أعلن المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، ألفين إل براغ، عن إعادة 12 قطعة أثرية فريدة، تقدّر إجمالاً بأكثر من تسعة ملايين دولارات، إلى الشعب اللبناني ممثلاً في قنصل عام لبنان في نيويورك وشمال شرق الولايات المتحدة، السفيرة عبير طه عودة، إثر تحقيق جنائي مستمر مع الصيدلي وتاجر الآثار اللبناني جورج لطفي (82 عاماً).
بعد سنوات من الشكوك والملاحقة، صدرت أخيراً مذكرة توقيف دولية بحق لطفي، تاجر الآثار الغزير الإنتاج. كما صدر أمر قضائي بإعادة القطع المنهوبة إلى لبنان الذي كان جزءً مهماً من الحضارات القديمة كموطن للحضارة الفينيقية وجزءً من الإمبراطوريات الفارسية والرومانية ولديه العديد من المواقع الأثرية.
"إرهاب ثقافي"
تعقيباً على القرار، قال براغ: "كانت القطع الأثرية مخبّأة في شقق خاصة ومستودعات تخزين ومتاحف (في أمريكا) برغم أنها ينبغي أن تكون في لبنان. كما أثبتنا مراراً وتكراراً، لا يوجد أي مخطط أو شبكة للاتجار عصيّ علينا اكتشافها وتفكيكها. ستتم إعادة الآثار التي تُهرّب عبر مانهاتن إلى وطنها".
لـ"جمع شعب لبنان بتراثه الغني"... الولايات المتحدة تعيد إلى لبنان 12 قطعة أثرية يزيد عمر بعضها عن ألفي عام. تسعة منها عُثر عليها لدى الصيدلي المتقاعد وتاجر الآثار اللبناني جورج لطفي الذي يرفض التهم ويقول إن غرضه كان "الحفاظ على القطع الأثرية"
أما إيفان غ أرفيلو، المحقق الخاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك، فوصف إعادة الآثار المسروقة إلى لبنان بأنه "امتياز وشرف" لأنه "يجمع شعب لبنان بتراثه الغني"، منبهاً إلى أن تاريخ بعض هذه القطع يقترب من نحو ألفي عام. وشدد أرفيلو على أن وكالته ستظل "ملتزمة بالتعاون مع شركائنا في مكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن في التحقيق وإعادة القطع الأثرية التاريخية التي تم نهبها منذ فترة طويلة من وطنها الأصلي".
بدورها، أوضحت السفيرة عودة أن "هذا هو لبنان، لبنان الحقيقي، الوجه الحقيقي للبنان الذي نريد أن يراه العالم أجمع؛ لبنان الفن والجمال والثقافة والتاريخ، لبنان السلام والجمع بين الحضارات والثقافات، لبنان الأزلي الذي سيبقى ولن يموت أبداً".
ودانت عودة حوادث نهب الأثار، واصفةً إياها بأنها "الإرهاب الثقافي الذي صحيح أنه لا يريق دماءً لكنه يقتل روح الشعب والأمة"، معتبرةً "من يسرق ثروات وآثار وطنه إنما يسرق تاريخ الوطن وذاكرته وحضارته"، مشددةً "هذا عمل مخزٍ وجريمة ثقافية لا يوجد أحقر منها".
من جانبها، وصفت وزارة الثقافة اللبنانية هذا الحدث بأنه "إنجاز كبير" يُضاف إلى إنجازاتها في "صون حقّ لبنان والحفاظ على إرثه التاريخي".
السفيرة اللبنانية عبير عودة: نهب الآثار هو إرهاب ثقافي. صحيح أنه لا يريق دماءً لكنه يقتل روح الشعب والأمة… من يسرق ثروات وآثار وطنه إنما يسرق تاريخ الوطن وذاكرته وحضارته
خطايا جورج لطفي
وفق وثائق المحكمة الجارية في أمريكا، فإن تسع لوحات فسيفساء من بين الـ12 قطعة التي أُعلن عن إعادتها إلى لبنان، هي من بين عشرات الآثار من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يُتهم جورج لطفي بسرقتها و/ أو تهريبها وبيعها في الولايات المتحدة. علما أن الاتحاد الأفريقي للآثار استعاد، منذ عام 2017، 28 قطعة أثرية تزيد قيمتها الإجمالية عن 33 مليون دولار، قام لطفي بتهريبها.
في آب/ أغسطس 2022، استصدرت وحدة الاتجار بالآثار التابعة للنيابة العامة الأمريكية مذكرة اعتقال بحق لطفي بـ24 تهمة تتعلق بـ"الحيازة الإجرامية لمقتنيات أثرية مسروقة" و"التخطيط لبيع وإهداء وإعارة هذه الآثار وغيرها إلى المتاحف الأمريكية لتحقيق مكاسبه الخاصة" لـ"23 فسيفساء قديمة من سوريا ولبنان، ومنحوتة ضخمة من الحجر الجيري من تدمر بسوريا لرجل وزوجته وأطفاله". وتقدمت بناءً عليها بطلب للحصول على نشرة حمراء من الإنتربول الدولية لتوقيفه. صدرت البطاقة الحمراء بالفعل في حزيران/ يونيو 2023.
أنكر لطفي هذه التهم، وقال في رسالة للجمهور عبر الإنترنت: "خطأي هو أنني وثقت بأشخاص غير جديرين بالثقة"، في إشارة إلى رجال مكافحة الآثار الأمريكيين. كما أصر في بيان نشره عبر الإنترنت على أن "مقتنياتي الأثرية تم شراؤها بشكل قانوني بموجب القانون اللبناني وتم إظهارها بشكل صريح للجمارك اللبنانية عند التصدير وللجمارك الأمريكية عند الاستيراد"، مصرّاً على أنه كان يحاول "حماية القطع الأثرية اللبنانية خلال فترة الحرب الأهلية"، ومعتبراً أن المضبوطات الأخيرة كانت "عملية انتقامية" ضده لرغبته في إعادة قطع أثرية من الولايات المتحدة إلى لبنان.
لكن هناك أدلة متزايدة على أن الصيدلي اللبناني المتقاعد الذي يعيش في باريس ويمتلك شقة مليئة بالتحف الفنية في لبنان لديه مخبأ للآثار الشرق أوسطية المهربة في دبي. اللافت أن لطفي نفسه كان مخبراً رئيسياً لسلطات مكافحة الاتجار بالآثار في نيويورك لفترة طويلة وأبلغ عن بعض أبرز عمليات وأساليب تهريب ونهب الآثار حول العالم بما فيها التابوت المصري الذهبي الموجود في متحف متروبوليتان. يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه فعل ذلك للتغطية على تجارته المشبوهة.
اللافت أن جورج لطفي عمل مخبراً رئيسياً لسلطات مكافحة الاتجار بالآثار في نيويورك لفترة طويلة وأبلغ عن بعض أبرز عمليات وأساليب تهريب ونهب الآثار حول العالم. يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه فعل ذلك للتغطية على تجارته غير المشروعة
أما القطع الثلاثة الباقية (من الـ12 قطعة التي أعيدت للبنان أخيراً) فيُزعم أنها تم تهريبها إلى نيويورك من قبل مهربين بارزين آخرين هم جيوفاني فرانكو بيتشينا، وروبن سايمز، وجيروم أيزنبرغ. وكان الاتحاد الأفريقي للآثار قد صادر 16 قطعة أثرية تم الاتجار بها من قبل شركة سايمز في آذار مارس 2023.
والقطع الـ12 التي تمت إعادتها إلى لبنان حديثاُ هي (القطع التسع الأولى هي التي وجدت لدى جورج لطفي):
-فسيفساء إلهة الأرض غايا تعود إلى القرن الخامس للميلاد.
-فسيفساء لفصل الخريف من القرن الخامس للميلاد.
-فسيفساء لفصل الصيف من القرن الخامس للميلاد.
-فسيفساء للإله نبتون وزوجته أمفيتريت، وهما يركبان عربة، من القرن الثالث للميلاد.
-فسيفساء لعملاق من القرن الخامس للميلاد.
-فسيفساء للرياضي ديونيزوس، مركّبة من مئات الكتل الصغيرة من الحجر الملون، تعود إلى القرن الثالث للميلاد.
-فسيفساء تجسّد ملك تراقيا ليكورغوس، وهو يقتل أمبروزيا، من القرن الخامس للميلاد.
-فسيفساء للإله ديونيزوس، طفلاً ويمتطي أسداً ومعه رفاقه، من القرن الثالث للميلاد.
-فسيفساء أخرى للإله ديونيزوس مع معلِّمه من القرن الخامس ميلادياً.
-تمثال صغير من الرخام الأبيض للتوأم الميثولوجي الأسطوري كاستور على حصانه يعود تاريخه إلى سنة 400 إلى 500 للميلاد.
-تمثال صغير من الرخام الأبيض للتوأم الميثولوجي الأسطوري بولوكس على حصانه يعود إلى الفترة بين سنة 400 وسنة 500 للميلاد.
-تمثال برونزي صغير لرياضي روماني عارٍ يقدم قرباناً يعود على الأرجح للقرن الأول من الميلاد.
تعاون سابق
ليست هذه المرة الأولى التي تتعاون فيها الولايات المتحدة مع لبنان في إعادة تراثه المنهوب. عام 2018، استعاد لبنان قطعة أثرية فريدة تتمثل في رأس ثور رخامي عمره 2400 عاماً كان قد تعرض للنهب خلال الحرب الأهلية اللبنانية ونُقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. أفادت وزارة الثقافة اللبنانية آنذاك بأنها ستعرض هذه الرأس، علاوة على قطعتين أخريين تمت استعادتهما من الولايات المتحدة، في المتحف الوطني في بيروت.
وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية آنذاك أن القطع الأثرية هي رأس الثور المصنوعة من الرخام وتمثال رخامي نصفي لجسم رجل، وتمثال شبه مكتمل لرجل. وأشارت وزارة الثقافة اللبنانية أن استعادت هذه القطع الأثرية أعقب "معركة قضائية وأمنية وتحقيقات مطولة".
وكانت القطع التي تعود إلى القرنين الرابع والسادس قبل الميلاد، قد عُثر عليها خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في معبد أشمون في ميناء صيدا بجنوب لبنان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا