قبل شهر من الاحتفال بذكرى مرور 50 عاماً على حرب أكتوبر عام 1973، دشّنت وزارة الأمن الإسرائيلية موقعاً إلكترونياً ضخماً يضم آلاف الوثائق والصور والفيديوهات والتسجيلات الهامة المتعلقة بالحرب، تحديداً ب"الفشل الاستخباري الإسرائيلي قبل الحرب والمناقشات حول ضربة استباقية"، والعديد منها كانت تصنف على أنها "عالية السرية".
وفق وسائل إعلام إسرائيلية محلية، يعرض الموقع المتاح حالياً باللغة العبرية فقط "نحو 3500 ملف أرشيف مكون من مئات الصفحات، و1400 وثيقة ورقية أصلية، و1000 صورة، و750 تسجيلاً، و150 دقيقة من المداولات الحكومية، وثمانية مقاطع فيديو، توثق الحرب بالصوت والصورة، وقد استغرق تحميلها جميعاً نحو العامين ونصف العام".
يتيح الموقع إجمالاً "15,301 صورة، 6,085 مستنداً، 215 شريط فيديو، 40 تسجيلاً صوتياً و169 خريطة تلخص الحرب والأحداث والنقاشات الحكومية المتزامنة معها.
بينما اعتادت إسرائيل في كل عام الكشف عن جزء من الوثائق السرية المتعلقة بالحرب، وقدر ليس بالقليل منها متاح عبر موقع الأرشيف منذ عام 2010، قالت أمينة أرشيف الجيش الإسرائيلي، روثي أبراموفتش، إن هذا الكشف الأخير يعد "أكبر كشف تم إجراؤه في أرشيف الدولة على الإطلاق"، مبرزةً أنه يوفر "نظرة شاملة على قصة الحرب التي أثرت على جميع مناحي الحياة في إسرائيل".
والتعتيم ساري على الكثير من صفحات هذه الوثائق المنشورة حديثاً، بداعي "خضوعها للرقابة" وارتباط المعلومات التي تحتوي عليها ب"أمن الدولة". علماً أنه سيكشف عن جانب جديد منها بعد 40 عاماً من الآن. أي في الذكرى التسعين للحرب.
إسرائيل تنشر لأول مرة "أدلة" على أن أشرف مروان كان يعمل جاسوساً لصالحها، ووسائل إعلام مصرية ترد باتهامها بمحاولة "تزييف الحقائق لتضليل الجيل الحالي" وتشويه "بطل وطني عمل لصالح المخابرات المصرية"
صور "الملاك"
تضمنت الوثائق المرفوعة عنها السرية أول مجموعة أدلة على أن صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وسكرتير الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أشرف مروان، عمل جاسوساً لإسرائيل وحذّرها من شن مصر وسوريا حرباً في موعد أقرب لوقت الضربة الفعلية، بما في ذلك صورتان لمروان والضابط المسؤول عنه ووثيقتان تبرزان تحذيره تل أبيب ضد ضربة مصرية سورية وشيكة.
تصر مصر على أن مروان كان عميلاً مزدوجاً وعنصر محوري في عملية "خداع إستراتيجي" لإسرائيل قبيل الحرب فيما تشدد الرواية الإسرائيلية بانتظام على أنه كان "أفضل وأهم جاسوس لإسرائيل في مصر والمنطقة العربية".
وورد في تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن مروان، أو "الملاك" كما يلقب في إسرائيل، هو الذي تطوّع وعرض خدماته للموساد عام 1970، فيما رحب الجهاز الاستخباراتي بذلك كون "جميع البريد" الموجه للرئيس المصري السادات يمر بمكتبه قبل أن يصل للرئيس، ولأنه "مسؤول عن نقل تعليمات رئيس الجمهورية لجميع الأجهزة الحكومية"، ولأن مروان احتفظ بعلاقات وثيقة مع قادة في مختلف قطاعات الجيش المصري.
وتشير وثيقة أفرج عنها إلى أن مروان طلب يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 لقاءً عاجلاً في اليوم التالي مع الضابط المسؤول عنه، والذي لم تكشف هويته بعد واكتفى الموساد بتسميته "دوبي"، ورئيس الموساد آنذاك تسفي زامير أيضاً إن أمكن لأمر شديد الأهمية.
عقد اللقاء بالفعل في لندن بحضور رئيس الموساد، وحذر مروان من حرب وشيكة على الجبهتين المصرية والسورية "مساء السبت" أي اليوم التالي الموافق للسادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وعاد ورجح أن الحرب ستندلع في تمام الساعة الرابعة عصراً. اندلعت الحرب بالفعل في اليوم عينه لكن في تمام الساعة الثانية ظهراً.
ورد في الوثيقة أن مروان أخبر زامير: "بنسبة 99%، ستندلع الحرب غداً… بشكل متزامن على الجبهتين المصرية والسورية". وحين سأله رئيس الموساد: "لماذا غداً"، رد مروان: "لأن هذا هو ما تقرر… ولأنه يوم كبير بالنسبة لكم".
إلى ذلك، لم تفد هذه "المعلومات الاستخبارية العالية الجودة" ولم تمنع "المفاجأة الإستراتيجية" التي أعقبت الهجوم المصري السوري بسبب إصرار الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على أن تقدير احتمال نشوب حرب "منخفض"، ورفض جولدا مئير توجيه "ضربة استباقية" خشية رد فعل أمريكي وعالمي غاضب.
رداً على نشر هذه المعلومات، نشرت وسائل إعلام مصرية، موالية للدولة، بصورة متزامنة تقارير تؤكد فيها أن مروان كان "بطلاً وطنياً يعمل لصالح المخابرات المصرية"، متهمةً إسرائيل ب"تزييف الحقائق لتضليل الجيل الحالي".
الموساد يفرج عن وثائق تزعم أن العاهل الأردني الراحل الملك حسين، أو "ليفت" - "الاسم المشفر" له، راسل غولدا مئير قبل ساعات من اندلاع حرب أكتوبر 1973 واتفقا: "إذا اندلعت الحرب، أن يلتزم الملك حسين بالاتفاق مع إسرائيل ولا ينضم إلى الجيوش العربية"
"الاسم المشفّر" للملك حسين
في سياق متصل، كشف الموساد عمّا وصفه "الاسم المشفر" للعاهل الأردني الراحل الملك حسين في "مراسلات سرية" مزعومة بينه وبين رئيسة الوزراء الإسرائيلية وقت الحرب، غولدا مئير. وهذا الاسم هو "ليفت".
ضمن المعلومات والوثائق المفرج عنها جزء جديد من مذكرات رئيس مكتب غولدا مئير، إيلي مزراحي، يشير فيه إلى أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية أرسلت برقية إلى الملك الأردني في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، في الساعة العاشرة وخمس دقائق صباحاً، أي اليوم السابق لاندلاع الحرب.
اعتبر أحد كبار الباحثين الإسرائيليين المتخصصين في الحرب، وهو البروفيسور أوري بار يوسف، في تصريح لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن هذه البرقية "دليل على مستوى التنسيق بين إسرائيل والأردن" إبان الحرب.
لا تفصّل المذكرات محتوى البرقية ولا تذكر ما قيل في النهاية. لكن موقع "آي24" الإسرائيلي قال إنه "يمكن تقدير أنها تشير إلى طلب مئير إذا اندلعت الحرب، أن يلتزم الملك حسين بالاتفاق مع إسرائيل ولا ينضم إلى الجيوش العربية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...