت خلال ثلاثة أيام آلاف المنشورات لأشخاص يعلنون عن قدرتهم على استقبال النازحين ومساعدتهم، وتحركات فردية في جميع المناطق السورية تقريباً.

هذه الحالة التي من المفترض أن تكون طبيعيةً للغاية في أثناء الكوارث الوطنية، لم تكن كذلك في سوريا في السنوات الماضية، فحملات الشماتة والتخوين من الطرفين سادت على مدى سنوات طويلة، والكثير من الأشخاص أبدوا شماتتهم في أثناء تعرّض مناطق الغوطة الشرقية لضربات بأسلحة كيميائية في عام 2013، وكذلك لدى نشوب الحرائق في غابات تقع ضمن مناطق يسيطر عليها النظام السوري في عام 2019، وقضت على غابات بأكملها.

نشر أشخاص يقيمون في محافظات دمشق وحماه وحمص وغيرها، منشورات تحمل روابط التبرع لجهات محسوبة على المعارضة

خارجون عن السياسة

"عادت لي سوريا"؛ بهذه الجملة عبّر الـ"ستاند آب كوميديان"، والمدوّن الصوتي السوري، عمّار دبا، في حديثه إلى رصيف22.

ينشر دبا إلى جانب مئات السوريين، منشورات متتاليةً تتعلق بروابط إلكترونية للتبرعات، بما في ذلك للسوريين داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري والتي تعرضت لأضرار كبيرة، خاصةً في مدينتي حلب (شمال سوريا) وجبلة الساحلية.

ويقول: "لفترة طويلة كنت أشكك في وجود سوريا. هي فقط سوريا الأسد وكل شيء متأثر بها. فجأةً أدركت المفاهيم الخطأ. الوهم هو سوريا الأسد، والحقيقة هي سوريا التي أراها اليوم بتعاضد أهلها. لقد شعرت بأنني استعدت الوطن للحظة".

شعور دبا بالتكاتف السوري الكبير خلال الأيام الماضية، لم يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، إذ يقول الصحافي محمد سلوان، المقيم في مناطق سيطرة النظام وتحديداً في العاصمة دمشق (اسم مستعار لأسباب أمنية)، لرصيف22، إن "الكثير من السيدات السوريات داخل العاصمة السورية دمشق جمعن أنفسهن وبدأن بالطبخ لإرسال الطعام إلى المناطق المتضررة التي يسيطر عليها النظام السوري، وهن أيضاً ينتظرن معرفة ما إذا كانت المساعدات ستدخل من هذه المناطق إلى مناطق المعارضة".

يرى دبا أن الزلزال "وحّد السوريين كونه مأساةً لا يمكن لموالٍ أو معارض أن يقول إنها ضربت طرفاً دون آخر، هناك حالة من الوحدة الوطنية"، مشيراً إلى أن الكثير من الأشخاص الذين يعرفهم بشكل شخصي وموجودين في مناطق سيطرة الحكومة، "تبرعوا مادياً وعينياً ومنهم من يحاولون إيصال هذه المساعدات والتبرعات إلى المناطق المنكوبة في الشمال السوري".

خرق واضح!

وشهدت الحسابات السورية في وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لأشخاص يقيمون في محافظات دمشق وحماه وحمص وغيرها، منشورات تحمل روابط التبرع عبر جهات محسوبة على المعارضة، كفريق ملهم التطوعي أو الخوذ البيضاء (الدفاع المدني السوري)، كذلك مشاركة صور إنسانية من المناطق المنكوبة، على حسابات موالية متعددة.

وفي ما يمكن عدّه خرقاً في الإعلام الخاص المحسوب على النظام السوري، طالب المذيع في قناة "لنا" ورد صباغ، بوصول المساعدات إلى المناطق المتضررة في الشمال السوري كونهم سوريين أولاً، في مخالفة للسائد بتجنّب الحديث عن الأمور الإنسانية في تلك المناطق.

الكثير من السيدات داخل دمشق بدأن بالطبخ لإرسال الطعام إلى المناطق المتضررة التي يسيطر عليها النظام السوري، وينتظرن معرفة ما إذا كانت المساعدات ستدخل أيضاً إلى مناطق المعارضة

ويرى سلوان، أن "هذه هي الفرصة الأخيرة ليتّحد السوريون مجدداً وإن لم يحدث ذلك في وقت الزلزال فلن يحدث أبداً".

تشير سالي، المقيمة في دمشق، في حديثها لرصيف22، إلى أن الكارثة "ألمّت بالسوريين جميعهم بغض النظر عن أماكن تواجدهم في مناطق النظام أم المعارضة. هذه كارثة وطنية تستوجب التكاتف".

برأيها، فإن "السوريون القاطنين في مناطق النظام السوري يشعرون بالانزعاج الشديد من غياب أي تصريح رسمي حول الكارثة الحالية وغياب الأرقام الرسمية، الجهود الحكومية تقتصر على طلب التبرعات، لا أكثر من ذلك"، وهي تحاول التواصل مع جهات عدة خارج سوريا لإيصال المساعدات المادية التي نجحت في جمعها إلى مناطق شمال سوريا برغم صعوبة هذا الأمر.

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، تجاوز عدد ضحايا الزلزال في سوريا وحدها وفي مختلف المناطق إلى ثلاثة آلاف قتيل، عدا عن المئات الذين ما يزالون تحت الأنقاض، فيما تجاوز عدد القتل في تركيا 14 ألفاً و351 قتيلاً بحسب ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

تغيير اجتماعي؟

تؤدي الحروب والنزاعات إلى شروخ اجتماعية تحتاج إلى وقت طويل لترميمها، خاصةً مع طول الفترة الزمنية، تُضاف إليها الخلافات السياسية التي تتجاوز الحدّ المطلوب لحياة طبيعية وديمقراطية، وهذه الحالة تحديداً هي ما تعانيه سوريا اليوم، خاصةً في ظل غياب أي مسعى جدي لحل سياسي من جهة، وتراكم الغضب بين الطرفين لسنوات طويلة من جهة أخرى.

 تجاوز عدد ضحايا الزلزال في سوريا وحدها وفي مختلف المناطق إلى ثلاثة آلاف قتيل

لكن حالة التكاتف الشعبي الواضحة الخارجة عن أي إطار سياسي في البلاد، تدفع باتجاه سؤال في غاية الأهمية في الوقت الحالي: هل يمكن أن تؤدي الكارثة، والتعاطف تالياً، إلى تخفيف الاحتقان الموجود وإعادة إحياء سوريا كوطن للجميع لا لطرف دون آخر؟

يرى رئيس الحزب الليبرالي السوري بسام القوتلي، أن "الوضع الحالي لن يغيّر من الواقع السياسي، وذلك لتعنّت النظام الذي يستغل الزلزال لرفع العقوبات، برغم تقصيره أصلاً في إيصال المساعدات إلى مناطقه، بل لم يردّ على عروض إيصال المساعدات من دول أخرى، وتالياً هذا كله لن يؤدي إلى تقارب سياسي فعلي".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن التضامن على "المستوى الشعبي موجود ولو بحدود معينة، فالناس لا تميز أين يعيش المحتاجون من أقاربهم، والناس هي نفسها الموجودة في مناطق النظام أم الخارجة عن سيطرته، السوريون لديهم أقارب وعائلات في مناطق سيطرة مختلفة".

ويشير القوتلي إلى أن الوضع الحالي يشير إلى نقطتين منفصلتين، الأولى ازدياد الخوف لدى النظام السوري من دون أن يسبب له إرباكاً في التعامل معه، لأنه "غير معني بحاجيات الناس، والثانية المتعلقة بالناس وهي إظهار المزيد من التضامن لإثبات أن السوريين لم ينفصلوا عن آلام بعضهم البعض كما يُصوّر الأمر منذ عشر سنوات، وهذا أمر مهم للغاية في الحياة السياسية في سوريا".

الشعور بالإنجاز

بطبيعة الحال، ينتج عن الانقسام السياسي الحالي انقسام مجتمعي مع حالة حرب تعيشها البلاد منذ سنوات طويلة أدت إلى انهيارات في مؤسسات الدولة والاقتصاد والأمن، ويبدو أن الزلزال قادر على ترميم الشروخ الاجتماعية على الأقل وإنتاج وجهات نظر جديدة حول مستقبل سوريا.

ويقول الباحث الاجتماعي حسام السعد، لرصيف22، إن الوضع المؤلم الذي يعيشه السوريون حالياً "دفعهم إلى التكاتف، وشعرنا بأن السوريين يد واحدة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة".

من الممكن أن تؤدي الكارثة الحالية إلى تنمية شعور السوريين بقدرتهم على بناء بلدهم بمعزل عن السلطات الحاكمة

وفق السعد، وضع الزلزال السوريين أمام سؤال مهم: "إلى متى سيبقى السوريون في هذا الحال والتفرقة السابقة؟"، وبرأيه فإن "سبب هذا السؤال يتجاوز الشعور الإنساني، لأن الجميع تعرّضوا للخطر نفسه وفي مختلف المناطق داخل سوريا أم خارجها".

ويضيف: "الوضع الحالي دفع السوريين إلى إعادة الإحساس بوطنهم مرةً أخرى، خاصةً مع معرفتهم بأن الجهود هي جهودهم وليست جهود حكومات، وعليه، فإن هذا التفاعل يؤدي إلى العديد من الأمور الإيجابية على صعيد المجتمع خاصةً أن جهود الأفراد تذهب للأفراد".

"من الممكن أن تؤدي الكارثة الحالية إلى وعي جمعي جديد في كل المناطق السورية، خاصة لدى القاطنين في مناطق النظام، بإمكانية أن يتوحد السوريون بشكل أكبر، كما يؤدي إلى تنمية شعورهم بقدرتهم على بناء بلدهم بمعزل عن السلطات الحاكمة، سواء كانت معارضةً أم تابعةً للنظام"، يختم السعد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image