شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
من

من "صعيدي في الجامعة الأمريكية" إلى "مرعي البريمو"… 24 عاماً من "الإفيه" الواحد لهنيدي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 30 أغسطس 202303:22 م

يكاد يمر ربع قرن على أول بطولة سينمائية مطلقة لمحمد هنيدي في فيلمه الأشهر "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، الذي أكد حضوره قائداً لجيل الكوميديا الجديدة في السينما المصرية في عام 1999.

وبعد 24 عاماً، عاد هنيدي خلال الموسم الحالي إلى الجلباب الصعيدي الذي تخلي عنه في فيلمه الأول ليقدم فيلم "مرعي البريمو". لكن بمشاهدة الفيلم يتضح لك أن هنيدي في الحقيقة لم يغير العباءة التي يلتحف بها منذ بطولته الأولى إلى الآن سوى في مرات قليلة، لكنك لو رأيت فيلماً واحداً له؛ فقد رأيتهم جميعاً. 

حققت بطولة هنيدي الأولى في صعيدي في الجامعة الأمريكية أرقاماً قياسية عديدة، ويقول الصحافي المختص في التسويق السينمائي محمد حسين، إنه بحساب معدلات التضخم فلا يزال فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية هو الأعلى في إيرادات شباك التذاكر المصري إلى الآن. 

لكن أهمية الفيلم لا تقتصر على احتلاله هذا المركز، وإنما تمتد إلى تغيير معادلة الإنتاج السينمائي إلى الكوميديا التي حملها جيل هنيدي وسيطرت على شباك التذاكر نحو 20 عاماً، وفتح باب البطولة أمام نجوم جدد لا يزالوا هم المسيطرين على الشباك إلى الآن، وإن كانوا قد ابتعدوا عن الكوميديا الخالصة إلى أنواع سرد سينمائي أخرى. 

بالعودة إلى هنيدي، فقد تصدر وقتها الساحة السينمائية، وقدم عقب بطولته الأولى 17 فيلماً سينمائياً من بطولته، أحدثها هو المعروض حالياً "مرعي البريمو"، إلى جانب عديد من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية والمسرحيات، واستمر كممثل صوت في بعض أفلام الرسوم المتحركة. 

لدى مشاهدة فيلم "مرعي البريمو"، يتضح لك أن هنيدي في الحقيقة لم يغير العباءة التي يلتحف بها منذ بطولته الأولى إلى الآن سوى في مرات قليلة، فلو رأيت فيلماً واحداً له؛ فقد رأيتهم جميعاً

قالب واحد

ورغم الأفلام الطويلة التي قدمها هنيدي تظل أغلب أعماله تنويعات مختلفة على قالب واحد، هو القالب الذي  قدمه في صعيدي في الجامعة الأمريكية، فخلف الدهشوري خلف هو نفسه همام مجاهد شعبان هو نفسه خضر النوساني، وهو محي الشرقاوي وهو رمضان مبروك، هو الآن أيضاً مرعي البريمو.

تعرف الشخصية التي يقدمها هنيدي في كل أفلامه تقريبا بشخصية الـunderdog هو الشخص القادم من قاع ما، اقتصادي أو اجتماعي، إلى مجتمع يملك مفردات مختلفة، يضع هذا المجتمع أمامه عراقيل كثيرة لكنه يتمكن - في حالة هنيدي بسلاحي خفة الظل والمثابرة- أن يصبح هو الأنجح والأفضل ويفرض شروطه على هذا المجتمع الذي لفظه في البداية. 


هذه التيمة لم يخترعها هنيدي، بل هي التيمة الغالبة على الإنتاج السينمائي في مصر والعالم عموماً، وهي تيمة ناجحة كونها الاكثر قدرة على مداعبة أحلام المشاهد بالصعود الطبقي أو النجاح أو الحصول على القبول الاجتماعي. لكن التحدي الدائم الذي لا ينجح فيه صناع السينما في مصر ومن بينهم هنيدي، كيف تقدم هذه التيمة نفسها في قالب جديد، وبمواصفات مختلفة للبطل تخرج عن مجرد مهنته ووسطه الاجتماعي المغاير.

 فيلم هنيدي الجديد لا يخرج عن التيمة والقالب نفسه، رغم أنه يأتي في محاولة لتحقيق وعد هنيدي لجمهوره بأن يبتعد بـ"مرعي البريمو" عن إخفاقات كثيرة سابقة.

