"في ما يتعلق بنشاطنا لإقامة اتصال مباشر مع الملك حسين، فإننا ندرس من جملة خيارات إمكان القيام بذلك من خلال والدته الملكة زين. بينما نتلقى من وقت لآخر أخباراً عن تقلبات في العلاقة بينهما، لكن بحسب علمنا الآن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن علاقتهما على ما يرام".
وردت هذه الكلمات في رسالة "سرية للغاية" من الخبير في تجنيد المصادر والجواسيس الأردنيين وإدارتها، أبراهام كوهين، في أيلول/ سبتمبر عام 1960، إلى نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، موريس فيشر، يُطلعه فيها على أحدث ما توصّل إليه في شأن الجهود الإسرائيلية لإقامة علاقات سرية مع العاهل الأردني السابق الملك حسين بن طلال.
أُلحقت الرسالة بـ"ملف الملكة" الذي خصصه الموساد الإسرائيلي لحفظ المعلومات المتعلقة بوالدة العاهل الأردني الراحل، الملكة زين الشرف بنت جميل، بدءاً من رحلاتها المتكررة إلى أوروبا وصولاً إلى كل نميمة أو شائعة "قد تسهم في اتباع نهج لمعرفة ما إذا الملكة ستفتح باب تعامل نجلها الملك مع إسرائيل".
رُفعت السرية عن هذا الملف حديثاً ضمن مجموعة من ملفات الأرشيف الإسرائيلي لتكشف عن واحدة من محاولات التجسس التي استُهدِف بها العاهل الأردني الراحل، وعن طريق أحد أقرب الأشخاص إليه، والدته. علماً أن بقية تفاصيل المحاولات الإسرائيلية للتقرّب من الملكة لا تزال ممنوعة من النشر.
توقع الإسرائيليون أن أي محاولة للتواصل مع العاهل الأردني قد تثير مخاوفه من تلوث سمعته أو تعرضه للاغتيال كما حصل لجده. لذا فكّروا في "وسيط موثوق به، مصدر أردني يمكنه أن يضمن للملك مقصد إسرائيل الجاد"
اهتمام خاص بالأردن
خلال السنوات الأولى لنشأتها، كانت قيادات إسرائيل ترى في مصر أقوى منافس ومفتاح الحرب والسلام مع بقية دول المنطقة العربية. لكنها كانت ترى أن الأردن، الذي كانت الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت سيطرته آنذاك، هو الأكثر خطورة على وجودها واستمرارها. نبع اهتمام إسرائيل الشديد بالمصادر الأردنية من الضرورة الإستراتيجية التالية: إمكانية التوغل إلى إسرائيل عبر الحدود الطويلة المشتركة.
لهذا، دأبت تل أبيب على محاولة التقرّب من حكام الأردن وتطبيع العلاقات معهم، أو على الأقل، تفادي عدائهم. لكن الأمر لم يكن يسيراً خصوصاً عقب اغتيال الملك الله الأول عام 1951 في القدس حيث عُدّ خائناً للقضية العربية بعدما زعمت تقارير موافقته على التعايش مع إسرائيل سراً.
عقب الاغتيال، تولى الملك طلال الحكم فترة قصيرة قبل أن يعزله البرلمان باعتباره غير متزن عقلياً. وتولى الحفيد، الملك حسين بن طلال، الحكم وهو في الثامنة عشرة من عمره. تعرض الملك حسين لمؤامرات عديدة ومحاولات اغتيال نجا منها جميعاً واستمر في الحكم 46 عاماً.
ويزعم الإعلام الإسرائيلي أن الملك حسين لم يرَ في إسرائيل الخطر الأكبر على حكمه، مقارنةً بما كان يُروّج من شائعات حول مطامع التوسع لدول عربية شقيقة مثل مصر وسوريا والعراق على حساب المملكة الصحراوية الصغيرة.
ويبدو أن الثورة ضد الحكم الملكي الهاشمي في العراق عام 1958 جعلت الملك حسين يرى في إسرائيل أهون شرّين أو ربما صديقاً ضرورياً إذ وافقت على تحليق القوات البريطانية والأمريكية الداعمة له فوقها.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن الملك حسين فوّض إلى مساعده العسكري آنذاك الاتصال سراً بالجنرال الإسرائيلي حاييم هرتسوغ، وإنشاء قناة سرية بين ضباط الجيش من الجانبين تقدم تقاريرها إلى الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون، في خطوة لإحياء العلاقات عام 1948 إذ كان هناك تواصل مباشر بين موشيه ديان والقائد العسكري الأردني عبد الله التل، بحسب قول الصحافي الإسرائيلي أمير أورين في صحيفة "هآرتس".
