شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل آن الأوان لتعيد الجزائر حسابات سياستها الخارجية؟

هل آن الأوان لتعيد الجزائر حسابات سياستها الخارجية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 4 سبتمبر 202301:51 م

أساسيات السياسة الخارجية للدول، ليست قرآناً منزلاً لا تغيّر فيه أو تبديل، بل هي في الأساس علاقات بُنيت على المصلحة، وتتبدل بتبدلها.

تلك من معلومات السياسية بالضرورة، ولا تحتاج إلى نقاش.

لكن ما يحتاج إلى نقاش، وربما إعادة توجيه، هي السياسة الخارجية للجزائر.

لماذا تم التوجه شرقاً؟

في عالم عادت لتحكمه التكتلات من جديد، بعد أن تجاوز عملياً مرحلة القطب الواحد، على الجزائر أن تختار أحد القطبين لتصطف إلى جانبه، فولّت وجهها شطر المعسكر الشرقي الجديد (الصين وروسيا).

الانحياز إلى روسيا لم يكن وليد اللحظة، وإنما هو امتداد لتاريخ يعود لسنوات، بدأ في آذار/ مارس عام 1962، إذ كان الاتحاد السوفياتي أول دولة في العالم تقيم علاقات دبلوماسيةً مع الجزائر المستقلة حديثاً حينها.

العامل الثاني، والذي عزز ذلك الخيار، هو الموقف الجزائري "المبدئي" من إسرائيل والتطبيع، فلم تكن الجزائر آخر قلعة الممانعة لتنحاز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الأساسي والأكبر لإسرائيل.

لكن ذلك الخيار لم يكن مجانياً، بل حققت الجزائر منه مكاسب جيدةً لا يمكن تجاهلها، إذ مدّت موسكو يد العون إلى درجة لا يمكن تجاهلها معها، فضلاً عن أنها لم تغلق أبواب جامعاتها في وجه آلاف الطلاب الجزائريين.

على الجانب الآخر، تمثّل الجزائر أرضاً خصبةً للمال الروسي للاستثمار وتحقيق مكاسب مالية جيدة، خاصةً في مجال النفط، ودخلت شركات روسية أبرزها "ستروي ترانس غاز" و"روس نفط"، إلى حقولها للتنقيب.

هل ترمي معارضة الصين وتحفظ روسيا، الجزائر في أحضان الغرب؟

الوافد الجديد

القفزة الحقيقية للعلاقات الجزائرية الصينية أتت في 2014، بعد أن رفع البلدان مستوى العلاقات بينهما إلى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، لتصبح الجزائر أول دولة عربية تعقد مثل هذه الشراكة مع الصين.

وبعيداً عن المكاسب الاقتصادية التي حققتها بكين من وراء تلك العلاقة، إلا أن الجزائر قدّمت دعماً واضحاً للصين في أزمة "استقلال تايوان" التي تطالب بالانفصال عنها.

ثقة مستحقة أم وهم زائف؟

الثقة المطلقة التي وضعتها الجزائر في شركائها الإستراتيجيين، تجلّت في تصريحات الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون، حول ثقته بقبول بلاده في مجموعة "البريكس" استناداً إلى وجود الصين وروسيا ومعهما الهند.

لكن الاختبار الأهم جلب معه الصدمة قبل الفشل، حيث اعترضت الصين والهند على انضمام الجزائر إلى المجموعة، بينما بقيت روسيا على الحياد، وتحفظت عن التصويت. وهو ما وصفته الإعلامية الجزائرية حورية حمداوي بأنه "طعنة في الظهر، فكيف تقف الصين (أكبر شريك تجاري بـ10 مليارات دولار)، وروسيا (أكبر مزوّد بالأسلحة)، ضد حليفتهما الجزائر!".

لكن برغم الحديث الغالب عن الصدمة والخيانة، ثمة أصوات أخرى تأخذ النقاش إلى مربع أبعد ألا وهو الثقل الجزائري السياسي الحقيقي.

يقول المحلل السياسي حمزة خروبي لرصيف22: "بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية، تلعب العوامل السياسية دوراً بارزاً في هذه السياقات، ويُظهر الوضع الحالي، أن الجزائر فقدت تألقها الدولي والإقليمي مقارنةً بالماضي، وأصبحت بعيدةً عن الساحة السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية".

يشرح: "تعزز ذلك الشعور الأرقام التي بمقارنتها مع غيرها ترى الجزائر أفضل من آخرين سُمح لهم بالانضمام، وهو ما يعظم الشعور بأن الوزن السياسي النسبي للجزائر هو عامل الرفض. فمقارنة أرقام الجزائر بأرقام مصر مثلاً التي سُمح لها بالانضمام، تُدهش، فالجزائر على سبيل المثال ليست عليها ديون خارجية، على النقيض من مصر التي بلغ معدل دينها الخارجي 150 مليار دولار. أيضاً الناتج المحلي الإجمالي للجزائر أكبر بكثير من إثيوبيا، مما يشير إلى أن السياسة هي الفيصل".

لماذا تصرّ الجزائر على الارتباط بمن خذلوها؟

حقيقة وضع الجزائر النسبي

في حديث إلى رصيف22، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أرسلان شيخاوي محللاً: "الدول الستة من حيث معايير قدرتها التنافسية الاقتصادية متناثرة للغاية. الانضمام أتى لعوامل سياسية: فإثيوبيا هي مقر الاتحاد الإفريقي، ويمثل ذلك إرساء مجموعة البريكس في القارة الإفريقية. ومصر لوزنها التاريخي وموقعها وعدد سكانها وعلاقاتها وتحالفها القوي مع السعودية والإمارات، وهذا جعلها مرشحاً قوياً. وبالقطع لسنا في حاجة إلى الحديث عن السعودية والإمارات وإيران، من حيث وزنها الطاقوي والمالي".

ويشرح القيادي في حزب الاتحاد الجزائري عبد الحليم بن بعيبش، أسباب الرفض سياسياً لرصيف22، ويقول: العلاقات الدولية تخضع لحسابات وتوازنات معقدة، بعيداً عن البريكس. تنتمي الهند إلى مجموعة سياسية وتنسيقية قوية جداً، تُدعى "U 2 - i 2"، والمقصودان بـ2U، هما الولايات المتحدة والإمارات. أما "I 2" فهما الهند وإسرائيل، ولن تنسى أمريكا دعوة الجزائر إلى التخلص من هيمنة الدولار، وموقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا ورفضها ضخ الغاز نحو أوروبا في قلب أزمة الطاقة، واقترابها من معسكر الشرق بهذا الشكل غير المسبوق منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

هل آن أوان تغيير البوصلة الجزائرية؟

مقارنة الوضع الاقتصادي لمصر بالوضع الاقتصادي للجزائر تكشف بقوة أن الأخيرة رُفضت لأسباب سياسية، وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى احتياج الجزائر إلى تعديل بوصلتها السياسية الخارجية.

تقول أستاذة العلوم السياسية نيرمين عادل، لرصيف22: "الانحيازات السياسية الخارجية، برغم مرونتها وقابليتها للتغيير حسب الظروف، إلا أنها أيضاً ترتكز إلى بعض الثوابت التي يصعب العدول عنها في حالة الجزائر. هناك ثابت أساسي يمنعها من التوجه نحو المعسكر الأمريكي-الغربي، هو موقفها الراسخ من القضية الفلسطينية وملف التطبيع. وهذا الموقف يستلزم العدول عنه كثمن واضح لقبولها غربياً، وهو ما لا أعتقد أن الجزائر قد تقبله".

وتختم حديثها: "على الجانب الآخر، الدور الجزائري في المحيط العربي تراجع مؤخراً بشكل نسبي، والأوراق التي تملكها في ملف جارتها ليبيا تتضاءل، لذا فلا توجد لديها الآن أسباب قوية "سياسية" تجعلها تفرض وجودها".

بين شعور بالغدر، وطموح إلى التموضع، تقف الجزائر الآن في لحظة مهمة لمسارها القادم: فهل تتمسك بانحيازاتها، أم تعيد حساباتها من جديد؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image