استعاد هنيدي واحدة من بطلات فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية لتشاركه بطولة مرعي البريمو، وهي الفنانة غادة عادل، بل وأعادا معاً تقديم أحد مشاهدهما الناجحة في الفيلم الأقدم، ليتكرر في الفيلم الجديد

استعادة الحرس القديم

قدم هنيدي فيلمه الأول مع المخرج سعيد حامد الذي يعد من أهم مخرجي الموجة الكوميدية التي قادها هنيدي، وله كثير من الافلام التي حازت إشادة نقدية دون أن تحوز على النجاح في شباك التذاكر والعكس، كأن النجاح والجودة صنوان لا يجتمعان. 

وفي محاولة هنيدي استعادة النجاح السابق بعد فيلم لم يحز لا إعجاب النقاد ولا أموال الجمهور، وهو "نبيل الجميل اخصائي تجميل"، ومن قبله الفيلم الأسوأ "الإنس والنمس"، حاول هنيدي اللعب على شكل جديد والعودة لدفاتره القديمة لاستخراج المعادلة التي حققت له النجاح، وكانت مصدر لارقام قياسية، ومن أهمها مخرجه الأثير الذي قدم معه فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" ثم "همام في امسترادام" اللذين مثلا قمة نجاح هنيدي السينمائي.

استعاد هنيدي أيضا واحدة من بطلات فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية لتشاركه بطولة مرعي البريمو، وهي الفنانة غادة عادل، بل وأعادا معاً تقديم أحد مشاهدهما الناجحة في الفيلم الأقدم، ليتكرر في الفيلم الجديد. 

لكن كل هذه المحاولات ذهبت بالفيلم في الاتجاه المعاكس ولم ينجح أى منها في إحياء الماضي، فبدا الممثلون متخبطون لا يقدم اي منهم سوى صور كارتونية لشخصيات لم يبد أنه تم استثمار اي مجهود في خلق أي عمق لها، وكأنه لا سيناريو ولا إخراج اهتم بتوجيه الممثلين، فلعب الجميع أدوارهم كأنهم ضيوف شرف مروا على الشاشة لمجاملة صديقهم القديم. 

تعرف الشخصية التي يقدمها هنيدي في كل أفلامه تقريبا بشخصية الـunderdog هو الشخص القادم من قاع ما، اقتصادي أو اجتماعي، إلى مجتمع يملك مفردات مختلفة، يضع هذا المجتمع أمامه عراقيل كثيرة لكنه يتمكن أن يصبح هو الأنجح ويفرض شروطه على هذا المجتمع الذي لفظه في البداية

هل يستدرك هنيدي أخطاءه؟

محمد هنيدي ممثل كبير بلا شك، فقد عمل مع أجيال مختلفة من عمالقة الشاشة المصرية وأكثرهم موهبة ونجاحاً مثل أحمد زكي وعادل إمام وليلى علوي، ومن جيله مع الناجحين كريم عبد العزيز وأحمد السقا ومنى زكي وغادة عادل والراحل علاء ولي الدين.

مشهد من صعيدي ف الجامعة الأمريكية

ويدرك هنيدي أنه له موقع مختلف عن سواه من الكوميديانات، فهو تاريخياً كان وسيظل معامل التغيير الأهم والأبرز الذي انتشل السينما المصرية مما يقارب عقدين من الركود، وانتقلت قيادة الشاشة معه إلى جيل جديد يحمل لغة وأكار ويهتم لموضعات مختلفة.

هنيدي مؤثر منذ بداية ظهوره في أدوار بسيطة في أفلام نهاية الثمانينيات والتسعينيات، ومع بطولاته أصبح لحضوره بريق خاص. ولكن منذ سنوات فقد هنيدي ذلك البريق، تخبطات كثيرة في الاختيارات والأدوار، قصص مستهلكة، وتنويعات على نفس القوالب، وإعادة إحياء شخصيات قديمة تحمل فقط أسماء جديدة.

كل هذا جعل الجمهور يعزف عن أفلام هنيدي، وفيما يواصل هو المحاولة للحفاظ على جمهوره وكسب ما خسره منه، تظل محاولاته كلها أسيرة التفكير في نفس المساحات، من دون إدراك لتغير الجمهور نفسه، وتبدل همومه ودخول شرائع عمرية جديدة إلى السوق، لا يزال هنيدي ومعظم مجايليه الذين كانوا يوما هم "السينما الشابة" لا يبذلون جهداً يذكر في فهم مفردات هذا الجمهور الجديد ولا اهتماماته ولا يكترثون لأهمية أن ترى هذه الأجيال نفسها على الشاشة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image