"المؤكد أن أطول تحالف غير رسمي بين إسرائيل ودولة عربية وُلد في غرفة استشارات طبية في لندن"... كيف سعى الموساد إلى استخدام الملكة زين لإقامة اتصال مباشر مع الملك حسين عبر طبيبها اليهودي؟
لماذا الملكة زين؟
لكن إسرائيل لم تقنع بهذا المستوى من العلاقة وأرادت المزيد من التواصل المباشر مع الملك الأردني. لكن اتصالاً مباشراً بين مسؤول عربي رفيع وأي مسؤول إسرائيلي في خمسينيات القرن الماضي كان أمراً ينطوي على مخاطر هائلة لا سيّما أن الصحافة الإسرائيلية اشتهرت بفضح كل ما يتعلق بهذا السياقً ولم يكن إخفاء أمر كهذا ممكناً.
توقع الإسرائيليون أن أي محاولة للتواصل مع العاهل الأردني قد تثير مخاوفه من أن تلوث سمعته ويسقط في نظر شعبه، بل قد يتعرض للاغتيال كما حصل لجده. لذا فكّر الإسرائيليون في "وسيط موثوق به، تحديداً مصدر أردني يمكنه أن يضمن للملك مقصد إسرائيل الجاد".
بعد الكثير من البحث وجمع المعلومات عن دائرة الملك المقربة، اختار الإسرائيليون الملكة زين التي علموا أنها كانت قريبة منه بشكل خاص، فهو ابنها الأكبر والأكثر نجاحاً. ويليها شقيقها الشريف ناصر بن جميل خال الملك حسين وصديقه.
في نهاية المطاف، أوصى أبراهام كوهين باستغلال الملكة الأم للوصول إلى الملك حسين، مبرراً ذلك بأن "المناشدة المباشرة للملك من خلال أحد رجاله يمكن أن يفسرها بشكل عام على أنها حيلة ونصب فخ، ولن يكون لديه هذا القلق إذا قامت به والدته الموجودة في لندن الآن".
وكانت الخطوة التالية تحديد طريقة التواصل مع الملكة الأم نفسها. قال كوهين إن طبيبها إيمانويل هربرت قد يكون الخيار الأنسب، لأنه "يهودي وصهيوني متحمس اعتنى أيضاً بالملكة وهو طبيب موثوق به" بالنسبة إلى الإسرائيليين.
"إذا رفضت الملكة، فلن يحدث أي ضرر. وإذا وافقت على التشاور مع ممثلنا، فسنقدم اقتراحاً مفصلاً بشأن هويته والمكان والترتيبات الأمنية".
وفق مخطط كوهين كان على هربرت "أن يسأل الملكة، كما لو كان هو صاحب المبادرة، بسبب الوضع الحالي في الأردن، هل من الممكن أن تلتقي ممثلاً إسرائيلياً".
وتابع: "إذا رفضت الملكة، فلن يحدث أي ضرر. وإذا وافقت على التشاور مع ممثلنا، فسنقدم اقتراحاً مفصلاً بشأن هويته والمكان والترتيبات الأمنية". بعد خمسة أيام، رد فيشر على اقتراح كوهين لكن ليس كتابةً.
وليس واضحاً كيف انتهت هذه العملية لكنها انتهت على ما يبدو باللقاء الأول المزعوم بين الملك حسين والدبلوماسي الإسرائيلي يعقوب هرتسوغ في استضافة الطبيب هربرت عام 1963، وفق المصادر الإسرائيلية.
وكانت تقارير عديدة سابقة قد تناولت دور الطبيب هربرت في تسهيل الاجتماعات الأولى بين الملك حسين وكبار القادة الإسرائيليين. كما ورد اسم الملكة زين في هذا السياق بكتاب "أسد الأردن… حياة الملك حسين" للمؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم.
لكن الملفات الأخيرة التي رُفعت عنها السرية في إسرائيل، ومنها رسالة كوهين إلى فيشر، تكشف -إن صحت المعلومات الواردة فيها- كيف سارت الأمور وتم التواصل بتلك السلاسة والمباشرة بين الطبيب اليهودي والملكة الأم فالملك حسين رأساً.
وختم الصحافي الإسرائيلي المختص بالشؤون الأمنية والعسكرية مقاله بالقول إنه ليس واضحاً ما دار بين الطبيب والملكة الأم، ولا ما دار بين الملكة ونجلها، "لكن المؤكد أن أطول تحالف غير رسمي بين إسرائيل ودولة عربية وُلد في غرفة استشارات طبية في لندن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين