تعاني أغلب دول العالم من حوادث المرور التي أضحت ظاهرةً متفاقمةً ومعقدةً في السنوات الأخيرة. لكن معاناة الجزائر تأخذ منحى خطيراً، فمؤشرات الحوادث تلك فيها بلغت أقصاها، بعد أن تحولت إلى آفة قاتلة في المجتمع.
تحتل الجزائر صدارة الدول العربية على مؤشر حوادث المرور، والمرتبة الرابعة عالمياً، وهذا ما يثير قلقاً مجتمعياً ورسمياً غير متناهٍ، يتفاقم كل عام مع موسم دخول المدارس، الذي يُعدّ، وفقاً لخبير السلامة المرورية محمد كواش، فترة الذروة في معدلات الحوادث في الجزائر!
أرقام صادمة
يمكن القول عموماً إن الأرقام لا تكذب، ولا يمكن تجاهلها، لذا كانت المعطيات التي كشفت عنها مصالح الدرك الوطني للحوادث في الجزائر العام الماضي صادمةً، حيث أشارت الإحصائيات إلى تجاوز عدد الحوادث عتبة الـ6،000 حادث وعدد الوفيات الـ2،600 ضحية و10 آلاف جريح.
وبرغم أنها مرعبة حقاً، يرى المتابعون أنها بعيدة عن الدقة بحسب الواقع نفسه، فالجهات الرسمية عادةً ما تحصي القتلى والإصابات لحظة وقوع الحوادث فقط، دون تسجيل أولئك الذين يصارعون الموت، ثم يستسلمون له بعد أشهر في المستشفيات والبيوت.
من المسؤول عن فساد الطرقات في الجزائر وانتشار الإسفلت المغشوش؟
من المسؤول عن تلك الكارثة؟
السؤال المطروح الآن هو: لماذا كل تلك الأرواح التي تزهق في شوارع الجزائر يومياً؟
يجيبنا عن السؤال خبير السلامة المرورية محمد كواش، الذي يفسر تلك الظاهرة لرصيف22، قائلاً: "المسؤول الأول عن تلك الحوادث هم السائقون، وليست الدولة. فأكثر من 96% من حوادث المرور هي نتاج سلوك السائقين أنفسهم، سواء نتيجة السرعة أو عدم الاهتمام بحياة المركبة، فضلاً عن القيادة في حالات السكر".
وتلك عوامل يحتاج ضبطها إلى حملات توعية منظمة تتماشى مع تغليظ العقوبات والغرامات.
لكن على الجانب الآخر، يرى رئيس الأكاديمية الوطنية للوقاية من حوادث المرور عبد الرحمن شايب، أن المسؤولية الحقيقية عن تلك الكارثة المستمرة تقع على الطرقات. يقول لرصيف22: "الحكومة مسؤولة بالأساس عن الوضع، فالطرقات هي العامل الأول لوقوع الحوادث في الجزائر، والسائق لا يملك خريطةً واضحةً للطرقات المكتظة أو المعطلة أو النقاط السوداء من أجل تفاديها، كما أن المعايير الدولية لم تُراعَ عند تشييدها". ويستطرد الشايب: "أضف إلى ذلك أن الإسفلت والزفت المستعملان في رصف الطرقات لدينا مزيفان، وهو ما يؤدي إلى تشققها وظهور الحفر فيه، والتي ينجم عنها اختلال عجلة القيادة في يد السائقين، ولا يمكن بالطبع إغفال أزمة انتشار قطع الغيار المغشوشة في السوق الجزائري والتي لا تعدو كونها قنابل موقوتةً".
من جانبها طالبت الأكاديمية الوطنية للوقاية من حوادث المرور، السلطات بضرورة اعتماد أنظمة مراقبة عن بعد حديثة باستخدام "جي بي أس"، تكون أكثر صرامةً مع الحافلات وشاحنات الوزن الثقيل، التي تتسبب في وفاة عدد كبير من الناس سنوياً.
الحافلات والطرقات
الحوادث المميتة والكثيرة التي تحصد أرواح الجزائريين، غالباً تكون نتيجة تصادم الحافلات، خصوصاً في الولايات الجنوبية.
أحد سائقي الحافلات تلك، المتهمة الرئيسية بحصد أرواح الجزائريين في الجنوب، يتحدث إلى رصيف22 قائلاً: "نحن بشر لنا طاقة، وطبيعي أن ننهار بعد كل تلك الساعات من القيادة الطويلة والتي تصل في بعض الأحيان إلى 2،000 كيلومتر، فيداهمنا النوم غصباً عنا لنستيقظ على الفاجعة أو لا نستيقظ أبداً. فضلاً عن أن غالبية طرقات الجنوب تصعب فيها القيادة، بسبب تأثرها بالعوامل المناخية القاسية وحمولة الأوزان الثقيلة للشاحنات".
أما الحل فـ"في التشديد على فرض التناوب بين السائقين في كل رحلة، في حالة قطع مسافات طويلة، وذلك سيوقف نزيف الدم إلى حد بعيد في الجنوب"، يضيف.
هل ينجح الرئيس تبون في حماية أرواح الجزائريين من السقوط في أودية الدماء؟
مواطنون لا يخشون القانون!
لكن في الوقت الذي تشير فيه أصابع الاتهام إلى الحكومة الجزائرية مطالبةً إياها بالمزيد من التشريعات والرقابة على الطرق، يرى المحامي نصر الدين قدور، أن العيب لا يكمن في القانون، فالمنظومة القانونية متكاملة وهنالك قوانين ردعية صارمة للحد من حوادث المرور.
من جانبها تعدّ وزارة العدل، مشروع قانون جديد خاص بالوقاية من حوادث الطرقات، يُنتظر أن يتضمن عقوبات صارمةً على المتسببين في هذه الحوادث مقارنةً بما هو عليه الأمر الآن.
تبون يتدخل لوقف المجازر!
الفشل الذريع الذي واجهته الحكومة على مدار السنوات السابقة، في مواجهة إرهاب الطرقات، دفع برئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى التدخل شخصياً، خصوصاً ونحن على أبواب عام دراسي جديد، إذ أمر بتشديد الإجراءات الصارمة بالتنسيق مع وزارة العدل، ضد السلوك الإجرامي في القيادة، خاصةً بالنسبة إلى وسائل النقل الجماعي والمدرسي، كما أمر تبون بإضاءة الطرق السريعة. وختاماً طلب من وزارة الشؤون الدينية المشاركة في التوعية عن طريق المساجد.
بعيداً عن البعد الإنساني الذي يصاحب تلك الظاهرة البغيضة وما تسببه من موت وإعاقات مستدامة، لإرهاب الطرقات تبعات وخيمة على الاقتصاد، إذ يكبد الخزينة العمومية خسائر سنويةً قوامها أكثر من 100 مليار دينار جزائري. لكن الأموال تهون أمام حياة البشر.
والسؤال الآن هو: هل سنرى حلولاً جذريةً لتلك الأزمة في الجزائر قبل دخول العام الدراسي الجديد وما يصاحبه من حوادث مروعة باتت عاديةً، أم أننا سنتيقظ دوماً -وكالعادة- على خبر حادثة مروعة أودت بحياة العشرات؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 11 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 12 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت